رواية بقلم نونا المصري
ربنا وصدقيني مش هتخسري اي حاجة...ولو كان على ازاي هتربيه فانتي تقدري تربيه لوحدك وتخلي بالك منه كويس زي ما كنتي بتخلي بالك من اختك مرام الله يرحمها بعد ما مامتك ماټت وسابتكوا لوحدكوا.
فنزلت دمعة متمردة من عيون مريم التي اردفت بمرارة وادهم... لو عرف اني حامل بأبنه أكيد هياخده مني بعد ما اخلفه وانا مش هقدر استحمل ان دا يحصل.
انتي رايحة فين يعني هو مش هيعرف ابدا الا لو انتي عايزه تخليه يعرف.
فهزت مريم رأسها بالنفي قائلة لأ مش عايزاه يعرف اي حاجة.... اساسا انا قررت اطلعه من حياتي نهائيا وهبتدي حياة جديدة هنا وهقدر اخلي بالي من ابني كويس.
فابتسمت الهام ابتسامة حزينة وقالت بس... بس انتي لسه مراته يا مريم حتى لو رحتي اخر الدنيا وهربتي منه انتي هتفضلي مراته بالشرع والقانون ومن حقه يعرف انك حامل بأبنه .
فابتسمت الهام واستطردت مش لوحدكوا... انا معاكوا كمان .
الهام انتي اختي يا مريم ودي اقل حاجة ممكن اعملها.
قالت ذلك ثم ابتعدت عنها واظافت بس هتعملي ايه دلوقتي انتي هتقولي لبيت عمي انك حامل
مريم لا مش هقول... مش عايزه احملهم همي انا وابني... وكمان انا لاقيت لينا شغل وهنبتدي من بكرا لان ما ينفعش نفضل هنا من غير ما نشتغل.
مريم انتي فاكرة الراجل المصري اللي تعرفنا عليه في الطيارة
فقالت الهام بلهفة قصدك المز حبيب قلبي خالد نجم !
فضحكت مريم رغما عنها وقالت ايوا هو... انا قابلته النهاردة وقررت اقبل الشغل عنده وهو فرح اوي وقال انك انتي كمان تقدري تبتدي شغلك وان مكانا في شركته محفوظ.
فاتسعت ابتسامة الهام وسألتها بجد يا مريم هو قال كدا !
الهام دي هتبقى اسعد ايام في حياتي كلها... باين ان ربنا هيعوضني عن كل حاجة سبتها في مصر بحاجات اجمل هنا في نيويورك .
تسارع في الاحداث............
في مصر ......
كان جالسا في غرفة المكتب التي في منزل العائلة ذات الأضاءة الخاڤتة يهز قدمه اليمنى دون توقف ويبدو عليه التوتر ونفاذ الصبر عيناه كانتا تحدقان بهاتفه بأستمرار وكأنه ينتظر مكالمة هاتفية ستحدد مصير العالم وفجأه رن الهاتف بيده فأنتفض من مكانه مثل المچنون واجاب عليه بسرعة ها يا عاصم...لاقيت اي معلومات عنها
فصاح ادهم به بنفاذ صبر بس ايه اتكلم !
فتنهد عاصم وقال بس المعلومات اللي لاقيتها مش هتساعدنا علشان نلاقيها في نيويورك لان محدش يعرف هي ليه راحت هناك.
ادهم انت فين دلوقتي
عاصم انا بقيت قريب من بيت حضرتك يا فندم .
ادهم قدامك عشر دقايق يا عاصم علشان اشوفك مزروع قدامي انت سامع
عاصم حاضر يا فندم.
ثم اغلق ادهم هاتفه ورماه على طاولة المكتب وبعدها غرس اصابعه في شعره پعنف وكأنه يحاول ان يقطلعه من جذوره وهو يعيده للخلف ثم قال بصوت مجروح فينك يا مريم ايه اللي وداكي نيويورك يا حبيبتي
وبعد مرور عشر دقائق بالفعل....
كان عاصم واقفا امامه ويبدو عليه التوتر وهو يراقبه بينما
كان يقرأ المغلف الذي بين يديه وهو يعقد حاجبيه بشدة ويبدو من ملامح وجهه المتجهمة ان المعلومات التي كان يقرأها لم تسره ابدا فقال بزمجرة ايه دا يا عاصم !
ابتلع عاصم ريقة وقال المعلومات اللي طلبتها يا فندم.. انا اسف بس دا كل اللي قدرت الاقيه عن البنت اللي اسمها مريم مراد عثمان.
فرمى ادهم المغلف پعنف على الأرض وهب ناهضا وهو يضرب طاولة المكتب بيديه ثم صاح بزمجرة مشټعلة دا كل اللي قدرت تلاقيه امال فين شطارتك يا استاذ ...انت حتى معرفتش تلاقي بنت وحده مع اني اديتك معلومه مهمة وقلتلك انها سافرت نيويورك وجاي دلوقتي تقولي ان دا كل اللي قدرت تلاقيه ازاي هتقدر تحمي شركة فيها 500 موظف وانت مش قادر تنفذ مهمة صغيرة زي دي
فاحنى عاصم رأسه قائلا انا اسف يا فندم بس زي ما قولتلك قبل كدا اننا مش مباحث ولو تحب انا هقدم استقالتي فورا .
فتنهد ادهم بقوة بعد ان سيطر على انفعاله وقال روح شوف شغلك يا عاصم ...ومش عايز حد يعرف حاجة عن الموضوع دا انت فاهم
عاصم حاضر يا فندم.
قال ذلك ثم انسحب من الغرفة بسرعة... اما ادهم فجلس مجددا على كرسيه واسند ظهره عليه واعاد رأسه إلى الوراء مغمضا عيناه بشدة مكون شق عميق بين حاجبيه وسرعان ما اطلق تنهيدة طويلة جعلت قسمات وجهه تسترخي ثم فتح عيناه مجددا ونظر إلى المغلف الذي رماه على الارض
بلحظة ڠضب وبعدها التقطه واخذ يتصفحه بأهتمام كبير فهو يحوي كل المعلومات عن حبيبة قلبه مريم منذ ان كانت صغيرة حتى اصبحت شابة جميلة... وما شد انتباهه اكثر من بين جميع هذه المعلومات هو خبر ۏفاة والدها وبعده امها ومن ثم اختها الامر الذي جعله يشعر بالألم يأكل قلبه لمجرد انه تذكر كيف باعته نفسها لكي تنقذ اختها.
وضع المغلف من يده واسند يديه على الطاوله بملامح حزينة ثم اخرج القلادة الفضية من جيبه وفتحها لينظر إلى صورتها پألم وشوق فهو لم يراها ابدا بعد اخر لقاء لهما في الفيلا الخاصة به فلم يستطيع منع دمعته الخائڼة التي تسللت من عيناه لتسيل على وجنته مخلفة اثار خلفها وهي ټحرق خده بسخونتها وملوحتها ... بعد ان وجد شعاع الأمل عاد ليفقده مجددا لانه لا يعلم اين تمكث معشوقته في ولاية نيويورك الكبيرة التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 8100000 نسمة ...كيف سيجدها وهو لا يمتلك اي فكرة عن مكان اقامتها فبات البحث عنها بالنسبة له كمن يبحث عن آبرة في كومة قش لذا استوطنت الاحزان في قلبة وجعلته يصبح كالاسد الجريح .
جلس لمدة ساعة يفكر ويفكر وعندما عجز عن ايجاد حل قام بفتح درج مكتبه الذي كان مغلقا منذ خمس سنوات واخرج منه دفتر قديم غلافه كان مصنوعا من الجلد فوضعه على الطاولة امامه نظر إليه مطولا وكان يبدو متوتر للغاية ولكن سرعان ما فتحه واخذ يحدق بقصائد الشعر التي كتبها على اسطر هذا الدفتر عندما كان اصغر سنا مفعما بالأمل والحياة حيث كان شاعرا رقيق المشاعر عاشقا لكتابة القصائد المعبرة بعيدا كل البعد عما هو عليه الان فامسك بقلمه الذي هجره منذ اكثر من خمس سنوات وكأن الشاعر العاشق النائم في داخله قد استيقظ اخيرا بعد سبات عميق ..فتح صفحة جديدة فارغة وبدأ يكتب على سطورها قصيدته التي تعبر عن ألم الشوق لمعشوقته الحبيبة مريم التي اسرته فاصبح سجين بمحراب عينيها الجميلتين.
فكانت قصيدته كالتالي
يا من في صوتها أسمع أعذب التغاريد ..
وفي بريق عينها أرى بهجة الحياة وفتنة المواعيد ..
قولي لي بربك يا مريم كيف سأحتمل اشتياقي الشديد
وألون دفتر حياتي بعد رحيلك إلى الرغيد..
يا من سافرتي وحبك متأصل في قلبي الى المدى البعيد..
و تغلغل حبك في المسامات حتى الوريد
و قدمت روحي بين يديك كما الوليد ...
و جعلت لك القلب قلادة على الجيد
وبكلمات جعلتني بركانا وأنت كما الجليد !
وكنت إليك ايتها الجميلة كما تريدي لا كما انا أريد
و كنت في حبك مريمتي كما العاقل الرشيد
أقف هائما في محراب عينيك كما المريد
فكنت إذ ما رأيتك كأني في يوم عيد
أدنو إليك بلهفة ملئى بعشق جديد
و أنقش في حبك تحفة الحرف الفريد
وأقول لك في الشعر أعذب القصيد
و أصدق مشاعر أتى بنبضها وريد
فإن غنيت آهاتي أتى الكون في ترديد
أسكبه كما المزن حبي و تطلبين المزيد
حتى أمسيت في حبك يا مريم هائما كشريد..
فكيف لك أن تهجري ولقلبك عني أن يميد
وكيف لي يا فتنتي ان أوقف نبضات قلبي عن حبك و أقطع الوريد
عودي يا وردتي فأنا في بعدك أصبحت حقا جبل من الجليد !
وبعد ان افرغ ما في قلبه من احزان على تلك الورقة ذات اللون الباهت اغلق دفتره واعاده الى الدرج ثم نهض من مكانه ومسح دموعه المتمردة التي
رافقته مع كل كلمة كتبها ثم اطفأ ضوء الغرفة الخاڤت وخرج منها متوجها الى غرفة نومه اوقفه صوت امه عن صعود السلالم حين سألته وهي جالسة برفقة اخوته في غرفة المعيشة رايح فين يا ادهم
نظر اليها وقال هطلع انام.
رفعت السيدة كوثر حاجبها بتعجب وسألته بدهشة عايز تنام دلوقتي !
فتنهد بقوة واردف انا تعبان يا ماما وعايز اطلع علشان استريح.
فقالت اخته رغد والتي كانت جالسة برفقة امها وشقيقها الاخر معاذ وزوجته سلوى طيب مش عايز تتعشى معانا
رد عليها مش جعان... تصبحوا على خير.
قال ذلك ثم صعد إلى غرفته الكلاسيكية الراقية ورمى نفسه على السرير ولكنه لم يستطع النوم ابدا واخذ يفكر بحبيبة قلبه ودمعته تسيل على وجنته اما شقيقه معاذ فقال انتوا مش ملاحظين يا جماعة ان ادهم اتغير اوي في اخر فترة
فقالت سلوى ايوا انا لاحظت تغيره فعلا ...حتى اني بقيت خاېفه عليه اوي.
فقالت رغد وانا كمان ملاحظه انه مابقاش زي الاول... دا حتى مابقاش يقعد معانا وكل ما يرجع من الشغل يقفل على نفسه في المكتب وما يخرجش منه غير وقت العشا بس النهاردة حتى مش عايز يتعشى !
فقالت السيدة كوثر انا لازم ادور له على عروسة تنسيه البنت اللي اسمها ميرا دي... هو بقى كدا بسببها ومعرفش ليه مش عايز ينساها.
فقال معاذ مظنش ان ميرا السبب
في تغيره الاخير...بس لو كانت هي السبب بجد يبقى احنا لازم نخليه ينساها لانها ماټت من خمس سنين وجيه الوقت علشان يحب وحدة تانيه.
تسارع في الاحداث.................
مر اسبوعين آخرين وكانت مريم سعيدة لحصولها على عمل برفقة صديقتها الهام في شركة خالد نجم الذي كان يعاملهن بلطف شديد وسمح لنفسه بأن يصبح صديقهن اكثر من كونه رب عملهن الوسيم والطيب ... كما ان مريم قررت ان تخفي امر حملها عن عائلة السيد عمر لئلا تجعلهم يحملون همها وهم طفلها وقررت ان تبحث عن شقة صغيرة لتستقر فيها هي وصديقتها حيث انها شعرت بنفسها