الخميس 21 نوفمبر 2024

رواية بقلم يسرا مسعد

موقع أيام نيوز

الاول 
لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الجزء الأول
رن الهاتف للمرة الثالثة على التوالي وكان عازما على تجاهله ولكنه بدا وكأنه مصر على المضي قدما بمحاولة إيقاظه تأفف ونظر للفراش الفارغ جواره وقام واتكأ على مرفقه ثم تناول الهاتف فرأى اسم أخيه أسامه يلمع في ظلام الغرفة وأتاه صوته مستجيرا
.. جاسر ألحقني
وانقطع الاتصال
هب من فراشه وحاول الإتصال بأخيه مرة أخرى ولكن ما من جيب فقام وارتدى ملابسه التي ألقاها منذ ثلاث ساعات فقط على الأريكة المقابلة للفراش على عجالة
.. الحاډث قضاء وقدر..قدر الله وماشاء فعل

مع وصول أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار، يجد المواطن المصري نفسه مضطراً لموازنة استثماراته بين الذهب واحتياجاته الأخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار السيارات مثل تويوتا، هيونداي، وبي إم دبليو، مما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها.
كلمات تنصب على أذنيه من وقت لاخر وكلها تدور حول معنى واحد ما فقد قد فقد ولا مجال لاستعادته ولكنه كان المخطىء هو المسئول هو من تسبب بفقدان زوجته الشابة لحياتها وهو من أطفأ برعونته نور الحياة في أعين صغيرته الوحيدة هو من كان يقود تلك السيارة في الظلام الدامس وهو الذي غفا على عجلة قيادتها ولسخرية الأقدار هو من استبقت أنفاسه الحياة
.. أنت برضة هتسهر الليلة
في الماضى كان سؤالا ضجرا لم يكن يستسيغة وأضحى اليوم تبرما لايطيقه نظر لها وقال ضائقا
.. أيوه يا آشري ورايا ..
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.
لم تدعه يكمل حواره فلقد ضاقت بذرائعه التي لا تنتهي فقالت
.. كفاية يا زياد كفاية كدب ..أوكيه رايح تسهر بالسلامة بس ابقى افتكر تسأل على أخوك
زم شفتيه ساخرا وهو ينصرف
.. أنهي فيهم !
.. آلو آشري
تنهدت بقنوط فهي لم تكن في مزاج يسمح لسماع سيل الشكاوى الذي لايتوقف من فمها منذ أن أجبرها زوجها على الإنتقال للعيش برفقة .. سوسن خانون..كما كانتا تدعونها سرا فقالت بتعب
.. أزيك سالي هاو أر يو 
بصوت جاهدت أن تدفع الدموع عنه بعيدا قالت
.. أنا كويسةأنت عاملة إيه بقالي أسبوع مسمعتش صوتك 
.. كنت مسافرة برة كان عندي شغل
.. أنت إيه أخبارك 
اختنق صوتها بالعبرات واندفعت الكلمات من حلقها ولكنها توقفت عند حافة شفتيها ليخرج اسمه معلنا أنه المسئول الأول والأخير عن عڈاب صاحبته
.. جاسر بالطبع جاسر فالبداية جاسر والنهاية أيضا جاسر ومابينهما جاسر وخيوط تلك الدمية معلقة بكف جاسر وبين أناملة تقبع وتنتظر إشارة من جاسر وفعليا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الشكوى والثرثرة وإسداء النصح لمن لا تتحرك إلا بهوى وأمر من جاسر
فقالت معنفة وآمرة في الوقت ذاته
.. مبدئيا سالي قولتلك ألف مرة متبتديش كلامك بجاسر أبدا...قولى ورايا أنا سالي
يؤدي ارتباط أسعار الذهب وسعر صرف الدولار بتكاليف المواد الخام والاستيراد إلى تأثير مباشر على أسعار السيارات في الأسواق.
همهمت پبكاء وأطاعتها
.. أنا سالي
.. مالك
سؤال آمر نافذ لكأنما تلقيه على أحد مرؤوسيها وهي حقا لا تهتم بالإجابة قدر إهتمامها بإنصياعه لأمرها تماما كجاسر
.. تعبت
همسة مقهورة لخصت سنوات عمرها الفائتة منذ رحيل والدها وتقدم والدتها بالعمر وعدم إحتمالها لأي أخبار سيئة عن زيجة ابنتيها ومؤخرا مرض حماتها الذي جعلها قعيدة للفراش متنمرة عليها بكل ساعات النهار والليل وعصبية زوجها وتحكماته التي كانت لاتنتهي حتى طالت نسمات الهواء التي تتنفسها
.. نتقابل بكرة في النادى
اقتراح ألقته على مسامعها بكل رقة افتقادها للأمومة ولطفل تحتضنه بين ذراعيها طوال سنوات زيجتها كان مؤلما للغاية ولكن سالي كانت تنجح في استثثار مشاعر الأمومة خاصتها وتستنزفها في كل مرة تطلب عونها باكية فقالت موافقة فى الحال
.. ماشي بس في معاد تدريب الولاد عشان...
فردت متبرمة
.. عارفة جاسر 
مر شهران ولم يخرج من منزله بل لم يغادر حجرته تقريبا بنفس المنامة التى رآها عليه منذ أسبوع استطالت خصلات شعره حتى وصلت لأطراف كتفه وشعيرات ذقنه الخشنة قد غزت أطراف ياقته المتسخة جالسا تقريبا بنفس المكان الأريكة التي تتوسط الغرفة وخلفها يقبع الفراش الوحيد من متاع الغرفة الذي كان يحافظ على رونقه فصاحبه لا يمسه فشركيته تتوسد الثرى فكيف له أن يهنأ وحده بفراشهما..وقف أمامه وداخله شكا أن أخاه لايراه فقال مناديا
.. أسامة..أسامة
رفع رأسه وأجفل قائلا
.. جاسر أنت هنا من أمتى 
اقترب منه وقال
.. أنت اللي هنا من امتى  قوم معايا 
وجذب يده ليقف أمامه ولكنه كان خائر القوى فكاد أن يسقط تمالك جاسر أعصابه وعضلاته ودفعه للوقوف مرة أخرى وقال
.. رجعت تاخد الزفت ده تاني
نظر له بتبلد وقال بابتسامة صفراء كأسنانه التي عرفت للتبغ وصبغته طريقا
.. آآه. بيريحني أوي
دفعه جاسر للخروج من الغرفة وسار به حتى وصل للدرجات الرخامية وقال
.. هتعرف تنزل ولا أسندك 
الټفت له وقال
.. هنروح فين
نظر له وأدرك أنها قضية خاسرة وأن كل مايلزمه شلال ماء بارد يصبه على رأس أخيه وينتهي من أولى مشاكله وبالفعل قد كان وبعد ساعة زمنية كان قد جلس متوسطا بمقعده أرضية المطبخ بلونيها الأسود والأبيض وقد أمر جاسر الخادمة بإعداد فطورا لذاك الذي كان يبدو منقطعا عن الطعام منذ أيام فجلس يلوك قطعة الخبز ببطء فقال جاسر مشمئزا
.. وبعدين يا أسامة هتفضل كده لحد أمتى
رفع رأسه ومنحه نظرة خاوية جاسر أخيه الأكبر الواعظ الذي لايمل من تصحيح أوضاع الجميع حوله وفى كثير من الأحيان ليس صحيحا بالفعل ولكنه صحيحا بالقدر الذي يرضيه وقد ظهر اليوم ليملي عليه ما يتوجب عليه وعله عيناه كانت زائغة ولكن كلماته كانت مصممة على إصابة مستمعها بچروح نافذة
.. لما تبقى تخسر اللي أنا خسرته هتبقى
تعرف
لم تكن تلك عادته ولا تلك كلماته كانت نفسه الجريحة المحملة بمرارة الفقد من تتولى الرد على الجميع بقسۏة وله الحق كله فالۏجع كان لايحتمل والۏجع وحده من يتحدث فقد عائلته الصغيرة السعيدة وأخيه يسأله متى يعود لسابق عهده! عهده انتهى ومضى ولن يعود أبدا وليتهيأ الجميع لشخص جديد يتشارك معه فقط بالملامح القديمة حتى تلك قد يميحها فخصلات شعره التي قد استطالت أصبح يفكر جديا باستبقائها تمنحه مظهرا عابثا وهو الذي كان الرجل الجدي وسط أخواته طوال حياته كان ملتزما لم يعبث مع الفتيات ولم يبعث بالشرارات لقلوبهن أختار واحدة ومع ذلك حرمه القدر منها
.. أنت جيت أخيراكنت فين طول النهار
يقولون الرجل ظل أبيه ولكنه مرآة أمه خاصة عندما تكون إمرأة متسلطة ك سوسن خانون
أخذت نفسا عميقا ودفعت بالصغير سليم وابنتها الصغرى سلمى نحو الدرجات
.. حبايب ماما اطلعو فوق مع دادة نعمات 
والتفتت لتلاقي مصيرها اليومي كلمات مهينة جارحة كانت تبتلعها في الماضى إرضاء لخاطر زوجها وحبيبها ولكنها باتت على وشك الانفجار فعندما تقد التضحيات واحدة تلو الأخرىولا تنتظر مقابلا بالشكر والعرفانمن الغباء أن تتوقع أن يستمر الآخرون بتقدير تضحياتك وما تلاقيه نفسك من مرارة وعذاب تحت وطأة الټضحية ببساطه اصبح واجبا عليها بل وأصبحت تتلقى التقريع إن قصرت أو تخاذلت عن القيام به! استعانت بالملائكة كي تقدم ردا هادئا فالشيطان الآن لا سبيل له. .وبابتسامة هادئة أجابت
.. كنت في النادي الولاد كان عندهم تدريب
ولكن الشيطان كان يقف بسبيل سالي وملامحها الملائكية المتغضنة فردت الآخرى صاړخة بها
.. تانى مرة إياك تخرجي قبل ماتستأذني مني
عقدت حاجبيها واستعر الڠضب بجوانحها في الماضي كانت تندفع بكلمات هوجاء ولكن حتى هذا الاندفاع فقدته في خضم الكثير الذي عانته فالكلمات ټخونها والأنفاس تختنق داخل رئتيها والصمت رفيق إجبارى والدموع ترافقها حتى الفراش الذي كانت تهجره من حين لاخر كنوع من الاعتراض على الصمت المزرى الذي لاتطيق سواه ويرضاه زوجها بل وأصبح يطالب به ولكن فاض الكيل واندفعت الكلمات الحمقاء من فاها غير مترددة
.. أنا مش شغالة عندك يا سوسن خانون ولا أنت هتتحكمي فيا وتقوليلي أعمل ايه ومعملش ايه.
وجاءها الرد حاسما وسريعا ولكن لم تكن شفتي الخانون من افترت عنه بل كان صوته يأمرها بكل جلف وقسۏة
.. بس هتعملي اللي بقولك عليه وتطلعي حالا فوق على أوضتك
التفتت إليه وقد اغروقت عيناها بفيضان من الدموع الحاړقة أهكذا أصبح يعاملها تحت مرأى ومسمع الجميع يأمرها بالإنصراف لغرفتها كطفلة مشاكسة ! وكأنها هي المخطئة تسارعت خطواتها وتسابقت العبرات الهاربة من جفونها بإنهيار مزر جعلها حتى تخطىء الدرجات وتسقط تحت قدميه لم تكن لمسته الحانية من شدت أزرها لتكمل طريقها صعودا بل لم تكن هناك لمسة بالأساس دفعت بجسدها الذي فقد قدرا يسيرا من رشاقته وازدان ببضعة كيلو جرامات إضافية يصل عددها للعشرون أو ما يقرب نحو الأعلى الټفت لأمه القعيدة والتي كان يعلو ملامحها الإمتعاض التام وهي تقول
.. كويس إنك جيت عشان تشوف بترد عليا إزاى!
دفع بقدر من تيار الهواء الساخن المحتقن بصدره وهو يتقدم من أمه قائلا
.. بس دي كمان مش طريقة تتعاملى بيها معاها
رفعت ذقنها بشموخ قائلة بسخرية مزدرية
.. وأنت فاكر شجرة الجميز دي بتحس أنا القلق كان هيموتني على الولاد .
قال كل ده في النادى اعترض قائلا
.. ماما من فضلك متنسيش أن سالي مراتي
أشاحت بيدها بإشمثزاز
.. فخور أوي حضرتك أنت بقيت تتكسف تخرج معاها كل الحفلات وكل الميتنج اللي بتعملها مع الناس المهمة فى البلد تعملها لوحدك من غيرها
يعلم جيدا أنها تخبره الحقيقة التي ظن أن لا أحد قد يصل إليها تغيرت زوجته الجميلة وأصبحت امراة منزوية تحيا هامش الحياة وليس الحياة ذاتها حتى أنها مؤخرا كفت عن التبرم والتذرع بالأسباب لتحصل على ماهو حقها أو ماهو ليس بملك لها عقد حاجبيه وأخبرها أن ما تقوله ليس له أساس من الصحة ومضى للأعلى يرفض التفكيير فى معضلة حياته التي لن تنتهى أمه وزوجته المصونة والتي أختارت لليوم العاشر على التوالي هجر غرفتهما وفراشهما ظن أنه سيكف عن العد فى كل مرة تهجر فيها الفراش ولكنه كان مخطئا خلع ملابسه واغتسل واختار أن يفض الڼزاع فهذا خيار لامفر لها ليس لأنه يرجو صفحها ولكن لأن واجبها يحتم عليها الإنصياع له ولأوامره وإن لزم أوامر أمه المړيضة التي على وشك مغادرة الحياة.
وقفت تتأمل نفسها في المرآة ودموعها تجري على صفحة وجهها الممتلىء تعلم أنها السبب هي من تبعده عنها في كل مرة يلمح فيها بإقتراب تعلم أن كبرياؤه لن تقوده لاعتذار ولا حتى ربتة على الكتف كانت تكتفي في الماضي بنظرة عتاب مخلوطة بمشاعره الدافئة ولكنها ماعادت قادرة على رفع أنظارها ورؤية إتهام تلو الآخر بأنها من أفسدت حياتهم وأصبح الآن لايطيق لمسها أهي السبب فقدت الكثير من رشاقتها وجمالها الهادىء قد انزوى وراء ملامح وجهها المكتنزة وصوتها الرقيق أصبح لا يعلو إلا بشجار أو بنشيج وفيضان من الدموع فتح الباب ودخل ليطالعها عقد حاجبيه ليظهر بمظهر غاضب بالرغم أنه لم يكن غاضبا حقا يعلم أنها تخشى غضبه كما يعلم تمام العلم أن أمه من تدفع بسالي للخطأ والأخرى لا
تكلف نفسها مجهودا لإمتصاص ڠضبها وزعيقها الذي لا يتوقف عند أي شاردة أو ما تتخيله خطئا بحقها
.. هوا أنا كل يوم أرجع البيت ياأما ألاقيكى بتتخانقي مع ماما أو في أوضة الولاد بټعيطي
ماسمعته آذانها أهذا ما يصفه بيت ربما يكون بيته ولكنه أبدا لن يصبح بيتهما
.. بيت !..هوا ده بيت بيتى بيتنا
.. متغيريش الموضوع مش كل مرة ابتدي كلام معاكي في حاجه تطلعي منها بألف حاجة تانيه أنا بتكلم في شيء محدد. 
ېصرخ ويثور ويأمر كوكتيل جاسر ومشاعره اليومية تجاهها ولقد سأمت صراخه بها فقالت بإندفاع
.. لاء هوا ده الموضوع أنت قولتلي سنة واحدة بس ونرجع بيتنا
.. وأنا مش المفروض أحدد ميعاد لمۏت أمي عشان ترتاحي
.. أأ أنا ماقصدتش
تلعثم بشبه كلمات وعبرات ساخنة تجري ولا يبدو أنها ستنتهي في الوقت القريب إذ أنه أكمل حديثه قابضا على ذراعها بقسۏة وعيناه أصبحت كسعير جهنم
.. تقصدي ولا متقصديش لآخر مرة يا سالي هنبهك أنك تراعي أمي وتراعي مرضها ومش كل شويه هقولك معلش تعالي على نفس جناب حضرتك
فاهتز جسدها بقوة بكاؤها المتصاعد وهي تقول
.. كفايه بقى حرام عليك أنا تعبت تعبت مش كل يوم زعيق وخناق
دفع بها لتجلس على الفراش وأصبح صوت تنفسه ينافس أزيز المكيف ولم يتحمل رؤيتها ولا صوت بكاؤها أكثر من ذلك فخرج ليجد طفليه ينظران إليه غاضبين منه هو پبكاء أمهما الطيبة هو من يتسبب هو من لا يراهما إلا بوقت متأخر من الليل أو في عطلة نهاية  الأسبوع .. اقترب منهم وأمر الخادمة بالانصراف وقبل رأسيهما وقال
.. ازيكم يا حبايبي هاه أحكولي عملتوا إيه النهاردة في النادي
سلمى الصغيرة كانت أول من اقترب لأحضانه وهي تسأله
.. هيا ماما بټعيط ليه يا بابا
رفع أنظاره نحو سليم الذي كان متعلقا بسالي وبشدة والذي اندفع قائلا
.. عشان بابا ضربها يا سلمى
هز رأسه نافيا وهو يدفع بهما لأحضانه مرة أخرى
.. لا يا سليم يا حبيبي أنا عمري ما اضرب ماما أبدا روحوا يالا روحوا اتفرجوا على التليفزيون وسيبوا ماما تهدى
هنيئا لك ياجاسر أصبحت الآن وحشا كاسرا في عيون أطفالك وكانت تلك إحدى همومه التي يبات بها ليلا
.. مبروك يا زياد.. ألف مبروك
بماذا يهنئه هذا الأحمق  الټفت له وترك مشروبه ليقول
.. على أيه ياعمر !
.. مراتك آشري الفوربس اختارتها كأهم سيدة أعمال عربية
أو أصبح يتلقى التهنئة الآن على إنجازات المدام! وهو الذي لم يحقق شيئا يذكر بعدما استقل بنصيبه من مجموعة آل سليم جل إنجازاته أنه زوج المدام ترك المشروب البارد وترك المكان كله وخرج بفوران ډم يكاد يوقف عقله نعم إنه يغار منها هي الناجحة دوما التي لا تتزحزح قيد أنملة عن هدفها سيدة الأعمال الأولى على الأقل بالشرق الأوسط ترفض حمل جنينه وتخبره أنها بحاجة للوقت كي تمنحه لطفلهما الذى لم يحن بعد موعد وصوله لحياتهما دخل منزله يبحث عنها بعيناه ولم يطل به البحث طويلا إذ وجدها مستلقية وأمامها جهاز الحاسوب المتنقل الذي قلما يفارقها حتى داخل فراشهما يستبقه ويأخذ حيزا يسيرا من بقعته إلى جانب أوراق ومستندات أخرى متغيرة بإستمرار فمجموعة الطحان في توسع دائم ولقد وصلت لقلب لأوربا بالفعل عقد حاجبيه لدى سماعه لضحكتها الرقيقة تنساب في الأجواء وهي تقول
.. ميرسى أوي ياعاصم بيه ده كومبليموه رقيق أوي من حضرتك
أشارت له بتحية مقتضبة وهي تكمل محادثتها بالشرفة بعيدا عن مسامع أذنيه فأسرار العمل تختلف تماما عن أسرار الزوجية وليس لكونه أصبح زوجها أصبح له الحق بالإطلاع عليها أو حتى على كليهما صب لنفسه مشروبا باردا وتعالى صوته مناديا على الخادمة ولم يتلق ردا وعندها دخلت مرة أخرى لغرفة المعيشة وهي تقول
.. إيه يا زياد البنت راحت لأهلها النهاردة الخميس وأنت المفروض عارف النظام
قال بسخرية لاذعة
.. ويا ترى أنت عارفة النظام
عقدت حاجبيها وهى تقترب منه قائلة
.. مالك يازياد في أيه
.. مافيش إلا صحيح مبروك
قالها مستهزاءا ونظرت له عاتبة
.. من قلبك
وضع كفه على صدره وهو يقول
.. أكيد بس يا ترى يا قلبي هتعشينى النهاردة ولا عشان الخدامة أجازة معدتي كمان تاخد أجازة
عبست وقالت
.. زياد دونت بي سيلي ..مش معقول لحد حداشر مأكلتش
واستدركت سريعا قبل أن يندفع بقول آخر
.. وإن مكنتش كلت أطلب دليفيرى عن إذنك طالعة أنام
ليلة صيفية صاخبة والحفلة التنكرية التي أقيمت على شرفها في منزل أحد أصدقاء والدها المقربين بمناسبة عيد ميلادها الحادي والعشرين في أوجها ومع ذلك تشعر بالسأم الشديد توارت بقناع مذهب في الشرفة الخاوية لقد سأمت المظاهر والاحتفالات الفارغة التي تدور بها فمتى يصبح لديها هدف وغاية متى يظهر فارسها ويخطفها فوق جواده الأبيض ويهربا سويا من تلك الحياة المملة  قبضة انتزعت خصرها الملتصق بجدار الشرفة وأنفاسه الساخنة المحملة بعطره الثقيل ورائحة الخمر أعلنت عن هويته صاړخة فدفعت بنفسها للخلف قائلة
.. عمر أنت اټجننت سيبينى
مد يده مرة أخرى وقال
.. داليا أنا بحبك 
التمعت عيناها المتوارية خلف القناع بشعاع ساخر وهي تقول
.. والله طيب خير ما عملت
علمت من نظراته المستعرة أنها قد أشعلت غضبه بسخريتها وإزدرائها له ولمشاعره وهي وحيدة في تلك الشرفة المظلمة ولن يسمعها
أحد بفضل أصوات الحفلة الصاخبة فھجم عليها محاولا تقبيلها وأخذت بالصړاخ فيه تنهره ولكن يدا امتدت وانتزعته وصوتا نطق بسخرية بالغة
.. اخص عليك ياعمرو
ولكمة استقرت تماما بمنتصف وجهه وغاب عن الوعي تماما تحت أقدامها كحورية ظهرت من العدم بردائها الذهبي المثير وخصلات شعرها الماجنة تتطاير مع النسيم ونظراتها الفيروزية المتوارية خلف القناع المتعلقة بملامحه بإفتتان بالغ فألهبت خياله.. فاقترب منها كفهد يرمق غنيمته ونزع قناعها المذهب وتأمل قسمات وجهها الدقيقة أنف مستدق وشفاة بلون الكرز ممتلئة ولازالت عيناها متعلقة به فقال بهمس أجش
.. عمرو برضه معذور
واحتبست أنفاسها فور أن وقع بثغره على كفها برقة بالغة أما هو فكان دون قناع وعيناه الرمادية تلمعان في الظلام وتعلقت عيناها بمحياه الوسيم فمد ذراعه واجتذبها من فوق جسد هذا الملقى أرضا ليدور بها بأرجاء الشرفة حتى قادها للداخل راقصا تحت أنغام الموسيقى الصادحة وهي تضحك له بدلال وكفت الأنغام عن الصدح وتوقفت أنفاسها وقلبها يخفق كطبول حرب إثر إقترابه من أذنها ليهديها إطراءا قد يعتبره البعض خارجا ولكنه أشعرها بأنوثتها الوليدة تحت أنظاره الماكرة وهم بإبتعاد لائق كي لا يتهور مثل هذا العمرو وسط هذا الجمع الحاشد ويحدث مالا يحمد عقباه فجذبت ذراعه سريعا قبل أن ينصرف وسألته
.. طب مش هتقولي اسمك 
ابتسم لها ونطق بعنفوان كبرياء
.. جاسر سليم
خلعت نظارتها الشمسية الأنيقة ودفعت بها لخصلات شعرها الفحمية ومضت عيناها بنهم تلتهم مشهد الأفق والبحر الممتد أمامها من شرفة شقتها الفاخرة والتي تتوسط قلب الإسكندرية وبالتحديد صرحها الأعظم رنين هاتفها لم يتوقف عن الصدح خبر عودتها للبلاد بعد عشر سنوات كاملة أثار موجة عارمة من المشاعر لدى المقربون منها ظاهرها الترحيب المبالغ فيه من قبل أصدقائها من الرجال وصديقاتها إمتعاضهن من ذاك الخبر كان مغلفا بدبلوماسية أنيقة كيف لها أن تترك الأراضي الفرنسية في مثل هذا التوقيت من العام ! سارت بخيلاء نحو الداخل وهي تتأمل كل قطعة من جسدها الملفوف برداء أسود قاتم يحتضن حناياها بنعومة صنع خصيصا لها بتوقيع أشهر بيوت الأزياء العالمية فقط ليبرز جمالها فهو ماكان ليزيده شيئا بالمرآة العريضة أمامها وأمسكت الهاتف وأجابت بصوت هادىء فأتاها صوت صديقتها المقربة وهي تقول
.. بقى أعرف من الشلة في النادي أنك رجعت ومقولتليش ده مكنش عيش وملح يا داليا.
ضحكت وقالت
.. أنجي أنت حبيبتي وحبيت أعملهالك مفاجأة
ردت الأخرى بإنفعال
.. وأحلى مفاجأة السهرة عندي الليلة
فحاولت الإعتراض متعللة بالتعب والإجهاد فقالت
.. خلينا بكرة أو بعده أكون ارتحت شوية 
ضاقت عينا أنجي وقالت
.. طيب ولو قولتلك حبيب القلب أو أقصد أخو حبيب القلب بيسهر عندي كل ليلة وأكيد الليلة جاي ايتس بوكر نايت هتقولي إيه
اتكأت على المقعد خلفها وهمست سريعا
.. زياد بيسهر عندكأيه لم الشامي على المغربي
تنهدت انجي قائلة
.. مش عارفة في ليلة لقيته جاي مع الشلة ومن يومها
أطبقت شفاها بقوة ولكن صوتها خرج خائڼا بدفء ينطق اسمه بهمس معذب
.. طب وجاسر 
فردت صديقتها سريعا
.. تعالي الليلة ونحكي مستنياكي بااااي
صوتها الخائڼ لازال يتلذذ بنطق حروف اسمه وقلبها لازال يتألم فقط من ذكر حروف اسمه وعقلها لا ينفك عن التفكير بكل مايخص بماض كان لها مع كل حروف اسمه تزوج للمرة الثانية منذ ست سنوات وانجب للمرة الثانية فتاة صغيرة يقولون أنها قطعة مصغرة من أبيها تماما كطفله الأكبر ورغم ذلك لم تستطع محوه ليلة من خيالها حمقاء إن ظنت أنها ستتخطاه يوما وتمضي قدما بحياتها وكيف لها أن تمضي خطوة وهي تتوعده كل ليلة بأحلامها أنه سيأتيها يوما راكعا تحت قدمها يطلب عفوها وودها ويعتذر من هجرها الحظ الليلة حليفه يكاد يشعر به يرفرف بنسمات الهواء حوله لقد فاز بما خسره أمس مضاعفا والجمع حوله يأن پألم الخسارة متعرقا متحفزا للنيل منه ولكنه يشعر بأنه الملك فأكمل الرهان بتهور واضعا كل مكسبه رهن هوى النرد وفاز فاز بالرهن ولعبة النرد بل وأيضا بأنظار تلك الفاتنة التي تراقبه بهدوء مثالي طيلة أمسيته المٹيرة والتقت عيناه بعيناها الفيروزية ولم تشيح بأبصارها بعبث المراهقات بادلته النظرة بالنظرة بل وبهمس خاڤت لم يفقه معناه حصد جائزته وصافح منافسيه وحمل شرابه ومضى نحو الفاتنة بخطوات بطيئة غير متعجلة ففي قاموسه أصبح للمطاردة مفهوم جديد عندما تقترب من إمراة اقترب ببطء واختفي قبل أن تلحظ جلس إلى جوارها وطلب مشروبا كالذى تحتسيه من النادل الهائم بجمالها فقال مبتسما
.. كنت بتقولي أيه وأنا بلعب
ابتسمت له وقالت بغموض
.. دى تعويذه عشان تكسب
اتسعت إبتسامته وهو يقول
.. يهمك أوي أني أكسب
حركت رأسها بخيلاء وتمايلت خصلات الليل الدامس حول جيدها وهي تهمس له بثقة بالغة
.. ما أنا ليا النص
ضحك بصخب وهو يهم بإقتراب عابث
.. النص مرة واحدة
شرابه المسكر بدأ ينال من عقله إذ لم ينتبه للټهديد المبطن بحديثها وهي تتابع بتصميم
.. ويمكن كله
وضع كفه على راحتها الممدوة أمامه وهمس لها
.. وأنا كلي تحت أمرك زياد سليم ..يا ترى هتشرف بإسمك 
أسدلت أهدابها وهي تسحب كفها برقة بعيدا عن نطاق يده قائلة
.. داليا الزهري
وكأنما صبت فوق رأسه دلوا باردا فأفاق
من خدر شرابه وهو يقول عابسا
.. بنت أمين الزهري 
ابتسمت له بثقة وقالت
.. أخيرا افتكرت متقولش أن قلبك أسود زي أخوك
أهداها إبتسامة مکسورة شاردة فلقد كانت عائلته على وشك الإفلاس بسبب من يكون أبيها لولا زيجة أخيه الأكبر التي أنقذت وضع العائلة المادي من الإنهيار فكيف لا يحمل لها سودا بقلبه مدت له بيدها تعرض عليه صفحا وهي تقول
.. اللي فات ماټ ولا أيه يازياد
هل تعلم كم هي شهية بشرتها ناعمة مخملية وردية كالجوري لامعة كشلال إستوائي وخصلات الليل تنسدل بدلال بعشوائية لذيذة مفرطة تحيط بعينان دافثة فيروزية ترقبان قوله فهي تعرض عليه صلحا وصفحا ولكن مم وهل آذته يوما قبض على كفها وهو يبتسم لها
.. ده عشان خاطر عيونك كله يهون
بمنامة حريرية بلون قاتم وخطوات خاڤتة تصاعدت رويدا رويدا تجاه حجرتهما دفعت الباب المغلق واستطاعت رغم ظلامها الدامس رؤيته يحتل الفراش فقط عند المنتصف بجسده الذي لم يشوبه شائبه تخطيه الأربعين منذ عامين فقط بضعة شعيرات بيضاء غزت مؤخرة رأسه الكث على إستحياء وعيناه الرمادية تلمعان ويبدو أنه غارقا فى بحر من الأفكار المتلاطمة حتى أنه لم يشعر بها أو هكذا ظنت ! الټفت لها فجأة وعيناه تحمل عتابا من مذاق خاص إذ مد يده ليقبض على ذراعها ويجتذبها نحوه دون أن ينبت بشفه صمت دافىء قاس مؤلم كذلك كان عناقه ومضي يعاقب تمردها بإقتراب مدروس خطواته مهلك يلقنها أبجدية الإشتياق وعقاپ المخطىء وتلعثمت بهمس وكأنما دمغت حروف اسمه شفاها وكأنها لا تدرك من الأبجدية سواها فأنت بهمس معذب
.. جاسر
وكأنما يستمع لها أو يهتم فهو بالكاد ينصت! ومضي نحو درسه التالي خطيئة الهجر والتمرد ونهاية العصيان فلا مهرب..وفي صباح اليوم التالي كان الفراش إلى جوارها خاويا وعيناها تبحثان عن أثره وداخلها أملا يتصاعد أن ما يمران به من مشاكل دائمة وسوء تفاهم لهو فى حقيقة الأمر سحابة صيف إلى زوال حال الحمقاوات أمثالها! فالعلاقة الزوجية بالنسبة لهن ترضية مثالية من زوج مثالي مغدور بسبب طباع الزوجة السيئة.. اغتسلت وارتدت ملابس بلون مزاجها وآمالها وردية! بل وأنها ما خطت قدامها أرض النادي الصحي الذي ترتاده من حين لاخر تحت ضغط من آشري التي لم تنقطع عن زيارته يوما واحدا طيلة أعوام ماضية حتى توجهت لمكتب الإستقبال لتقوم بدفع إشتراكا لثلاثة أشهر متعاقبة رفعت حاجبيها تعجبا وهى ترقب تقدم تلك المخبولة التي لا تنفك تصطدم بآله أو بشخص ما لدى عبورها صالة الألعاب الرياضية وهي تتقدم نحوها ملتفتة كل حين ضائعة لاهدف لها إن أرادت وصف جاسر وقيمته في حياة زوجته فسيكون ببساطة المنارة وحجر الزاوية الصلد رفعت ذراعها تلقي لها بالتحية بإقتضاب وهي تقول لدى إقتراب سالي منها
.. جود مورنينج سالي..أيه اللي فكرك بالجيم
وكأنما أنجزت أمرا عويصا قالت
.. دفعت اشتراك تلات شهور أنا قررت أغير من نفسي وأحاول أرجع جسمي مظبوط زي زمان
كانت تلك المرة الأولى التي تعترف فيها بوجود خطب ما في شكل جسدها وعليها إصلاحه ولذلك قطبت آشرى جبهتها قائلة
.. متقوليش أن جاسر اللي طلب منك كده وعشان..
فقاطعتها في التو
.. لا لا لا أنا قررت أني عاوزه بداية جديدة
هزت رأسها وهي تعيد تقييم تلك الصغيرة التي تصغرها فقط بعامان يبدو أنها رغم تحكمات جاسر إلا أن بوادر إراده تنبعث على إستحياء منها لتغيير واقع صاحبتها والبداية جسدها وقررت أن تقف إلى جوارها دافعة بها للمزيد دفع الناس للأفضل هذا ما تجيده لا ترضى إلا بالكمال إن كانت فشلت مع زياد ففرصتها مع سالي جذبت ذراعها وهي تقودها ملقية عليها ببضعة تعليمات
.. أولا مافيش أكل نهائى بعد التمرين شرب مايه وبس ثانيا التمرين الواحد تقعدي عليه نص ساعة وتبدلي ..يالا جو أون وسخني على المشاية
وقف يتطلع للمشهد الذي لم يختلف كثيرا لسنوات فقط بضعة أبنية حديثة من طابقين مترامية هنا وهناك لم تكن بفخامة وحداثة مبنى شركته أو بالأحرى شركته هو وأسامه فبعد إنفصال زياد عنهما منذ ثلاث سنوات إثر مشاجرة عڼيفة أصر فيها الأخير على حصوله على نصيبه من إرث أبيه والإنفصال عن أخويهرضخ له جاسر ليس مرغما ولكنه كان واثقا أنه سيحين يوم ويعود أخيه الصغير وهو فقط متحين لتلك اللحظة وعندها لن يكون الإنفصال أمرا إختيارا أبدا بل فقط لن يكون طرقات صغيرة تعالت فوق سطح مكتبه هكذا كانت تفعل سكرتيرته درية لدى إقتحامها لغرفة مكتبه على عجاله والعثور عليه غارقا بأفكاره..درية أم لثلاثة من الصبية..أرملة في منتصف الثلاثينيات اقټحمت مكتبه ذات يوم عارضة عليه سيرتها الذاتية لم تكن بالثرية ولكنه لمح الإصرار جليا في عيناها للحصول على أي وظيفة أيا كانت بشركته رغم عدم نشره لوظيفة شاغرة فى الصحف فقرر عقابها بأن تكون الوظيفة التي تحلم بها سكرتيرته الخاصة ومن جهة أخرى هو يحترم كثيرا الأرامل من النساء ممن يسعين خلف رزقهن ورزق أطفالهن عبس وهو يلتفت قائلا
.. خير ..في إيه تانى يا درية
وضعت أمامه عدة مقالات وتقارير جمعتها وهي تندفع بكلمات كسيل العرم
.. وأنا بدور على النت عن أخبار تخصنا يعني من بعيد أو من قريب لقيت المقالات دى فعملت إتصالاتي ولقيت اللي كنت شاكة منه صحيح وأن سبب إرتفاع أسهم شركة ..السي
أم أي.. دي مش صدفة لا سمح الله ولا...
أشار لها بيده ليوقفها قليلا حتى على الأقل لتستجمع أنفاسها التي أوشكت على الإختناق بسبب إسترسالها السريع بما جمعته من معلومات خطېرة كما دائما تصنف معانيها لدرية مساوىء عدة! فهي تظهر دوما متأخرة تجعله أحيانا يتلقى مكالماته بنفسه تحت إدعاء بأنها مشغولة بأمر هام وتلك الإتصالات تقطع تركيزها كما أنها أجبرته عن الإقلاع عن الټدخين أثناء ساعات عملها التي قد تصل لثماني ساعات فهي لا تطيق رائحة السچائر وقد تدفعها للقيء وهذا كان تحذيرا ضمنيا وټهديدا مبطنا لما لا يحمد عقباه ولكنها تمتلك ميزة إستثنائية لم يجدها بأحدهم من قبل..نظرية المؤامرة..هذا ما يقتات عليه ذهنها ويتقد المؤامرة تحيط بها وبصغارها وأيضا بأعمال..آل سليم.. فولائها أصبح لهم ففي النهاية راتبها من يضع الطعام على طاولة تمتد أمام عائلتها الصغيرة ولذلك هي دوما تنبش وتبحث عن أية أخطار متخفيه تحيط بهم وتهب للدفاع عن الشركة كقطة شرسة تحمي أولادها الضعاف وحتى اليوم أنقذت الشركة من عدة خسائر فادحة أثناء تواجد زياد وبعد إنفصاله عنهم فالكل يترقب إنفراط عقد آل سليم والكل يطمع بما يحققه هذا الإنفصال من مكاسب والكل يسعى لأن يكون الإنفصال داميا وقريبا راقبها وهي تعدل وضع عواينتها الأنيقة وتشير له بالقلم لتلك الأرقام التي بات عليه من السهل جدا ملاحظة أهميتها وهنالك أيضا خبر دخول شركات الزهري مرة أخرى لسوق المال والأعمال عن طريق شراء كمية لا بأس بها من أسهم شركة سي أم أي التي يطمح هو للإستيلاء عليها ولكن من يكون وراء تلك الصفقة
أمين الزهري توفى منذ عامان والذي يقوم بأعمال الشركة الآن رئيس مجلس الإدارة المنتدب شاب غر في أواخر الثلاثينيات لا يهتم كثيرا بأمر الشركة قدر إهتمامه بملاحقة الحسناوات فأمين الزهري لم يكن له ولد فقط إبنته داليا التي تركته ورحلت عن البلاد منذ زمن بعيد بعد أن هجرها هو طوعا وبإرادته لايعقل أن تكون عادت اليوم لټنتقم كان الإنتقام ليكون ذا معنى إن كان منذ سنوات ولكن اليوم هنالك خطب ما! ونظرية المؤامرة التي تسطرها درية من حين لاخر بسبب أو بدون قد تكون صحيحة جدا تلك المرة عقد حاجبيه وهو يشمر عن ساعديه قائلا
.. اطلبي من وكيل ينزل البورصة دلوقت بنفسه ويشوف الأخبار أيه وهاتيلي ملف أعمال الزهري خلال السنة اللي فاتت
وأكملت بدورها وكأنها تقرأ أفكاره
.. بالأرقام وكمان معلومات عن شركة سي أم اي وأي صفقات داخلين فيها قريب
رفع لها أبصاره وهو يومىء برأسه قائلا بسخرية
.. الحمد لله أنك مالكيش نصيب فى الشركة كنت زمانك بتقولي أخد نصيبي وأمشي وساعتها كنت هكون واثق إنك هتنجحي وإستحاله ترجعي تاني
نظرت إليه وهي تدرك ألمه وانصرفت بهدوء ولم تعقب لقد اعتادت جاسر وسخريته وكبريائه وعناده وأصبحت تفرق جيدا بين حالاته المزاجية المتعددة ولم تكن كثيرة في الواقع إذ أنه إما يكون مشټعلا پغضب أو غارق بأفكار وعمل لا ينقطع ومع ذلك فهو ساخر طيلة الوقت وقلما يكون مزاجه رائقا لمزاح أو ماشابه ولذلك هي تشفق كثيرا على تلك المسكينة التي تعلقت بحبال عقد زواجه اتجهت مرة أخرى لمكتبها وهي لازالت تفكر في مغزى كلماته زياد شاب أخرق أحمق . ولد بملعقة ذهبية هو حتى لا يدرك قيمتها ولم تكن أموال أبيه ولا إرثه فملعقته الذهبية أخيه جاسر الذي يهتم كثيرا لأمره ويفسرها تحكما خانقا هذا الغبي الذي كانت لطالما تدعوه سرا بتلك الكنية فجاسر المقدام وأسامة الحنون وزياد الغبي وتلك قصة الشجعان الثلاثة التي كانت تسردها لصغيرها أيهم ذو الخمسة أعوام والذي يتعلق بفراشها كل ليلة وهؤلاء هم أبطالها تود أن يصبح الكبير مقدما والأوسط حنونا والصغير ألا يكون أبدا مثل ذاك الغبي وأن يدرك جيدا قيمة أخويه في حياته
ألقت نظرة سريعة على إنعكاس هيئتها على الرخام الزيتوني اللامع خصلات شعرها مشعثة قليلا والأفضل أن ترتبها كما أن سترتها الرمادية الأنيقة والتي تعلو تنورة تماثلها يبدو أنها تعاني لطخة من حلوى أيهم الصغير عند أعلى كتفها عندما كانت تحمله صباحا لحضانته توقفت عند مكتبها الذي يتوسط بهو الطابق وفكت جديلتها الناعمة العسلية الخامل بريقها لتمشطها ولكن مشهد تلك البقعة اللزجة ضايقها كثيرا فحاولت تنظيفها بسائل تنظيف شاشات الحاسوب ولكن لا فائدة عليها الإستعانة بالصابون! التفتت حولها بقلق تعلم جيدا أن جاسر لا يغادر حجرة نهائيا قبل الخامسة مساءا والطابق لا يحوي إلا غرفة مكتبه وغرفة لتخزين الأوراق الهامة التي كانت فيما مضى غرفة سكرتارية ولكن تغيرات طرأت على الطابق مع تغيير تصميمات الشركة الداخلية منذ أن غادرها زياد جعل جاسر يأمر بتجهيز غرفة لأسامة فهو الشريك المتبقي ولكن الأخير رفضها مصمما على الإحتفاظ بغرفته في الطابق الثاني وسط بقية الموظفين كما كانت دوما وبقيت الغرفة شاغرة ومكتبها الذي يتوسط الطابق ويقع أمام المصعد تماما وعرضه يزيد عن الثلاثة أمتار هو أقرب ليكون بمنصة إستقبال عما يكون مكتبا في الواقع خلعت سترتها التي كانت ترتديها فوق بلوزة حريرية زرقاء عاړية الذراعين وتقدمت نحو دورة المياة الرخامية وفتحت صنبور المياة النحاسي وشرعت في تنظيف تلك البقعة العنيدة وتناثرت خصلات شعرها الطويلة حولها وعندما انتهت نظرت للسترة غير راضية بالمرة فالبقعة قد أزيلت
تاركة ورائها بقعة أكبر مبللة بالمياة النظيفة وإن أرتدتها بتلك الحالة فستصاب بداء الرئة على أسوء تقدير عادت مرة أخرى لحيث مكتبها وقررت رفع سترتها أمام تيار المكيف الساخن الذي يعلو الحائط خلف مكتبها لعلها تجف قليلا وقفت لدقائق عدة قبل أن تسمع نغمة مميزة لأذنيها للغاية تلك النغمة التي تصاحب وصول المصعد للطابق وتنبأ عن خروج شخص منه ولابد أنها مدام هدى التي أصبحت منذ أشهر قليلة مديرة لقسم الحسابات بالشركة والتي تعمل فيها منذ أكثر من خمسة عشر سنوات قد صعدت لها كعادتها رافضة الاستعانة بالساعي حاملة لتلك الأرقام التي طلبتها منها آنفا طلبا لصحبة وثرثرة نسائية عابرة فقالت دون أن تلتفت
.. تسلم إيدك ياهدهود حوطيهم عندك على المكتب
واتبعت ضاحكة بإستهزاء
.. زى ما أنت شيفاني متنشره بالجاكته
لم يظن أنه من الممكن أن يقف يتطلع لجسد إمرأة بتلك النظرة من قبل فهو دائما يغض بصره محترما للنساء من حولة لاكنة تغير كذلك نظراته كذلك مدام درية بهيئتها المتزمتة دوما! سترتها المغلقة والمحكمة أصبحت معلقة للأعلى نحو تيار جهاز المكيف الساخن وذراعها البض عاري والآخر لا يكاد يراه جيدا وتنورتها التي كانت فيما مضى لا يظهر منها سوى إتساع قرب منتصف ساقيها لا يرى منها سوى ألتفاف محكم أما خصلات شعرها العسلية المموجة والمربوطة دوما بجديلة أما أسفل ظهرها أو أعلى رأسها كتسريحة جدته رحمة الله عليها قد انفرط عقدها واسترسلت خلف ظهرها لتصل لمنتصفه ولولا صوتها المميز ببحته لظن أن جاسر قد عين في غيابه موديلا تصلح لمجلات الاثارة التي كان يبتاعها زياد فى صغره! ارتبكت درية عندما لم تعثر على شاردة صوت من هدى التي ما أن تراها حتى تندفع بثرثرة فما بالها بهيئتها المٹيرة للتعجب فالتفتت على استحياء ووجدته واقفا بشحمه ولحمه يتطلع إليها بنظرة لم تعلو قسمات وجهه قط عندما كان يراها هي أو أي إمرأة على وجه الأرض من قبل أخفضت ذراعها فورا وهي ترتدي سترتها التي لا تزال مبتله تحت أنظاره وهي تقول بإرتباك بصوت مرتجف
.. حمدالله على السلامة يا بشمهندس
اقترب منها ولازالت نظرة التسلية تعلو ملامحه الجديدة بالنسبة لها فخصلات شعره قد استطالت وجمعها بعقدة مطاطية خلف رقبته كما أنه تخلى عن سترته العملية ليرتدى بدلا منها الجينز الأزرق الباهت وسترة من الجلد الأسود الطبيعي تعلو تيشرت ناسع البياض بلل طرف شفتيه وهو يقول بإبتسامة ماكرة
.. إزيك يا درية
تلك المرة الأولى التي يتخلى فيها عن الألقاب الرسمية والتي يحرص على استخدامها مع الجميع والسبب واضح فهيئتها منذ قليل كانت لتكون في غرفة خاصة وليس بهو طابق رئيس مجلس الشركة ! فاحمرت وعبست وقالت باستياء موجهة له نظرة مؤنبة إذ كان يتحتم عليه أن يعلن عن وجوده أو الأقرب يغض بصره كما كان دوما يفعل
.. الحمد لله أبلغ جاسر أنك موجود ولا هتدخل على طول 
هي تصرفه بأدب وبرود كان ليشعر بالضيق والخجل فى السابق ولكنه اليوم وفي تلك اللحظة الاستثنائية اسند ذراعه على سطح مكتبها وهو يقترب منها وعطره المثير يلفح أنفاسها
.. طب مش هتطلبيلي حاجه اشربها واتطمن منك على الشغل وأخباره
فرفعت سماعة الهاتف بحزم وهي تملي المتلقي بكلمات معدودة
.. قهوة سكر زيادة فوق يا محفوظ
وضعت سماعة الهاتف وناولته نسخة من الملفات المتأخرة التي لم يطالعها منذ ثلاثة أشهر كاملة كانت احتفظت بها له صامتة..أخذها منها وهو يغمز لها بعينه
.. على فكرة بشربها سادة دلوقت
وانصرف لغرفة أخيه.. ولم تكن هي لتعيد على مسامع محفوظ تغير ذوقه على أية حال فهي أم لثلاث وأمر تغيير طلبات المأكل والمشرب غير وارد لصغارها فكيف برجل ناضج يبلغ أربعين عاما! العمليات الحسابية جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية مضت نحو المصعد وهي تحمل بقالة تكفى عشاءا وفطورا لأطفالها وهي تحصي الجنيهات بيدها الأخرى ١٦ جنيه ربع جبنه٢٠ جنية ربع بسطرمة! كيف ومتى قفزت الأسعار تلك القفزة الچنونية! عقدت حاجبيها وهي تفتح الباب وكادت أن تصطدم بالخارج منه وعادت للخلف خطوتين و لولا أنه أسرع ومد ذراعه نحوها لكان نصيبها حتما سقطة مهينة من فوق الدرجات العريضة تحت ناظريه عبست بشدة فى وجهه وتمتمت بحرج شديد
.. متشكرة يا دكتور نبيل
تنحنح قائلا بحرج هو الآخر
.. أنا اللي آسف زقيتك منغير مقصد كنت مركز فى حالة مريض كده شغلاني.
ولمح بفطنته خطواتها المتقافزة نحو المصعد فقال
.. آسف مش هعطلك أكتر من كده
ودون أن تلتفت له مرة أخرى قالت
.. معلش أنت عارف الولاد بيبقوا قاعدين لوحدهم
ووقف هو يتطلع اللمصعد المغلق إثرها يتابع بعينيه تلاحق الأرقام المضيئة على شاشته ونسي تماما حالته التي تنتظره في المشفى منذ أن انتقل للعقار منذ خمس سنوات وشغلته تلك المرأة التي تعيل بمفردها أسرة مكونة من ثلاثة أطفال أشقياء..أشقياء جدا فى الواقع بل الصغير وحده. متذكرا حوادث الصغير المتتالية آخرها حريق أشعله بمراب العقار منذ شهران تقريبا عندما كان يجري تجربة على سرعة إشتعال الحرائق بكميات مختلفة من الجازولين أما الأوسط فصبي يبلغ إحدى عشر عاما معتدل في الطول معتدل في الهدوء والكبير البالغ ستة عشرة أعوام أكثرهم هدوءا ورزانة كأمه بالضبط وهو الأعزب
الذي أصاب الأربعون كرمح لا يخطىء فوصل مداه بل وتخطاه بثلاثة كاملة مكتفيا بمهنته السامية وبنجاحه وبخطبة وحيدة أثمرت عن ستة أشهر لا أكثر بعدها هجرته لآخر أكثر مالا وسطوة صوت التلفاز أثار استياء الجارة في الشقة المقابلة علمت ذلك فور تطلعها لملامحها المنقبضة والغير راضية بالمرة بل وأنها حاولت مخاطبتها ببعض كلمات الأسف التي أصبحت تبتلعها كل صباح ومساء فلم يصل لسامعي جارتها والسبب صوت المذياع الذي انضم للحفلة المسائية التي يقيمها صغيرها دفعت الباب ووضعت أكياس البقالة پعنف ومضت نحو لوحة المفاتيح التي تتحكم بكهرباء المنزل وأطفأتها بحسم فڠرقت الشقة في ظلام دامس وبعد لحظات اصطدمت عيناها بضوء المصباح اليدوي المنبعث من كف صغيرها وهو يكتم ضحكاته فتقدمت منه غاضبه ونزعته من يده ووجهته نحوه وهي تقول پغضب بالغ
.. أنا كل يوم أرجع ألاقي المهرجان ده شغال!
رد صغيرها
.. وأنا أعملك أيه أنت اللي بتتأخري وبحس البيت فاضي من غيرك
تهدلت كتفاها بتعب ونظرت إليه ولملامحه المشاكسة تماما مثل أبيه بارع وبشدة في إشعارها بأن الخطأ خطؤها بالأساس والذنب كان ذنبها بالأصل بل وعليها تقديم إعتذار فوري وحاسم فرفضت بعند تلك المرة وقالت
.. فين أخواتك
أجاب متبرما
.. عمرو في الدرس وحسين حاطط السماعات في ودنه ونايم
تركها ومضى فى الظلام يتحسس طريقه
.. حضرتلك الغدا مع عمرو اتغدى هوا قبل ما ينزل مع حسين وأنا قلت أستناك بس كنت غلطان
تمالكت ضحكاتها المختلطة بدموع الذنب وهي تراقب رحيله الغاضب نحو غرفته وهي تفكر بل هو أبيه  أغلقت التلفاز والمذياع وتحسست بقية الأجهزة تحسبا وبعدها أعادت المفاتيح لوضعها وعمت الأنوار أرجاء شقتها الواسعة الغرف كلها مضاءة حتى حمام الضيوف! فصغيرها رغم شجاعته وحماقته اللامتناهية يرهب الوحدة كأي طفل في عمره دخلت غرفته التي يتشاركها مع أخيه الأوسط وهى تخاطبه
.. متزعلش يا أيهم ..يعني عاجبك كل يوم أرجع الأقي طنط اجلال مقبلاني بالشكل ده
جعد أنفه بحركة صبيانية مشاكسة
.. وأنا مالي بأم أويق دي 
عنفته سريعا
.. ولد! أتأدب ..ميصحش تقول عليها كده
ظل عابسا بل وصمم على مزيد من التجاهل همست وهي تقترب
.. اللي خلف ممتشطالع عنيد لأبوك
جذبته بحنان وقبلته بدفء وهي تعبث بخصيلات شعره الغزيرة الناعمة قائلة
.. أنا هروح أتشطف وناكل سوا
واطمأنت قبل أن تخرج على الآخر الغارق بسبات نوم لا ينتهي إثر كل مباراة قدم يشترك بها فريقه ورفعت في طريقها للخارج ملابسه المتسخة التي ألقاها بإهمال وقبل أن تخلع ملابسها قامت باتصال هاتفي مع والدة صديق إبنها الأكبر والتي يقام فى منزلها درس الرياضيات لتطمئن على ابنها.
أن تفقد الأنثى إهتمامها فجأة بالرجل فهذا يعني أنها قد توقفت عن حبه بل ربما كراهيته أيضا منذ زمن بعيد ولكنها لم تفقد إهتمامها به قط ولا توقفت عن الشغف به وبكل تفاصيله حتى أنها وبعد مضي الساعة لازالت تنتظره بالشرفة تفتقده وتشعر بالقلق البالغ عليه ولكن كبريائها أو بالأصح بقايا كبرياء استقرت داخلها تمنعها من أن تفعل وتريح على الأقل قدميها ولا داعي لذكر العقل الذي توقف عن العمل منذ أن تخطت الساعة منتصف الليل بكثير فالقلب قام بالمهمة على أكمل وجه ومر بخاطرها كل الظنون والمساوىء اللعېنة التي قد تصيبه أثناء غيابه وطرقت برأسها للمرة الألف ربما لهاتفها الساكن فوق الطاولة تراجع إشارته وصوته إذا مالذي يمنعه من الإتصال والنزول من عليائه قليلا ليتصل بها ويطمئنها عليه لو إمكانها الإتصال به كما كانت تفعل بالماضي..الماضي الذي يعد بالنسبة لها ماض سحيق يعود ربما لأول سنة من عمر زيجتهم كان أحيانا كثيرة يقابل نوعية تلك المكالمات القلقة من جانبها بشيء من النفور حيث أنه لم يعد طفلا صغيرا ولكن الأمر أضحى تبرما واضحا لإضاعتها وقته الثمين بتلك الأسئلة الفارغة التي لا معنى لها سوى أنها تعاني من فراغ وضيق أفق بين وتوقفت عن الإتصال به..فقط للطوارىء.. كانت تلك كلماته بالتحديد عدا ذلك لن يرد عليها وما هي الطوارىء بالنسبة له سوى مكروها أصاب والدته المصون أو أحد الأبناء بعيد الشړ أو هي قالها على إستحياء وربما كان داخله يظن أنه لا مانع هكذا توقن وهكذا توقفت عن الإتصال به حتى في الطوارىء التي حدثت مرة أو اثنتان وتكفلت الجاسوسة نعمات بالإتصال إذ وقع سليم من أعلى الدرج مرة كلفته شقا أسفل ذقنه ومن ستر الله لم يكن ظاهرا للأعين ولكنه كان في نظره چرحا بليغا مهولا چرحا يجسد تقصير وإهمال منها هكذا كانت هي دوما المقصرة بحق أبناءه أمه وهو ..الجميع باختصار! وعاودت النظر للهاتف مرة أخرى وأبدا هي لن تتصل به ولكنها ستظل واقفة لساعة أخرى ربما تنتظره وبعد أن يعود ستتظاهر بالنوم كما كانت تفعل منذ أسبوع تقريبا فبعد أن تحسنت الأجواء نسبيا بينهما وشعرت سوسن خانون بتلك الهدنة المؤقتة حتى أشعلت حربا جديدا معها وكالفراشة الساذجة التي تنجذب للهب مرة بعد الأخرى وقعت بشرك مؤامرتها التي لا تكف عن اللجوء لها افتعال مشكلة ما تتطاول فيها عليها بالإهانات فلا تسكت سالي ولا تنتبه أنها دوما تختار توقيتا مثاليا يكون فيه جاسر على وشك العودة والدخول للمنزل ليرى أمه بهيئة أقرب للإغماءة وزوجته وقد اشتد ڠضبها واحمر وجهها وصوتها يهز أركان المنزل الواسع ولكن تلك المرة كانت سوسن خانون
تمادت هي الأخرى بالسباب والإهانة حتى طالت ذكرى أبيها المرحوم فاندفعت سالي بسباب مماثل لها تلك الشمطاء لم يكن سبابا بالمعنى الحرفي ولكنها فقط قالت أنها لن ترقى أبدا لتكون إنسانة حتى تسب مېتا لم ترى منه شړا قط ولمحت في عيناه رفضا وتخاذلا فلا هو أسكت أمه التي تمادت بالسباب في حضوره ولا هو واساها بعدها بل تلك النظرة المخزية التي تخبرها أنها خذلته اللعڼة عليه وعلى أمه وعلى خذلانه الوضيع كادت تلملم أشياءها فلا بقاء لها في منزل تحت سقفه أهينت ذكرى والدها الحبيب وكانت على وشك أن تجمع ملابسها وترحل للأبد ولكنها توقفت وكفت عن جمع الملابس بل ورتبتهم من جديد في هدوء بالغ وبديناميكية شديدة أعادت كل شىء لمكانه وكأنه كان بداية حريق أسقط فوقه دلوا مملوءا بماء بارد وانطفأ عندما همست لها نفسها الجبانة أنه أبدا لن يأتي ليسترضيها وسيتركها فى بيت أهلها حتى تتعفن وکرهت نفسها وکرهت تلك حقيقة وبقيت ونفسها تواسيها أن في بقاءها ڠضبا أشد لتلك الشمطاء فإن رحلت فهذا معناه أنها قد انتصرت عليها ولا تدري متى تحولت من إنسانة هادئة خجولة مطمئنة لتلك التى تترصد المضايقة والإنتقاد حتى لو كانت خاسرة فهي رابحة طالما الطرف الآخر خاسر مثلها متى فقدت طمأنينتها متى فقدت سلامها النفسى متى تحولت نفسها الحلوة لتلك المرة بل والسؤال الأهم متى ستسعيد صفاء روحها ونقائها  وهل كان يستحق  أكان جاسر يستحق تلك التضحيات
في الصباح تكون أكثر نشاطا أكثر تقبلا لمعطيات الحياة وكأنها تعاهد نفسها على البدء من جديد رغم كل الصعاب رغم كل مامر بها فقدانها لأمها وهي طفلة فى الثانية عشر من عمرها قدر ماكان قاسېا قدر ما لقنها درسا بقيمة الأشياء والأشخاص في حياتها ويوما بعد يوم يزداد نضوجها وتقل حاجتها للناس من حولها منذ إصابه والدها بوعكة صحية شديدة العام الفائت أخذت تمرن نفسها على تلقيها خبر رحيله عن الحياة لتصبح بعدها وحيدة تماما دونه نعم هي أحيانا تشعر بالوحدة بالرغم من أنها زوجة وبامتياز خمس أعوام مرت لكن اليوم وتحديدا تلك الساعة المبكرة من هذا الصباح وهي ممسكة بهاتفها وشاشته تحمل صورة واضحة لملامح زوجها وهو يغازل أخرى فاتنة لم تكن تجهلها فالكل يعلم من تكون داليا الزهري أيقنت بالفعل أنها وحيدة... 
.. عملت أيه يا مچنونة 
لم تلتفت لصړاخ صديقتها المقربة منها وقالت بسأم
.. بعت الصور لمراته
قفزت إنجي من على الكرسى الممدد تحت أشعة الشمس وجلست على طرفه لتقترب من صديقتها التي وبالرغم من جمال بشرتها إلا أنها تصر على صبغها بلمحة برونزية قائلة
.. ليه كده زياد ممكن يبعد عنك
خلعت نظارتها الشمسية ومالت قليلا ناحيتها وقالت بنفاذ صبر
.. ومين قالك إن زياد يهمني
شعرت أنها تتوه في مخطط صديقتها بالرغم من أنها كانت سابقا من تحركها بترتيبات لم يكن لعقلها قبل بها
.. داليا بجد أنا مبقتش فهماك
ون الهاتف ليقاطعهم فنظرت فيه قبل أن تناوله لها قائلة
.. ده زياد ..أكيد آشري مسكتتش
تناولت منها الهاتف وألقته في حقيبتها بإهمال فرفعت إنجي حاجبيها بتعجب
.. كمان مش هترد عليه
وضعت نظارتها من جديد وأجابتها بهدوء
.. توء
وأطلقت بعدها ضحكة عابثة عندما تلقت ملامح الخيبة والتبرم المرسومة بدقة على وجه صديقتها وقالت لها
.. الصبر يا إنجي ..كل شىء في وقته
استيقظ متأخرا على غير العادة فرغم تجاوز عدد ساعات عمله مؤخرا للعشرون ساعة أحيانا إلا أنه كان يحافظ على موعد استيقاظه بعد شروق الشمس بقليل يتريض لنصف ساعة في حديقة القصر وبعدها يتناول فطوره ويستمع ربما لشكاوى المحيطين به بدءا من صغاره لأمهأما زوجته فتكتفى بسلخه بنظرات غير راضية وأن أمن نفسه ضد هجمات عيناها سيظل فراشه البارد بها أو دونها دليلا دامغا على توتر العلاقة بينهما إلا أنها في الآونة الأخيرة أضافت لمجموعتها أداة تعذيب جديدة يراها من خلال إنعكاس مرآة سيارته كل ليلة وهي تنتظره في الشرفة لوقت متأخر وعندما يهم بالصعود لغرفتهم يجدها وقد تمددت فى الفراش متظاهرة بالنوم وفي الصباح تهمل حضوره كليا! واصبح لا يرى منها إلا ظلا غاضبا يتبعه طوال النهار ويلقي له بنظرات ڼارية فلا يجد سوى بحر العمل ليغرق فيه هربا من ضيق صدره وڠضبها المفتعل دوما لقد وبخ أمه كثيرا لتطاولها على ذكرى حماه رحمه الله فهو برغم كل شيء إلا أنه يحمل ذكريات طيبة لهذا الرجل الرائع ويحترمه وأحيانا يلقى على مسامع صغيرته سلمى حكايات عن جدها الحنون ولكن سرعان ما وأن عالجته أمه بعيون دامعة واعتذار صادق عن آلامها وما تسببه الأدوية التي تتعاطها ضيق خلقها مؤخرا بسبب من تعب بالغ بالاضافه لمرضها الذي لابراء منه تلك الآلام التي يقف عاجزا أمامها ويرقب أمه وهي تارة تحاربها وتارة تستسلم لها بإختصار إنها تذوي أمامه وبالبطيء بينما هو مكتوف الأيدى أمر قاټل ومع كل ماتمر به أمه من معاناة مع مرضها العضال يجد زوجته دوما سريعة الڠضب والإشتعال في كل ما يخصها ويبدو أنها لاتقدر مطلقا حجم تلك المعاناة مما يشعره بأنها ببساطة خذلته.
صړخة شقت سكون القصر بعد إنصراف الأبناء لمدرسهم
.. ألحقنى ياجاسر بيه
.. متقلقش شوية تعب بسيط.. هنغير بس فى بروتوكول العلاج وهنتابع
هكذا كانت كلمات الطبيب قبيل إنصرافه ولكنها بالتأكيد لم تنجح
في تهدئته تغيير نظام العلاج ليس له معنى سوى بأن مرض والدته انتقل لمرحلة أكثر تعقيدا وخطۏرة رغم العملية الجراحية الناجحة على عكس كل التوقعات التي أجرتها منذ عام قابلها أخيرا وجه لوجه غير متشبثة بنظرة عبوس ولا متظاهرة بنوم عميق تقف أمامهترتجف بشبه إهتمام
.. هيا عامله إيه دلوقتي 
وبسخريته المريرة رد
.. لو تهمك أوي ادخلي اسأليها واتطمنى عليها 
زمت شفتيها وقالت
.. طالما أنت عاوز كده
عندها قاطعها پغضب بالغڠضب استعر به كلا فهو لن يطلب شفقتها على أمه
.. لاء أنا مش عاوز كده لكن لو يهمك أدي الأوضة وأدي الباب...اكبرى ياسالي أنت مش لسه عيلة صغيرة
تحرك من أمامها لأنه كان يعلم جيدا أنه لا جدوى للحديث وأنها أبدا لن تطرق باب الغرفة وتدخل لتطمثن عليها كما تدعي الاهتمام وهو كان غير راغب بذلك المشهد نظراته لم تعجبها ولم تعجبه على حد سواء ما لهيتطلع إليها كأنها آخر إذ مرأة على ظهر الكون وهو الذي كان ساكنا في محراب زوجته الراحلة حتى بعدما توارت تحت الثرى عدلت عويناتها مرة أخرى وهي تحدث نفسها .. هكذا هم الرجال يدفنون الوفاء بقبور زوجاتهم ..ثم تابعت بصوتها الرخيم الهادىء
.. أنا بقترح نعجل بالشړا حتى لوكان التمن مبالغ فيه وإلا هنخسر أكتر بعد كده
وضعت القلم في إنتظار لرد فعل من جاسر الصامت على مدى ساعات النهار متجاهلة تماما تعلق أسامة بقسماتها واعتبرته اليوم كليا فقد عقله بعد رحيل زوجته وابنته الوحيدة بل منذ عودته مچنون وليس على المچنون حرج
.. أنا أول مرة آخد بالي من لون عينيكي 
عبارته شقت الصمت المخيم على الأجواء وكانت ببساطة تأكيدا على ذهاب عقله أيغازلها الآن ! هل ارتقت أفعاله الصبيانية منذ عودته لغزل صريح وبحضره أخيه الأكبر وضع هو الآخر قلمه بعصبية شديدة فيما كانت هي تجمع أوراقها المتناثرة على سطح طاولة الاجتماعات العريضة متجاهلة تماما ملاحظة أسامة الوقحة بنظرها شكرها جاسر بنبرة عملية مؤكدا عليها الأخذ بنصيحتها قيد الإعتبار وهو يصب نظراته الغاضبة والمرهقة على أخيه الأوسط الذي كان يخرج سېجارا رفيعا ويشعله في برود تام
.. على فكرة ماما تعبانة أوي 
تلك العبارة كانت كفيلة بإخراجه من عزلته الباردة التي كان يعتنقها من حين لاخر
.. مالها سأل بإهتمام
رمقه جاسر بنظرة لائمة وهو يقول
.. الدكتور بيقول أن الموضوع نفسي أكتر ومع ذلك هيغير العلاج
وأردف
.. وأنت بطلت تسأل عليها أو تزورها
همهم بإعتراض
.. ما أنت عارف
.. أيه الشغل ولا لون عيون درية !
ما أقساها سخريته كسوط يمر فوق ظهره يجلده وما أبغضها أنانيته انغمس بنفسه وچروحه ونسي المحيطين من حوله لقد أشفق على زوجته الراحلة من تحمل ويلات مرض أمه وكالعادة قام جاسر بتولي الأمر الذي انعكس سلبا على حياته واستقرارها ومزاج زوجته الشابة مكتفيا بزيارات متقاربة من حين لاخر وسؤال متصل ولكن بعد مصابه الأليم انعزل بحياته وتخلى عن مسؤلياته تجاه أمه وكم هو مر مذاق التقصير بحق من نحب ونهتم
.. هعدي عليها النهاردة
.. آشري إيه المفاجأة دي
.. أتمنى تكون مفاجأة لطيفة
.. أكيد طبعا يا بيبي هاه تحب أطلبلك إيه
.. مافيش داعى يا زياد ..أنا بس حبيت أسلم عليك قبل ما أسافر طيارتي كمان ساعتين
عقد حاجبيه بتعجب بالغ وقال بسخرية مريرة
.. لا والله وفجأة كده قررت تسافري وأنا إيه آخر من يعلم!
نظرت له بهدوءلم يتغير قط هي فقط أصبحت تراه الآن أفضل من أي وقت مضى
.. هوا فعلا حصل فجأة بابا تعبان شوية والتحاليل مش كويسة أوي حجزتله متابعه مع الدكتور بتاعه في ألمانيا ..الموضوع تم بسرعة ومكنتش عاملة ترتيب وقلت أهي فرصة
قام واتجه نحوها وهو لازال عاقدا الحاجبين يود استكشاف ما هيئتها المثالية الباردة وهي متمسكة بقناع جليدي أعلى قسماتها قائلا بتمهل
.. فرصة لأيه بالظبط
اقتربت منه وهي تعدل من ربطة عنقه قائلة بصوت خاڤت
.. اتطمن على بابا بنفسى المهم خد بالك أنت من نفسك
ابتسم وقال
.. متقلقيش عليا
فجأة وتركته بعدها مترنحا من أثرها ورحلت رحلت ولم يرى سوى ظلها يتخافت رويدا رويدا مع رحيلها بل ولم يرى دمعتها الحبيسة بعيناها والتي توارت خلف نظارتها الشمسية القاتمة. 
يكاد حرفيا ېقتله ذاك الجنون الغاضب الذي يعتمل بصدره وأنفاسه الحاړقة بدلا من أن تمده بالأوكسجين ټخنقه! حل قليلا ربطة عنقه التي يلتزم بها لآخر النهار وهو يتطلع مجددا لصورة أخيه الأصغر الضاحك برفقة أحدى بطلات ماضيه المشحون وتأملها لقليل من الوقت لم تكن نظراته عابرة عشرة أعوام مضت بل إحدى عشر ليكون أكثر دقة لازالت كما هي بل ربما ازدادت جمالا وقسۏة خصلاتها الطويلة ربما تقاصرت للنصف لكن عيناها الفيروزية لازالت تتمتعان بالغموض الذي لا يخبو مع مر الزمان بل يزداد تألقا ورغم ذلك استطاع قراءة ماورائها بقليل من الجهد فمنذ ثالث لقاء لهما أفصحت عن حب جارف له وعلاقة استمرت أربعة أشهر ومع ذلك ببرود تخطاها نحو صالح العائلةلا أكثر لم يكترث لقلبها ولا دقاته التي خبتت مع هجرانه لها ولا لكبرايائها التي سحقها هو بعنفوان تام تحت مسمى كبريائي الأبقى والأعلى شأنا ففارق العمر بينهما كان يصل لعشرة أعواما كاملة ولكن لم يكن هذا العائق الوحيد بينهما بل كان والدها أمين
الزهري  الذي كان يسعى لسحق اسم آل سليم بكل ما أوتي من قوة لتكون له اليد الأعلى. والان عيناها تتوهج نحو أخيه الذي يصغره بخمسة أعوام النسخة الباهته منه مشاعره كانت أبعد ما تكون عن الغيرة ولكنها كانت ثائرة فهو يعلم أخيه تمام المعرفة غر ساذج أهوج وسيندفع نحوها مقدما لها كل القرابين التي يمتلكها و لا يمتلكها على حد سواء وأعظم قربان قد يقدمه زواجه الذي أصبح على المحك فمن أرسل لهاتفه تلك اللقطة التي تجمع بين العاشقين لابد وأنه قد تكلف العناء وربما أقل قليلا نحو هاتف آشري يحتاج للذهاب للمنزل وصب الماء البارد فوق راسه ربما تمكن بعدها التفكيير بعقلانية لحل تلك لأزمة فالحديث الودي الناصح مع أخيه لم يكن يوما فرضية مطروحة ولكن قبل أن تتحرك خطواته نحو الباب ليغادر الشركة فاجأته درية بإقتحام مدوي بدقات كعبها الصارخ وهي تقول بإنفعال حانق
.. للأسف أتأخرنا كتير أوي ..مجموعة الزهري سيطرت على كل الأسهم
لمعت عيناه واشتدت قبضته على زر ياقته وهو يغمم لنفسه
.. إذا فهي الحړب !
الحظ يبتسم له مجددا فجميلته دعته لأول مرة في منزلها الخاص ولديه الليل بطوله ولربما استطاع إقتناص المزيد من ساعات النهار الأولى وزوجته قد سافرت صباحا ولن تعود حتى مرور أيام أو ربما أسابيع قبض على ذراعها وهي تتجه نحو الطاولة المستطيلة لتجهز له مشروبا منعشا وهو يحادثها لائما
.. مبترديش على مكالماتي ليه 
عبست له وقالت بدلال لم تتصنعه فهو يمتزج مزجا بدمائها المتحركة
.. زياد أنت عارف أنا مشغولة أد إيه في الشركة والزفت المندوب مبهدل الدنيا
جذبها إليه وهو يقول
.. حبيبتي أنا تحت أمرك قوليلي اللي نفسك تعمليه وأنا أساعدك
ازدادت خطواتها نحوه بإقتراب مهلك وعطرها يلفح أنفاسه قائلة برجاء
.. بجد يا زياد هتقف جمبي وتساعدني
هتف بها بشوق
.. طبعا في أي حاجةأنت تشاوري بس
طوقته فجأة وهي تهمس له
.. ربنا يخليك ليا
شعرت بإشتداد قبضته فوى خصرها وحركات جسده المتطلبة نحوها فتملصت منه بنعومة معنفة إياة بدلال بضحكة مٹيرة
.. زياد وبعدين معاك
نظر لها كطفل خائب منعت عنه حلواه وهو يقول بتأثر
.. اعمل إيه معاك بس 
جذبته ليجلس وهي تقدم له شرابه قائلة
.. احنا هنقعد سوا نشرب ونلعب وبعدين ..
صمتت تاركة المجال لتخيلاته فقال بمكر وهو يتأمل هيئتها المتواضعة التي لم تكن تنبأ عن نوايا مٹيرة من ناحيتها جينز باهت فوقه تنسدل بلوزة قطنية بسيطة بلون أزرق قاتم ووشاح مزركش يحيط برقبتها وخصلات شعرها مرفوعة بمطاط صغير لا شكل له وبعدين إيه دفعت له بالشراب ليتجرعه شرابا مخلوطا بمسحوق سحرى كما اعتادت تسميته قائلة بمكر مماثل
.. بعدين دي هتعرفها من نهاية اللعبة
اقترب منها وهو يصب لنفسه كأسا آخرا وهو يقول
.. لعڼة إيه 
أمسكت بورق اللعب وهي تقول له بحرفية تامة
.. هنلعب بالورق واللعبة جولات واللي هيخسر جولة ...
صمتت وحدقت بعيناه وهي تعض على شفتيها فأرسلت القشعريرة بخلاياه فقال بإندفاع
.. يعمل إيه
أسبلت عيناها الفيروزية ولمست بخفه يده القابضة على كأسه وقالت بصوت دافىء
.. يقلع
ولكم كانت لعبة رائعه بنظرة فهو يود وبشده إستتكشاف جسدها القابع تحت تلك الهيئة الفوضوية المٹيرة وضع كأسه بحماسة وهو يقول
.. وأنا جاهز
لمعت عيناها بنصر وهي تجهز الطاولة كالصياد الماهر ألقت الطعم ووقعت الطريدة بالفخ الذي نصبته لها كالعادة استغرقت بعملها على الحاسوب وتناست الوقت الذي كان يمضى سريعا خلف إنصراف جاسر هو الآخر تطلعت لعقارب الساعة شاهقة لقد تجاوزت السابعة بقليل فلملمت أوراقها وأغلقت الشاشة أمامها وارتدت حذائها المطروح أرضا إلى جوارها وسارت بخطى مسرعة نحو المصعد وعندما فتح الباب تطلعت لوجهه بدهشة بالغة فابتسم وقال
.. سحبت الأسانسير قبل ما أضغط أنا عشان أنزل.
هزت رأسها وقالت
.. خلاص اتفضل حضرتك
وشددت على كلمة حضرتك فضاقت عيناه ومد يده ليمنع انغلاق باب المصعد وقال بتوتر
.. أركبي يا درية أنا مش هاكلك
عقدت حاجبيها پغضبأيظن أنها حتى تخشاه ! مضى يتطلع لقسماتها العابسة فقال بخفة
.. جاسر مشى 
ردت بإقتضا .. من ساعة
عقد حاجبيه وتوقف المصعد وفتح الباب فهمت بالخروج مسرعة إلا أنه اعترضها قائلا
.. وأنت إيه اللي مقعدك كل ده 
رفعت عيناها إليه فبرغم أن طولها يتجاوز المائة وستون سنتيمترا إلا أنه كان يفوقها بكثير
وقالت بحرفية بالغة
.. كان عندي شغل
كان لازال يحملق بها عابسا وهو يقول
.. ومين اللي قاعد مع الولاد دلوقت 
ردت بتهكم ضائقة ذراعا بمحاصرته له بالكلمات والنظرات الغير مفهومة
.. مافيش حد ولذلك بعد إذنك مضطرة امشي بسرعه قبل ما يحصل حاجة لا قدر الله
استبق خطواتها المسرعة وهو يقول
.. هوصلك 
هكذا انصرف وهو يلق لها بهذا الأمر ببساطة وكأنما عليها الطاعة فقط لاغير ! حملقت بأثره وقد اشتاطت ڠضبا وصممت على تجاهله كان قد انصرف لسيارته الرياضية الفارهة ذات اللون الأحمر الصاخب إحدى مظاهر التغيير الغير مفهومة التي طرأت عليها فهو كان يعتنق سيارة رباعية عائلية لمدة تزيد عن الخمس سنوات وتوقفت جانبا في إنتظار لظهور مؤجل لأحدى سيارات الأجرة الشاردة والتي قلما تجود الظروف بها في مثل هذا التوقيت توقف بالسيارة أمامها محدثا عاصفة ترابية محدودة وهو يقول بنفاذ صبر
.. رقم واحد مش هتلاقى تاكس السعادي رقم اتنين لو لقتيه ٩٠ هيكون
شارب ومتنيل فاركبي أحسن يادرية وبلاش عند
عقدت حاجبيها وهي تحدق بهيئته إنه ېصرخ بها آمرا إياها بتنفيذ ما قد ألقاه على مسامعها آنفا والأدهى أنه محق فهي حقا تخاطر بإضاعة المزيد من الوقت في إنتظار اللاشيء وقد يظهر هذا اللاشيء ولكن قد يحدث مالا يحمد عقباه كانت تغلي وتزبد ومع ذلك استنشقت نفسا عميقا وهي تفتح الباب راسمة على وجهها ببراعة تلك الملامح التي تواجه بها أفعال صغيرها التي تدفعها للجنون في كثير من الأحيان ومفادها حسابك معايا بعدين ولغرابة الأمر كاد يقهقه وكتم ضحكته بصعونه لا يعلم مالذي يكتنفه مؤخرا عندما يكون بمواجهتها ولكن عليه أن يعترف أن الأمر أضحى ممتعا بل هو في الواقع ممتع لحد كبير.
مكالمة هاتفية واحدة وراء الاخرى تطمئن فيها بصوت رقيق على أولادها أذاب عظامه وختمت حديثها بضحكة عفوية وهي تقول لصغيرها
.. خلاص يا أيهم اما ارجعاقعد هادي ومؤدب ومتديقش إخواتك
وضعت هاتفها في حقيبتها وأخير كسر حاجز الصمت المرسوم بينهما ليقول بتعجب.. ايهم
قالت يإمتعاض
.. باباه الله يرحمه هوا اللي اختار الأسم
ضاقت عيناه وقال
.. وواضح إنه مش عاجبك 
أقرت بضيق
.. معناه مچنون 
قال بمكر
.. ما يمكن مچنون بيك
ثم سألها
.. وبقية ولادك أساميهم ايه 
ردت بهدوء
.. عمرو ١٦ وحسين ١١ سنة
ارتفم حاجبيه بدهشة
.. يااه على كده اتجوزت بدري أوي
توترت شفتاها وقالت بجفاف
.. كان عمري عشرين
حرك شفتيه ساخرا وقال وهو يسترجع لحن الأغنية الشهيرة
.. امبارح كان عمرى عشرين
نظرت له بطرف عيناها وصمتت وداخلها يؤكد لها أنها إحدى. علامات اللوثة التي أصابت عقله وعادت للتركيز مجددا على الطريق ثم قالت بنبرة خاوية من أية إنفعالات
.. أنا هنزل آخر الكوبري
ولدهشتها انصاع لأمرها ولم يعترض بعد أن كانت جهزت ردا صاخبا ونادها قبل أن تترجل برقة قائلا بإبتسامة واسعة
.. هستناك بكرة يا درية
عقدت حاجبيها وأومأت براسها بتعجب وسارت خطوات قليلة وهي تفكر بغرابة عبارته ولم تكن عبارته غريبه قدر فعلته فما أن ركبت سيارة الأجرة حتى تبعها إلى حيث منزلها وأعطاها إشارة ضويثة من سيارته وهو يشير لها مودعا منصرفا وهو يدندن الأغنية الشجية التي كان يهواها إنها بحاجة ماسة لحمام بارد تصبه فوق جسدها المتعرق جراء جريها لساعة منصرمة ألقت تحية المساء على طفليها وقبلتهما وصعدت فورا لغرفتها متحاشية لقاء حماتها أو خادمتها ووقفت تتأمل جسدها الذي تناقص خمس كيلوجرامات بفخر في المرآة وهي تفكر ستستحم وتتناول المشروبات الحاړقة التي أوصتها بها المدربة والعشاء زبادي وثمرة فاكهه ولن تفكر أبدا في تناول حلوى التشيزكيك القابعة في البراد وعندما التفتت لتدخل الحمام كان هو قد دفع الباب ليخرج فصدم حافته جبهتها فصړخت متأوهة أمسك برسغها سريعا ويده الأخرى تستقر على كتفها العارى وتأملها بشغف حارق قائلا بصوت أجش
.. أنت كويسة
رفعت أنظارها له شاعرة بخجل تحت أنظاره المتعلقة بها وازداد خجلها منها عندما لمحته هو الآخر ولازالت بعض قطرات الماء متعلقة بخصيلات شعره لم يغيره الزمن قط فقط هي من ترهل جسدها وازدادت ملامحها عمقا رمقت عضلات صدره بحسد وابتعدت عنه قائلة بخشونة
.. رجعت بدري يعني.
شعر بنفورها منه فاستقام في وقفته كتمثال إغريقي وقال متهكما
قلت أرجع قبل ما تقفي تستنيني في البلكونة وتعملي نفسك نايمة أول ما أدخل الأوضة
ازداد إحمرار وجنتها وهي تتجه ناحية الحمام مرة أخرى قائلة بإتهام
.. ما أنت لو كان يهمك كنت على الأقل اتصلت.
أمسك برسغها مرة أخرى وقال
.. أنت اللى لو كان يهمك كنت اتصلتى
التفتت له بحدة وقالت
.. للطوارىء يا جاسراتصل للطوارىء
اقترب منها ووعيناه تلومانها قبل لسانه
.. وكأنك ما صدقت
تقافزت الدموع لمقلتيها وهي تستنكر
.. ده أنا ولا أنت 
هز راسه وهو يردد بإقرار
.. أنا أنا اللي مهما أعمل مش عاجب
فابتسمت بسخريرة مريرة وهي تغالب دموعها المتساقطة وبصوت خاڤت متقطع ردت
.. لا ده هوا ده بالذاتأنا
مد يده ومسح دموعها پعنف وقال هامسا بقسۏة
.. مبحبكيش ټعيطي.
رفعت راسها وقالت بعند
.. معاك حق أصلا مافيش حاجة مستاهله عياط
وانصرفت لحمامها وهي ټلعن كل شىء ټلعن الصمت المجروح والكلمات الچارحة ټلعن إشتياقها له ونفوره منها ټلعن ضعفها وجبروته ټلعن إحتياجها له وإجتياحه لها وټلعن بالذات تلك البقعة على كتفها التي باتت تصرخ ألما من أثر فراقها للمسة إصبعه
استيقظ صباحا بصدغ متورم جراء نومه على الأريكة بغرفة المعيشة بمنزلها وصداع يكاد يفتك برأسه نادى وهو يدرك أن أنفاسه تحمل رائحة الخمر والزجاجات الفارغة المتناثرة أمامه خير برهان عليها
.. داليا ..داليا!
لم يجد ردا قام ومشي بخطى متثاقلة وتعثر في طريقه بسروالها وبلوزتها الملقاة أرضا فعقد حاجبيه وابتسم بمكر لاعنا تأثير الخمر الذي حرمه تلك اللذة فهو لا يتذكر تلك التفاصيل المٹيرة اللعنه لقد هجر الخمر منذ زمن طويل عاد فقط ببضع كؤوس من حين لاخر مضى ينادي بصوت يؤلم رأسه وحلقه
.. داليا ..أنت فين 
ولم يجد ردا وبعد مرور الساعة التي أمضها متنقلا بين حجرات منزلها صب فيها الماء الساخن فوق رأسه وتناول كوب من القهوة أعاد له صوابه ترك منزلها تاركا لها ملاحظة ماكرة على رأس البراد ..الليلة عندي..
كانت تجلس في السيارة إلى جوار محاميها المخضرم وعيناها تلمعان بجذل وكيف لا وكلماته لازالت ترن في
آذانها.. شركة زياد سليم بقت ملكك رسميا وقانونيا..وهكذا سقط أول بيدق في معركتها نحو الملك تكاد لا تتخيل رد فعله إحدى شركات إمبراطورية سليم وقعت في يد الخصم خصومة امتدت لسنوات طويلة بين والدها ووالده خصومة ظنت بعقلها الفتي وقتها أنها ستتحول لأسطورة كأسطورة رميو وجيوليب غير أن لسذاجة عقلها ظنت أن نهايتها ستكون مختلفة هي بالفعل كانت نهاية مختلفة إذ لم يختنق جاسر بالسم ولا هي ابتلعته مضحية بحياتها وراءه ولكن عوضا عن ذلك اختنقت هي بكبرياء جريحة إثر هجرانه لهاكأي إمرأة مرت بحياته من قبل والآن وفي تلك اللحظة بالتحديد تشعر بأنها قد ثأرت لكرامتها فهي واثقة بأن جاسر إن اضطر فسوف يجوب الأرض إثرها فقط ليسترجع ماهو له ولكن لكل شيء ثمن.
تنحنح المحامى الجالس جوارها وهو يقول
.. على فكرة كده خطړ
رفعت حاجبها المنمق ودون أن تلتفت له قالت
.. خطړ على مين
أردف بنبرة عملية
.. عليكي وعليا ولازم أعرف أنت بتفكري في إيه
التفتت له أخيرا وقالت بجدية 
.. أنت بتفكر في أيه
رد سريعا
.. جاسر سليم مش هيسكت وهيقلبها عاليها واطيها
ابتسمت له بسعادة بالغة لتقول بحالمية
.. لا عارفة ومستنياه
نظر لها بحيرة بالغه وهم ليعترض ولكنها باغتته قائلة بصرامة
.. بكره تروح لزياد ومعاك مذكرة قانونية تأمره فيها بأنه يخلي مكتبه في الشركة وإني استغنيت عن خدماته
لقد انتصف الليل وأكثر وهي لازالت جالسة فى سريرها الواسع لا يسعها النوم وقد احتلت الأفكار والمخاۏف حيزا لا يستهان به من دماغها الذي لا يهدىء لحظة هي تعلم حق المعرفة بأنها تهرب بأفكارها العملية من التفكيير فيه وبتصرفاته الغير مألوفة مؤخرا تركز بعملها أكثر وأكثر وتغيب بأرقامها عن واقعها لطالما كانت هكذا دوما تهرب من مشاعرها المحبطة بأي عمل يشغل يديها ويحتل جزءا يسيرا من عقلها في الماضي كانت تنشغل بالطهي وترتيب المنزل لتهرب من التفكيير بمشاكلها التي كانت لا تنتهي مع زوجها الراحل هذا الوسيم الذى يطل عليها بنظراته الحزينة بصورته التي تحتل الحائط المقابل لسريرها وقد خلت جدران المنزل وأركانه بالكامل من أي ذكرى له سوى تلك البقعة لم تكن بطبيعتها إمرأة عاطفية ولا ضعيفة كانت عملية لأقصى حد فهي فتاة وحيدة تربت على يد رجل عسكرى أنف الزواج بعد رحيل والدتها حتى وصلت للثمانية عشرة من عمرها وفاجائها حينها برغبته بالاقتران بمطلقة تصغره بعشرين عاما قد وقع في غرامها ! لم تتفهم كيف لرجل وهو على مشارف الستين عاما بأن يقع صريعا للهوى كيف وهو العسكرى القوي الصارم الذي لم ترى ابتسماته قط إلا في لحظات نادرة تنطلق قهقهاته كلما تشارك المجلس مع تلك المرأة كانت غاضبة وحانقة وبشدة إذ تمكنت تلك المرأة في وقت قصير للغاية من تغيير حياة أبيها بالكامل فتحول من رجل عبوس ضيق الخلق عملي لأقصى حد دوما لضاحك باسم حالم بل ومتفاعل أيضا حاولت كثيرا تفهم التغييرات التي طرأت على والدها ولكنها لم تتفهم أبدا رحيلها عن شارعها وأصدقائها والإنتقال لحي آخر بعيد صاخب وكانت هي الفتاة الجديدة وبشعرها المعقود وملابسها المحتشمة اجتذبت ناظريه فورا وهو الشاب العابث الذي أذاب قلوب عذروات الحي ظل يطاردها لعام كامل ولكنها كانت دوما تصده وهي تحلم بالسفر لخارج البلاد تجتهد بدراستها لعلها تنال منحة لإحدى الجامعات الأجنبية وعندما نالتها أخيرا وقف أبيها في طريقها مانعا إياها من السفر وتحقيق حلمها ومررت عقابه ولم تدري بأنها فى الواقع تعاقب نفسها وتعاقب هذا العابث فوافقت على الزواج منه بعدما مل ملاحقتها بين أورقة الطرقات لتبدا ماسآة من نوع آخر زيجة كانت فيها هي الرجل قبل الأنثى لمهندس حالم طموح ولكنه ضيق الأفق فيضيع من يده فرصة تلو الأخرى ليرحل عن الحياة مبكرا تاركا إياها وحيدة بين ثلاثة صغار وديون تكبلها لبقية عمرها ورفضت بإباء أن ترضخ لمحاولات أبيها المستمرة بالتدخل وحمل تلك الأعباء عنها فهذا يعني أنها تعود مجددا لعباءته التي طرحتها منذ زمن وفضلت الإستقلال بأبنائها وبمعيشتها متحملة مسئوليتها بالكامل فضلت الحرية وها هو ينال من حريتها بأفكار عبثية وبدقات قلب خائڼة لا تنكر أنها تمتعت بحب زوجها الراحل ولكنها لم تفهمه قط فكيف لكلمات معسولة وأبيات شعر مرسلة أن تقبض على أوتار إلا بالحب الفعلى وهي لا تومن الأفعال هي المترجم الوحيد لمشاعر الحب الغامضة فالإهتمام والعطف فعل والود والألفة فعل والشغف والجنون أيضا فمل لا تلك الرسومات البائسة التي تمتلىء بهم الصناديق أسفل سريرها ولا أبيات الشعر التي كتبها فى خصلاتها وعيناها وقدها وسط دفاتر التى تحتل الرف الأخير من خزانتها  طرقات ضعيفة تنمو على باب غرفتها فابتسمت بحنان وهي تقول
.. تعالى يا أيهم
فتح الباب وأطلت نظرات صغيرها حزينة فعبست بشدة وقالت
.. مالك يا أيهم 
دخل خطواتان وهو يقول
.. الدنيا شتيت على سريرى
تهدل كتفها وابتسمت له بحنان وقالت
.. كدهطب تعالى ننشفك وننشف سريرك
فقال بإبتسامة ضيقة خجولة
.. أنا نشفت نفسى خلاص
نظرت للساعة جوارها فوجدتها الثانية صباحا وهي فعليا مجهدة الجسد والفكر فقالت
.. طب تعالى نام معايا وبكرة الصبح أنشف سريرك
قفز الصغير مرحبا بدعوة أمه بين أحضانها وهو ينظر لصورة والدة الباسم ويقول
.. تصبح على خير يا بابا
لأجل تلك الكلمات هي لم تستطع حمل صورته بعيدا ولأجل تلك الكلمات أيضا هي ستطرد
كلمات ونظرات الآخر بعيدا ويعود هو لظل لزوجته الراحلة أو لا يعود ولكنها ستظل متشبثة بالذكرى لأجل صغيرها ولأجل حريتها.
قد يقع كأسا من الزجاج على الأرض وينكسر أو قد يصيبه شرخا صعب الإلتئام في أحسن الأحوال ولكن إن كان من الكريستال الرقيق فالنتيجة المتوقعة هي أن يتحول لفتاتا في الحال وببضع خطوات ثقيلة راقصة ومتواصلة فوقه فالنتيجة هي مسحوقا ناعما ضعيفة ذراته في مواجهة الرياح.. وهذا كان أقرب ما يشعر به بل أن واقع الأمر قد يفوقه بكثير فمنذ لحظات غادر مكتبه بشركته أو بالأحرى ما كانت يوما شركته جبرا وقسرا وبدفع من أيدي رجال أمن مستأجرون فهي الآن ملك لداليا الزهري بعقد بيع وشراء وبتوقيع صريح وسليم منه. ضحك بسخريرة مريرة ..سليم ..زياد سليم..بل جاسر سليم ..ضحك حتى تقافزت الدموع من عيناه وأخذ ېصرخ في الهواء وفي المارة من حوله
.. غبيغبيضيعت كل حاجة غبي وعشان إيه والله لأوريكى يا أنا يا أنت..
كان يسير بخطى تائهة وعقله قد جن تماما أيذهب لقسم الشرطة  وماذا عساه أن يخبرهم لقد باعها شركته ولم يقبض ثمنها لا بل أخذ الثمن فهذا ما أخبرته به تلك المتحذلقة بالهاتف لقد كانت جولة مٹيرة فقط هو من أثقل بالشراب فلم يدري متعتها وهذا كان الثمن أم ينطلق لمحامي العائلة ليحلا سويا تلك المعضلة محامى العائلة الذي رفض تسليم أي من أعمال تخصه لأي محامي آخر تحت ضغط من جاسر وانصاع له بالنهاية حتى يستطيع الفوز بنصيبه من الأرث نصيبه الذي أضاعه بالكامل اللعڼة على كل شئ سيعلم جاسر حينها بما فعله وسيعود كموظف صغير تحت إمرته وليس هذا فحسب بل ستعود زوجته قريبا لتكتشف ضياع ثروته وليس بسبب أعمال أو مغامرة خاسرة بالبورصة بل لأجل مقامرة قام بها ليتمتع بجسد إمرأة أخرى وإن كان لخيانتة شاهدا فهذا هو أعظمها
.. آلو يا آشريانت مبترديش على تليفونك ليه 
قالتها بعتاب خالص فمنذ سنوات انقطعت علاقتها ب منى صديقتها الوحيدة التي سافرت لاحدى دول الخليج وباتت الإتصالات بينهم غير منتظمة حتى تلاشت تماما وكانت آشري المتنفس وشعاع الصداقة الوحيد الذي يطل بحياتها ومع مرور الوقت اكتشفت أن آشري تمتلك قلبا طيبا وأخلاقا سمحة وكان هذا أعظم درس لها عن خداع المظاهر فقد كانت تخيلتها فتاة مدللة مغرورة ولكن اتضح أنها على العكس تماما فهي تماثلها عمرا وإن كانت تتمتع بشخصية قوية عكسها
ردت آشري وهي تبتسم بإجتهاد
.. معلش والله ياسالي ملخومة خالص بابا الحمد لله بقي أحسن
ردت سالي بإهتمام وقد عادت لها ذكرى مرض أبيها وۏفاته
.. ما أنا ھموت من القلق عليكم المهم طمنيني هوا بجد كويس
هزت آشري رأسها وهي تنظر لأبيها الذي كان يتابع الجريدة وقالت
.. الحمد لله أحسن كتيرالمهم أنت عاملة إيه
.. زي ما أنا بس خسيت ٦ كيلو
قالتها بسأم غعبست آشري وقالت
.. ومالك بتقوليها كده المفروض تكونى فخورة بنفسك 
تنهدت وقالت
.. عارفة يا آشري بس لسه فاضل خمستاشر بحالهم
.. أوعي مهما يحصل تقللي من قيمة حاجه تعبتي عشان توصليلها وخلي عندك دايما عزيمة
شعرت بأنها منافقة إذ أنها توجه النصح لسالي وهي الهاربة التي اخترعت حجة مرض أبيها لتبتعد عن زياد فالفحوصات التي يقوم بها دورية وكان يقوم بها أحيانا بمفرده عندما تنشغل هي بعمل أو صفقة ما بل وانه اتخذ مسكنا دائما للإقامة هنا بألمانيا سواءتطلب أمره متابعة طبيةأ لا وها هي تمكث معه بحجه تغير جو فهي لا تريد لأبيها أن يتدخل أو أن يعلم شىء عن مشاكلها الشخصية
.. إمبارح شفت إعلان كده عن مركز أسنان فاتح جديد وطالبين أطباء
قالتها بصوت خفيض فابتسمت آشري وقالت بلؤم
.. آه قولي كده بقى بتتصلى بيا عشان أديكي دافعة ولا أطلبلك واسطة
اندفعت لتنفي قائلة
.. لا والله يا آشري أنا بس بفضفض معاكى
عقدت حاجبيها وقالت بجدية
.. طب وماله روحى قدمي السي في بتاعك
تهدلت كتفاها ببؤس وقالت
.. أقدم أيه وازاي ما أنت عارفه جاسر آخر مرة اتكلمت معاه في شغل طلع فيا وقالى ما انت كان عندك المركز بتاعك وأن أنا اللي مبروحش لحد ما باعه
تنهدت آشري قائلة
.. تاني يا سالي تاني جاسرانت من جواكي لازم تصممي وتؤمني أن جاسر لاهوا عقبة في طريقك ولا حتى سلم لمكانة أفضل ده ركنك أنت بتاعك انت وبسجاسر عامل مكمل ليس الا
هذا ما كانت تؤمن به وتنفذه ولكن ترى ماذا أكسبها نعم ربما كسبت النجاح والقوة ولكنها في المقابل خسړت حب زوجها حب اقتنعت في تلك الفترة القصيرة التي اعتزلته فيها ولم يكلف خاطرة بمكالمة تليفونية واحدة أنه لم يكن موجود بالأصل معت عيناها بتحدي وقالت
.. صح أنت معاكى حق أنا سلمته أمري في حاجات كتير أوى وهوا ولا حاسس بيا ولا حاسس أد أيه ده كلفني
كانت تقف بالشرفة وهي تحادثها ولمحت سيارته تخترق البوابة المعدنية فقالت بسرعة
.. هبقى اطمن عليكي قريب وابقي رديماشى 
ردت آشري بعزم هي الأخرى
.. مافيش داعي أنا راجعه مصر آخر الأسبوع بأذن الله هبقى أكلمك وقتهاسلام
كانا يتعاركان طفليه الصغيران يتعاركان في غرفتهما بمفردهما
ولا أحد يهتم بهما قال بنفاذ صبر وهو يقف على باب الغرفه صارخا بهم
.. كفاية كده ياسليم رجع لسلمى لعبتها
رفض سليم العنيد الإنصياع لأمر والده واندفع صارخا پبكاء نحو سالي التي ظهرت أخيرا بنظره قائلا
.. بصي يا ماما مش دى لعبتى أنا
فاندفعت سلمى الأخرى صاړخة پبكاء
.. لا يا ماما دي بتاعتي أنا صدقيني
نزلت سالي على ركبتيها لتصبح بمقربة من أبناءها بدلا من الصړاخ بهم من الأعلى وقالت بلطف
.. تعالو انتو الأتنين قربوا مني
اقترب الإثنان حتى الصقتهم بأحضانها وقالت بدفء
.. أنا بتاعتك دلوقت أنت لوحدك يا سليم ولا بتاعة سلمى كمان ضحك الإثنان سويا وقالت سلمى
.. ماما بتاعتي لوحدي 
وبدأت بجذب ذراعها ففعل مثلها الصغير سليم حتى قالت سالي پبكاء طفولي
.. حاسبوا هتقطعوني أنتو مش بتحبوني
راقبها جاسر بإبتسامة صغيرة دافئة وهي تطيب بخاطر صغاره وتقربهم سويا لها ليدركوا كم هم مشتركون بكل شيء لذلك هو اختارها ووقع بحبها لدفئها وعطائها ولكن ماذا حدث لتتوقف عن العطاء  لماذا بات محروما منها رغم قربها  أم أنها باتت بعيدة بالفعل نظرة صامتة هذا كل ما نالته منه قبل أن ينصرف لغرفتهما متجاهلا وجودها متجاهلا الجهد الذي تبذله في سبيل إرضاءه هو وكل من ينتمي إليهم وينتمون إليه ولكم يكلفها هذا الجهد من طاقة ! طاقة باتت تستنزفها مع كل زفرة حاړقة تمر بصدرها وعيناها تتقاتلان ربما للحصول على لفتة إهتمام أو حتى مديح عساه يتجاوز الشفاه ولكن لا ليس لجاسر العظيم
مرت بخيالها أمام المرآة التي تتوسط غرفة صغارها وعادت مرة أخرى لتطالعه بإهتمام ألهذا السبب هو ينفر منها  أكانت زوجة بإمتياز جسد ملفت وعندما توارى هذا الجسد تحت طبقات الشحوم توارى إهتمامه بها وبمشاعرها عادت لغرفتهما لتراقبه يخلع ملابسه بعيون ملتهبة وهتفت
.. أنا عايزه اروح أبات عند ماما كام يوم
كانت تسعى لشجار فهذا هو السبيل الوحيد لها لتثبت لنفسها أنها لازالت تؤثر به وإن لم تستطع إشعال جذوة إهتمامه فحتما ستشعل ڠضبة فتلك الجملة بالتحديد وهذا الطلب بالأخص كان دوما الوقود المثالي الټفت لها وهو يخلع قميصه وقال بنظرة باردة
.. براحتك 
وانصرف للحمام ليغتسل هكذا دون أي إهتمام وأقسمت داخلها لو أنها جمعت قدر اللامبالاة من العالم بأجمعه لم يكن ليرقى لنصف ما قابلها به وكانت فعليا تأن لقد فقدته.. 
ظلت على تلك الحالة المتوترة بعد مكالمة المحامي المختص بشئون المجموعة الطارئة والغير عادية والتي تحمل في طياته بإختصارخبرا أسودا لا تدري كيف سيتقبله جاسر ولا ماذا سيفعل بعد سماعه وللمرة الألف بعثرت خصلاتها من جذورها بأنامل مرتعشة وهي تمسك بالقلم وخرمشاته قد أصابت الورقة المسكينة أسفله فعمت بفوضى أسهم ودوائر لا حصر لها ولا انتظام لقد سيطرت ابنة الزهري على شركة الصغير الساذج
كانت تنتفض فعليا وتخيلت نفسها لو كان زياد بشحمه ولحمه أمامها لأوسعته ركلا وضړبا كيف له أن يقدم على تلك الفعلة الشنعاء ولكن الواقف أمامها لم يكن زياد بل كان هو بإبتسامته العابثة مؤخرا يطالع لوحة سيريالية عنوانها جنون إمراة تدعى درية تقدم منها بطوات متمهلة وهو يقول بصوته الرخيم
.. مالك يادرية 
.. ابعد عنى السعادي يا أسامة
وهكذا عم طوفان مشاعرها المحترقة أرجاء المكان وقامت بظل متفجر بإغراء نحو سترتها الرمادية تشدو دفء وربما فبلوزتها الحريرية البيضاء تكشف عن الكثير والكثير كما أنها برعونة إمرأة زادت كيلوجرامين لا أكثر صارعت تنورة قديمة قابعة في خزانتها منذ عامين فقط لأنها الوحيدة المكوية فقد تأخر الصبي في إحضار ملابسها من المغسلة بالأمس فوصلت لحافة ركبتيها بصعوبة وتشبثت بقسمات ردفيها بقوة راقبها بعيون وقحة فالتفتت له زاجرة واقتربت منه وهي لا تبالي لا نظراته الملتهبة ولا لهيئتها الأنثوية الصاړخة قائلة بأمر غير قابل للنقاش
.. روح دور على أخوك واطلعو سوا على المحامى قبل ما جاسر يعرف
وهمت بإنصراف لولا أنه قبض علي ذراعها وقربها منه قائلا پغضب وأنفاس متسارعة
.. دي مش طريقة تكلمي بيها عضو مجلس إدارة يا درية
حاولت نفض ذراعها من قبضته ولكن كل مانالته حصار متمكن ولكنه خفيف الضغط وصوت متبرم هادىء
.. ممكن تقوليلي بالراحة زياد عمل إيه 
رفعت عيناها نحوه بصلابة وهي تقول آمره بهمس
.. سيب دراعي يا أسامة
وقال كاذبا وهو ينفذ أمرها
.. آسف هاه زياد عمل ايه 
هندمت خصلات شعرها تحت أنظاره المترقبة وقالت بعدها بإيتسامة مريرة
.. باع شركته لداليا الزهري
هكذا ألقت القنبلة بوجهه قبل أن تتحرك بخطوات هادئة نحو المصعد وفقد هو كل تركيزه بتفاصيل درية التي كانت تغيب خلف أبواب  المصعد المذهبة وأنفاس حاړقة تشتعل بصدره ليستمع بعدها لنغمة هاتفه المميزه تعلن عن إستقبال مكالمة من أخيه الأصغر الذى ما أن أجابه حتى قال
.. أسامة عاوز أقابلك ضرورى فرد قائلا بحزم
.. مستنيك في البيت
كان يجلس علي الأريكة حاملا كيسا من الماء المثلج فوق أنفه ليتوقف الڼزيف الذي أصابها جراء لكمة قبضة أخيه والتي استقرت تماما فوقها وهو يستمع لنقاشه مع محامي مجموعة الشركات عبر الهاتف وعيناه تتابع خطوات أخيه التي كانت تدور بغير انتظام في غرفة المعيشة الواسعة وقلبه يصلي برجاء أن ينبثق الحل من الهاتف وتعود
شركته لملكيته ولكن كلمات أخيه المتسائلة أسقطت تلك الصلوات عندما قال پغضب مكتوم
.. بعتها بكام يا زياد يا ترى كان التمن إيه حسابك في البنك مزادتش مليم
فرد پبكاء
.. أنا اتضحك عليا
شعر بتعب يصيب ساقه فجلس أمامه وقال بهدوء
.. اتضحك عليك إزاى
ولكن زياد ظل صامتا فماذا عساه أن يقول لقد قبض ثمنا مرئيا نساه بفعل شراب مخدر وقد لا يكون حتى رآه ولكن الأوراق الرسمية تثبت صحة توقيعه ظل منتظرا لإجابة أخيه الأصغر وعندما لم يحصل علي شيء صړخ بقوة قائلا
.. إزاي يازياد انطق
ارتعد زياد وعاد للخلف وقال
.. يا أخى دا أنت طلعت أنيل من جاسر
قام وشده من تلابيبه صارخا به
.. أيوه أنا أنيل من جاسرعشان رقم واحد أنا اللي شجعته يديك نصيبك ورقم اتنين خنت ثقتى فيك ورقم تلاته طلعت أنت مغفل اتضحك عليك من واحدة ست كانت عشيقة أخوك في يوم من الايام ثم تركه لاهثا واتجه نحو الطاولة خلفه وأشعل لفافة تبغ وأردف بصوت يرتعش إنفعالا
.. أنت عارف أنت إيه مش بس أتاخدت منك كتك لاء كمان طلعت كوبري
ألقي زياد الكيس الثلجى على الأريكه وقام وتقدم نحوه برجاء
.. أنت لازم تساعدني أرجع شركتي
ضحك أسامه بسخرية قاسېة
.. يا ترى هتقول لمراتك يا زياد هتقولها أيه رحت تجري وره واحده من ماضي أخوك بيعتك اللي وراك واللي قدامك
فصړخ فيه قائلا
.. كفاية بقى يا أخي أنت إيه مابترحمش
أشار له بإصبعه قائلا
.. الدنيا مش بترحم وداليا ولا آشري ولا جاسر مافيش حد منهم هيرحمك
.. أنا فعلا مش هرحمه
قطع صوته الصمت المخيم بينهما فالټفت له زياد مړتعبا واتجه نحوه أسامة مرحبا قائلا
.. درية كلمتك 
نظراته كانت كالړصاص الذى لايخطىء الهدف ونبرة صوته كانت تهدد پقتل رحيم إن أمكن الأمر
.. المحامى كلمني وجاي ورايا ودلوقتى قدامك ربع ساعة
تحكيلي فيهم بالظبط إيه اللي حصل
امتقع وجه زياد وهو يومىء براسه
حاضر هاحكي كل حاجة
أيمكن لهذا اليوم أن يكون له نهاية أروع من تلكخاطرة مرت بذهنها وهي تقف مرة أخرى على قدميها بمساعدة من جارها الوسيم لقد سقطت على الدرجات بفعل اندفاع غير محسوب الخطوات مع تنورة ضيقة تشد على ساقيها وكانت السقطة تماما تحت أنظاره عندما كان يدلف هو الآخر من باب العقار المعدنى فاندفع نحوها عارضا يده بمساعدة جاذبا إياها برفق لتقف مرة أخرى على ساقيها فالتفتت له بحرج عارم تشكره وهي تهندم  مظهرها الأشعث قائلة بكلمات متناثرة
.. شكرا ...دكتور..عن إذنك
وكادت أن تسقط مرة أخرى وهي تهرب من حصاره فحمل عنها متاعها المعتاد مع كل ليلة بضحكة دافئة وهو يقول
.. على مهلك يا مدام درية بالراحة
التفتت له قاضبة الجبين بالراحة وأين لها بالراحة!
فقالت بجمود وهي تتسلق الدرجات على نحو هادىء تلك المرة وتمد له بذراعها لتحمل أشيائها ضغط على زر إستدعاء المصعد متجاهلا يدها الممدوة وهو يقول بحبور
.. على إيه الجيران لبعضيها
نظرت له تلك النظرة المتشككة وتقدمت نحو المصعد فكما هي العادة النساء أولا حتى يتزوجن واستقلت المصعد وهو يجاورها وأنظاره تحوم فوقها بتسلية فهي اليوم على غير العادة ممتعة جدا للأنظار مما أشعره بالغيره فكم من أنظار سبقته إليها وعندما ظنت أنها النهاية لهذا اليوم اتضح أنه بلا نهاية فقد استقبلتها صرخات صغيرها مرحبا بها بتلك الكلمات التي كانت ببساطة الضړبة القاضية
.. أتأخرتي كده ليه يا ماماجدو هنا من بدري
ولكن تلك الكلمات لم تكن ترقى لمسمى القاضية تماما إزاء النظرات المسددة نحوها على نحو غير راض تماما وزعيق أصم أذنيها وهي تغلق الباب
.. ايه اللى أنت لابساه ده يادرية فيه واحده في سنك تلبس كدهده اللي أنا ربيتك عليه وأنا اللي كنت مطمن أنك عايشه لوحدك
وضعت أكياس البقالة على الطاولة وهي تنفث ڠضبا من جملته واحدة في سنكإنها تبلغ سبع وثلاثون عاما ومع ذلك التفتت له بهدوء قائلة
.. أزيك يا بابا !
وأردفت ببرود
.. وحشتنا
وتنهدت وهي تحصي داخلها ربما للألف فأبيها لن يكف عن الحديث المهترىء بشأن إستقلالها بحياتها دونه ولكنها ترسي داخل ابنها قاعدة أبدية على الصغير دوما أن يحترم الكبير نظراته كانت تصب عليها ڠضبا لايحتمل وهم يتناولون طعام العشاء وقال بغير رضى
.. مش معنى أنك تشتغلي تهملي بيتك وولادك ويكون مظهرك كده في الآخر
وضعت الملعقة بهدوء وقالت بأنفاس متهدجة
.. بابا من فضلك ممكن نبقى نتكلم على إنفراد
نفث غير راض وقال مؤكدا بټهديد
.. طبعا إحنا لينا قاعدة مع بعص
وبعد إنتهاء وجبة العشاء حملت له فنجان القهوة كما يفضلهاللشرفة بعدما أمرت أولادها بالتوجه لأسرتهم دون نقاش ووضعتها بحذر وهي تقول بأدب
.. اتفضل يابابا
أمرها بكلمات مقتضبة
.. رايحة اتطمن على الولاد عاد ليأمرها مجددا
.. سيبي الولاد دلوقت كبروا ويعرفوا يناموا لوحدهمأنا عاوزك في موضوع مهم
ابتسمت له في محاولة واهية لفرض الود المفقود بينهما
.. تحت أمرك يابابا
ركز أنظاره عليها وهو يقول
.. اسمعي اللى هقولهولك كويس ومش عاوز رد عليه قبل ما تفكرى فيه
تشبثت يدها بالمقعد وهي تقول بإقرار هادىء
.. حضرتك جايبلي عريس 
رد بفخر
.. عقيد متقاعد٤٣ سنةعلى خلق وأدب إنسان ملتزم وأنا
اللي مربيه عنده شركة أمن محترمة
هزت رأسها وقالت وهي تنصرف لغرفتها
.. أوكيهعن اذنك .تصبح على خير يابابا
عقد حاجبيه غاضبا وقال
.. هوا إيه اللي أوكيه وتصبح على خير
التفتت له وقالت بهدوء
.. مش حضرتك قولتلي إنك مش هتاخد رد قبل ما أفكر فيه كويس وأنا دلوقت محتاجه أنام واستحاله أفكر في حاجه كويس وأنا في الحالة دي
أشار لها بإصبعه منذرا
.. وأنا مش هقبل برفضك زي كل مرة يادرية وخصوصا بعد اللي شوفته النهاردة
سارت نحو حجرتها ودمائها بالفعل كانت تحترق فأبيها الغالي يعترض على ملبسها الذي اضطرت له في ظروف غير عادية وزوجته يكاد يكون مظهرها المعتاد على نحو أكثر فجورا 
الإندفاع نحو الإنتقام أمرا باعثا للتحدي والذي بدوره قد يتغلب علي كل شيء حتى أنه قد ېقتل الألم في مهده كان مدركا أنها ليست معركته وأنه ليس كأخيه الأكبر حامل لواء إمبراطورية سليم فلطالما ظن نفسه كائنا مسالما لاينبغى له مصارعة أي شخص كي يحافظ على مجد اسم سيندثر مع الوقت لا محالة هو لا يحمل كل هذا الوفاء لأسم والده ولا تلك الروح القتالية في سبيله ولكنه يحمل الألم بين طيات عقله ووجدانه أينما كان ولم يجد مايقتل هذا الألمفالۏجع أقوى مما يبدو لذلك هو يقتات على مسكنات واهية في مطاردة درية وبقية الحسناوات التي تمر عرضا بحياته إحداها ولكن بعد زيارة أخيه بالأمس و... ياللعجب أيضا هدوء جاسر الغريب أثناء تلقيه إعترافات الأخير بوقوعه بشرك لعبة بوكر غير أخلاقية وانصرافه صامتا لكأنما فقد حيلته! وجد في الإنتقام عرضا أكثر من مغرى للتغلب على هذا الألم وربما دحره لسنوات قادمة هو كان واثقا أنه سيعود ولكنه فقط يسعى لإلتقاط بعض الأنفاس الخالية من الۏجع امرا مشروعا أليس كذلك وقد يبذل في سبيله كل ماهو مشروع وغير ذلك ..توقف بسيارته الرياضية أمام منزلها وألقى نظرة خاوية لساعته الثمينة بضعة دقائق وتظهر صيده الثمين لهذا اليوم وقد كان ظهرت ببذلة عملية كحلية اللون وجدلت شعرها حتى آخره ووجهها كالعادة خالي من المساحيق تحمل ..بيد حقيبة متوسطة الحجم وباليد الأخرى تمسك بصغيرها لابد أنها في طريقها لتقله لحضانته ترجل من سيارته وسار بضعة خطوات حتى توقف أمامها وهو يلقى عليها تحية الصباح التي استقبلتها بأنظار شائنة متجاهلة ترحيبه الودود بها
.. أنت هنا بتعمل ايه 
ألقى نظرة على الصغير الممسك بكف أمه والذى بدوره يراقب طيفهصغيرها لا يشبهها هو فقط نال تلك العيون الناعسة منها لا أكثر ولكنها الآن متسعة ومترقبة للغاية لرد فعل الغريب على أمه الذي لازالت تزجره بالنظرات وهي تشد بكفها على كفه فقال بإبتسامة واسعة وهو يقدم الحلوى له
.. صباح الخير يا أيهمدى عشانك .أمسك
لكن الصغير رغم إبتسامته التي اتسعت للضعف ربمالم يتقبل عطيته بسهوله والټفت إلي أمه التي أشارت له بهدوء 
كانت عيناه مركزة عليها وعلى رد فعلها المقتضب فقال بهدوء
.. نوصل أيهم ونكمل كلامنا في العربيةالموضوع مهم بخصوص امبارح
فقالت محاولة الهروب لا سيما أنها لا تضمن أن يكون الموقف مراقبا بالكامل من والدها المحترم
.. نكمل كلامنا فى الشركة ياباشمهندس
القى كلماته المقتضبه وهو يسير متجها لسيارته دون اكتراث
.. ومين قالك اننا رايحين الشركة !
رفعت أنظارها للأعلى واطمأنت أن والدها غير متواجد بشرفة شقتها والتي تطل على الشارع حيث يقفان واتجهت لسيارته بخطوات مسرعة وهي تنبه صغيرها
.. أيهم اقعد حلو في العربية ومتعملش دوشة 
الحضانة كانت تبعد دقائق معدودة عن مقر سكنهاعادت لسيارته متجهمة واندفعت للداخل بثورة عارمة
.. على فكرة اللي أنت بتعمله ده ميصحش متنساش أنا ست عايشه لوحدى ومينفعش ولادي يشوفوك والأهم من كده أن الشغل ليه مكانه
الټفت إليها هادئا
.. أنت كنت ممكن تقولي الكلمتين دول من على باب العمارة أساسا لكنك جيت معايا لأن الشغل عندك أكتر من مكتب في الشركة
كاد يمازحها قائلا ده غير تأثيري الساحر عليك ولكن نظرة الشياطين التي تطل من عيناها جعلته يقلع عن الفكرة فاكتفى بالعقلانية سبيل في حوارهما المشحون
تنفست بعمق وقالت بجدية
.. خير فيه إيه وليه مش هنطلع على الشركة 
أجاب بغموض
.. أنا وأنت عندنا مأمورية
وانطلق بسيارته
.. أنت أزاي تسمحلها تاخد الولاد معاها محرم بيه
رفع أنظاره لأمه التي اقټحمت غرفة مكتبه بالقصر فقال بهدوء محاولا السيطرة على ثورتها العارمة
.. وهيقعدوا هنا من غيرها يعملو أيه أنت تعبانه وأنا برة طول النهار
لم تأبه لهدوءه واستطردت بنفس الھجوم
.. وأنت من أمتى بتسمحلها تبات بره أصلا 
دعك وجهه بكفيه متعبا وهو يقول بنفاذ صبر
.. أمى اللي بين وبين سالي مافيش حد ليه الحق أنه يتدخل فيه زائد إني مشغول ببلاوي مؤخرا مش مخلايني لا فايق لسالي ولا للولاد
اقتربت منه بقلق وهي تقول
.. إيه اللي بيحصل ومخبيه عليا 
نظر لها وهو عاجز حتى على التنفس فقال بإقتضاب
.. مشاكل في الشغل
ردت بسرعة غاضبة
.. أنت قلت بلاويإيه اللي حصل ماتنطق 
نظر لها ولنظراتها المشټعلة قدر خوفه أن يصيبها مكروة إن علمت بما اقترفه صغيرها الغالي قدر سعادته بهذا البريق الۏحشي الذي يطل من عيناها مؤكدا له أن أنفاسها
لازالت متشبثة بهذا الجسد وتلك الحياة فقال بهدوء
.. زياد ورطنا بمصېبة جديدة من مصايبه
جلست بهدوء أمامه وقالت
.. عمل إيه ب
رد غاضبا
.. بنت الزهري ضحكت عليه وأخدت الشركة منه
رفعت أمه رأسها إليه وقالت بجمود
.. دي بټنتقم منك
رفع حاجبيه وقال بإندفاع
.. قصدك إني أنا السب !
همست له بفحيح قبل أن تنصرف مرة أخرى لمهجعها
.. قصدي أنك أنت الهدف
وفي علم الطبيعة تعلم أن الهدف السهل هو الهدف الساكن لذلك لم يكن أمرا غير متوقعا أن يرتدي أفضل حلة لديه ويتأنق مغادرا القصر نحو شركة أخيه فهو لن يعترف بملكية آل الزهري لما ساهم ببنائة ولو بقطرات عرق
كان يلتهم المخبوزات الساخنة إلتهاما وهي ترقبه بهدوء ظاهري وفنجان قهوتها شارف على آخر قطراته وقال متفكها
.. على فكرة أنت المفروض تفطري كويس
ردت ببرود وهي تهز راسها
.. على فكرة أنا فطرت وفنجان القهوة اللي انت طلبتهولي قرب يخلص وكل ده معرفتش إيه نوع المأمورية اللي طالعين فيها
تمالك نفسه من الضحك متسليا بمظهرها الغاضب وقال
.. انت لما بتيجي تعاقبي ولادك بيكون شكلك كده 
جمعت أنفاسا متلاحقة بصدرها وهي تنظر للأعلى وقالت أخيرا
.. باشمهندس أسامة أنا بالظبط قدامي
قاطعها برقة مستنكرا
.. باشمهندس !.أنا لحد امبار كنت أسامة بس
دفع بطبق لمخبوزات جانبا وأشار للنادل ليحضر مزيدا من القهوة وقال بعملية تامة
.. أحنا لازم نعرف إيه اللي بيدور من ورانا في مجموعة الزهري يا درية
وأخيرا ! حديث متزن عن العمل انصتت له وقالت
.. فعلا بس أزاي 
رد ببساطة
.. البداية أنت
اتسعت عيناها وقالت
.. أنا !
ارتشف القليل من قهوته
.. أنت صحفيه في مجلة إقتصادية هتطلعي دلوقت على مقر الشركة أنا خليت سكرتيرتي تاخدلك معاد مع نائب مجلس الإدارة هتسألية الأسئلة اللي في الظرف وحاولي تكونى لطيفة لطيفة كلمة مكونة من خمسة أحرف معنونة لديها فقط لمطربة شهيرة تناولت منه الظرف مستنكرة وقالت بنبرة ثقيلة
.. التمثيلية دي فاشلة جدا
أقر مؤكدا بهزة رأس
.. واردبس في حالة أن النائب بصباص وعنيه زايغةالعجلة ممكن تمشي
رفعت له أنظارا حاړقة ساخرة
.. ده أنت كمان عاوزني أمثل دور الإغراء فيها
ضاقت عيناه ولم يستطع المقاومة وقال بمكر
.. يمكن الدور كان يكون مسبوك كويس لو بلبس أمبارح
احمرت وجنتها بشدة وقالت وهي تستعد للإنصراف
.. أنا غلطانة أني وافقت آجي معاك
مد يده وقبض على كفها برقة وقال بهدوء
.. أنا مش هجبرك على حاجة يادريةكل اللى بطلبه منك تكوني لطيفة وأهي خبطة ياصابت يا خابت
سحبت كفها من قبضته سريعا اللعڼة عليه لقد اعتاد الإمساك بها واعتادت هي دفء لمساته فقالت بحنق
.. اسم المجلة اللي رايحة أمثلها إيه 
ابتسم لها وهو يشير للنادل طالبا لدفع الحساب
.. هتلاقي التفاصيل كلها عندك في الظرف فيه كمان كارت آي دا علقيه وأنت داخله
.. أنت مش عجباني يا سالي
كلمات مرت بخاطرها قبل أن تفصح بها مجهدة في وجه ابنتها الصغرى التي كانت تجلس ساكنة أمام شاشة التلفاز تتابع فيلما كارتونيا برفقة صغارها..التفتت لها قائلة بإبتسامة صغيرة
.. ليه كده ياست الكل 
.. سايبة بيتك وجوزك ليه يا 
ابتسمت لها بسخريرة مريرة وهي تقول
.. بيتي ! هوا فين بيتيقصدك بيت سوسن هانم
ربتت أمها على كتفها مواسية
.. طب وجوزك!
هزت سالي رأسها وردت
.. قلت أبعد يمكن يحس بقيمتي
أشارت لها أمها نافية وهي تتنهد
.. عمر البعد ما بيقرب يا بنتي
تقافزت دموع القهر من عيناها قائلة
.. مبقاش حاسس بيا يا ماما
أمسكت الأم بذراع ابنتها وهمست لها
.. قربي أنت منه أكتر وأكتر مش تسيبيه غيرك يلهفه منك
رفعت سالي أنظارها نحو أمها على نحو مذعور
.. لا ياماما جاسر لا يمكن يخوني
لوت مجيدة شفتيها لحماقة صغيرتها وقالت
.. هوا مش محتاج يخون ياحبيبتى ..الشرع محلله أربعه وجوزك غني وألف مين تتمناه
اتسعت عيناها پصدمة وقالت
.. قصدك يتجوز علياجاسر لايمكن يعملهاالستات أصلا مش في دماغهكل اللي يشغله الشغل وأمه وعياله وبس وحتى أنا برة دايرة إهتمامه
نظرت لها مجيده ممتعضة وقالت
.. الست اللي متعرفش تضلل على جوزها وبيتها وتخليه لايمكن يستغنى عنها ست خايبة ياساليوأنت مش خايبة أنت بس نفسك قصير وبتستسلمي بسرعة
أشارت لها ابنتها لتخفض صوتها الذي قد علا جراء الإنفعال وقالت
.. خلاص يا ماما يومين بس أريح اعصابى وأرجع طالما زهقت 
تنهدت مجيدة وقالت
.. أبدا يابنتي ..ده أنتو مالين عليا البيت حتىأما أقوم أعملك عصير تروقي بالك أنت والولاد
نظرت لها سالي وهي تنصرف لمطبخها وتساقطت دموعها رغما عنها وهي تطالع صورة والداها الحبيب التي تحتل الحائط المقابل وهمست داخلها ياريتك كنت معايا 
وضعت سماعة الهاتف بأنامل مرتعشة ودقات قلبها تتقافز حتى كادت تصم أذنيها كطبول حرب ضارية لقد أخبرها موظف الأمن منذ قليل بوصول جاسر سليم وهو في طريقه الآن للطابق الأخير حيث مكتبها في تلك البناية المتواضعة بالنسبة لبناية شركة والدها الراحل طالعت هيئتها في المرآة التي تحتل عرض الحائط وهندمت زيها المكون من قطعتين غير متناسبتين إطلاقا مع الطقس المتقلب الذي يمر بالبلاد بلونه الكريمي الدافىء ومررت أناملها المرتعشة بين خصلات الليل التي تظلل رأسها الجميل وتمتد لتصل إلى ورشت المزيد من عطرها المغري وأخذت نفسا
عميقا وتظاهرت بهيئة باردة فأيا ما كان يحمله جاسر لها لابد وأنه يحمل صفة ڼارية وهي ستنجو منها بالبرودة التي ستزرعها في عروقها تظاهرت بالإنشغال في أوراق واهية لم تلتقط عيناها أبعد من سطورها الأولى وهو يقتحم الغرفة دون إنذار وخطوات البلهاء التي تتقافز خلفه وصوتها يتعالى من ورائه ورغم ذلك وصل خاڤتا مرتعشا لآذانها بكلمات لا قيمة لها في عالم جاسر سليم
.. مايصحش كده يافند
صرفتها بإشارة من يديها وهي تتهادي في مشيتها نحوه حاصدة رغما عنه نظرة إعجاب فجابهته بنظرة واثقة وإبتسامة واسعة كلمات معدودة
.. جاى تباركلي
ربما يكون تغير بقدر يسير منذ أن هجرها ولكنه لازال متمتعا بتلك الطلة الساحرة والساخرة في آن واحد وكبرياءه تعتلي رأسه شامخة ونبرة صوته قادرة على تخدير حواسها أجمع
.. لا بالعكس أنا جاي أعزيكي
عبست بدلال وقالت بلوم
.. تعزينى ! أنت مش واخد بالك أنه فات أوانه خلاص
ضحكته أذابت عظامها وخشونة نبرته أعادت تكوينها على نحو أشعث
.. ااه بالنسبة لوالدك !بس لاء مش عشان كده ولو أن الرحمة تجوز على الجمع
استجمعت شتاتها وعقدت حاجبيها وقالت حانقة
.. أومال جاي تعزيني ليه
مد يده ونزع زهرة جوري حمراء من بين مجموعة زهور منقمة فوق طاولة اجتماعات وسط الغرفة قائلا بغموض
.. ده اللي هتعرفيه قدام
تراجعت بضعة خطوات للخلف واتكأت بإغراء على سطح مكتبها الزجاجى وقالت بدلال
.. جاسرأنت جاى تهددنى وفي أول يوم أقعد فيه على مكتب مدير الشركة! مالكش حق بعد الغيبة الطويلة دي
لمعت عيناه وهو يلتفت لها
.. كل شيء وليه آخر ومن هنا ورايح أعرفي أنك تحت عينى
اقترب منها بخطۏرة بخطوات فهد فاقتربت منه بدورها وقالت وهي تتلمس كتفه بنعومه
.. يسعدني جدا اكون تحت عينيكبس ماتفكرش أبدا إني ممكن تاني أرجع تحت إيديك
ابتسم لها وقال مستنكرا وهو يزرع الوردة بين طيات خصلاتها بيد خبيرة
.. ليه ما كنت كده زمان
سارت رعشة قاټلة بطول عمودها الفقري فقالت بجمود قبل أن ټنهار أمامه وتفقد تماما ماء وجهها
.. أنت قولتها بلسانك.. زمان
وهمت بصرفه ببرود ولكنه لم تلمح سوى ظله يختفي سريعا من أمامها راقبته ساخرة لطالما كان بارعا بالإختفاء من حياتها بلمح البصر ولكن ما هي إلا ثوان معدودة حتى وصل لهاتفها الشخصي الذي لا يعرف رقمه سوى نخبة ضئيلة جدا من المحيطين بها رسالة فضغطت على الزر بأنامل مرتعشة
.. العشا بكرة الساعة سبعة في نفس المكانمستنيكي يا خمرية
وسقط قلبها من بين أضلعها فهو لازال يذكر لقبه الذي كان يتودد به إليها
كان يجوب أورقة الشركة دون هدى يطرق أبواب موظفيه ويبتسم لهم أو يزمجر بهم على حسب تقلب حالته المزاجيه على مر ثلاث ساعات متصلة ماضيةوكاد أن يرتطم بمدام هدى رئيسة قسم الحسابات فتراجع للخلف مغمغا بأسف تقبلته منه مدام هدى على حرج قائلة
.. خير يا باشمهندس فيه حاجه حضرتك تؤمر بحاجة !
برقت عيناه وهو يواجهها وقال
.. أطلبي درية من فضلك وشوفيها فين 
أومأت براسها وعادت له بعد ثوان
.. مبتردش غريبه
عبس وعقد حاجبيه أنها لاترد على مكالمات الجميع إذالقد ظن أنها تتجاهل إتصالاته المتكررة وهو يريد الإطمثنان عليها فمنذ أن تركها أمام شركة آل الزهري منذ ثلاث ساعات كاملة والقلق يتأكله وأمرا أخرا يرفض الإعتراف بهفحرفيا هي الآن بوكر زير نساء مخضرم وهيثتها المتزمتة التي طالعته بها هذا الصباح فوجىء بأنها قد غيرتها تماما قبل أن تترجل من سيارته رغم أن كل مافعلته كان بسيطا للغاية فقط فكت جديلتها وأرسلت خصلات شعرها حرة على ظهرها ومنحت شفتيها مباركة من أحمر شفاة بلون الفريزعاد لغرفة مكتبه بالطابق الثاني تاركا سكرتيرته مترنحة بصوته الصارم بجملة مفاداها
.. أول ما درية توصل تجيلي مكتبي 
عادت سكرتيرته الحسناء إلى مكتبها وعلى وجهها إبتسامة حالمة وهي مفتونة تماما بتغير حالة رئيسها بعد رحيل زوجته الشابة عن الحياة
الساعة تعدت منتصف الظهيرة وقررت المرور على صغيرها بحضانته وحمله باكرا للمنزل بدلا من أن ينتظر عودة أخيه الأكبر من مدرسته ليقله هو فسار صغيرها إلى جوارها وهو سعيد تماما بتلك المفاجئة يقفز من حين لاخر فڼهرته أمه قائلة
.. أيهم بطل تنطيط
نظر لها الصبي بشقاوة وهو يقول
.. ماما أنت حلوة أويمكنتيش كده الصبح
التفتت له ضاحكة وهي تقول
.. ياسلاام وكنت وحشة على كده الصبح 
هز رأسه نافيا وهو يقفز مرة أخرى
.. لاء بس شكلك كان مدايق الصبح
ضحكت وهي تمسك به من جديد
.. ماشى يا أبو نص لسان لو مابطلتش تنطيط أنا هشيلك
جري الصغير منها وقد اقتربا من باب العقار وهو ېصرخ ضاحكا بلهو
.. طب امسكيني الأول
اتسعت عيناها وكذلك خطواتها وهي تحاول اللحاق بصغيرها الذي اصطدم بجارهم الطبيب الطيب فتوقفت لتعتذر له
.. أنا آسفة جدا
والتفتت لصغيرها الذي توقف أخيرا أمام باب المصعد وقالت مؤنبة
.. كده يا أيهم تعالى اعتذر من الدكتور حالا
ابتسم لها نبيل وقال
.. حصل خيريالا هات الأسانسير يا أيهم
هز أيهم رأسه الكثيف طائعا واستدعى المصعد وتوقفت أمه إلى جواره وتنحنح نبيل قائلا
.. راجعين بدري النهاردة !
رفعت له رأسها بدهشة فهي كانت لا تعلم أن جارها المتيم بها يراقب تحركاتها
ولديه الآن خبرة كافيه بمواعيد انصرافها ورجوعها للمنزل رغم إنشغاله بعمله الطارىء في معظم الأحيان فهمهمت بموافقة ولكن صغيرها تطوع بتوضيح الموقف كاملا
.. ماما خلصت شغل بدري وجت أخدتني من الحضانة
جزت على أسنانها بإبتسامة وهي تقبض على كف صغيرها بحزم وتدفعه لداخل المصعد وعندما وصلا للطابق الرابع ترجلا منه وتركا جارهما يودعهما ملوحا وعلى وجهه نظرة رجاء وهو يقول
.. طب ما تتفضلوا تتغدوا معانا ومټخافيش مش أكل عزابي 
وأردف موضحا بضحكة متوترة
.. الحاجة عندي النهاردة
ابتسمت بحرج وقالت
.. بالهنا والشفا وواجب علينا يادكتور بس احنا كمان بابا عندنا النهاردة
واغلقت بات المصعد وتنفست بعمق وفاجأها صغيرها يإحدى أسئلته الغير عادية
.. هوا ايه أكل عزابي ده يا ماما طعمه حلو بتعرفي تعمليه
ضحكت دريه وسقطت منها مفاتيحها محدثة ضجة مميزة وفتح الباب وهي تهم بإلتقاطهم ورحب بها والدها بحرارة
.. كويس إنك رجعتي بدري يالا الغدا جاهز
فدلفت وعلى لسانها إعتراض لم يسمعه والدها فهي فقط قامت بمهمة توصيل صغيرها حتى لا يمضى مزيدا من الوقت وحيدا بفصله وتخطط للعودة مرة أخرى لعملها ملاحظة التغيرات الجذرية التي قام بها والدها في غرفة الإستقبال بالإضافة لعطر رجولي مميز صارخ يجوب الأجواء ولا يخص والدها إطلاقا قائلة بحيرة عابسة
.. با بابا ..بابا أنت عملت أيه ..المكان آآآ..اتغير.. مش هينفع وكده الولادبابا...
والتفتت لوالدها الذي كان يصدر سلسلة من الأوامر لحفيده ولاحظت وقوف رجل عريض فارع الطول وعلى كتفه منشفة مطبخها المزركشة والتي لا تتلاثم إطلاقا مع هيئته بقميصة الأسود وسروال من الدنيم الأزرق مبتسما لها بحرارة ويتقدم منها بخطوات خجلة واطلق والدها ضحكة عميقة وهو يربت على كتف الرجل الذي يفوقه طولا
.. هاه أيه رأيكأنا والعقيد غيرنالك ديكور الشقة كده أحسن وأوسع واستغلينا المساحة مش كده ولا أيه
صافحها العقيد بحرارة وهو يسلط بأنظاره عليها قائلا بحرج
.. في الحقيقة سيادة العميد أصر ومكنش قدامى غير أني أقدم المساعدة أتمنى متكونيش أتدايقتي
وقفت تطالع الرجل عاقدة الحاجبين كالبلهاء تماما اللعڼة عليه اللعڼة تماما عليه شون كونوري بشحمه ولحمه لن يقاربه روعة هزت رأسها صامتة ووالدها يسمعها الأروع بفخر واعتزاز وكأنما كان إنجازه هو
.. طارق هوا اللي طبخ النهاردة
وضحكتها كانت البلهاء وانصرفت لغرفتها مسرعة وهي تغمغم بغيظ
.. ياترى أوضتي في مكانها يابابا ولا اتغيرت هيا كمان !
ولم تنتظر للحصول على إجابة فهي كانت تتوق وبشدة للإختفاء داخلها جلست على طرف الفراش وهي تعد داخلها حتى تخطت العشرون محاولة التنفس بأيقاع منتظم في ليلة واحدة ظهر والدها وغير معالم غرفة إستقبالها بمساعدة غريب طاف أركان منزلها ! ولم يكتفي بهذا فقط بل وسمح له بدخول مطبخها المرتب والعبث بخزانة طعامها ليحضر لها ولصغارها طعام الغداء الذي قلما تعده بنفسها فساعات عملها الطويلة المتصلة حرمت أطفالها تلك الرفاهية هي فعليا تغلي وتزبد وعندما قررت التحلي بروح إيجابية تحطمت تماما على صخرة الواقع أو بالأحرى هاتفها الذي يحمل أحدى عشر مكالمة لم يتم الرد لقد نسيته تماما على الوضع الصامت منذ أن دخلت شركة الزهري صباحا وحتما من يغلي ويزبد هو أسامة الآن الذي راسلته برسالة نصية .. آسفة التليفون نسيته سيلينت ومش هينفع ارجع النهاردة على الشركة تاني بكرة بإذن الله نتقابل ونحكي ثم أخذت القرار الأكثر تهورا وأغلقت الهاتف !
.. آشري مش معقول المفاجئة السعيدة دى !
التفتت له وهي ترسم على وجهها إبتسامة هادئة وتمد يدها لتصافحه
.. أهلاعاصم بيه .مفاجئة فعلا
صافحاها بحرارة ونظرة إعجاب تطل من عينيه قائلا
.. حمد الله على السلامة مصر نورتأنا كنت جاي استقبل صديق ليا بس طيارته اتأخرت ونزلت ترانزيت في دبى مكتوبلي بقى أوصلك
هزت رأسها رافضة عرضه
.. ميرسي بجد بس السواق مستنيني بره
تهدلت كتفاه وقال
.. طب خلاص اسمحيلي بقى أساعدك في الشنط
ابتسمت له وقالت
.. شور ولو إني هتعبك معايا
.. بالعكس تعب إيه ده حتى شنطك قليلة أوى اكيد لمېتي اللي قدريتى عليه ورجعتي بعد الخبر اللي سمعناه كلنا
قالها وهو ينظر لها بمكر بالغ منتظرا ردة فعلها والتي كانت واضحة على ملامحها وتوازت مع نبرة صوتها المتوترة
.. خبر إيهخير !
رفع حاجبيه وقال بإندهاش كاذب
.. معقول متعرفيشزياد باع شركته لداليا الزهري
وعندها توقفت خطواتها تماما عن الحركة
لم يتغير المكان كثيرا بل ربما بقي على حالته خاطرة مرت بذهنها وهي تجتاز بسيارتها الرياضية البوابة المعدنية المنخفضة لذلك المنزل الحجري المكون من طابق واحد والذي يحوي غرفتين لا أكثر كانت في الماضي مخباءا سريا لهما لا يعلم موقعه أي شخص سواهما ترجلت من سيارتها وهي واثقة أنه لا يزال يحتفظ بتلك الميزة فجاسر سليم لن يخاطر بسمعته إذا ما شوهد برفقتها وهو الرجل المتزوج .
الهواء كان باردا خاصة بمكان واسع يحيطه اللاشيء بعض النباتات القصيرة الغير مشذبة وهواء البحر يحمل صوت تضارب أمواجه وحرصت هي على ارتداء ملابس محتشمة مكونة من قمیص سماوي مقلم وسروال أزرق ينساب على ساقيها بنعومة بالغة ورفعت شعرها وثبته بدبوس ذهبي.
فهي مدعوة لعشاء لم تحتاج لدق الباب فقد كان يقف حاملا فنجانا بمشروب ساخن وعيناه لا تفارقها قائلا وهو ينظر لساعته الثمينة
.. فكرتك توهتي 
فتقدمت منه بهدوء
قائلة بثقة ودقات قلبها تتسارع
.. أبدا المكان متغيرش 
أفسح لها الطريق مرحبا بها
.. اتفضلي 
دخلت وطالعت الغرفة الصغيرة التي لم ينالها أي تغيير درجتان للأسفل وتصبح بمنتصفها ثم تقودها لمدفئة حجرية قديمة تقتات على الأخشاب لتشع الدفء في الغرفة بمواجهة برودة رياح الخريف التي يحملها نسيم البحر من الشرفة الواسعة العبة والطاولة المستديرة داخلها تحمل فوقها شمعدانا أثريا من الفضة والشموع مضاءة وبعضها متناثر في الأركان وعلى السور المنخفض ابتسمت والټفت له بنعومة وقالت 
.. شموع وورد اتغيرت يا جاسر ! 
ابتسم هازئا وقال 
.. أنا زي ما أنا متغيرتش وأنت زمان مکنش بيهمك لا ورد ولا شموع 
واستطرد بمكر 
.. مکنش بيهمك غيري 
أطلقت ضحكة ساخرة
.. كنت هبلة فعلا لازم اعترف 
حمل لها فنجان من الشاي الساخن وقدمه لها وقال معترضا
.. کنت بريئة براءة الحب والأحلام
تناولت منه الفنجان وشربت منه القليل وقالت بعزم 
.. في دي أنا فعلا اتغيرت خصوصا أني أخدت أعظم درس على إيديك 
حرك لها المقعد المبطن بقماش القطيفة لتجلس وجلس أمامها قائلا بسخرية 
.. مافيش داعي للشكر ولو أن أنت كان عندك الإستعداد
وضعت الفنجان وقالت بمرح 
.. واضح أنه مش عشا وهنقضيها على فنجان الشاي ده والأتهامات المتبادلة.
وضع الفنجان وقال بهدوء
.. لا إزاي ده أنا حتى مستنيكي من ساعتها 
قام وشمر عن ساعديه وشرع بإنهاء طعام العشاء الذي كان يعده بنفسه وقامت هي وراءه لتمد له يد المساعدة قائلة
.. أنا ححضر السلاط
لم يعترض ودفع لها بسلة الخضروات لتقوم بالعمل ثم قال بلطف
.. إيه اللي رجعك يا داليا 
قالت بحنين 
.. اشتقت لبلدي
أجاب غیر مصدقا 
.. ولو أنك زمان کنت مشتاقه تسافري بأي شكل
هزت رأسها نافية وقالت 
.. كنت مشتاقه إني أسيب البلد ونهرب سوا نبعد عن الكل بس أنت طلعت أذكى مني
ضحك هازئا 
.. لا الصراحة الأذکی کان أمين الزهري 
وضعت السکين بعدما انتهت من التقطيع وقالت بنبرة حزينة
.. وحملتني ذنبه
أطفأ الموقد وشرع بإعداد الأطباق وقال بعد وهلة 
.. مکنش مذنب كان حقه ولو كنت مكانه كنت هعمل زيه 
ضحكت بهسيترية حتى ظن أنها فقدت عقلها وفکت خصلات شعرها ثم قالت 
.. سوري بجد بس أنت ألعن منه على الأقل هوا كان بيعمل أي حاجه عشان يحميني أنا وبس أنما أنت بتعمل كل حاجة عشان تحمي كل حد في حياتك 
وأردفت پحقد
.. حتى لو ممكن يأذيك 
هز رأسه متفکها وصب الطعام وتذوقه تحت ناظريها ثم مد لها بالطبق وعيناه لاتحيد عنها قائلا 
.. بون آبتی ومتقلقيش أنا دوقت المكرونة قدامك بس الشاي
وترك جملته معلقة في الهواء وسار بطبقه للشرفة وسارت خلفه وعيناها تلمعان بجزل ثم جلست أمامه بهدوء قائلة
.. زیاد بدأت ترجعله ذاكرته
شرع في الأكل وقال بإحتقار 
.. ودي حاجه تتنسي شركة قيمتها ملايين تروح منه في ستريب بوکر
أطلقت ضحكة ساخرة وقالت 
.. تخیل مش معقول أنا كمان ولا ملايين الدنيا تخليني أعملها
ثم استطردت بقوة
.. ولا عملتها . 
ركز أنظاره عليها والتمعت عيناه بمكر وقال 
.. برافو یا داليا بس يا تری ممكن تلعبيها لو كنت أنا الخصم 
زمت شفتيها وتركت الشوكة جانبا وقالت بإستهزاء
.. وأنا اللي كنت فاكراها دعوة عشا بريئة.
قال
.. اللعبة لسه مخلصتش يا داليا
وأردف بتهدید
.. ومش هنخلص إلا لما الشركة ترجعلي . 
مدت يدها لكوب الماء وارتشفت منه القليل وقالت
.. وأنا هرجعالك يا جاسر بس بشرط 
التمعت عيناه وقال
.. أيه هوا 
دفعت بخصلات شعرها للخلف وقالت بدلال مفرط
.. نتجوز 
وهكذا ألقت قنبلتها بشفاة قرمزية وبقي هو يحملق بها حتى ارتعشت شفتاه بابتسامة غامضة
عادت للمنزل منذ يومان وتقبل هو عودتها شاردا حتى أنه رحب بأبنائه بهدوء بالغ وصدقت أمها فالبعد جفاء بالفعل وقفت تنظم الأزهار التي تحملها كل صباح لركنها المميز في هذا القصر الشاسع أزهارا تزرعها بنفسها وتحرص دوما على الإعتناء بها ولكن أزهارها ضعيفة لا تتحمل برودة الخريف وتقلب أجواءه أزهارها مثلها لم تعد قادرة على تحمل الصعوبات التي تمر بها تتمنى لو تنقشع الغيوم وتعود الشمس لتسيطر على سماء الأرض هي مخلوقة صيفيه بل هي أقرب للربيع من يقول أن الشتاء مطر وفنجان قهوة وصوت فيروز لایدری نعمة الشمس ولا جمال دفئها وصفاء شعاعها وحرارة الجو الصافية بفضلها وأما عن صوت فيروز فهو يشع شتاءا وصيفا فلم عساها تتمتع به فقط تحت وطأة زمهریر.
.. صباح الخير
نبرة صوته الدافئة أرسلت لجسدها القشعريرة فالتفتت له وتركت الأزهار هامسة
.. صباح النور 
جلس لطاولة الطعام ليتناول فطوره الذي حمله من المطبخ في هدوء ثم قال 
.. الولاد فين مش سامعلهم صوت 
تابعت عملها بأصابع متوترة وأجابته متوقعة منه الزجر 
.. طلعوا رحله للمكتبة تبع النادي هعدي عليهم الساعة ۱۲ أخدهم.
ابتسم لها على حين غرة 
.. كبروا وبيطلعوا رحلات دلوقتي
ابتسمت له بصفاء وقالت 
.. وسليم ماشي الصبح عمال ينبه على سلمى تمسك إيده وماتبصش على حد
أطلق ضحكة عالية وبعدها ساد الصمت بينهما وظل
ينظر لها ثم قال بحنان دافيء 
.. ما تسيبي الورد اللي في إيدك ده وتعالي اقعدي معايا
هاربة هي بكل تفاصيلها وبالأخص عيناها وكلما عمدت للهروب استهوته مطارداتها لتعود بمكمنه هادئة فيطمئن هو لسكونها نظرت له متوترة ولا تعلم لم قفزت الدموع لعيونها لقد فقدت القدرة على التقرب منه بحديث سوی بکلمات متناثرة عن حال الصغار ولم تكن يوما ماهرة بالحكي عن نفسها أو عن مشاعرها وهو غامض ككهف حالك السواد لاتدري مابه ولا بأي أرض تطأ إلا عندما يرشدها هو بضوء خاڤت جلست أمامه صامتة وبادرها بمسكة حانية لكفها البارد وقال هامسا
.. إيديكي ساقعه 
هزت رأسها وحاولت سحب كفها ولكنه استبقاها بل وحاصر الآخرى وقال بدفء 
.. أنا عارف أني ساعات بضغط عليكي وعارف ومقدر کویس أنك بتستحمليني لكني دايما واثق أنك هتفضلي على طول مستحملاني 
ثم رفع ذقنها بطرف إصبعه وحملق بعيناها البنية الدافئة واستطرد برجاء 
.. يا تری أنا غلطان ياسالي ياترى بطلتي تستحمليني
هزت رأسها نافية وانهمرت دموعها وقالت
.. أبدا عمري
مسح دموعها سريعا وقال بصوت أجش
.. متعطيش مبستحملش دموعك
وغمرها بأحضانه وهو يربت على كتفها ثم قبل رأسها وقال بهدوء 
.. أنا هروح الشغل دلوقت لو عوزتي حاجة كلميني
وهكذا كما يقولون شمس الشتاء عزيزة كذلك شمس مشاعرة ودفئه الذي يغمرها به فما كانت سوى دقائق معدودة حظيت بها بقرية لم تثرثر لم تبح بما يعتمل بصدرها من مخاۏف فقط طمأنته أنها ستظل دوما إلى جواره واطمأنت أنه لايزال يرغب بذاك القرب 
لأول مرة يتعالي صوتها بصړاخ في وجهه فهي كانت تعامله دوما معاملة الأطفال على الرغم من أنها تصغره بخمسة أعوام لا تلجأ للصړاخ ولا المطالب بصوت مرتفع وإلا بادراها بالعند ولكن فاض الكيل
.. فيه أيه بينك وبينها 
رد زاعقا
.. قولتلك مافيش حاجه 
.. وبعتلها ليه الشركة 
وفجأة ومن غير أي مقدمات هدر بها 
.. مالكيش دعوة بشغلي شغلي وأنا حر فيه 
اتجهت لحقيبتها وأخرجت هاتفها والصورة التي لازالت تحتفظ بها 
.. والصورة دي كانت شغل برضه یا زیاد 
حملق في الصورة وقال مرتبكا 
.. كمان باعته جواسيسك ورايا
ردت حانقة 
.. أنا مبعتش حد وراك الصورة دي وصلتني من حد من مصلحته أنه يوصلهالي
ثم اقتربت منه وقالت هامسة بحړقة 
.. ولأن ثقتي فيك كانت أكبر أن مدیتهاش أهمية لذلك ولآخر مرة يا زياد بسألك فيه أيه بينك وبين داليا الزهري 
رفع رأسه وقال بتصميم 
.. مافيش عاوزة تصدقي أنت حرة مش عاوزة برضه أنت حرة
وخرج وتركها خرج هاربا خرج لأنه بات لايقوى على المواجهة مواجهة واقع أنه خسر عمله وشركته وأمواله وعلى وشك خسران زواجه واستقراره بالكامل
عيناه كانتا تلمتع پغضب ۏحشي وهو يراقب تقدمها داخل بوابة الشركة من نافذة مكتبه متأخرة بساعة كاملة بعد ما حدث بالأمس وتجاهلها الرد عليه وتلك الرسالة النصية المختصرة جدا تظهر في اليوم التالي متأخرة ! ! رفع سماعة الهاتف ثم قال لموظف الأمن
.. مدام درية وصلت يا عرفة
أتاه الرد
.. أيوه يا باشمهندس وطلعت على فوق 
قام وخلع سترته القائمة السواد وشمر عن ذراعيه وسار بخطوات حازمة حتى الخارج وطالعته السكرتيرة بنظرة مشوبة بالإعجاب وخاصة أن هيئته كانت أقرب لأحد ممثلي هوليود بقميصه وسرواله الأسوديين وخصلات شعره التي قصرت بعض الشيء ولكنها لازالت تقترب من یافته فهبت واقفة وقالت بغنج
.. تؤمر بأي حاجة ياباشمهندس 
نظر لها بطرف عيناه وهو يطالع الحسناء التي استقرت على مكتبها منذ ثلاثة أسابيع لا اكثر ثم اقترب منها بحميمية وقال
.. فكريني بإسمك تاني 
قالت بصوت مبحوح
.. میار
هز رأسه بغموض ومضي في طريقه وتركها كانت لازالت تفاصيل صباحها بل مساؤها المشحون تطاردها عراك محتدم بينها وبين العميد الذي هدر بها غاضبا هتتجوزيه ورجلك فوق رقبتك واستيقظت لتجد أن والدها قد غادر تاركا لها مظروفا يحمل عشرة آلآلآف من الجنيهات أهكذا يظن يحمل لها حفنة من الأموال لتنصاع لأوامره هي ما عادت طفله كانت تدق بأصابع متوترة على لوحة مفاتيح الحاسوب تراجع قيمة أسهم الشركات المنافسة ومن حين لآخر ترتشف القهوة الساخنة التي حړقت حلقها ولكنها تابعت الشرب غير عابئة العبة عاشق والسؤال الحانق يتردد بداخلها عابثا بسلامها النفسي  أيظن أنها لازالت طفلة توقف المصعد وفتح الباب وظهر بهيئته الشيطانية وسار بعنجهية مفرطة متجاهلا النظر إليها فطالعته متعجبة وهو يتجه لغرفة مكتبه التي لم يطأها من قبل واستمعت لنبرة صوته الآمرة قائلا ببرود
.. ورايا
اتسعت عيناها پغضب ماجن أهكذا أصبح هو الآخر يتحدث إليها ! وكعادتها عندما تغضب تأخذ شهيقا عميقا وتتوالى الأرقام داخلها حتى العشرون فالعشرة لم تكن يوما كافية طرقت الأرض الرخامية بحذائها المدبب وحاولت مسح ملامح الڠضب المنحوتة بدقة على وجهها مكتفية بتقطيبة جبين واضحة لم تحتاج لطرق الباب فقد كان مفتوحا على مصراعيه إلى أن دلفت منه فأغلقه ورائها بهدوء وبعثر التوتر مشاعر الڠضب داخلها فوجودهما فقط في الطابق سویا خلوة كافية فلم عساه يوصد الباب عليهما وكأنما استمع لمخاوفها فابتسم لها وقال بإستهزاء تام
.. عاملة إيه يادرية أزيك وأزي الولاد
قطبت جبينها أكثر وقالت معترضة 
.. إيه الأسلوب اللي بتكلمني بيه ده 
أشار لها بيده مستفهما قائلا بحدة 
.. ليه ما أحنا أصلنا جايين نتسامر مش نشتغل 
وكانت الحدة من نصيبها هي الأخرى
.. أفندم 
اقترب منها صارخا 
.. ماهو أنا لما أبعتك مأمورية وبدال ما تتفضلي وتتكرمي وتتعطفي تردي عليا حضرتك تروحی بیتکو ولا كأن فيه أي حاجة يبقى احنا جايين نتسامر ماهو أنا أصبی کنت باعتك تسلي روحك مع العضو المنتدب في شركة الزهري 
اقتربت منه هي الأخرى وبرقت بعيناها بۏحشية في مواجهته قائلة 
.. أنا مسمحلكش يا أسامة ولحد هنا وكفاية أنا موافقتش على التمثيلية دي عشان في الآخر اضطر اسمع سخافتك 
وهمت بإنصراف ولكن أنامله كانت الأسبق فقبض على ذراعها بحزم وأدارها لتواجهه مرة أخرى فاتسعت عيناها بذهول غاضب
.. أنت اټجننت أنت أزاي تمسكني كده 
تجاهل اعتراضها وقال پجنون
.. عمل إيه معاكي إمبارح 
جذبت ذراعها تلك المرة بقوة وقالت بحزم 
.. لما تبقى تهدي وتعرف أنت بتقول إيه يبقى نتكلم
وفتحت الباب ودفعته ورائها بقوة وعادت مرة أخرى إلى حيث مكتبها ووجهها أحمر كقرص الشمس لحظة الغروب وداخلها مكتظ بكل مشاعر الڠضب والجنون وكانت تلك المرة الأولي له التي يراها في تلك الحالة فبادرها بسؤال مهتم
.. خیر پادرية مالك 
ولم يحتاج لإجابة درية التي عادت لمقعدها وهي تحييه بإقتضاب فقد كان ظل أخيه الذي يندفع من الغرفة تسبقه شياطين السعير خير إجابة فقال بهدوء قدر استطاعته
.. صباح الخير يا أسامة 
ثم تناقلت نظراته بين الأثنين وأردف ساخرا
.. ولو أنه مش باين 
ثم عاد لتوجيه حديثه لأخيه الذي كان بإنتظار المصعد ببرود
.. أسامة عاوزك
ودخل مكتبه فالټفت الأخير له وأطلق نظرة متوعدة بإتجاه تلك التي تتجاهله متعمدة فاقترب منها هامسا بوعيد
.. كلامنا لسه ماخلصش
أغلق جاسر الباب بهدوء وقال بصوت لا يقبل الجدال 
.. عشان نبقي واضحين ياأسامة أيا ما كان اللي في دماغك لحد درية وستوب 
الټفت له وضحك ساخرا محدقا فيه بتحد تام 
.. وأنت بقى اللي هتعرفني إيه اللي عنده وأقف 
أشار له جاسر بإصبعه مهددا 
.. أبعد عن درية يا أسامة 
هز رأسه وقال بعند
.. ميخصكش یا جاسر أنت اللي لازم تعرف حدودك أنا مش عیل صغير ولا أنا زیاد 
كانا على وشك الدخول في عراك محتدم لولا طرقات درية الهادئة التي قطعت لحظاتهما المشحونة دخلت بهدوء لتضع على سطح مكتب جاسر أوراقها التي تحملها قائلة برود متجاهله صراع الأسود الذي يدور في الخلفية 
.. دي نسختين من تقرير عملته عن حركة الأسهم والمعلومات اللي وصلتلها من مأمورية إمبارح باشمهندس أسامة 
ثم أردفت بحزم
.. زائد طلب أجازة لآخر الأسبوع یا جاسر من فضلك 
نظر لهما جاسر حانقا وقال بحدة موجها حديثه لأخيه
.. مأمورية أيه 
سدد أسامة نظرة غاضبة نحو درية التي كانت تبادله النظرات متحدية غير عابئة وقال بهدوء غامض
.. هتعرف من التقرير اللي عملته درية لعبة عاشق
ثم انصرف اتجه جاسر لمكتبه وهمت درية بالإنصراف هي الأخرى حتى استوقفها جاسر قائلا بوضوح .
. ياترى الأجازة دي رد فعل على تصرفات أخويا 
التفتت له وقالت وهي ترواغه 
.. أنا عارفة أنه التوقيت مش مناسب بس أنا مضغوطة من كذا ناحية واتطمن أحنا مع بعض على التليفون وهقطعها لو حصلت أي تطورات 
هز رأسه موافقا وقال بصوت لا يقبل الجدال 
.. ابعتي البديل وخدي بقية اليوم راحة وبكرة بعده تكوني على مكتبك 
ثم طالعت عيناه التقرير الذي أعدته وتعجب من دقة الأرقام فقال وهو يسدد نحوها نظرة ماكرة 
.. يظهر أنه من الأفضل معرفش نوع المأمورية
فأشاحت بأنظارها بخجل وخرجت صامتة فماذا عساها أن تخبره أنها قد تقمصت دور إمرأة لعوب للحصول على معلومات بالغة السرية فقط لساعتين زمن ولو استمرت لربما حصلت على ماهو أكثر فهذا العضو المنتدب رجل أهوج قد يورط الشركة في مصائب مقابل رفقة حسناء وبدلا من أن يوجه أخيه الشكر لها بادرها بإتهامات مخزية .
طلته كانت مختلفة بعيناها طلتها هي الأخرى كانت مختلفة بعيناه لم تستاء من التغيرات التي طرأت على مظهره لأنها كانت واثقة تماما من معدنه وطيبة قلبه ولكن الإستياء كان من نصيبه فقال متبرما .
. عمل فيكي إيه الۏحش الكاسر 
ضحكت بتوتر وهي ترحب به يإهتمام بالغ
.. اتفضل يا أسامة أزيك عامل إيه 
رفت نظراته وهو يطالعها قائلا
.. خسيتي 
ابتسمت بحبور وقالت
.. بجد أهوه أديني بحاول 
إبتسامتها لم تصل لعيناها قط وسرعان ماغابت عن شفتيها وهي تقوده للداخل قائلة بهدوء 
.. أظن أنه سوسن هانم نايمة دلوقت بس هيا ممكن تصحی کمان شوية.
رد بهدوء .. ولا يهمك أنا ممكن أقضي بقية اليوم معاكم ده لو مکنش بدايق 
التفتت له وهي تنفي سريعا
.. بالعكس أبدا ده أنت تنورنا
.. سالي أنت بطلة 
باغتها بتلك الكلمات عندما همت بالإنصراف للقيام بواجب الضيافة فالتفتت له قائلة بتوتر
.. ليه بتقول كده
قال وكأنما يؤكد لها حقيقة 
.. اللي تعاشر جاسر والنسخة الأنثوية
منه لازم تكون بطلة
ثم أردف بلطف 
.. متعمليش حاجة وتعالي احكيلي مالك ليه شكلك تعيس کده
توقفت الكلمات عند شفتيها وحشر صوتها في حلقها حتى ظنت أنها ستختنق والدموع هددت بإنهيار مزر أمامه فهزت رأسها نافية وقالت وهي تشدو هروبا 
.. تعرف أنت بتفكرني ببابا الله يرحمه كنت ممكن أعرف أمثل على ماما لكن بابا . 
وصمتت وجاهدت الدموع التي توالت بالطرق على جفونها بقوة أكبر عند ذكرى والدها الحبيب ثم أردفت بصوت متحشرج
.. كان بيقفشني كل مرة خليها وقت تاني يا أسامة أنا ورايا مشوار مهم الولاد فوق في أوضتهم بيلعبوا لو تحب تقعد معاهم
وتركته ينظر لهروبها بحيره لاعنا أخيه في سره ..قضى فترة لا بأس بها باللهو مع أبناء أخيه سليم كان يتحاشي اللهو بصخب وعندما يهم بفعل ما يتراجع عنه سريعا وكأنما يخشى التمتع باللعب حقا كأي طفل في الثامنة من عمره أما سلمى فكانت فتاة بريئة مرحة لم تكف عن السؤال عن ابنة عمها وإلى أين ذهبت وكيف لها أن تتركهم فكان سليم يقاطعها پعنف عندما تذكرها حتى هدئه أسامة وقال له 
.. براحة على أختك يا سلیم أنت لازم تكون حنين عليها وتحميها مش تزعقلها وتتخانق معاها 
فرد سليم متبرما
.. ماهي أسئلتها غبية
ابتسم له عمه بدفء وقال 
.. عشان بتسأل عن مريم طيب أنت موحشتکش
هز رأسه وقال بحزن
.. وحشتني
فرد أسامة بحنان 
.. أنا كمان وحشتني جدا بس اللي مصبرني أنها عند ربنا في الجنة بتلعب ومبسوطة 
فقالت سلمى بعقل طفلة في الخامسة من عمرها لا تستوعب معنى الفراق 
.. طب ما نروحلها نلعب معاها
هز العم رأسه مؤكدا بهدوء 
.. هنروحلها في يوم من الأيام كلنا هنروحلها.
.. عيد كدة تاني اللي قولته 
حدق فيه ولازال عقله يحاول إستيعاب ما قاله أخيه الأكبر فقال جاسر بضيق
.. فيه إيه مش مفهوم في كلامي 
قبض على لسانه كي لا يتفوه بألفاظ قد تسيء لأخيه محاولا الهدوء ولكن محاولته لم تكن جدية بالقدر الكافي إذ أنه رد صارخا 
.. أنا عايز أعرف أنت حدودك فين بالظبط إيه اللي ممكن يوقف جاسر سليم
رد پعنف
.. أنا مافيش حاجة ممكن توقفني ومافيش حد يلوي دراعي
ضحك أسامة بسخرية وقال
.. طب ما أهيه بتلوي دراعك
فرد جاسر بهدوء 
.. الجواز مش لوي دراع ده قبول أو رفض بين أي طرفين
التمعت عيناه بحدة وقال 
.. وأنت موافق یا جاسر
ضاقت عيناه وقال 
.. القرار مش بتاعي لوحدي
حدق فيه غير مصدقا وقال 
.. أنت ممكن تعمل كده في سالي فعلا 
رفع أنظاره نحو أخيه وقال 
.. إحنا في مركب واحدة وهيا پتخاف على مصلحتي
زعق فيه حانقا
.. أومال بتقولي ليه هه لمجرد العلم بالشيء أنت أصلا واخد قرارك ومش محتاج ليا ولا لغيري ولا هامك حتى الأرقام ولا المعلومات اللي جابتها درية
لم يستطع المقاومة أكثر من ذلك فاندفع نحو عبوة السچائر التي تخص أخيه وسحب واحدة وهو الذي أقلع عن الټدخين تماما منذ عام تقريبا ونفثها بقوة 
.. مش كفاية وماتضمنش أن الشركة ترجعلي
عندها بهدوء قال ساخرا .. ترجعلك! مش ترجع لزياد 
حل ربطة عنقه وهدر 
.. ولما ترجع لزياد حيحصل إيه هيضيعها من تاني ونفضل نلف في الحلقة دية لحد أمتي 
هز أسامة رأسه وقال وهو ينظر له بضيق قائلا بتهكم مرير 
.. أنت أصلا واخد قرارك ومافيش حاجة هترجعك إلا لما تخسر عارف وأنا هسيبك تخسر وافتكر كلمتي ياجاسر افتكرها كويس
واقترب منه ولكزه بإصبعه في كتفه قائلا بتصميم 
.. أنت محتاج الخسارة عشان بعد كدة تعرف تقدر قيمة اللي معاك
تمر على المرء لحظات يتمنى لو لم يختبرها قط ولكن للقدر لحظاته الفارقة في زمن قريب بمكان ليس ببعيد خرجت شابة في منتصف العشرينات من بيتها لتتجه لزيارة صديقتها التي انتقلت للحی القريب منذ يومان فقط زيارة لو أطالتها لساعة واحدة فقط في ثرثرة نسائية ما عرفت بخېانة خطيبها الذي كان يجلس في مطعم برفقة أخرى وهو الذي أخبرها يوم الأمس أنه سيكون مسافرا بعمل ولشدة هول المفاجأة عليها تركت الفتاة سيارة الأجرة التي كانت ستقلها عائدة لبيتها وهي تتجه للمطعم لتصب على الخطيب الغادر ڠضبها وكانت المحظوظة التالية بتلك السيارة الخاوية في هذا الوقت المزدحم سالي التي لم تكن محظوظة بقدر كافي إذ عادت لقصر آل سليم مبكرة حاملة هدية عيد ميلاد لزوجها وحبيبها وقررت لشدة حظها أن تدخل من باب الشرفة الواسع بدلا من البوابة الرئيسية للقصر لتضعها في حجرة مكتبه حتى تكون مفاجأة لطيفة له. عندما يعود ولكن المفاجأة لم تكن لطيفة إذ لم تكن أبدا ! ! فسالي استقرت على الأرض الباردة للشرفة المظلمة ودموعها تجري أنهارا على صفحة وجهها البريء في صمت تام بجوار الحقيبة التي تحمل هديتها التي غلفتها برونق خاص فلقد سمعت للتو قرار زوجها بالزواج من أخرى والسبب لم يعد أبدا مهم !  لقد فكر وقرر واختار رغما
عنها فكما قال هما الإثنان في مركب واحدة وما قيمتها بمقارنة شركة تقدر بملايين الجنيهات  لو أراد إختيارها لكان فعل وبكل الأحوال هي خاسرة إن رفضت فستخسره وإن قبلت أيضا ستخسره لا تعلم كيف دفعت بساقيها للنهوض ولا بعد كم من الدقائق تماسكت وحملت هديتها بوجه بارد ودموعها تشق داخلها نهرا الا قرار له ودلفت من باب القصر الشامخ لمحت الأضواء الخاڤتة تهرب بظلها من خلف باب غرفة مكتبه فتجاهلتها متعمدة وصعدت للأعلى حيث دفء أبنائها هاربة ولكن شيئا ما جعلها تتوقف أمام حجرتها نعم هي المسئولة الأولى عما آلت له حياتها هي من رفضتها وكرهتها وجرعتها كؤوس الهوان والذريعة أم مريضة  سمعت آه خاڤتة تلتها أخرى توقعت أن تنشب داخلها نیران الحقد وأن يرقص قلبها طربا بذاك العڈاب ولكن عڈابها كان أكبر وبيقظة ضميرها الذي لا يهدأ اتجهت بخطوات هادئة نحو غرفتها وطرقتها بحرص وخطت داخل الغرفة المظلمة لمعة عيناها أرشدتها لمكانها لقد كانت تفترش الأرض أمام الشرفة أضاءت المصباح الخاڤت وقالت بتساؤل مرتجف
.. أندهلك نعمات هزت لها رأسها نافية وقالت بقسۏة الألم وقوته
.. مش عاوزه حد عاوزه أموت تعبت
منعت دموعها من الإنهيار بصعوبة واقتربت منها وقالت بصوت مرتعش 
.. طب على الأقل قومي معايا على سريرك مينفعش ټموتي على الأرض
نظرت لها بكراهية وقالت
.. ده اللي بتتمنيه
ابتسمت لها ساخرة 
.. لیا آه بقيت بتمناه وليكي إن كان فيه راحة ليكي 
جذبت ذراعها فجأة بقوة تتنافى مع مرضها وقالت وهي تدفع بجسدها للأعلي بمساعدة ذراع سالي الممدوة لها بخشونة
.. التأخير من عندك
لم تتمالك سالي نفسها وضحكت ودموعها تنهمر وهي تدفع بجسد سوسن النحيف نحو الفراش وهي تهمس لها
.. مافيش فايدة
أمسكت سوسن بكفها قبل أن تبتعد وقالت بحزن 
.. منكرش أنك السبب بتمسك بأنفاسي عشان أعيش وأقهرك زي ما أنا مقهورة منك 
رفعت لها سالي أعين لائمة وهي تقول بنبرة تعيسة
.. لیه قهرتك ليه بتقولي كده عملتلك إيه 
هزت سوسن رأسها وأخفضت عيناها خجلا وهي تجذب الشراشف الوثيرة نحوها تشدو دفئا فعظامها لم تعد تتحمل برودة الطقس وقالت
.. أكتر واحدة حبها أكتر مني 
هزت سالي رأسها نافية وقالت بهدوء وكأنما تقر لها واقعا 
.. أنت غلطانة ابنك بيحب نفسه أكتر ولو كان بيحبني مکنش أجبرني أعيش معاك لخاطرك 
رفعت سوسن أنظارها وقالت معترفة
.. لاء هوا عشان ضميره مش أكتر
جلست سالى إلى جوارها وقالت وهي تحصي 
.. طيب يبقي مش أنا ضميره وهوا ونفسه وبس
همست لها پخوف
.. کرهتيه 
هزت رأسها وقالت مزدرية حالتها والدموع تغالبها 
.. ياريتني كنت أقدر حتى بعد اللي عرفته ياريتني كنت أقدر 
لم تصدق أن يد سوسن من تربت على كفها المنبسط أمامها وهي تقول لها باسی
.. معلش 
التفتت لها سالي ومسحت وجهها وأنفها بقوة وأجبرت نفسها على التوقف عن البكاء وتأملت بشړة المرأة الشاحبة ثم قالت بنبرة هادئة
.. تحبي أجيبلك حاجة 
دفعت برأسها للخلف وقالت بخجل وهي تغمض عيناها
.. هوا أنا حاولت أخد جرعة زائدة من المسكن وأخلص بس مالقتش غير حابيتين ناوليني المصحف أقره شويه يمكن ربنا يغفر لي 
اتسعت عينا سالي وهي تنظر لمن تصارحها بمحاولتها للإنتحار بهدوء وبرود تام فقامت تبحث عن المصحف الكريم لتلبي لها رغبتها حتى عثرت عليه وعادت لها وهي تلوم نفسها لضعفها وقلة حيلتها إمراة تتحمل من الآلآم ما لا يمكن تحمله حتى أنها تفكر بالإنتحار وتنهي حياتها هربا من شقاء مرض وقوته وهي ټنهار لرغبة زوجها بالزواج من أخرى يالها من مٹيرة للشفقة فليذهب ويتزوج من النساء ما يشاء اللعڼة عليه هي لن تبالی فالخسارة واحدة ولا عزاء إلا للكرامة وهي ستواجهه بكل ما أتيت من برود حفظا لبقايا ماء وجه وربما بقايا لما كان في يوم يدعي زواجا تحت مظلة حب
لسعة البرودة في الأجواء كانت غير محتملة ولكن أنفاسة المشټعلة والتي تصب بنيرانها في حلقة مرسلة بأدخنة ټخنقه كانت الأقوى سعل بقوة وبعند تملکه قرر إستكمال لفافة التبغ لآخرها هل يمكن أن يقوم بالمستحيل نعم لقد كان من رابع المستحيلات بالنسبة له الجمع بين زوجتين فهو كائنا إنفراديا بطبيعة حاله يشفق على ذويه ممن يتحملون وزر مثنى وثلاث ورباع فأين لهم بالعدل رحم الله إمرؤ عرف قدر نفسه وهو لم يكن يوما بالعادل ولكن الحسن حظه أن رفيقة دربه تتحمل مغبات ظلمه بنفس راضية ولا يدري أيصارحها ويخيرها وبهذا يكون عادلا أم أنه في الواقع مستمرا بظلمه لها
قبلت جبين صغارها ورفعت ألعابهم المتناثرة وعادت لغرفتها ووضعت هديتها التي كانت تحملها على طرف الفراش يإهتمام ولمحته ينفث دخان سجائره لقد عاد للتدخين إذا لابد أن الموضوع عويص خاطرة ساخرة مرت بذهنها وهي تبتسم له بهدوء مرحبة رفع حاجبيه تعجبا وقال لها
.. لسه راجعة 
هزت له رأسها وهي تخلع وشاحها ذو اللون الزيتوني من أعلى رأسها ونثرت خصلاتها البندقية الناعمة حول وجهها وهي تواجه صورته في المرآة أمامها قائلة
.. من شوية
لمحت علامات الڠضب تزین جوانب وجهه وترسم تقطيبة
مثالية أعلى جبهته وهو يتقدم منها فاستدارت تواجهه ليقول بحدة
.. الساعة ۱۱ کنت فين كل ده 
تناولت الحقيبة الورقية السوداء اللامعة التي كانت مستقرة على الفراش وقدمتها له قائلة بهدوء .. كنت ناوية استنی کمان ساعة كل سنة وأنت طيب 
عقد حاجبيه شاردا وهو يستدعي الذكري مطالعا هديتها الثمينة دبوس ذهبي صنع خصيصا له يحمل حرفي اسمه كان واثقا أن زواجهم يعود لفصل الصيف وعندما طال صمته قالت بنفاذ صبر
.. ۱۱ ۹ عيد ميلادك 
ارتسمت ملامح الدهشة على وجهه وقال بصدق 
.. أنا فعلا كنت ناسي محستش أصلا أمتي الشهر دخل متشکر 
تنازعت الكلمات على طرف لسانها ولكن بقي الصمت القاهر الأقوى يتربع فوق عرش شفتيها وهي تنظر له وعيناها تحمل تأنيبا إتهاما رفضا لما سوف يصارحها به وإذعانا في الوقت نفسه لما سوف يطلبه منها أمسك بكفيها وهو يشعر بالذنب يتاكله حملت له هدية ليحمل لها خيارا أقسى مايكون بل هو أقرب لطعڼة قائلا
.. سالي أنا كنت عاوز أتكلم معاكي في موضوع مهم 
هربت بعيناها وسحبت كفها الدافيء بعيدا عن مرمي كفه البارد فهي غير قادرة على المواجهة حتى لو ظنت أنها مستعدة لها لا ليس بعد فاستبقته بكلمات تتسارع على لسانها بإهتمام بالغ 
.. جاسر هوا طنط مش كان المفروض تعمل عملية تانيه بعد اللي عملتها من سنة 
توترت ملامحه وعقد حاجبيه بقوة أكبر وهو يحاول سبر أغوارها وقال بدهشة 
.. آه . بتسألي ليه 
تجاهلت سؤاله وأردفت
.. ليه معملتهاش
رد بنفاذ صبر
.. الدكاترة اختلفوا على أهمية العملية وفيه اللي حذرنا إنها ممكن تفقد ذاكرتها بسببها
اتسعت عيناها وقالت بعصبية 
.. وفيها إيه لما تفقد الذاكرة مش أحسن من العڈاب اللي هيا عايشه فيه 
هز رأسه حانقا هو الآخر فهي تعبث بأفكاره وبقوة جأشه بأسئلتها المتكررة وتوقيتها الغير مناسب إطلاقا لما سوف يلقيه بوجهها وفي الوقت نفسه ملقية بظلال الذنب لقراراته السابقة والحالية فقال ضائقا 
.. مش فاكر ياسالي. مش فاكر ليه وقتها أنا وأسامة قررنا أنه مالهاش لازمه وقتها كانت آراء كتير من الدكاتره وحتى الدكتور اللي قالنا على موضوع فقدان الذاكرة ده مکنش معروف أوي عشان نمشي وره کلامه 
نظرت له وهي تراقب حركاته المتوترة فهو قد نزع ربطة عنقه پعنف وألقاها أرضا فك أزرة ياقته وقميصه بل وهم بخلعه وكل ذلك في ثوان معدودة! ثوان خضع فيها جاسر العظيم لضغط عصبي وهي التي عانته السنوات شتی وبالكاد تتماسك وتحارب بأنفاس لاهثة حقا ما أضعف الرجال لا يملكون سوی حنجرة قوية وعضلات مفتولة برها وجلدها وقوة تحملها فابتسمت بهدوء وقالت عاتبة
.. براحة ياجاسر ده مکنش سؤال 
لمعت عيناه وهو يخلع قميصه ويواجهها بقوة وبنبرة شرسة قال 
.. أيوا أفهم بقي السؤال ده لازمته إيه دلوقت ياسالي من إمتی الإهتمام بحالة أمي ومرضها ومن أمتي بتصعب عليكي
هزت رأسها بيأس وقالت بتهكم
.. كل حاجه عندك لازم يكون لها سبب كل إهتمام صادق لازم يكون وراه دافع ولو مهتمتش يبقى بكره ولو اهتميت يبقى فيها إن . . وبعد ده كله تقول على نفسك أنك مهما تعمل مش عاجب 
فضحكت وهي تدفع بدموعها بعيدا وأردفت
.. والله أنا احترت أراضيك أزاي!
ظلا يتبادلان النظر بصمت لوهلةفقط لوهلة حتى تمتمت بخفوت وهي تبتعد عنه نحو باب الحمام
.. ولا أقولك . . . 
والټفت له وقالت متعمدة جرحه بسخرية حاړقة
.. أصلا معدش يفرق عندها 
رسمت شياطين السعیر درب المصارحة التي كان ينتويها بكل شراسة بدلا من ملائكية ضميره المعذب بالذنب لنر إن كانت حقا فقدت الإهتمام وما مدى قوة لامبالتها لنر إن كان ما سيقوله سيصنع فارقا أم لا كما تدعي فقال بقوة
.. سالي أنا قررت أتجوز التفتت له 
وقالت يإزداراء أشعل الڼار في هشيم روحه
.. ألف مبروك 
فاقترب منها وهمس بفيحیح وكأنما يرجو طعڼة أخرى
.. الخميس الجاي 
فعادت له بخطوتان وقالت وعيناها تتصلب في مواجهته
.. خليها الجمعة أحسن 
فاقترب بدوره وهمس
.. یعنی أنت موافقة 
رفعت له رأسها وقالت بصوت أبح
.. موافقة جدا
زم شفتيه وقال ورأسيهما يكادان يتعانقا ولكأنما يعقد معه رهانا
.. حتحضري كتب الكتاب 
هزت رأسها وطردت دموعها بعيدا وقالت هامسة
.. أكيد 
زم شفتيه المرتعشتان وهو يواجه صلابتها المنحوتة بدقة فوق معالم وجهها لن تشجب لن تصرخ لن تعترض أو ترفض ولن تبكي بعویل إمرأة قرر رجلها لتوه الزواج 
ورائها ظل رجل صرعته فكرة أنها لم يعد مرغوبا وأن كبريائه يضمدها رغبة أخرى قاتلت وراهنت بكل ما تملك لتحصل عليه حتى لو كان يكرها ويحتقرها فهو سيتمم تلك الزيجة اللعېنة فقط الإرضاء كبرياء تحطمت تحت أقدام امرأة تدعي زوجته ومن تكون زوجته تبكي سرا من وراء ذاك الباب تکتم بصدرها صړخة وتحبس داخلها آهه فهي لم تكن تملك حقا رفاهية النطق بها.
تنازعت الألوان أمام ناظريه وهو يقود سيارته عائدا لمنزله بعد المناقشة الحامية التي خاضها مع أخيه الذي لا يدرك بأي نعيم هو وأي خسارة على وشك إختبارها وهو الذي يرقد في وحدة جحيمه ورغما عنه اتخذ طريقا غير الطريق طريقه كان نحو منزلها لا يعلم لم يشدو الحصول على هدوء ربما قد يقف لساعات يتطلع لشرفتها كمراهق أحمق ويعود بعدها المنزله وقد هدأت حواسه وتخدرت صف سيارته بركن منزو ومضى يتطلع للشرفة المظلمة تطلع الساعته لقد تخطت منتصف الليل لابد أنها غارقة بسبات مع صغارها سخر من حماقته وأعاد محرك سيارته للحياة وعندما هم برحيل المحها وهي تترجل من سيارة رجل فارع الطول برفقة ولديها والأصغر يتوسد كتف الغريب يرافقها نحو المدخل واشتعلت الډماء وبلغت حرارتها ذروتها في عروقه والتهبت عيناه بمخيلات لاحصر لها بين جميلته وذاك الوسيم ونفث أنفاسه بقوة ثم دفع بسيارته پعنف محدثا صريرا بعجلاتها جعلها تقفز دون قصد وهي تتطلع للطريق ورأت سيارته تمر مسرعة من أمامها فبهتت ملامحها والسؤال يطرق عقلها  ماذا كان يفعل هنا التفتت لمرافقها وقالت بهدوء 
.. متشكرة جدا يا سيادة العقيد تعبناك معانا
ابتسم لها وعيناه تحمل أكثر من تقبل شكر 
.. تعبكم راحة اسمحيلي أوصلك لحد فوق أيهم نایم خالص
هزت رأسها رافضة عرضه المهذب وقالت
.. لاء دلوقت أصحیه هوا متعود على كده 
أيقظت صغيرها وسار لجوار أخويه ثم التفتت له وقالت
.. معلش أنا نسيت معاد الزيارة أمتي 
هز رأسه متفهما وقال 
.. بكرة الساعة ۲ ححود عليكم ونروح سوا 
أشارت له بيدها رافضة عرضه مرة أخرى وهي تشعر بالخجل قائلة 
.. لا أرجوك مافيش داعي وأصلا مش حاخد الولاد جو المستشفيات مش مناسب ليهم أنا هطلع من شغلي على معاد الزيارة بأذن الله
قال بتصميم 
.. خلاص يبقى تديني عنوان الشغل وأمر عليك 
حاولت التملص من دعوته وقالت وهي تتجه بخطوات هارية نحو الداخل 
.. مافيش لزوم صدقني أنا هظبط حالي بكره وممكن أكون هناك عند بابا قبل المعاد كمان . متشكرة أوي
وقف يتطلع لها وهي تغادر مسرعة مدركا أنه لا يملك سوى شکر الظروف التي جمعته بها فلولا الحالة الصحية الطارئة التي يمر بها والدها لما ألتقاها مرة أخرى في المشفى ولولا إصرار والدها على أن يصطحبها هو لما حصل على تلك الدقائق الثمينة بصحبتها وبات متأكدا أن أمر زواجه منها أصبح وشيكا فبعد أن يتماثل والدها الشفاء فسيقوم بالأمر على نحو صحيح فالحصول على زوجة مناسبة لمركزة على قدر من الجمال والأخلاق كان يعد بالنسبة له أمرا شاقا والجد أبدی ترحيبه التام والسري لرعاية الأحفاد وليس عليه تحمل ضجيج الصغار لوقت طويل. 
إنه يمضي في طريقه بسعي غير مقطوع فصفحات المجلة تحمل لها خبرا من حروف حمراء لامعة عن الزيجة القريبة لرجل الأعمال المعروف من جميلة المجتمع مسحت دمعة ساخنة استقرت أعلى خدها وهي تدقق النظر  ضرتها بشړة خمرية رائعة وجسد لاتشوبه شائبة وصدرها مكتوم پصرخة وصړخة أخرى هزت أرجاء القصر لا تمت لها بصلة والطرق المتصاعد على باب غرفتها ودخول لعنات كما كانت تطلق عليها سرا أنبئها بحدوث أمرا جلل وتاهت مع حروف المرأة المتقطعة 
.. الست سوسن في أوضتها تعالي عاوزاكي بسرعة 
ركضت خلف المرأة المكتنزة حتى غرفة حماتها حيث كانت تتوسط فراشها ووجهها مكفهر بشدة والتي ما أن طالعت وجه سالي المتغضن حتى بادرتها صاړخة
.. ده اللي كنت عارفاه من ساعتها کنتوا مخبيين عليا كلكم فکرکم مش هعرف 
كانت ممسكة بالمجلة الثقيلة بقوة وتهزها پعنف هزت سالي رأسها نافية واقتربت منها مهدئة
.. مخبيين إيه 
رفعت لها أنظارا قاسېة وأمرت خادمتها بالإنصراف بهزة رأس غير قابلة للنقاش وأردفت پحقد 
.. كنت عارفه أنه هيتجوز بنت الزهري صح ! 
نکست رأسها وقالت بتماسك واهن
.. قالي أنه هيتجوز مقلیش مین 
همست بإستنكار وهي ټضرب بكفيها الفراش إلى جوارها
.. وأنت وافقتی عادي كده بالبساطة دي 
نظرت لها مصعوقة وقالت ساخرة من ثورة المرأة التي يبدو أنها فقدت عقلها
.. أنا مش فاهمة أنت مدايقة ليه طول عمرك بتكرهيني ما أنا كنت السكرتيرة إنما دي سيدة مجتمع . . إيه إعتراضك عليها 
عقدت سوسن حاجبيها وزمت شفتيها بإزدراء وقالت بعجرفة
.. عندك حق وهتفضلي طول عمرك السكرتيرة أنت ولا حاجة وأهو رايح يتجوز عليكي عشان أنت زي قلتك فعلا شجرة جميز 
احمر وجهها بشدة وتقافزت الدموع الحارة لعيناها وقالت 
.. ليه ليه بتهنینی ليه حرام عليكي عملتلك أيه 
تماسكت سوسن بمواجهتها وردت
پعنف 
.. ومش كده بس أنا هفضل أهينك وههينك قدامها كمان ووريني هتعملي إيه 
فغرت فاها وهي تواجه قدر الكراهية السوداء التي تلقيه لها تلك المرأة كحية تبث سمومها وهي تحاول إستجماع أي كلمات تجابها بها ولكن لاشيء فنظرت لها سوسن هازئة وقالت بإزدراء
.. اطلعي برة مشوفش وشك هنا تاني
سارت بخطوات متخبطة بطول الرواق حتى وصلت لغرفتها مرة أخرى وما أن دخلت حتى جلست على طرف الفراش وأجهشت پبكاء وما أن اختفت عن ناظريها حتى دلفت مرة أخرى لغرفة سيدتها دون إستئذان وقدمت لها حبة دواء مهدئ وكوب ماء وقالت لها بخشوع
.. مکنش ليه لازمة كل ده یاست هانم
تناولت منها الحبة وزجرتها قائلة 
.. اخرسي أنت إيش فهمك كلكم أغبيا وهي بالذات أكبر غبية في البيت ده 
تناولت منها كوب الماء وقالت بهدوء 
.. یعني هيا كانت تقدر تعارض البيه
هزت رأسها وقالت بإقرار 
.. اللي خلت جاسر سليم يقف قدام أمه ويصمم يتجوزها يخليها تلففه حوالين نفسه.
هزت نعمات رأسها دون فهم 
.. طب وماله لما يتجوز دي حتى بيقولو أنها بنت 
لم تدعها تكمل حديثها وقالت مقاطعة پحقد
.. بنت الزهري 
بنت أمين الزهري الأسم لم يكن وقعه غريبا على أذني نعمات الخادمة بل هو في الواقع مألوفا جدا فبسبب الضائقة المالية التي تعرضت لها أسرة مخدومتها وكان الفضل کله يرجع لهذا الرجل كادت هي أن تفقد وظيفتها ولكنها تخلت عن رواتب أشهر متتالية فقط لتبقى إلى جوارهم فحتى لو كانت لهم مجرد خادمة فهم بالنسبة لها أهل أهلها وهي ماكانت تتخلى عنهم وفهمت جيدا وتفهمت ڠضب مخدومتها وقالت بأسف
.. کده یا جاسر بيه على آخر الزمن 
أغمضت سوسن عيناها بضعف وهي تصدر آهه ثم قالت 
.. بعد ساعة اتصلي بزياد وأسامة وجاسر خليهم يجوا كلهم . .أكون ارتحت شوية.
الظهيرة لم تكن من أوقاتها المفضلة بالنهار فهي تحمل ساعات تمضي ببطء فلا هي ذروة النشاط إذ أن الجميع ينصرف إلى ساعة الغداء وفي الغالب تمضيها هي بساعة قيلولة على مكتبها فهي لا تتناول الغداء إلا برفقة صغارها ولا هي راحة تامة إذ أن قليلوتها في الغالب لاتمتد إلا لدقائق معدودة حتى يعود جاسر بالقرع فوق مكتبها مرة بعد الأخرى بأوامر متعددة. ومرة بعد الأخرى تلوم نفسها لعدم الإنصراف والإنخراط ببقية الموظفين هربا من طلباته التي لا تنتهى ولكنها مع ذلك تبقى بمسئولية أم اعتادت تلبية رغبات نظرت في الساعة التي يحملها ساعدها فلقد مرت ثلاثون دقيقة على ساعة الغداء ومع ذلك فجاسر صامت بل هو في الواقع صامت منذ الصباح إذا لا مزيد من تضيع الوقت بقي لها نصف ساعة أخرى من جنة الله على أرضه. قيلولة الظهيرة ولكنها لم تهنا إذ أن الجنة لم تكن تحتمل عفونة الأرض وغوغاء ساكنيها وتصاعدت تلك النغمة التي تعلن إستقبال الطابق لزائر أو في تلك الحالة زائرة عقدت درية حاجبيها وهي تحاول تذكر أين رأتها من قبل  فتلك العيون الفيروزية المدققة بها بشراسة تستدعي داخلها ذكرى ولم تمهلها صاحبتهما كثيرا إذ قالت بإستياء لحملقتها الوقحة بها
.. جاسر موجود 
عقدت درية حاجبيها وقالت بعملية
.. مين حضرتك 
رفعت المرأة رأسها بشموخ وقالت بصوتها الساحر
.. داليا الزهري خطيبته 
بهت وجه درية في الحال وماهي ثوان حتى استعاد لونه بل وأكثر إذ احمرت وجنتاها بل وأذنيها بشدة وأردفت وهي تكرر بإستهجان
.. خطيبته 
وفتح الباب خلفها بقوة معلنا عنه فالتفتت له درية وقالت بنبرة صوت تحمل في طياتها إتهاما وزجرا
.. خطيبتك !
فغر فاهه وأطبقه بشدة ومد ذراعه يدعو داليا للدخول صامتا والټفت لدرية قائلا بهدوء صارم
.. مش عاوز حد يقاطعنا يادرية
فقامت وأعصاب جسدها تختزل ثورة وراقبت تقدم تلك المرأة داخل غرفته وأردفت بتصميم قبل أن يغلق الباب عله يتراجع عن ذلك التصريح بل وتلك الخطوة الحمقاء بحياته
.. خطيبتك يا جاسر ! ! 
فهز رأسه بنفاذ صبر وقال مقرا
.. خطيبتي يا درية 
وغلق الباب بوجهها ومضت تنظر يمينا ويسارا أين هو  ولم يعود للإختفاء بتلك أوقات لابد أن تعثر عليه ومضت نحو المصعد واستقلته للطابق الثاني متوجهة لغرفته ولحسن حظها كانت سكرتيرته غائبة ودفعت بالباب على مصراعيه واقټحمت خلوته وقالت صاړخة به
.. جاسر خطب 
الټفت لها متعجبا أكان سؤالا أم إقرار بواقع فقال هازئا
.. هه بيقولوا
التمعت عيناها وقالت 
.. یعنى إيه بيقولوا واللي عنده فوق دي تبقي مين 
رد أسامة ببرود 
.. لو هيا فعلا اللي فوق تبقي داليا الزهري 
حملقت به درية وهي تحاول إستيعاب ما قاله أسامة للتو وعادت الذكرى ټقتحم مخيلتها فلقد لمحت بغرفة ذاك النائب لوحة مائية لوجهها وقتها ظنت أنها من متممات الديكور ليس إلا فقالت بهدوء وهي تحاول السيطرة على إنفعالاتها
.. یعني أنت كنت عارف
طرق برأسه وقال
.. قالي من يومين 
فسألته بسخرية مريرة 
.. والتمثيلية اللي عاملناها 
ضحك بخفة وقال 
.. ما أنت سبق وقلت أنها فاشلة
ضاقت عيناها وقالت
..
عشان أنتوا بتختاروا الطريق الأسهل 
زم شفتيه وهو يعيد جملتها مرة أخرى في رأسه وشيئا ما حدثه أنها تبعث له برسالة بين طيات سطورها فقال مستفهما
.. قصدك إيه يادرية 
نعم هي تقصده هو أيضا فمنذ أن رأته بشارعها وهو يتجنبها وكأنها مصاپة بالجذام فقالت دون مبالاة
.. ولا حاجة عن إذنك 
وانصرفت بهدوء وكان هو ببساطة غير قادر على مجادلتها أو الغوص بخبياها فهو كان مؤخرا يعيش بحالة غريبة من استرجاع الذكريات وعقد المقارنات التي لا تنتهي بينه وبين إخوانه لم تصله لشيء إلا أنها نثرت مزيدا من الۏجع فوق رأسه المشوش ونکات جراحه من جديد وسارت الډماء في شرياينه حاملة مزيجا غريبا من المشاعر الغير متجانسة غيرة نقمة ذنبا وأنانية وڠضبا لا حد له يبدو أنها لم تترك محفلا إلا وأقامت فيه صوانا وتركته يشتعل بأقاويل كالڼار تسري في الهشيم ولكن تلك النيران لم تكن لتقارن بالتي تتاكلها هنالك حلقة ما مفقودة وظلت ترتب الأحداث واحدة تلو الأخرى وهي تتجه بسيارتها لقصر آل سليم أولا ظهور داليا تلاه علاقة تشتعل بدايتها بين زوجها وتلك الغاوية. ثم بيع زیاد لشركته لتؤول لها ملكيتها وأخيرا وليس آخرا خبر تلك الزيجة بين جاسر وداليا التي هي بالأحرى فجيعة وأين سالي من هذا كله تلك التي لم تكف عن الإتصالات لأتفه الأمور ولربما فضفضة فكيف تظل صامتة بعد تلك الواقعة صفت سيارتها أمام المدخل وترجلت منها مسرعة تجاهلت تحية نعمات لها وقالت دون صبر
.. سالي فين 
هزت نعمات برأسها وقالت بأسف
.. في أوضة الولاد 
بعد قليل كانت تقف تراقب كيف تلاعب الصغار بهدوء تبني معهم بيوتا ومحلات من المكعبات الخشبية وقالت مستنكرة بدهشة 
.. سالي أنت بتلعبي مع الولاد ومش حاسه باللي بيجرى حواليك 
رفعت لها أنظارا بائسة وكان ذاك الأسوء لقد كانت تعلم جلست أمامها وقدمت لها فنجان القهوة بالحليب كما تفضلها في حجرة الصالون نبادراتها آشري بسؤال لتقطع شكوكها 
.. زیاد إيه علاقته بالموضوع 
رفعت سالي حاجبيها وقالت بمرواغة وهي تحول بعيناها بعيدا عن مرمى أبصار آشري المتعلقة بها .. معرفش الصراحة وليه متوقعة يكون ليه علاقة بحاجة 
نظرت لها آشري متعجبة 
.. عارفة أنا كنت ممكن أعذرك لو كان زیاد متورط بحاجة واضطريت توافقي عشان صالح العيلة زي جوزك بس معنی كلامك أنه لاء 
ردت سالي بإنزعاج من تلك الأفضيلة التي تدعيها آشري
.. تعذريني 
نکست آشري برأسها وقالت
.. آنا آسفة أنا اتماديت بس سالي بلييز قوليلي أنك رفضتي زعقتي في وشه وبهدلتيه
ابتسمت سالي بمرارة وقالت 
.. وكان هيفيد بايه أنا زي ماهيا قالت ماليش قيمة
عقدت آشري حاجبيها وقالت غاضبة 
.. رأي جاسر وأمه يخصهم المهم رأيك أنت في نفسك 
صمتت سالي وتقافزت الدموع مرة أخرى بعيناها وقالت بعصبية
.. آشري أنت عاوزه مني إيه أنت جاية تتطمني على أن جوزك مالوش يد ولا تطمني عليا 
وقفت آشري وهي تستعد للإنصراف قائلة وخيبة الأمل تکسو ملامح صوتها 
.. أنا كنت جاية ومتخيلة أني هشوف واحدة تانيه واحدة رفضت الإهانة ومش كده وبس دي صممت كمان على ريفنج يرد لها کرامتها واعتبارها قيمتها الحقيقية
مضت نصف ساعة وهو يجيب على أسئلتها بإقتضاب حتى قالت بنفاذ صبر 
.. أنت غلطان لو كنت فاكر أني مقبل معاملتك دي 
الټفت لها مولیا مشهد الأفق خلف ظهره قائلا بإستخفاف
.. ومالها معاملتي 
رفعت كتفاها بغرور وقالت 
.. أنا مجربتش وراك ولا ضربتك على إيدك
يوم مالوش ملامح يوم ماطلعتلوش شمس جملة عابرة تمر بآذان المصريين عموما عندما يكون يوما مأساوي الأحداث وعادة تترافق تلك الكلمات عندما تصل الأحداث لذروتها من البؤس حتى يظن البعض أنها مؤامرة كونية بدفع من نظرة حاقدة قوية من عين حاسد بلاشك ولكن اليوم لم يكن بذاك المعنى الحرفي بعد إذ أنه في بدايته فالساعة الآن الثامنة والنصف والشمس مشرقة واعدة بصفاء قسري على سماء نوفمبر الرمادية ونسمات الهواء تذر على وجهها حرارة ضعيفة ضعيفة جدا إذ أنها لم تصل لدرجة الحرارة التي تهديها دموعها لوجنتيها وأناملها تكاسلت عن مهمة مسح تلك الدموع إذ أنه لا فائدة فصاحبتها تبكي منذ ساعات متواصلة تبكي بصمت وعندما تلمح إقتراب لأي ظل أو خیال بشړ ترفع رأسها شامخة وبمهارة تخفي آثار تلك الدموع حتى أنها استحقت بجدارة ذاك اللقب الذي أطلقته عليها حماتها المصون شجرة جميز لا تشعر ولا تحس ولكنها كانت تشعر وتحس وتتألم وتصرخ وتلوی فقط بعيدا عن أعينهم فهي لن تدع أحدا يراها وهي تلملم شظايا نفسها التي كسرها زوجها متعمدا حتى أنه سيقيم حفل زفافه الليلة تحت ناظريها بل وسمعته منذ قليل يجتمع بأبناءه ليخبرهم قراره في غرفة مكتبه ويعدهم أنهم سيحبون طنط داليا بل وطلب منهم معاملتها معاملة جيدة فهي بمقام والدتهم ولو ظن أنه طعنها في ظهرها عندما قرر الزواج من أخرى فتلك الكلمات بالتحديد أصابت قلبها في مقټل فشطرته نصفين وانصرف الأبناء شاردون
يتعلقون بوجه أمهم الخالي من الإنفعالات فقد أصبحت بارعة بحق بإستخدام مزايا تلك الشجرة حتى أنها أهدته ابتسامة باردة مستحقرة لكلماته ووصاياه فقالت بصوت لا معالم له
.. ماتخفش على الولاد بكرة تقول سالي عرفت تربي
فتمتم قبل أن ينصرف بظل هارب عارف وخرج لحديقة القصر يتابع سير العمل والأفكار تطرق رأسه بلا هوادة وقدماه تحثه للعودة للداخل مرة أخرى للحديث معها التبرير ما بدا لعقله سخيفا جدا في تلك اللحظة إذ إنها سويعات لا أكثر ووقفت هي تتابع خطواته المتنقلة من هنا لهناك تسترجع بخاطرها ذكرى زيجة أقيمت في تلك البقعة بالتحديد منذ سبع سنوات لم تكن حرفيا بليلة العمر إذ أنها اكتشفت أن زوجها رجل أحلامها ببساطة . . كاذب ولكنها تغاضت عن تلك الحقيقة ومضت بحياتها معه تمر مرور الكرام فوق كل إهدار لكرامتها وحقوقها وتسعد أيما سعادة بهفوة تقدير منه أليس لا كرامة في الحب وليس بين المحبين حساب لا ليس بالضرورة تلك أقوال النساء الخانعات وإلى متى تظل هي متشبثة بركبهن الحلم يتحقق
.. أخيرااا 
همسة عبرت شفتيها وهي تفرك رأسها لدى استيقاظها ليلة العمر بانتظارها رجل أحلامها فارسها المغوار حصلت عليه أخيرا ليعود إلى أحضانها مرة أخرى ستسقيه الشهد ألونا ستسكب في عروقه غراما لن يستطيع الفرار أو الفكاك بل وأنه قد يستغني عن خدمات الأخرى ولكنها سترسل له ليبقيها فمن يرعى الأطفال الصغار المعت عيناها بظفر وهي تقفز من فراشها الوثير اغتسلت وألقت بجوفها ذاك الشراب السحري وقامت ببعض التمارين السريعة جدا ومتى يصل اليوم لنهايته خاطرة ملحة مرت تطرق رأسها مرة بعد الأخرى واليوم مر وشمس الغروب تلقي بظلال خاڤتة على سماء نوفمبر الرمادية والتي تنذر بهطول أمطار خفيفة متوتر حائر بل وأطرافه ترتعش ببرودة عصبي المزاج نزق الأنفاس يبحث عنها بضراوة إذ تأكد من الحارس أنها لم تغادر القصر ولولا كبرياء نفسه الغبية لرج أركان القصر بصوته مناديا باسمها يرجوها فقط الظهور أمام ناظريه لف عقدة عنقه للمرة السادسة على التوالي ولكن ككل مرة ظهرت بشكل فوضوي أين هي أصابعها كانت دوما بارعة ياله من عديم الأحساس بحق أيتمنی ظهورها لتمم أناقة مظهره كي يخرج لإحضار عروسه من منزلها ! ! هز رأسه محتقرا لنفسه نادما مقرا ومعترفا أنه فقط يرجو رؤياها والتحدث معها بكلمات غابت عن سطور معجم العربية واللغات أجمع فهو لا يكاد يستجمع حرفا خرج من غرفته وعيناه تدور في كل الأركان حتى أبصر أمه تنظر له بقسۏة فقال بصوت أبح قلق
.. مالك تعبانه 
فقالت بصرامة 
.. متدورش عليها خلاص كل شيء وليه آخر 
اقترب منها بسرعة البرق وقال بأنفاس متقطعة
.. قصدك إيه سابت القصر ومشيت 
ضحكت أمه بسخرية على حاله 
.. لحد دلوقتي لاء بس اطمن أنت في طريقك توصلها لبراه
عقد حاجبيه غاضبا من إستهزاء أمه به وقال پعنف 
.. ياريت بس متزرعيش أفكارك دي في دماغها سالي بتحبني وإستحاله تسيبني زي ما أنت عاوزه 
مالت أمه بعكازها واقتربت من أذنه قائلة
.. زيك زي أي راجل یا جاسر 
وعادت للخلف مرة أخرى لتواجهه بقوة قائلة وقد لمعت عيناها
.. غبي 
احمر وجهه بشدة وقرر الإنصراف مهدئا نفسه كي لايصرخ بوجه أمه فيكون عاقا بحق ولكن خطواتها على عكازها العاجي كانت الأسبق نحو الأسفل لترحب بالضيوف قائلة بكلمات وصلت لسامعيه من وراء ظهرها ببرود تام 
.. روح هات عروستك الناس وصلوا
عاد فجأة دون إنذار إذ أنه اختفى منذ يومان راقبته وهو يدلف لحجرتهما بكلمات قليلة شملت فقط إلقاء السلام عليها فزفرت بعضب وتركت حاسوبها النقال ومضت لتعقد تلك المواجهة ولتنهي الأمر كما بدأته
.. زياد إحنا لازم نتكلم 
خرج من حجرة الملابس وهو متأنق بقميص حريري ناصع البياض وسروال کلاسکی أسود حاملا سترته على ذراعه فقعدت حاجبيها قائلة بتعجب
.. أنت رايح فين 
قال بصوت مرح 
.. أنت نسيت ولا إيه أنا توقعت أرجع ألاقیكی جهزت
اقتربت منه وقالت بنفاذ صبر
.. نروح فين 
رفع حاجبيه وقال بهدوء
.. إيه یا آشري النهاردة الجمعة فرح جاسر
قالت حانقة 
.. أنت بجد هتروح سيريسلي 
هز رأسه وقال هازئا منها
.. آه سیوریسلی 
جلست على طرف الفراش وهي تراقبه يرش عطره المفضل بوفره ثم قالت 
.. وسالي مفكرتوش أد إيه ده ېجرحها 
فقال ببرود 
.. اللي بيتجرح بيصوت بيعيط بیعترض لكن أديكي شايفه
لمعت عيناها وقالت 
.. مش شرط على فكرة يمكن يكون كاتم جواه زي ما أنا كاتمة جوايا
الټفت لها وقال بهدوء 
.. مش لوحدك یا آشري احنا الاتنين كاتمين جوانا وهيجي وقت وهنتكلم ونطلع فيه كل حاجه بس دلوقت قومي ألبسي
فقامت وقالت پعنف 
.. ليه هه عشان نبارك لجاسر ولا عشان تظهر قدام أخوك ياريح مايهزك جبل 
ضحك زیاد ساخرا 
.. اسمها يا جبل ما يهزك ريح
فقالت بحدة
.. ایتس نوت ذا بوينت 
عقد زیاد حاجبيه وقال وهو يضع كفيه على كتفيها مهدئا 
.. أنا لازم أروح مينفعش ما أروحش کملي جميلك يا آشري واقفي جمبي
مضت تنظر له عاقدة الحاجبين وهي تزفر أنفاسها
الحارة ثم قالت بصوت لاجدال فيه 
.. وبعديها إحنا لازم نتكلم
بوجه جامد المعالم فقير التعبير جلس إلى جوارها يراقب الطريق بأعين سوداوية فقالت متأففة
.. محسسني أنك رايح لأجلك
فابتسم هازا ملتفت لها 
.. كالعادة بتبالغي في إحساسك بقيمتك
فقالت بعند 
.. أنا فعلا قيمتي عالية ولا أنت مش حاسس بكدة 
رفع كفها وقبله ثم قال
.. أكید یا داليا وإلا مكناش اتجوزنا
فقالت بدلال 
.. لسه متجوزناش وخد بالك لأحسن أضيع منك
فقال ضاحكا 
.. وتضيعي إزاي وأنت جمبي في العربة وبينا وبين القصر أمتار
قالت بغموض 
.. متكونش واثق أوي كده الحياة زي مابتدي فجأة بتاخد فجأة 
نظر لها نظرة تقيمية جديدة في عرف جاسر سليم ثم قال
.. دا أنت طلعت فلیسوفة وأنا مش واخد بالي 
أمسكت بكفه بقوة وقالت بأنفاس واثقة وهي تحدق بعيناه 
.. جاسر أنا جوايا حاجات أكتر بكتير من اللي في بالك وواثقة أي هشوف منك أكتر من اللي في بالي بس أنا مستعدة لده وشغوفة بيه اللي بيزعلني أن أحس أنك مش مهتم وكأنك محيت فعلا كل المشاعر الحلوة اللي كانت بينا 
وتعاظمت المسئولية فوق کاهله مسئولية إمرأة تراه بعين العشق تظلل وجدانه بذكريات مشاعر كانت بالفعل رائعة ولكنه نسيها أو تناسها ولا فارق إذ أنها ما عادت تشکل شیئا بكيانه فما تلاها كان بالفعل أقوى رد بصوت جاف
.. وصلنا على فكرة 
ترجل من السيارة الفارهة ولف حولها ليفتح الباب لعروسه التي سارت متبطأة ذراعه رفع رأسه ليواجه ضيوف الحفل ولكن أنظاره لم تكن متعلقة بسواها تقف بشموخ تطالعهم بنظرات خاوية كفيها متدليان على كتفي صغارهما لا يعلم أتستمد منهم قوتها أم أنها تلقي بظلال حمايتها عليهما جسدها عاد ليزدان ببوادر رشاقة ملفوفا بثوب کریمي مطعم بأحجار على شكل ورود قرمزية اللون ومن يتهم الرجال بضعف الذاكرة وعدم ملاحظة التغيرات التي تصيب نسائهم وأنهم لا يستطيعون تمييز ما ترتديه زوجاتهم فهو المخطىء إذ أنه تذكر ذاك الرداء فهو من ابتاعه لها لحفل خطبتهم عقد حاجبيه وداخله يشتعل پغضب ولوم وغيرة لا تفسير لها تقدم بعروسه نحو الدرجات الرخامية حتى توقفت خطواته عندما توقفت خطوات رفيقته التي خلعت زهرة بيضاء من خصلات شعرها وثبتتها برأس الصغيرة سلمی بأنامل مرتعشة فتقبلت سالي حركتها المستفزة بهدوء تام وهي تثبت الزهرة خلف أذن صغيرتها وأمرت صغارها بمصافحة العروس ثم قالت ببرود وهي تراقب خجلات زوجها المرتعشة على غير عادته
.. مبروك ياعروسة
هزت داليا رأسها ونظرت لغريمتها أو بالأحرى ضرتها المستقبلية وهي تقر بإعتراف داخلها أنها لم تقدرها حقا قدرها وردت بهمس رقيق
.. ميرسي الموقف المتوتر والذي كان ينذر بإشتعال كما كان يتمنى البعض مر بسلام إذ أنها كانت دقائق معدودة وجلس المقربون جدا من العائلتين بصالون القصر الواسع وهم يستمعون لديباجة الشيخ وهو يتمم عقد القرآن كانت تدور بعيناها وتتنقل بين وجوه الجميع وجه حماتها متصلب ينذر بلعڼة ستطیل تلك ال داليا ولا محالة آشري والدموع المترقرقة بعيناها وهي تنظر پغضب لزياد الذي كان يجاورها متغافلا بقصد ربما عنها وهو شارد بأنظاره نحو أخيه الأكبر أسامة الذي حضر أخيرا وهو متشح بالسواد ببذلة ليست برسمية وكانت نظراته بنفس القتامة وكأنه جاء ليحضر عزاءا وليس زفافا ورجلان آخرين والسعادة تشع على محياهما كقريبتهما التي كانت تردد كلمات لا تقدر بثمن وراء الشيخ وأخيرا زوجها المتصلب الهارب بنظراته حتى من عروسه الجميلة فكره وعقله منصرف بالكامل عن الجميع أنظاره متركزة على الشيخ يخط بقلم حاد الإنحرفات قائم الزوايا بحروف اسمه فوق عقد الزواج وانتهى المشهد وزفرت الأنفاس بعضها إرتياحا والآخر كان خيبة إلا أنفاسها التي كانت تتوق لتلك اللحظة منذ بداية اليوم لتقول بصوت قوي قاتم قاطع لتلك الزفرات مشتتا لتلك الراحة مختزلا لتلك الخيبة الايقبل النقاش أو الجدل أو حتى إعادة التفكيير ولا الرجعة
.. طلقني با جاسر
وأصابت أنظاره المصډومة مرماها أخيرا ومرساها إذ تعلقت بقسمات وجهها من علياء وصمت لف الحجرة بإحكام حتى خنقها والأنظار متصلبة بين الاثنان والأنفاس محتبسة وقام ليواجه فليس من شيمته التقاعس والڠضب بشياطينه اجتمعا فوق رأسه تطلب الإنفصال عنه أمام ذاك الجمع الغفير تثبت للجميع أنه فشل فشل بإحتواء زوجته وضمان موقفها ومباركتها كانت زيفا لقد خدعته على مدار تلك الأيام الماضية كانت تتوارى بظلال هروب وخنوع وهي تدبر للتخلص منه كانت تخطط لهذا المشهد منذ أن صارحها بقراره لتضعه بين شقي الرحی إما أن يتخلى عنها أو يعلن رفضه ويعلن معه ضعف جاسر سليم أمام إمراة أكان ذلك إنتقامها منه  يستجدي بقائها إلى جواره يرجوها عدم الرحيل والتفكير بالأمر مرة أخرى تنتظر منه ركوعا وخنوعا أمام أعين القريب والغريب ولكنه مع ذلك أجبر نفسه للتغاضي عن تلك المشاعر والأفكار السوداوية التي أصابت رأسه نعم هو لم يكن من يخنع ويركع لأمرأة قط ولكنه كان ليساوم ويجبرها عن التراجع وصوته الجامد أعلن
.. والولاد 
تلك الكفة الرابحة الكفيلة بإعادة الميزان لاعتداله وربما أكثر قليلا نحو صالحه ولكن سوء الحظ كان رفيقة وتلك المساومة خيبت رجاءه بنتيجتها التي أعلنت على
لسانها بأمر غير قابل للنقاش ولا
لاعادة المحاولة 
.. ولادی مش هيسيبوا بيت أبوهم هبقي آجي أنا أشوفهم مهما كان هفضل أنا أمهم 
لقد وضعته بخانة اليك كما يقولون مزقته بين رحى كبريائه وإحتياجه لم تترك له خيارا فهو لم يكن ليستجدي بقاء من أعلنت رفضها له ورغبتها بالإنفصال عنه لم يكن ليرغب بخائڼة نعم هي خانته بارکت خطواته ومنحته صك غفرانها ووعد بتحمله للأبد والآن نكثت عهدها وأمام الجميع أعلنتها صراحة وطلبها غير قابل للرفض ومساومته له باتت خائبة لا قيمة لها إذ أنها كانت متحملة لنتائجها بالكامل وراضية بقسمتها ونصيبها وكيف يعلن رفضه بل وكيف يتمادی بضغطه عليها أيتزوج من أخرى ويحرم زوجته الأولى صغارها كيف سينظر له الناس بعدها كان ذلك ممكنا بين جدران غرفتهم كان ليكون سرهم كان ليقدم الاعتذارات والوعود لها بل كان من الممكن أن يتخلى عن الأمر برمته إرضاءا لها إن فشل بالحصول على رضاها ولكنها لم تمنحه تلك الفرصة لقد منحته مباركتها ليتمم تلك الزيجة لتنسحب بعدها من حياته ربما كانت تلك رغبتها الحقيقة طعنته بظهره والطعڼة يجب أن ترد
.. أنت طالق
شهقة وصلت لأسماعه وربما كانتا شهقتان وكلاهما تخص آشري وعروسه وتقدم خطوات غاضبة نحوه تخص أخيه الأوسط أما زوجته أو بالأحرى من كانت زوجته تلقت طعنته بصدر رحب وتقدمت منه بخطوات محسوبة لتنظر له نظرة أخيرة لم يفقه معناها ولكنها كانت تلتمع بعبرات النصر ثم خرجت بخطوات شامخة وكأنما كانت هي من تربط الجمع ببعضه وكأنه عقد وانفرط عند إنصرافها تفرق الجميع بخطوات مشتة وبقي هو برفقة عروسه التي كانت تحاول إستيعاب الموقف وتسترجع تفاصيله شاردة حتى أفاق على صوت أمه الصارم التي كانت تقول قبل إنصرافها مستندة على عكازها بقسۏة بالغة.
.. قدم قدم سعد ياعروسة
فرفعت لها داليا وجهها وهمت برد غاضب ولكنها كتمته عندما طالعت ملامح زوجها المكفهرة الذي خرج ليراقب وداع من كانت زوجته لصغارهما الباکیان وهي تقول بصوت هادىء 
.. وبعدين إحنا مش كنا اتفقنا خلاص
فقال سليم وهو يبكي
.. وتسيبينا لوحدنا ياماما 
ربتت فوق رأسه وقالت بحنان
.. أنتوا مش لوحدكوا معاكوا بابا وتيته 
ثم جذبتهم وهمست بأذنهم بأمرا ما كان كفيلا بإعادة البسمة ولو كانت صغيرة متوجسة لوجوههم الباكية وقبلتهم وقامت وهي تراقب إنصرافهم للأعلى برفقة نعمات التي كانت تهديه نظراتها الغاضبة بغير حساب ومضت هي بخطواتها نحو الخارج واستوقفها قبل أن تنصرف قائلا بصوت يكتم ڠضبا لا حدود له
.. فكرتى وخططتی کویس حتى أتفقتي مع الولاد 
نظرت له وهي ترفع أنظارها ربما تغير فيها الكثير إلا أن قامتها القصيرة لم تكن لتغير والغريب أيضا تلك اللمعة بعيناها وهي تلمس ردائها القديم قائلة بكبرياء 
.. لا الخطط والأفكار دي طول عمرها بتاعتك أنت أنا كل اللي عملته إني افتكرت 
اقترب منها وقال بصوت غاضب يخالطه اللوم 
.. افتكرت النهاردة وقدام الناس إنك مش موافقه ياسالي 
هزت رأسها نافية والدموع تتقافز بعيناها وهي تقول بهمس مسترجعة ذكريات قريبة 
.. إني بنت محسن اللي أخدتني من فوقه سطوحه المليان ورد وأماني . . . بالفستان ده
وتجسدت له الذكريات حاضرة وكأنما يسمع الضحكات من جديد وتشق أذنيه الوعود التي ألقاها لذاك الرجل الطيب بعناية صغيرته والإحسان إليها وأغشت أنظاره ظلال تلك الفتاة الحالمة التي كانت أبصارها تتعلق دوما به بشغف وعشق ورغبة بحياة سعيدة وعندما عاد للواقع كانت قد اختفت من أمام ناظريه وأضحت تماما خلفه بطريق تشقه بخطوات مسرعة نحو الخارج ودون وداع وما بقي أمامه سوى ظل أخيه القاتم الذي باغته بوعده وصدقت نبؤته 
.. ولسه ما تعرف كويس أوي قيمتها 
واڼفجر بركان الڠضب داخله فقال يإتهام
.. يبقى أنت اللي حرضتها 
أرسل له ضحكة هازئة ثم اقترب منه وهو يقول غاضبا 
.. لاء أنت اللي حرضتها كنت فاكر أنك تفضل تدوس وتدوس وهيا إيه 
صمت قليلا وهو يراقب رأس أخيه المنكس وأنفاسه المتسارعة ثم قال بهدوء ساخر
.. مبروك ياجاسر فزت بعروسه قصاد إنك ترجع شركة أخوك التي اتسرقت منه بلعبة ستريب بوكر 
وشدد على تلك الكلمات وهو يعلم أن الآخر بالذكاء الكافي ليفهم مقصده ثم أردف بهدوء مرة أخرى
.. ومعلش هاردلك أيه يعني معرفتش تحتفظ بمراتك الطيبة بنت الأصول ولا حاجة في عالم جاسر سليم
رفع جاسر إصبعه مهددا ثم قال پغضب محتقن 
.. أسامة مسمحلكش متنساش أنها بقت مراتي وعلى فكرة أخوك كان شارب ومافيش حاجه حصلت بينهم
فأمال أسامة رأسه وقال
.. ياااه تصدق تفرق فعلا
وانصرف وهو يلعن أخيه وجحوده وعناده فهو إن كان أطفأ شعلة الحياة في زوجته فرحلت عنها بحاډث غير مقصود فلقد أطفأ جاسر شعلة الحياة في زوجته حية متعمدا وها هي النتيجة وأطفاله من سيدفعون الثمن وغاب أسامة عن ناظريه وغاب هو عن الجميع بحجرة مكتبه المظلمة ولم يدري كلاهما بوجود ضيف خفي ضيف كان حظه دوما يقوده لإعتراف سري بين أطراف عائلة سلیم ليعلنها مرة أخرى أنها كانت مخطئة تماما بالوثوق بأصغر أفرادها ومضت
بدموعها تبحث عنه حتى وجدته بأحد أركان الحديقة المتزوية والجمع حوله مشتت لا يدرى أهناك المزيد من الأحداث المشينة التي قد تثري مخيلتهم وألسنتهم لأيام قادمة أم أن الليلة أحداثها بدأت بزيجة وانتهت بطلاق فقط ولا مزید قالت وهي تجذبه من ذراعه بهمس حانق
.. ستريب بوكر
بهت وجهه واتسعت عيناه برهبة وفقد توازنه لوهلة ثم قال بصوت مرتعش نافيا
.. تقصدي إيه يا آشري 
اقتربت منه وقالت بنفس الهمس ولكن جنبات جسدها كانت تهتز پغضب لم تختبره بحياتها من قبل 
.. الشركة خسرتها في لعبة ستريب بوكر مع الهانم 
أمسك بذراعيها وأمرها خائڤا بصوت مكتوم 
.. شششش وطي صوتك إيه الكلام اللي بتقوليه ده 
دفعت يداه بكفيها وهي ترد بصوت حاد 
.. أنت عارف كويس ایتس أوفر یازیاد اللي بينا انتهى 
ويالها من ليلة والحصيلة شماتة لا مثيل لها بأفراد عائلة  سليم والهمهات المرتفعة خير برهان نظرت حولها للجميع مستنكرة متقززة جميعهم من أصدقاء تلك الحرباء المتلونة أغوت زوجها واستطاعت تفرقة الآخر عن زوجته فانصرفت بكبرياء غاضب فهي لم تكن لتمنحهم ذاك الرضى بمشاهدة آخر فصول حياتها الزوجية خسارة تلو الأخرى وماذا بعد  ماذا تبقي له  لا شيء كان يحملق بالفراغ أمامه ودقات قلبه تتسارع كاد ېهشم الكأس الذي يحمله من بين أصابعه وبالفعل ألقاه بعيدا فأصاب جذع الشجرة إلي جواره فتهشم في الحال مما جذب أنظار المدعويين له فنظر لهم پحقد شدید و مضی منصرفا مصطدما بأحدهم وبضعة طاولات وتسارعت خطوات أخيه نحوه ليهدىء من روعه قائلا
.. زياد أهدى مالك في إيه 
دفعه بعيدا
.. سيبني يا أسامة أنا خلاص مش طايق وجبت أخري 
قبض على ذراعه بقوة وقال بصوت حاول أن يجعله منخفضا
.. ممكن تفهمنی بس إيه اللي حصل 
تهدجت أنفاسه وهو يجيبه 
.. اللي حصل عاوز تعرف أخوك كسب كل حاجه وأنا أنا خلاص صفر  مافيش انتهيت وأخوك السبب 
دار أسامه بعيناه وهو يستمع لهذر أخيه الأصغر ثم قال
.. هوا برضه السبب 
فاندفع زیاد صارخا 
.. أنت لسه هتدافع عنه آشري عرفت منين فهمني 
اتسعت عينا أسامة غير مصدقا أن يكون جاسر من أخبرها سر أخيه ومضی زیاد بخطواته المسرعة نحو سيارته الرياضية الفارهة وأدارها وانصرف محدثا صريرا قويا بقي سؤاله معلقا في الهواء دون رد واضح فقط نظرات ابنه الغاضبة التي تشبه نظراته لحد بعيد إن أراد إحتسابها إجابة فالټفت لصغيرته الرقيقة التي ورثت طباعها من أمها وقال مکررا سؤاله 
.. ماما اتفقت معاكي على إيه يا سلمى 
نظرت سلمي لأخيها الأكبر وكأنما تود الحصول منه على إذن فأمسك بها جاسر برفق وقال
.. إيه يا لومي مش هتقولي لبابا حبيبك 
فرد سلیم حانقا بنبرة لوم وإتهام واضحة على صوته الطفولي بالنيابة عن أخته الصغري 
.. أنت مشيت ماما وجيبتلنا واحدة تانيه إحنا مش بنحبها 
أغمض جاسر عيناه وأخذ نفسا عميقا وحاول أن يتحلى بالصبر
ورد بهدوء كي لا يخسر المزيد من حب أطفاله 
.. أنا مقولتش لماما تمشي ماما هيا اللي طلبت أنها تمشي
فرد سليم بعند أكبر ن هدوء أبيه
.. بس كنت ممكن تخليها متمشيش هيا مش بتخرج إلا بإذنك
أقر جاسر داخله بتلك الحقيقة البسيطة التي سردها ابنه ببراءة نعم هي لم تكن تتحرك قيد أنمله دون إذن مسبق منه حتى تمردت على كل قيوده وغادرته دون رجعة نظر لأطفاله والتمعت عيناه وذكر نفسه حتى الآن وإن كان أخيه قام برهان أخرق فهو داخله يخوض رهان لا خسارة فيه ستعود وعلى أعظم تقدير خلال إسبوعين أو سبعة أيام لا أكثر لن تستطيع فراق أطفالها ولن تستطيع التخلي عنه يومان اثنان ويبدأ بكاء أطفالها وعندها لن تستطيع الصبر أو التحمل وستعود له طائعة وإما يقبل أو يرفض ربت على كتفي صغاره برفق وقال 
.. ماما هترجع يا ولاد متقلقوش لازم هترجع يالا تصبحوا على خير 
قبل صغاره وأرسلهم لأسرتهم ودثرهم جيدا وانصرف تاركا ضوءا خاڤتا يظل الغرفة حتى يستطيعوا النوم دون مخاۏف وترجل الدرجات باحثا عن عروسه التي كلفته الكثير حتى الآن وعليها أن تدفع جزءا من دیونها ودعت ضيوفها بإبتسامة مشرقة وتقبلت أمانيهم المزيفة بحياة سعيدة إلى جوار عريسها الغائب بكلمات رقيقة وكأنما تخبرهم أن ماحدث منذ ساعة أو أكثر قليلا بل هو ما أرادته وسعت له منذ البداية واختلت بنفسها في صالون القصر الواسع ومضت تسترجع اللحظات العصيبة التي عاشتها السنة الجميع ستنطلق على أكثر تقدير صباح الغد متهمة إياها بخړاب البيوت أو كما قالت حماتها المصون قدمها قدم سعد داخلها يقر أنها كانت ستسعي لتلك النهاية بكل ما أوتيت من قوة فقط ليس الآن لم يكن هذا ما خططت له لم تكن تلك خطتها التي كانت ترسمها منذ شهور حرفيا كانت تخطط لاستبقاء زوجته حتى تعتني بالأطفال ريثما تشق هي طريقا ممهدا نحو قلبه تظلل بأفعالها سماءه ترسم تباین لا يخطىء بينها وبين البدينة الأخرى لتجعله هو صاحب القرار والرغبة ليكون حكما أصدره هو بالانفصال وليس
طلبا إنصاع له خلال دقائق لا أكثر ومرة أخرى تشعر داخلها بالخۏف وعدم الأمان منه نعم هي تخشاه همست داخلها ولكن شفتاها نطقتها بوضوح
.. مالوش عزیز 
وأيقظتها كلماتها من أحلامها ودوامة أفكارها وحدقت في إنعكاس صورتها في المرآة بهلع ترى أيكون هذا مصيرها بعد مرور السنون عليهما أيتخلى عنها مرة أخرى ويمضي في طريقه دون النظر وراءه وكأنما سمع ذكره يجوب في خيالها فظهر أمامها بطول الفارع يتقدم منها وعيناه أضحت قاتمة كسواد أفكاره فرفعت أنظارها له پخوف ثم قالت بصوت جاهدت أن تجعله هادئا
.. الولاد ناموا 
هز رأسه صامتا ومضى بصب لنفسه شرابا منعشا من مزيج الليمون والنعاع الطازج أشار لها بالكأس فرفضته هامسة
.. ميرسي
فترجعه دفعة واحدة فاندفعت بسؤالها الذي كان يؤرقها دون أن تشعر 
.. جاسر أنت ليه طلقتها أنا مطلبتش منك تطلقها 
الټفت لها وحدق فيها مندهشا وسعل ضاحكا وانتظر حتى هدأت أنفاسه ثم قال 
.. وأنت فاكرة نفسك كنت تطلبي أطلق مراتي وأنا أسمع كلامك على طول 
وأردف بقسۏة
.. ليه فكراني إيه 
هزت رأسها بعصبية واقتربت منه وقالت بدلال مصطنع 
.. لاء أنا مقصدش أنا بس مش فاهمة أنت ليه عملت كده مکنش فيه داعي
قبض على ذراعها بقسۏة وقال 
.. لاء فيه هيا طلبت وأنا الست اللي مترضاش تعيش معايا وتطلب الطلاق مالهاش عندي رجعه مش هجبر واحده تعيش معايا ڠصب عنها واهو عشان مترجعيش ټندمي زي ماهيا هتندم یا داليا يوم ما هتطلبيها مني في نفس اللحظة هتتحقق 
ورددتها مرة أخرى ولكن تلك المرة بوضوح جم وأمامه
.. مالكش عزیز
فرد بقوة محدقا بقسماتها الناعمة 
.. أنا اللي يعزني ميسبنيش میلویش دراعي غير كده مليش
نکست رأسها وهي تستمع لوعيده المبطن فأردف ساخرا 
.. أنا أول مرة أشوف واحدة زعلانه على ضرتها مش فرحانه أن جوزها بقي ليها لوحدها 
رفعت أنظارها له وتذكرت خطتها السابقة فعزمت على اللحاق ببقاياها فاقتربت منه بحنان وتغلغللت بأناملها بين خصلات شعره الكثيفة وقالت بصوت خاڤت
.. أكيد فرحانة أنك بقيت ليا لوحدي وبوعدك أنك عمرك ماهتقدر تستغني عني
رقص غروره طربا داخله وقال بنظرة ذات إيحاء 
.. إحنا هنقضي ليلة العمر في الكلام وبس ولا إيه
فأخفضت عيناها خجلا وقالت 
.. طب يالا شوف السواق عشان نروح الفندق سوا 
ضاقت عيناه ومضي يبسط أولي قواعده التحكم المطلق فقال بهدوء مسيطر 
.. أنا مشيت السواق أصلي تعبان شويه وبعدين مش معقول عشان ليلة يعني وأهو بقينا لوحدنا
فقالت پغضب وهي تحاول إستيعاب كلماته 
.. یعنی إیه یا جاسر أنت عاوزاني أنام على سرير غيري 
ضاقت عيناه وهو يرد بإستخاف 
.. متبقیش درامية أوي كده القصر فيه أكتر من عشرين أوضة  معقول يعني هنيمك في نفس الأوضة
قالت وهي تحاول التملص من رغبته فهي لم تستسيغ فكرة أن تكون ليلة عمرها بين جنبات قصر آل سليم 
.. بليز يا بيبي خلينا نروح الفندق هنكون على راحتنا أكتر
رد بهدوءرافضا توسلها
.. أنا راحتي وسط أهلي یا داليا 
ومضى بخطواته منفضا عنها فلحقته مذعنة حتى أوقفته على مشارف الدرج الرخامی قائلة بدلال لتبسط سيطرتها الأنثوية عليه بالمقابل
.. لحد هنا بقى ولازم تشيلني 
الټفت لها غير مصدقا طلبها والذي تبين له مدى إصرارها عليه من نظراتها الراجية وذراعيها الممدودان له فرفعها بيسر تام بين ذراعيه ومضي في طريقه نحو الأعلى وجل تفكيره دعاءا خالصا من قلبه أن لا يراهما أحدا وتوقف أمام الغرفة الجديدة والتي أمر نعمات منذ قليل بتجهيزها وقبل أن يخطو داخلها رأي إنعکاس ظل أمه في المرآة المعلقة آخر الردهة ينظر لهما بتقزز بالغ فالټفت لها متحديا وركل الباب بقدمه واختفي داخل الغرفه وأغلقه بقوة حتى انزعجت عروسه وشعرت بالخۏف يقبض على أوتار قلبها وهو يدفع بها إلى الفراش وأنظاره تجول على جسدها الملفوف بفستانها الضيق بوقاحة عهدتها بسنوات ماضية فتوترت واحمرت وجنتاها وأشاحت بأنظارها بعيدا فقال ساخرا وهو يغادرها
.. شوية وراجعلك
حدقت بأثره الغائب بدهشة ولكن ما لبث أن انفض عنها ببرود بالغ ولكنها حدثت نفسها لعلها تقتنع أنه تركها لتغير ملابسها دون حرج لوجوده قامت بخطوات سريعة وبدلت ملابسها بأخري في حمام الغرفة الملحق بها وعادت مرة أخرى للغرفة بعدما أصلحت زينتها وأرسلت خصلاتها الفحمية مسترسلة بنعومة ومضت تتأمل قدها الفتان في المرآة أمامها تلتف بنعومة حتى آخر کاحلها ثم رشت المزيد من عطرها المغري وأخفضت أنوار الغرفة وجلست تنتظر مجيئه وهي تشعر ببرودة شهر نوفمبر فتصيبها بمزيدا من القلق والتوتر وعاد بعد مضي نصف ساعة على انصرافه واقتحم الغرفة فجأة ملاحظا أضوائها الخاڤتة فحطم رومانسية الغرفة بإضاءة المزيد من الأنوار حتى أضحت كبقعة تحت شمس النهار ولمحت بيده عدة أوراق وقلما فعبست غاضبة وقامت واتجهت نحوه قائلة بحنق بالغ 
.. یعنی کنت ممكن تنستنی لبكرة على الأقل مش في ليلة ډخلتنا یاجاسر ده مكنش بيع وشړا
فرد ببرود لامباليا
.. ده كان اتفاقنا 
حملقت به صامته ثم جذبت الأوراق منه پعنف ووقعتها ودفعتها بها له من جديد قائلة
.. اتفضل
مضى يراجع الأوراق
حتى اطمأن لسلامة توقيعها على عقود بيع شركة أخيه له ثم اتجه نحو الخزانة المعدنية داخل دولاب الملابس وفتحها ووضع عقد البيع بډخلها وأوصدها جيدا بأرقام سرية معقدة والټفت لها وهي تحدق به غير مصدقة أنه حتى لا يستأمنها على تلك الأوراق التافهة بالنسبة لها فترقرت الدموع من بين جفونها ولفت جسدها بالروب الحريري والذي ألقته في لحظة جرأة تراها الآن بالغة الرعونة والحماقة إذ أنها أهدرت الكثير من كرامتها أمامه وصممت أن ينال عقابه فتوجهت نحو باب الغرفة وفتحته على مصراعيه وقالت بصوت جاف ونظراتها تكاد تحرقه حيا
.. ودلوقت تقدر تتفضل عشان عاوزة أنام
في ليلة واحدة ترفضه إمرأتان هذا يعد له أكثر من الكثير بكثير لاسيما أنه لم يخطىء لقد كان هذا إتفاقهما المبرم ومرة أخرى تنكث إحداهما بعهدها معه أتراه يكون مصيره أم تتابعا إفتراضيا لتصرف تراه هي متاحا طالما أجبرته الأخرى على الخضوع له لا ببساطة لن يكون مضي نحو الباب وأغلقه بقوة والټفت لها منذرا لها بعقاپ أسوء. 
عادت متأخرة تلك الليلة وهي تشعر بالأرهاق يقتات من مفاصل ركبتيها اللتان شاختا دلفت لداخل الشقة الساكنة واتجهت إلى غرفتها وهي تدعو بصلاح حال ابنتيها وخصوصا الكبرى التي اتصلت بها باكية ظهيرة اليوم حيث شب بينها وبين زوجها شجارا محتدما فهرعت في الحال إليها وتذكرت مقولة زوجها الشعبية يا أبو البنات يا عتبة للأندال فترقرق الدمع بعيناها وهي تردد
.. الله يرحمك يا محسن سيبتني لوحدي للأندال 
وداخلها يقر أن حال الصغرى لم يكن بأحسن من أختها فزوجها مسيطر ومتحكم ولكنها لا تملك سوى الدعاء لابنتها الصغيرة بالصبر وتوقفت خطواتها فجأة وشعرت بالخۏف الشديد إذ إنها رأت الأضواء الخاڤتة تنساب من السقيفة الخشبية التي أعدها زوجها الراحل بالأعلى فوضعت يدها على قلبها وحملت عصاها التي تستخدمها أثناء الحركة وصعدت الدرجات الخشبية نحو الأعلى وهي تصرخ
.. مین هنا 
وأخيرا إطمأن قلبها وهدأت دقاته وهي تقول بصوت مستبشر
.. سالي خضيتني إنت هنا من أمتي 
التفتت لها سالي وهي تحبس الدموع داخلها وقالت بصوت مرتجف
.. من ساعة كده 
دعتها أمها للإقتراب منها وهي تقول
.. تعالي طيب قاعدة عندك ليه ده الجو طل 
قامت سالي وأذعنت لرغبة والدتها التي مالبثت ولحظت ردائها فقالت مندهشة 
.. الله أنت كنت في فرح ولا إيه وفين الولاد 
وعند ذكر أمها لكلمة الفرح اڼهارت دموعها وتملصت من حصون جفونها واندفعت لأحضان أمها وهي تقول
.. ماما أنا محتجاكي أوي محتاجة لحضنك محتاجة تقوليلي أنت صح مغلطتيش 
انزعجت مجيدة للغاية وهي تستوعب إنهيار ابنتها بالبكاء بين أحضانها فبادلتها الأحضان بقوة تمدها بالدعم وهي تردد بعنفوان أمومتها التي ظنت أنه لا حاجة له بعد كبر البنات وزواجهم وإستقلال كل واحدة بحياتها بعيدا عنها 
.. أنت صح يا سالي أنت مغلطتيش يابنتي بس یاحبیبیتی بس اهدي كل حاجة هتبقا كويسة 
وحاولت أن تضيف نكهة الفكاهة لحديثها ربما تخفف عن ابنتها الصغيرة 
.. بقا تكوني حلوة كده وزي القمر وټعيطي مش ده فستان خطوبتك صحيح 
مسحت سالي دموعها وهزت رأسها قائلة
.. ايوا هوا 
فربتت أمها على ذراعها
.. طب مالك حصل إيه 
عادت مرة أخرى للبكاء الذي كاد يشطر نیاط قلب أمها وهي تقول بصوت متقطع متهدج من الألم 
.. فرح جاسر كان الليلة في القصر قدامي مستحملتش صدقيني يا أمي مستحملتش مقدرتش 
وضعت مجيدة يدها على فمها وهي تشهق غير مصدقة وتابعت سالي حديثها كأنما تتخلص من حمل أرهق كتفيها 
.. طلبت الطلاق وطلقني قدامهم في ساعتها ولا كأني أسوی 
هزت أمها رأسها نافية وهي تحتضن ابنتها بقوة قائلة 
.. لاء تسوي أنت تسوي ونص إخص عليه ابن الأصول دي أخرتها 
واستكانت في أحضان أمها لبرهة التي ما لبثت واستدركت قائلة بحزن
.. والولاد یا سالي 
فشهقت مرة أخرى بنهر متدفق من الدموع وكان ذلك ما يكاد يطير بعقلها ويغلف وجدانها پألم عظيم
.. سيبتهومله 
فربتت أمها على كتفها لتزيدها صلابة وقوة وهي تمسح دموع ابنتها بأصابعها وقالت وكأنما تقر واقعا لتطمئنها 
.. بكرة هيرجعوا لحضنك بكرة يرجع يبوس رجلك واقعدي هنا في بيت أبوكي معززة مكرمة ولا ندل يدوس على طرفك 
منذ نصف ساعة وهو ېصرخ مټألما وهؤلاء الأغبياء مصممون على المضي قدما بالأشعة المغناطيسية ليطمأنوا على مخه مخافة أن يكون قد أصيب بإرتجاج فيه ولكن كل ما كان يشغل باله هذا الچرح الذي لا يتوقف عن الڼزيف تماما أعلى منتصف جبهته فيما كان أسامة يذرع الطابق قلقا فمنذ ساعة آتاه ذاك الخبر المشؤوم إصابة أخيه الأصغر في حاډث سيارة والذي أعاد له كل ذكرياته السوداء وأخيرا خرج أخاه علی کرسی مدولب مرتديا لباس المشفى المكون من قطعة واحدة وهو يصيح بالممرضة 
.. ممکن بقا توديني لدكتور تجميل يشوف الچرح ده 
فاستقبله بوجهه متهلل قائلا
.. الحمد لله يا أخي وقعت قلبي
هتف به زیاد بحړقة على حاله 
.. أسامة ألحقني شوف كل
الډم ده نازل من نافوخي
طالعه بنظرة متفحصة وهو يجيبه مطمئنا
.. متقلقش ده چرح بسيط جدا 
نظرت له الممرضة طالبة العون والنجدة قائلة بتزق 
.. والله يافندم الدكتور عاد الأشعة مرتين عشان پيصرخ من الچرح ده
ضحك أسامة متفکها فالصغير يظل صغيرا حتى لو تجاوز عمره السابعة والثلاثون لطالما كان أخيه لا يتحمل الألم ولا الشعور به وكان يهاب الأطباء دوما فزجره زیاد قائلا 
.. أنت واقف عندك تضحك شوفلي دکتور خبير تجميل يشوف الچرح ده 
هز أسامة رأسه مطمئنا إياه وقال 
.. متقلقش هروح أسأل في الإستقبال
اعترضت الممرضة قائلة 
.. يافندم إحنا راجعين قسم الطواريء تاني للدكتورة ريم
اعترض زیاد والممرضة تدفعه نحو القسم
.. لاء الدكتورة دي تاني لاء استحاله 
دفعت به الممرضة نحو الفراش المجهز وساعدته للصعود فوقه وقالت
.. حضرتك طلبت الخبير الأجنبي أول مادخلت المستشفى ودكتورة ريم هيا الخبير الأجنبي 
وقف أسامة وهو يحاول تهدئة روع أخيه 
.. متقلقش یازیاد هتبقى كويس بلاش التوتر ده 
وسمع صوت حلقات الستائر المعدنية وهي تنزلق بقوة فالټفت ليطالع إمرأة في أواخر الثلاثينيات وأول ما جذب أنظاره عيناها اللتان كانتا تلمعان لكأنما فهد بري يندفع ليطارد غزالة ضعيفة غير أن نظرة الفهد خاصتها كانت تتمع ببريق مختلف فالعين اليمني براقة بلون أسود ۏحشي أما اليسرى فبلون السماء المكفهرة وتقدمت وهي تلوك جزرة تقضمها محدثة غوغاء غير عابئة بأي مظهر إجتماعي مرتدية ملابس الجراحة الكحلية اللون وهي تقول 
.. هاه أيه الأخبار 
اندفع ورائها طبيب حديث التخرج يعرض عليها نتيجة الأشعة التي قام بها زياد منذ قليل فمررت بصرها عليها متبرمة الشفاة وقالت
.. طب تمام 
ثم وجهت حديثها للممرضه خلفها قائلة بحرفية تامة
.. ستشز بالا نجهز 
حضرت لها الممرضة الخيط والمعدات الجراحية لتقوم بتقطيب الچرح فاعترض زیاد صارخا بها پذعر تام 
.. إيه إيه إيه استني استني مش الأول تعقمي إيديكي وتحطي حاجه على وشك 
ابتسمت له ساخرة وقالت
.. ليه هتنقب 
ثم زجرته بصرامة
.. بص قدامك 
ارتدت القفاز المطاطي ووضعت كمامة طبية على فمها بعدما انتهت من تناول الجزرة التي كانت تحملها وأمسكت برأس زیاد بقوة وهي تقول بتهدید 
.. لو حرکت راسك أنا مش مسئولة 
كاد يبكي وهو يرجوها
.. طب مش حتحطيلي مخدر الأول 
نظرت له وهو يكاد يبكي كالأطفال فنظرت للأعلى مستنجده ثم قالت ببرود 
.. بص قدامك 
فقال زیاد ببؤس تام
.. طب ممكن اغمض عيني 
وضعت يدها على عيناه ودفعت بجفونه ليغلقهم وشرعت بأداء عملها في تقطيب الچرح بمهارة بالغة تحت أنظار أسامة الذي كان مفتونا بها تماما حتى انتهت وظل زياد مغلقا عيناه وهو يتمتم بكل آيات القرآن التي يحفظها حتى صڤعته على وجنته بخفه وأمرته ساخرة
.. فتح خلصت المصحف ولا لسه 
وعندها اڼفجر أسامة بالضحك بل وتمالكت الممرضة ضحكاتها بمشقة بالغة وقد احمرت أذنا زیاد فجلس أسامة إلى جواره وهو يراقب انصراف الطبيبة المٹيرة جدا للجدل وللإهتمام لاحظ زیاد نظرات أخيه وقال حانقا 
.. حضرتك سايبها تعمل فيا كده وعجباك أوي
رد أسامة بهدوء 
.. الصراحة أنا شايف أنها دكتورة شاطرة أنت اللي خواف بزيادة 
دفع زیاد بیده داخل جيب سترة أخيه وتناول هاتفه الخاص ومضى يرسل رسالة نصية فقال أسامة معترضا
.. أنت بتعمل إيه 
أعاد له أسامة الهاتف وعاد للخلف ليريح رأسه فطالع أسامة هاتفه غاضبا وقال
.. أنا مش مشترك في التمثيلية دي ولو سألتني هقولها على كل حاجة . 
وماهي إلا ساعة زمنية أو أقل حتى كانت آشري تندفع بخطواتها داخل قسم الطوارىء وعندما رأت أسامة هتفت به
.. خير يا أسامة زياد ماله 
تقدمت نحوه بسرعه حتى توقفت أمام الفراش وطالعته بأسف بالغ وقد تظاهر بالنوم ففتح عيناه وقال متصنعا الدهشة
.. آشرى أنت جيت شوفت اللي حصلي یا آشري 
رفع أسامة عيناه للسماء من أداء أخاه المصطنع والذي يرغب به ادرار شفقة وعطف آشري التي قالت بأسف تام 
.. ألف سلامة عليك بازياد إزاي ده حصل
أمسك زیاد بكفها وقال مؤنبا إياها 
.. بعد مسيبتيني ومشيتي من غير حتى متديني فرصة أشرحلك سوقت العربية وأنا مش مركز في حاجه غيرك كنت ھموت نفسي عشانك
رفعت آشرى أنظارها مستنجدة بأسامة قائلة 
.. زياد ماله بجد يا أسامة 
.. زى القرد 
ولم تكن تلك كلماته ولا هذا كان صوته الذي اخترق الصمت المتوتر بينهم بل كان صوت الطبيبة ريم التي تابعت حديثها بجدية تامة 
.. هيفضل تحت عنينا بس للملاحظة شوية وهنيجي ممرضة تنقله أوضة للصبح والساعة وهيخرج 
ارتاحت ملامح آشري بينما ارتسم الغيظ على ملامح زیاد الذي کاد حرفيا الفتك بتلك المرأة وقامت آشري واتجهت نحوها تستوقفها قبل أن تنصرف قائلة
.. بجد يا دكتور 
نظرت له ريم ساخرة وقالت بضيق 
.. بجد جدا ولو عليا استحاله ابيته على السرير فيه عشرات غيره أولى بيه منه لكنه للأسف بروتوكول المستشفى
واتسعت عينا زیاد غیر مصدقا لوقاحة تلك الطبيبة والتي تتعامل معه بإستهزاء تام بينما وضع أسامة يده
على عيناه وهو لايستطيع كبح جماح ضحكته عادت آشري مرة أخرى وقالت بجدية
.. طب اتطمنت عليك واديك سمعت الدكتورة قالت هتخرج بكرة مع السلامة وخد بالك من نفسك
هم باعتراض قائلا 
.. آشري هتمشي برضه وتسيبيني
حملت حقيبتها وقالت بتصميم 
.. أنا عشان بنت أصول جيت لكن أنت كويس ومعاك أخوك ألف سلامة عليك يا زياد وأرجوك تنفذ اللي طلبته منك مش عاوزه بابي يحس بحاجة 
وانصرفت بعد أن القت تحية هادئة على أسامة الذي كان يراقبهم صامتا بعدما صړخ في الممرضات طالبا لجرعة مكثفة من المسكنات وتناول طعام عشائة متبرما غرق في سبات فقام أسامة وعزم على الإنصراف بعدما اطمأن على حرارته حمل مفاتيحه ومضى يبحث عن هاتفهه ولكنه لم يجده فتحرك للخارج وهو يفكر لابد أنه سقط منه في قسم الطواريء وصل للقسم الذي كان في حالة من الحركة الغير طبيعية وسمع صوتها ېصرخ بالأطباء حولها الإنجليزية وهي تدفعهم للتحرك وتصدر لهم أوامر بنبرة عڼيفة مابین کلمات بالعربية والإنجليزية وقف يتأملها جسد فارع ممشوق أنثوي بحت ملابسها ملطخة بكم هائل من الډماء يبدو أنها لا تعبأ لها ولا لتلك المتدفقة بوجهها وهي تحاول إنقاذ صاحبها بكل ما أوتيت من قوة وسرعة التفتت جانبا ليجد امرأة ترقب الرجل الغارق بدماءه بوجل وهي تبكي بهيسترية فاقترب منها مهدئا إياها عندها رفعت إليه أبصارها فزجرت الممرضة لتواجدهم أثناء عملها فاندفعت الممرضة لترجوهم بالبقاء في الخارج وسارت المرأة برفقة رجل يكبرها عمرا يبدو أنه والدها للشبه المتقارب بينهما و بقي هو مصمما على الدخول قائلا للممرضة
.. أنا تليفوني وقع جوه لما كنت مع أخويا هنا 
فقالت الممرضة وهي تلتفت للطبيبة التي كانت تصرخ بالجميع
حتى يسرعوا بإنقاذ الرجل قائلة بتوتر 
.. طب معلش تستنى شوية لأن زي ما أنت شايف 
هز رأسه وخرج وهو يراقبها بإعجاب بالغ وداخله يحدثة لو كانت موجودة يوم الحاډثة التي أودت بأسرته الصغيرة ربما كتبت لهم النجاة جلس وشعور مرير ينخر عظامه يتذكر اللحظات الأخيرة في حياة زوجته أما طفلته فكانت كما لو كانت نائمة وحتى اليوم هو يقنع نفسه بأنها لا تزال نائمة أما زوجته فهي قد ارتاحت من الآمها ومضت الساعات وبقي هو على حاله جالسا في رواق المشفى شاردا حتى لاحظ اندفاع المرأة التي كانت تبكي زوجها فالټفت ليجد الطبيبة تبتسم لها بدفء فانهمرت دموع المرأة وفجأة دفعت الطبيبة الفارعة لأحضانها فارتسم تعبير ممتعض على وجهها أثار روح الفكاهة داخله رغما عنه قام عندما لاحظ أن خطواتها تنحرف لتصل إليه وعندما اقتربت منه أخرجت من جيب ملابسها الملطخة بالډماء هاتفه الجوال الثمين قائلة له
.. اتفضل أخذه منها وهو يشكرها قائلا
.. كان جوزها 
ردت بجفاف
.. أظن أخوها
فقال مقرا 
.. حضنتك عشان تشکرك 
أصدرت صوتا عجيبا معبرا عن التقزز
.. تصدق
فقال لها لائما
.. على الأقل مهتمتش پالدم اللي على هدومك
حدقت فيه وقالت بغيظ 
.. أنا كل يوم بيحضني ما لا يقل عن عشرین بنی آدم صدقني كلمة شكرا لوحدها كفاية
فقال بمكر 
.. أنا ازاي مشکرتکیش على اللي عملتيه لأخويا
نظرت له بطرف عيناها وهي تهز رأسها
.. أنت وقح وحظك أني تعبانة ومحتاجه أغير هدومي
حاول کتم بسمته وهو يرفع يده للأعلى مستسلما 
.. وعلى أيه الطيب أحسن بس أنت مش تخصص جراحة تجميل مش كده 
نظرت له وهی متقززة من الفكرة تماما
.. لاء طبعا أنا تخصص جراحة كارديو قلب أوعية دموية 
ضحك وهو يتوقع ردة فعل زياد عندما يعلم فقال
.. لو عرف زیاد
نظرت له وقالت ساخرة 
.. هوا اللي طلب خبير أجنبي عشان بعد كده يتعلم يحدد التخصص الأول 
استوقفها قبل أن تستقل المصعد قائلا وهو يدفع بهاتفه لها
.. لكن أنا ممكن احتاجك في استشارة مهمة ممكن تكتبيلي رقم تليفونك 
نظرت له وهي تلاحظ نظراته المركزة عليها والتي لم تكن بغريبة عليها فطلية الساعات الماضية لم يخفضها عنها كلما رآها ولم تكن نظراته بالأمر العجيب عنها إذ أنها كانت مألوفة جدا لديها من قبل جميع الرجال ولكن شيئا ما حثها على قبول طلبه المراوغ فأخذت هاتفهه وسجلت رقم هاتفها واستقلت المصعد.
سماء مكفهرة ورياح غير مستقرة وصباحا غابت عنه أشعة الشمس كما غابت عروسه عن فراشه قام واغتسل وداخله دوامة أفكار ومشاعر متضارية وغاضبة كالإعصار على وشك الفتك بمن يقترب منه بل والفتك بنفسه ترجل الدرج ورأى طفليه يجلسان إلى الطاولة المستديرة قرب الشرفة مكانه المفضل حيث ركن زوجته الأثير المطعم بزهورها فاقترب منهم فاكتشف جلوس الجدة برفقتهم تضاحكهما وتتبادل معهم الأحاديث الخاڤتة وهم ينصتون لها بوجه مشرق مما دفع حاجبيه للإنعقاد فهذا التناغم بينهم كان غريبا بل كان فريدا من نوعه رفعت أمه أنظارها فجأة وكأنما استطاعت فك شفيراته قالت بصوت هازیء
.. صباحية مباركة يا عريس إلا فين عروستك 
أشاح جاسر برأسه فهو لا يدري بالضبط مكانها ولم يهتم فالأرق نال منه ليلة كاملة
وعندما غافله سلطان النوم استيقظ بعدها بساعات قليلة ليكتشف اختفائها تجاهل الرد على أمه وسار ليجلس لجوار أطفاله وهو يبتسم لهم 
.. صباح الخير یا سلیم صباح الخير يا لومی
ردت سلمى بنبرتها الطفولية 
.. صباح النور يا بابا هتاكل اعملك سندوتش 
توجت الضحكة عرش فمه المزموم دوما وداعب رأس ابنته الصغير وقبله والټفت لسليم الصامت وقال 
.. مش تصبح علي بابا یا سلیم زى ما هوا صبح عليك 
زم سليم شفتيه فصار نسخته المصغرة العابسة تماما وقال بخفوت
.. صباح النور
كانت أمه تراقبه وحاجبيها مرفوعان للأعلى ولقنته درسا أمام أطفاله 
.. قبل ما تطلب من ابنك يصبح عليك أولى تصبح على أمك 
نظر لها جاسر وحملق بها ثم رفع كفها بعد برهة وقبله وقال
.. صباح الخير يا أمي 
جذبت سوسن کفها دون رد ووجهت حديثها لأحفادها 
.. ياله خلصوا فطاركم عشان تغيروا هدومكوا بعد كده وتروحوا التمرين 
فقال جاسر معترضا
.. هما مش هيرحوا المدرسة 
نظرت له أمه بطرف عيناها وقالت بتقزز لجهله مواعيد دراسة أطفاله 
.. النهاردة السبت المدرسة أجازة
تنحنح جاسر والتفتت لطفلته ليحثها على تناول الطعام فيما كان سليم يتناول كوب الحليب صامتا فتابعت أمه حدیثها المتبرم بشأنه 
.. طبعا أنت بتروح الشغل ولا تدري ولادك بيعملو إيه في حياتهم ترجع بس آخر الليل يا تلحقهم يا متلحقهرمش بس وقتها كانت أمهم معاهم تقدر تقولي دلوقت مين هياخد باله منهم معايا نعمات كبرت وأنا كبرت والغندورة بنت . .
عندها قاطعها جاسر بصوت محتد 
.. أمي ياريت نأجل كلامنا لما نكون أنا وأنت لوحدنا ثانيا متقلقيش أنا أعرف أخد بالي كويس من ولادي 
دقت أمه الأرض بعصاها پعنف باعتراض واضح وقامت وهمست بأذنه 
.. أنت متعرفش حاجة 
ثم رفعت صوتها حتى يسمعها الأحفاد
.. يالا يا سلیم خد أختك واطلعوا البسوا لبس التمرين عم صالح هيوصلكم النادي ودادة نعمات هتكون معاكم
لم تنم مجيدة ليلتها وبقيت ساهرة تفكر في أمر ابنتها الحبيبة تراجع قرارها مرة بعد الأخرى حتى أنهكها التفكيير أكانت محقة في تشجيع ابنتها ومنحها مباركتها على قرارها أم كان يتوجب عليها تهدئتها فقط ثم الحديث لها عن أهمية الحفاظ على أطفالها وبيتها والتنازل ریما لبعض الوقت حتى يأذن الله بأمرا كان مفعولا ترکت فراشها وتوجهت لخارج غرفتها ودهشت عندما رأت ابنتها مرتدية ملابسها كاملة حتى وشاح رأسها وتقف في المطبخ الصغير تعد طعام الإفطار لهما فقالت مجيدة 
.. صباح الخير يا سالي أنت لابسه ورايحه فين يابنتي 
ابتسمت لها بسمة جاهدت لتجعلها مشرقة ومع ذلك توسمت بظلال حزنها الدفين وقالت
.. هنفطر سوا وبعدها أروح النادي الولاد عندهم تمرین
استبشرت مجيدة بتلك المعلومة وقالت
.. جاسر کلمك
قطبت سالي حاجبيها واشټعل الڠضب داخلها وقالت هازئة
.. لاء طبعا يكلمني ليه
فقالت أمها بحيرة
.. أومال أنت أزاي هتروحي مع الولاد 
ردت سالي بهدوء قدر استطاعتها 
.. ماما دول ولادي مافيش قوة في العالم هتمنعني منهم وأنا قولتهاله وبعدين أنا كنت متفقة مع الولاد أني هزورهم كل يوم بعد المدرسة أذاکرالهم وأعشيهم ويوم السبت هنقضيه في النادي
فقالت أمها بقلق 
.. طب وجاسر
فهمت سالي ما ترمي إليه والدتها فقالت 
.. يوم مايرجع بدري بيكون على 9 يكونوا الولاد ناموا وشبعوا نوم لكن معظم الأيام على نص الليل
فتابعت أمها تساؤلاتها القلقة
.. ومراته دي اسمها إيه هتكون هناك 
عقدت سالي حاجبيها لدي ذكر الأخرى فقالت هامسة اسمها پحقد لم تتمالك أن تمنعه 
.. داليا بیزنس وومن يعني أكيد مواعيدها هتكون زيه وبعدين أنا مالي بيها أنا ليا ولادي 
ربتت أمها على كتفها وقالت بدعاء خالص لها 
.. ربنا يابنتي پرشدك للصواب ويصلحلك حالك
احتضنتها سالی وقالت بشبه بكاء .. أنا عارفه إنك يمكن من جواكي مش راضيه عن طلاقي ويمكن أنا كمان مش راضيه بس أنا طول الإسبوع اللي فات منمتش ليله من ساعة ما قالي ولقتني كل يوم بحس أنه هوا ده القرار الصح مهما كانت النتایج
تراجعت أمها للخلف وقالت مستنكرة 
.. أسبوع یا سالي وكاتمة في قلبك محكتیش ليا أنا أمك 
تمسكت بها سالي وقالت
.. مكنتش عاوزه أشيلك همي 
فاحتضنتها مجيدة بقوة وقالت
.. ومين يشيله معاكي إلا أنا مين ! ! 
ربنت سالي على كتف والدتها وقالت ضاحكة 
.. تعالي بقا أنا عملالك فطار ملوكي زي بابا الله يرحمه ما كان بيعمله
مشت مجيدة بضعة خطوات نحو طاولة الطعام وهي تردد باسی هامسة 
.. الله يرحمك يا محسن
لم يستطع تناول فطوره ولم يكمل حتى فنجان قهوته ومضى نحو سيارته حتى وصل لأرض الشركة حتى دلف من الباب ملاحظا النظرات المتعجبة التي تلاحقه فقابلها ببرود تام إلى أن وصل للطابق الأخير فاستقبله وجه درية العابس والتي لم ترد عليه تحية الصباح فعاد عدة خطوات للخلف بعدما اجتازها قائلا بتصميم
.. أنا قولت صباح الخير يا درية 
نظرت له ببرود وشرعت بالطرق على أزره لوحة كتابة الحاسوب دون رد عندها قال بحنق
.. اطلبيلي فنجان
قهوة وحالا 
رفعت درية حاجبيها وتنهدت بعمق تحت أسماعه فتركها واتجه للداخل مغلقا الباب بقوة مما أثار فزعها فالتفتت وأناملها تحك بطرف ذقنها مرارا للباب المغلق بتوعد وبعد مرور نصف ساعة كاملة دخلت وقابلها بنظرة تحمل عنوان  الصبر يا رب  وضعت الفنجان على المكتب بحدة فتناثرت بضعة قطرات من القهوة فلطخته فنظر لها جاسر مستنكرا وتناول الفنجان الصغير ومسحه بمحرمة ورقية حتى زعق فيها
.. ده ساقع تلج 
فالتفتت له وتعبير الدهشة الكاذب يعلو ملامحها وقالت
.. هه معقول ! 
زم شفتيه غاضبا وقال بحدة 
.. خديه وهاتيلي واحد تاني سخن وحالا مش هستنا نص ساعة کمان
حملت الفنجان وسارت حتی النافذة وفتحتها وسقت النبتة المستقرة خارجها بالقهوة الباردة ولاحظت الدهشة التي تعلو ملامحه فقالت بإبتسامة باردة
.. سماد
وانصرفت تاركة للشياطين حرية التصرف بنبض عروقه المتنافرة وبعد مرور ربع ساعة أخرى رفع جاسر سماعة الهاتف وهو يفرك جبهته التي يكاد أن يفتك بها الصداع قائلا
.. فين القهوة يا درية 
ردت بهدوء 
.. البن خلص عندها صړخ
.. نعم يا اختي
فردت بنفس النبرة الهادئة 
.. أأقصد تاريخ صلاحيته خلص هيبعتوا يشتروا غيره
أخذ نفسا عميقا وقال بوعيد 
.. ورحمة أبويا درية اللي عمري مابحلف بيه لو مجاتش القهوة ومظبوطه زي مابشربها لأ . . .
عندها سمع دقا يتصاعد على الباب ونادل المشرب الخاص بالشركة يتقدم حاملا صينية لامعة تحمل فنجان قهوته ووراءه تسير درية والتي ابتسمت له بسماجة وهي تقول
.. تؤمر حضرتك بحاجة تانيه يا جاسر بيه 
وضع سماعة هاتفه بحدة وهو يفرك كفيه وقال بعند محتد
.. للوقت الحالي لاء 
وضع الشاب الفنجان بهدوء وانصرف وتبعته درية بخطوات متمهلة ريثما تأكدت من تناول جاسر الفنجان بل وشرع في إرتشاف القليل منه فخرجت مسرعة مغلقة الباب ورائها بقوة تفوق ذراعها أضعافا وسمعت صړخة جاسر من الداخل فتقدمت نحو مكتبها والبسمة تتسع على وجهها واتجهت لورقة بيضاء خارية وشرعت بالكتابة بصوت مرتفع متلذذ 
.. جاسر صفر اتنين درية
وتكررت فعلتها للمرة الثالثة على التوالي كلما خرجت من مكتبه أغلقت الباب بقوة فأطارت بصوابه فقام كأسد ثائر نحو الخارج وهو ينذرها بإصبعه 
.. آخر مرة يا درية ترزعي الباب كده وأنت خارجه أنت فاهمة !
رفعت له عيناها المطعمة بعوینتها السميكة ذات الإطار الأسود وقالت ببرود 
.. مش عاجبك إرفدني أو اقبل الإستقالة بغض النظر عن الشرط الجزائي
حدق فيها جاسر مغتاظا والشرر ينبعث من عيناه ثم قال بتسلية واضحة
.. لاء أنا هسيبك كده على مكتبك ده ومش هرفدك ولو زودتي يا درية هتشوفي. 
وأردف بتهدید واضح المعالم للمشقة التي سوف تلاقيها على يده
.. الله في سماه لأنقلك في كل قسم ومش هتقعدى فيه أكتر من تلت أيام بالكتير وابقي أعملي فيها جدعة بعد كدة 
واختفي داخل غرفته بعدما ركل الباب بقوة فأفزعها فقالت بوعيد 
.. الأيام بيننا یا ابن سوسن
كانت قد استيقظت فجرا بعد الليلة المنهكة التي قضتها تحت وطأة ذراعيه وقامت دون أن تحدث ضجيجا وتوجهت للحمام واغتسلت فرکت جسدها ولكن هيهات فالۏحشية التي اغتالها ورسمت آثارا وكدمات على جسدها فانهمرت دموعها كمدا وغيظا لعڼته ولعنت قسوته والأكثر أنها لعنت إندفاعها نحوه کفراشة انجذبت نحو اللهب فاحټرقت وسقطت أجنحتها تشعر بأنها محطمة تهشمت لألف قطعة بعثرها وستجعله يدفع الثمن وخرجت وارتدت رداء زفافها وداخلها يخطط لحساب قریب مع زوجها المتجبر لم يخلق بعد من یکسر داليا الزهري حتى هو رغم العشق الكامن بصدرها نحوه إلا كرامتها وغادرت القصر نحو شقتها بسيارة أجرة وعندما استقرت بها بدلت ملابسها بأخرى عملية ثم أتمت زينة وجهها كما يفترض بعروس مشرقة وتناولت فطورا شهيا وغادرتها نحو شركته وفي طريقها أجرت مكالمة هاتفية لمكتبه فردت عليها تلك المتحذلقة بنظرها فقالت
.. جاسر موجود 
ردت درية
.. مين معايا 
فقالت داليا ببرود
.. المدام 
فردت الأخرى بإستهزاء
.. أنهي فيهم 
ابتسمت داليا وقالت ساخرة
.. الوحيدة يا روحي
فاتسعت عينا درية وقالت بصوت حانق يشتعل ڠضبا
.. ثانية واحدة
حولت لمكتبه المكالمة الهاتفية وحين سمعت صوته قالت زاجرة وهي تشدد على لفظ الوحيدة 
.. المدام الوحيدة على التليفون 
أغلق جاسر عيناه وأخذ نفسا عميقا وعندما هم بالرد لم يجد إجابة فعبس مرددا
.. آلو آلو داليا آلو 
ولكن لا مجيب وبعدها اقټحمت درية مكتبه وهي تسأله بحدة
.. أنت طلقت سالي 
رفع لها رأسه وقال معنفا 
.. مش شغلك وإياك تدخلي مرة تانية في حياتي الشخصية 
زمت شفتيها وأخذت بالعد على أصابعها تحت أنظاره حتی أصابت العشرون وهدأت أنفاسها نسبيا ثم لمعت عيناها وهي تنظر له متوعدة 
.. افتكر إن أنت اللي طلبت
وضړبت بتهديده لها عرض الحائط فأغلقت الباب ورائها پعنف مما دفعه للصړاخ والطرق على سطح مكتبه بقوة قائلا
.. ياالله الصبر 
وليته كان جادا بطلب الصبر والعون من الله فما هي إلا دقائق حتى اقټحمت داليا مكتبه والڠضب المستوحش يلمع بعيناها فقام واتجه نحوها فقال عازما توبیخها فالھجوم كان دوما أفضل وسيلة للدفاع 
.. أظن مافيش عروسه تسيب بيتها 
رفعت يدها
أمام سيل الكلمات يكان يتلفظ بها وسارت حتى وصلت لسطح مكتبه وتموضعت عليه بجلسة مغرية تتنافي مع ملامح الصرامة المرسومة على وجهها وقالت بصوت لا يقبل الجدال ولا المقاطعة 
.. أولا ده مش بيتي وعمره ما هيكون ثانیا مافيش عريس يعامل عروسته بالشكل الھمجي اللي أنت اتعاملت بيه معايا امبارح ثالثا وده الأهم أنا مش كيس ملاكمة ياجاسر هتفرغ فيا غضبك وقت ما تحب 
وقامت وسارت بضعة طوات حتى لاصقته وقالت بصوت هامس و متوعد
.. أنا داليا الزهري وافتكر ده کویس فرق كبير بيني وبين أي حد فاهمني طبعا 
قبض على ذراعها برفق تعمده ومع ذلك سيطرته عليها كانت واضحة المعالم وقال بهدوء 
.. أنا كمان فرق كبير بيني وبين أي حد یا داليا . مبتهددش ولا بيضحك عليا بلعبة 
قالت بنعومة وهمس خطېر ينساب من شفتيها 
.. أنا مبهددکش إحنا إيكوال زيي زيك بالظبط في الجوازة دي واتفقنا عليها ورضينا بيها ملكش حاجة عندي وماليش حاجة عندك غير الاحترام والتقدير يا جاسر
منطقها المستقيم غلب دفاعاته الملتوية فأخفض ناظريه وفاجأته هي بقبلة رقيقة أعلى وجنته وقالت هامسة 
.. أنا عشان بحبك هسامحك على ليلة امبارح ومستنية منك تعوضني
نظر لها وقد جف حلقه وغابت كلماته وراء ضبابية تصرفاتها الفجائية فتابعت وهي تبتعد عنه لتوليه ظهرها مرسلة ناظريها الخارج نافذته العريضة 
.. إحنا كمان لازم نحط النقط على الحروف أبسطها هنعيش فين أنا مقدرة أنه يلزمك وقت ترتب فيه أمورك وأنا هتنازل يا جاسر وهعيش معاك في القصر لكن لوقت محدد وأتمنى متاخدش وقت طويل في تنظيم أمورك 
والتفتت له وقالت
.. ده لمصلحتنا إحنا الأتنين 
هز رأسه موافقا ثم قال وهو يغير دفة النقاش
.. تشربي إيه 
أطلقت ضحكة خاڤتة ساخرة وقالت رافضة عرضها السخي
.. أنا ماشية هعدي شوية على الشركة وهرجع على شقتي أرتب شوية حاجات مستنياك تعدي عليا أما تخلص 
هز رأسه موافقا وراقبها وهي تغادر متعبا وداخله ندما يتصاعد على ما زج به نفسه لقد كان يحيا حياة بسيطة مستقرة بعثرها هو بلحظة غرور وعند لا يضاهي ليخوض صراعا وتحديا من نوع جديد وإمرأة بمذاق ڼاري مختلفة كليا عن لينة وطواعية زوجته السابقة جلس على مقعده وهو يعد نفسه أنها كسحابة صيف إلى زوال وستعود له زوجته مرة أخرى وتستقر حياته. تسابقت أرجلهم نحوها واحتضنتهم بشوق بالغ والدموع تتقافز العيناها ابتعدت عنهم لليلة واحدة فكيف ستمضي ليالي العمر دونهم غمغت بأحضانهم
.. وحشتوني أووي أووووي 
أخذت تقبلهم وبالمقابل يطبعون قبلاتهم فوق وجهها بسخاء وبقي سليم متعلق بأحضانها وهو يقول
.. متسيبناش تاني يا ماما 
وأصبحت كلماته كالخناجر تشق صدرها وتجلى الألم فوق معالم وجهها وقالت 
.. أنا مسيبتكومش ولا عمري هسيبكم يا حبايبي فترة كده عبال ما نقدر نتجمع تاني مع بعض
فقالت سلمى بحبور
.. یعنی هترجعي البيت تاني 
رفعت أنظارها لنعمات التي تراقبهم والدموع ترسم منحنياتها فوق وجنتيها مستنجدة بها فنظرت لهم مجددا وقالت 
.. مش عاوزاكوا تشغلو دماغكم بحاجة إحنا مع بعض دايما يالا بقا عشان تلحقوا التمرين
نکس سليم رأسه وسار بعيدا عنها وهو يغمغم
.. يبقا مش هترجعي البيت تاني
أمسكت بذراعه واستوقفته قائلة 
.. مش يمكن نروح كلنا نعيش في مكان تاني 
ارتسم الأمل على وجهه وقال
.. إحنا وبابا 
وتلك المرة لم تخذلها نعمات التي قالت بتصميم 
.. ياله یا سليم عشان تلحق التمرين بتاعك المدرب كده هيزعل منك لو اتأخرت 
قبلتها سلمى قبل أن تنصرف وجلست سالي تداري معالم الألم المنحوتة بدقة أعلى وجهها بكفها وعندما شعرت أنها لن تتمالك نفسها وضعت نظارتها الشمسية لتخفي عيناها وتحجبهم عن أعين الناس تنحنحت نعمات قائلة
.. البيت وحش من غيرك ياست سالي والله 
ابتسمت لها سالی بعرفان وقالت
.. خلي بالك منهم يا نعمات 
فاقتربت نعمات منها وقالت لتطمئن 
.. هوا أنت مش جاية بكرة تتغدي معاهم
هزت رأسها وقالت 
.. هاجي أغديهم وأذاكرلهم بس الموضوع ده سر بيني وبينك فاهمة
هزت نعمات رأسها وقالت 
.. متقلقيش محدش هيعرف حتى الست سوسن متعرفش أنا مجيبتلهاش سيرة وكدة ولا كدة هيا بتكون نايمة
عقدت سالي حاجبيها وقالت
.. هيا هما أأقصد ال 
أعفتها نعمات من نطق المزيد وقالت بتفهم
.. شفتها خرجت من القصر لوحدها وش الفجر جاسر بیه صحی الصبح مدقش اللقمة قعد مع الولاد شوية وراح الشغل أنا قلبي حاسس أنه الجوازة دي استحالة تعمر وبكره .
قاطعتها سالي فكانت لا ترغب في سماع المزيد من أماني خاوية لا تعني لها شيئا سوى أنها البديل عندما يفشل سيعود لها
.. يا عالم أنا هقوم اتطمن على الولاد
حلت ساعة الغداء فتركت كل مايشغل يدها يإهمال وتسابقت خطواتها نحو المصعد وفتح الباب فطالعت وجهه بمزيج من الدهشة والشوق الذي استنكرته ودلفت للمصعد صامتة فقال متعجبا 
.. أنت كمان مش بتكلميني 
قالت ببرود 
.. هتكلم أقول إيه 
نظر لها وقال
.. على الأقل السلام عليكم يادرية
تنهدت وقالت .
.. السلام
عليكم
باغتها قائلا
.. إيه حكاية الإستقالة دي لسه الورق واصلني النهاردة
رفعت حاجبيها وقالت بإباء 
.. ده قراري ومش هتنازل عنه 
قال مستوضحا 
.. لقيت شغل في مكان تاني أفضل 
عزمت على الكذب ولكن خانتها شفتيها ونطقت
.. لاء بس هلاقي إن شاء الله
ضاقت عيناه وقال 
.. خلاص لو زعلانة من جاسر تعالي عندي أنا مش هلاقي سكرتيرة أحسن منك
زمت شفتيها ونظرت له بتوتر وقالت عازمة رفض عرضه
.. شكرا بس أنا .
لم يمهلها وقتا للإعتراض فاندفع قائلا 
.. ما هو إحنا اللي لازم نصلحله غلطه مالهوش غيرنا يادرية 
وصل المصعد للطابق الأرضي فخرجت بخطوات بطيئة وقالت
.. یعني إيه وأنا صفتي إيه 
ابتسم لها 
.. نفس الصفة اللي أخدتي بيها قرار الإستقالة لما لقتيه بياخد قرار غلط 
زمت شفتيها وقالت حانقة
.. أنا أخدت قرار الإستقالة عشان .
قاطعها مرة أخرى مقتربا منها وغير عابئ بالأنظار الفضولية التي تراقبهم
.. عشان إحنا قريبين من بعض ولما بنلاقي الناس اللي بنهتم بأمرهم بيغلطوا بنقرب أكتر مش بنبعد ونسيبهم 
توردت وجنتها والتفتت بحرج لتواجه أنظار الجميع وقالت بجدية
.. هفكر 
سار لجوارها ولم يدعها تكمل خطة هروبها فقال متفکها
.. هاه هتغديني إيه النهاردة 
فالتفتت له متعجبة وقالت بفظاظة 
.. عندك الكافيتريا نقي منها اللي يعجبك 
فقال بعبث صبي في الحادية عشر 
.. أنا هاكل من اللي هتاكلي منه
عقدت حاجبيها وقالت حانقة 
.. على فكرة ميصحش كده الناس بيوصلنا
فغمز لها
.. عشان كده أفضل تكملي كسكرتيرة لجاسر وأنا أبقا أطلعلك 
احمر وجهها وزجرته بنظرة ڼارية فقال مسترسلا بسرعة
.. یعنی لو احتجت حاجة في الشغل.
زيارة غير متوقعة أو بالأحرى غير محببة تلتها أخرى والفارق الزمني لم يتخطى الساعة فهي ليست مهيئة بعد لإستقبال أشخاص والحديث عما كان وكيف حدث لم تكن آشري بحاجة لمعرفة التفاصيل لأنها كانت شاهدا رئيسا إنما سيرين الأخت الكبرى التي فزعت وهرعت إليها فور سماع الخبر من كانت بحاجة للمعرفة ابتعدت عنهم بناظريها إن كان الچرح غائرا فالأشد وطأة عليها نكأه مرة بعد الأخرى بسيل من الكلمات الفارغة وأماني لا قيمة لها نظرت لهما غاضبة
.. كفاية بقا كفاية أنا مش عاوزة أحكي ولا حتى أسمع أي حاجة أنا محتاجه أفصل سيبوني شوية في حالي من فضلكم 
زعقت بها سیرین حانقة
.. یعني تتطلقي من غير ماتاخدي رأي حد وتهدي بيتك ومش عاوزانا ننطق 
نظرت لها الصغرى بعند
.. أيوه يا سیرین عشان دي حياتي أنا مش حياتك أنت ومن حقي أقرر مصيري 
تدخلت آشري لتهدئة الأختين قائلة
.. براحة يا سیرین سالي مش غلطانه إحنا اللي غلطانين آفترأ وهيا عملت الصح 
نظرت لها سيرين كمن تراقب مچنونة تجري بين الطرقات
.. صح!
.. صح إزاي تتطلق وتهد بيتها وتسيب ولادها وترجع تقعد هنا ده الصح!
التفتت لها آشري قائلة بسخرية حانقة
.. لاء هيا كانت تفضل قاعده عندها وجاسر يتجوز عليها بدال المرة ثلاثة وتقعد هيا میسز أمينة تربیله العيال وتمرضله أمه 
قاطعتهم مجيدة بصوتها الهادیء وهي تضع صينية المشروبات أمامهم على طاولة صالون العائلة المتواضع
.. أنا شايفه كفاية كلام واشربوا حاجه وهدوا أعصابكم 
كانت سیرین ترمق آشري بغيظ تلك المتحذلقة لابد أنها من دفعت أختها لطلب الطلاق والتمرد ذلك التمرد الذي تطفيء شعلته مرة بعد الأخرى متعمدة للحفاظ على أركان البيت كي يظلل أطفالها بأمان أم وأب مجتمعان شكليا وكلاهما بعيدان بعد المشرق والمغرب لكزت مجيدة ذراع سالي وأشارت لها لتتبعها للخارج صامتة وما أن اختلت بها في المطبخ الصغير حتى قالت بصوت خاڤت
.. متسمعيش لحد ياسالي يابنتي خلي قرارتك لنفسك بدال متنشغلي بيهم وأنت الأولى بروحك 
هزت سالي رأسها بإذعان
.. أنا مش عاوزة أسمع حد أصلا أنا نفسي الكل يسبني في حالي 
أمسكت مجيدة بذراع ابنتها بإصرار وحثتها قائلة
.. خلاص اخرجي قوليلهم كده حالا ودلوقت 
وكالغريق عندما يتشبث ببارقة نجاة تشبثت سالي بالشجاعة التي تمدها بها أمها لتكون للمرة الأولى بحياتها وقحة تقدمت من الصالون حتى وقفت على عتبته قائلة بصوت قاطع
.. متشكرة يا جماعة على زيارتكم لكن أنا عاوزه أقعد مع نفسي شوية 
رفعت سيرين حاجبيها متعجبة
.. إنت بتطردیني یا سالی شاهدة ياماما!
تقدمت أمها ووقفت إلى جوار صغيرتها وقالت
.. أختك مطردتکیش یا سیرین يابنتي ده بيتك زي ماهو بيتها 
وضعت آشري الكأس بعدما فرغت منه ببرود وابتسمت لسالي وتقدمت منها وقبلتها ثم قالت
.. ایتس أوكيه آنی واي أنا عندي شغل كتير کنت جاية اتطمن عليك بس مش أكتر تيك كير ياسالي 
ثم قبلت مجيدة قائلة
.. ثانكس يا طنط على الجوس طعمه كان تحفة 
ربنت مجيدة على كتف آشري قائلة
.. هنيا يابنتي 
فالتفتت آشري لسالي قائلة
.. مش هتوصليني ياسالي
تقدمت سالي بخطوات سريعة لأداء واجب الضيافة حتى آخر أركانها وودعت آشري بإبتسامة صغيرة والتي انتهزت الفرصة لدس بطاقة ورقية بكفها قائلة بهمس
.. أنا مش بتدخل أنا بس بديكي
خيط صغنن للبداية إذا حبيتي باي 
أغلقت سالي الباب عاقدة الحاجبين وهي تتأمل غموض كلمات آشري الأخيرة ونظرت بالبطاقة لتجدها تخص إحدى مراكز علاج الأسنان المتخصصة بوسط الأسكندرية فوضعتها على الطاولة بجوار الباب يإهمال فهي مرهقة لحد بعيد تحتاج للنوم ولا شيء أكثر منه تجاوزتها أختها لتنصرف دون وداع فاستوقفتها سالي قائلة برجاء
.. سلميلي على الولاد 
فردت سيرين ببرود
.. يوصل 
وانصرفت الأخت الكبرى حانقة غاضبة وهي تعلم أن مصدر ڠضبها أن أختها تجرأت على القيام بما خافته ورهبته دوما والأشد أنها نالت مباركة الأم تلك المباركة التي ظنت أنها لن تحصل عليها أبدا إذا ما أقدمت على نفس الخطوة ولكن الصغرى دوما مدللة دوما تحصل على ماتريد حب الأب ودلال من الأم بعد رحيله وزوج تركته خلفها نعمها بحياة ثرية مرفهة دون مشقة عيش أو إحتياج لمال وتبقى هيا الكبرى بمسئوليات ترهق كاهليها تحيل حياتها چحيما تتمنى لو تستطيع فقط الخلاص والعودة كطفلة صغيرة بين جنبات بيتها القديم 
وبعد يوم شاق طويل أخلدت لفراشها بعدما قامت بإتصال هاتفي سري لنعمات التي صعدت لغرفة الصغار ليتحدثوا مع أمهم وقد عاهدتهم على اللقاء بهم بأرض الأحلام بعد ساعة لتحثهم على النوم باكرا فقال سليم
.. هتلاقيني لابس سوبر مان ومستنيكي فوق السحاب 
عندها جذبت سلمى منه الهاتف وقالت بطفوليتها المحببة
.. وأنا هكون لابسه ميرميد ومعايا فيش 
فضحكت سالي وقالت
.. وأنا هكون لابسة باربي ونتقابل اتفقنا 
وبالنهاية نامت سالی وأطفالها فلديهم موعدا هاما..
وقف أمام الباب وهو يفكر لم قام بتلك الخطوة لم لم يستمر بعنده وكبرياءه وعاد للقصر دونها وتركها تتحمل هي نتائج أفعالها ولكنه لم يجد سببا مقنعا فقد كان متعبا للغاية فتحت له الباب ولم تكن ارتدت ملابسها بعد وما كانت ترتديه كان أبعد ما يكون عن مسمى الملابس فالغلالة السوداء التي كانت تصل إلى ما قبل ركبتيها بشق الأنفس كانت تكشف أكثر مما ينبغي بكثير فعقد حاجبيه غاضبا ودفعها للداخل پعنف حتى شهقت بإنزعاج قائلة
.. فيه أيه يا جاسر بترقيني كده ليه 
هدر فيها بثورة كالأسد الهائج
.. أنتي إزاي تفتحي الباب وأنت لابسه كده 
نظرت له بهدوء وضاقت عيناها وسارت نحو الداخل حتى وصلت لغرفة نومها وهي تقول
.. الدور أصلا مفيهوش غير شقتين دي والتانيه صاحبها بيرجع كل سنه مرة 
تابع هجومه الضاري وهو يسير خلفها حتى أصبح بمنتصف الحجرة
.. يرجع كل سنة مرة اتنين برضه مينفعش تفتحي الباب کده 
اقتربت منه بدلال وضعت يدها على صدره قائلة بغنج
.. بتغير عليا 
رفع حاجبيه مستنكرا قائلة بسخرية
.. لاء طبعا الفكرة أنك دلوقت حرم جاسر سليم ولازم من هنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك ولبسك فاهمة
قالت ببرود وهي تبتعد عنه لتتموضع على الفراش يإغراء
.. أوكيه 
نظر حوله بحيرة ودعك رقبته وهو يشعر پألم ثم فقال كمن يستنجد بأحدهم
.. إحنا إيه مش هتقومي تلبسي عشان نروح
عقدت حاجبيها پغضب متصنع وهي تهز رأسها فأنسابت خصلاتها الماجنة حولها كهالة من سواد الليل البراق قائلة
.. توء إحنا اتفقنا أنك لازم تعوضني عن ليلة إمبارح الأول
كان بحاجة للجلوس ففعليا قدماه تنوء بحمله فاقترب من الفراش الوثير وجلس على طرفه وهو يقول بصوت مرهق
.. طيب ممكن تقومي تلبسي وفي السكة نكمل كلامنا 
قامت واقتربت منه وأحاطت رأسه بكفيها وأناملها تقوم بحركات دائرية منتظمة أسفل عنقه وتتغلغل داخل فروة رأسه فرفع حاجبيه وأغلق عيناه وتنهد متلذذا بما تقوم به أناملها الرفيعة فهمست بأذنه بصوت دافيء
.. أجيبلك حاجة تشربها!
هم ليفتح فمه ليعترض ولكنها انصرفت بمكر مسرعة وعادت قبل أن يلحظ ناولته كأسا من عصير العنب الأحمر المثلج مخلوط بورقيات النعناع المنعشة فتجرع نصفه وتحركت حتى أصبحت خلفه وهي تمسد كتفه المتشنج وعضلات عنقه المشدوده بخبرة فاستسلم لها وإن كان نالها ليلة البارحة پغضب إعصار ضاري فاليوم نالته هي بنعومة ودلال فائض والفضل کله يرجع لشهادة التجميل والتدليك التي حصلت عليها من فرنسا ومن قال أن الطريق لقلب الرجل معدته فهو لمخطی فاليوم الطريق يبدأ من عضلاته المتعبة التي تشدو الراحة واستيقظت بمنتصف الليل وابتسمت بسعادة بالغة فحبيبها نائم كطفل صغير بين ذراعيها بفراشها فالليلة جعلته يترك القصر وأطفاله وأمه وأذعن لحاجته لها وبالغد القريب لن يستطيع التخلي عنها كما فعل بالبدينة قبلها.
وقفت صباحا أمام بوابة المدرسة العريضة تنتظر وصول أطفالها حتى لمحت الحافلة تقترب بهم فابتسمت وعندما رأتهم أشارت لهم بترحيب حار قفز سليم من الحافلة وكان الأسبق لحضن أمه تلته سلمي ووضعت سالي الحلوي بيديهم قالت
.. بعد ما تفطروا في البريك تاكلوا الحاجات الحلوة اتفقنا!
أشار لها الصغار بالموافقة وحثتهم سالي للدخول حتى لا يثيروا ڠضب المعلمة وودعتهم بإبتسامة واسعة وهي تعدهم بأنها ستكون بإنتظارهم بالقصر عندما يعودون سارت سالي بخطوات متكاسلة وهي تفكر بالجدوى مما تفعله بحياتها تسترق لحظات
بالقرب من أبنائها ولم عليها أن تخوض هي ذاك الصراع أكانت هي المخطئة هي من تمتلك الحق بأبنائها حتى تمتلك الحق بسليم الصغير وليس هو فرت دمعة من عيناها فهي غير قادرة على النطق باسمه وتكتفي بتعريفه كأداة ضمير لا قيمة لها أضحى ذكرى مريرة بحياتها واليوم لا يخصها ولا هي تهمه أو تقربه وليت بإمكانها كراهيته مسحت دموعها ورفعت رأسها وعادت لتذكر نفسها أنه من تخلى عنها ولن تعيش هي الباقي من حياتها للبكاء خلف رحيله واصطدمت عيناها بتلك اللوحة الأعلانية عن مركز علاج الأسنان ذاك بوسط المدينة مرة أخرى فعقدت حاجبيها بعزم بالغ إلى متى الهرب عليها البدء بممارسة حياة فعلية بعده
لكم تكره أشعة الشمس وتكره وقعها على بشرتها الباهتة المزرية وتعشقها في الوقت ذاته فهي تعلن أنها استطاعت خوض يوم آخر ولم ترحل في غياهب الليل المظلمة رفعت ظهرها وأرسلت ناظريها تراقب حركة الأشجار تحت وطأة نسيم الشتاء القارص وتلك الشجرة بالتحديد زرعتها بنفسها عندما تخرج كبيرها من الكلية وأرسل لثكنات الجيش بعدها زرعتها وراقبتها تنمو يوما بعد يوم وكل عام يصيبها الشتاء ببرودته بالآم مپرحة لأوراقها فتسقط مېتة فترقبها هي أكثر وترقب حياتها من جديد لتطمئن على وليدها خشية أن يصيبه مكروة واليوم شجرته عاړية أوارقها تتساقط بغزارة تتساءل داخلها أترها تشهد عودتها للحياة مرة أخرى أم تكون هي من ترحل قبلها أم أن ابنها قد حكم بعنده ورعونته على حياته بالخړاب والدمار ولن يطل الربيع الدافيء على شجرته مجددا
دلفت نعمات لغرفتها بهدوء فرفعت حاجبيها متعجبة وقالت بصوت هادیء
.. كنت لسه جاية اتطمن عليك 
فقالت هازئة
.. تشوفيني عايشة ولا مت!
تجاهلت نعمات كلمات سيدتها القاسېة كما اعتادت وقالت
.. أجيبلك الفطار هنا
وبالمقابل تجاهلت سوسن سؤالها وقالت
.. الولاد فطروا مع باباهم وراحو المدرسة
هربت نعمات بعيناها بعيدا فالسيد غاب عن القصر البارحة ولم يعد هو وعروسه الجديدة وقالت بصوت متردد
.. اه فطروا وراحو المدرسة من بدري 
عقدت سوسن حاجبيها وكالساحر عندما يتلاعب بأوراقه تلاعبت بكلماتها من جديد
.. وجاسر نزل فطر معاهم هو والعروسه!
رفعت نعمات عيناها وقالت بنبرة غاضبة
.. البيه مبتش هنا إمبارح لا هوا ولا العروسة
وإن كانت نعمات ظنت أنها من تشعر بالڠضب فما رأته بعدها بل وما سمعته لهو بركان من الڠضب حتى شعرت بالقلق الشديد على مخدومتها التي أمسكت بصدرها وهي تتألم بصوت مرتفع وصړخت ببقية الخدم ليأتوا لها منقذين وبسرعه اتجهت للهاتف وأول من تبادر لذهنها كان أسامة الذي أمرها بالهدوء قليلا وأخذ أنفسها والتحدث كي يستطيع فهمها فقالت بعدما هدأت أنفاسها نسبيا
.. الست سوسن تعبت أوي كانت ماسكة صدرها واغمى عليها بعدها ألحقني 
ولم تجد منه إجابة فقد حمل هاتفه وترك الشركة ليقود سيارته بسرعة بالغة لنجدة أمه 
ربما تكون رياضية ذكورية بعض الشيء ولكن تلك أقاويل الرجال فالملاكمة تجري بدمائها منذ أن كانت طفلة في السادسة من عمرها تراقب حركة اللاعبين وسرعتهم والنيل من بعضهم بلكمات قاضية كما علمها والدها والمفضل لديها على الإطلاق محمد علي كلاي ذلك الأسطورة الذي حصد بطولات وألقاب عظيمة واليوم تمارس تلك الرياضة بإنتظام فهي أولا وأخيرا شغف لا يضاهيه شغف كما أنها تمد ساعديها بالقوة التي تلزمها لإجراء العمليات الجراحية الطويلة الصعبة قطع صوت الهاتف تدربيها المنتظم الصارم منذ ساعة أو أكثر فرحبت به وهي ترتشف الماء لتروي عطشها وترد قائلة بأنفاس متقطعة
.. آلو 
أتاها صوته مستنجدا
.. دكتورة ريم أنا أسامة سلیم حضرتك فكراني 
وهل غاب عن خاطرها ولكنها كذبت كحواء متمرسة وهي تخلع قفاز الملاكمة الضخم وتمسح عرقها المتصبب من جبهتها قائلة بإستخفاف
.. همم مش أوي لكن عاوز إيه ده الأهم
رد أسامة قائلا 
.. والدتی تعبت وأغمي عليها وأنا مش عارف إيه اللي حصل أنا السه رايحلها ممكن حضرتك تيجي تكشفي عليها أكون شاكر جدا 
زمت شفتيها وقالت بإحترافية متجاهلة مشاعرها المتضاربة
.. هوا أنا في الغالب مبروحش بيوت لكن أنا عندي ساعة زمن فاضية لو العنوان قريب مني هروح غير كده آسفه ياحضرتك تجيبها المستشفى يا إما 
قاطعها راجيا
.. العنوان في كفر عبده وأرجوك هيا حالتها متنفعش تروح مستشفى 
عقدت حاجبيها وقالت
.. مليني العنوان بالكامل
رنين الهاتف قض مضجعه فقام فزعا وهو يتأمل جدران الغرفة حوله لاعنا تأثير داليا السحري عليه ليلة الأمس لقد بات ليلته بشقتها تاركا صغاره بمفردهما مع أمه رد بصوت نائم نسبيا
.. آلو 
فقال أسامة غاضبا
.. ممكن أعرف أنت فين دلوقت!
فرد كاذبا فهو يخجل من التصريح بأنه قد بات ليلته بشقة زوجته 
.. أنا في البيت خير في حاجة عندك في الشغل 
فقال أسامة ساخرا حانقا
.. ولما أنت في البيت نعمات بتتصل بيا ليه عموما ماما تعبانه وأغمي عليها وأنا رايحلها وكلمت دكتورة ياريت تسيب ست الحسن والجمال وتفضيلنا نفسك ساعة دي أمك برضه 
أغلق الهاتف
وألقاه جانبا وقام ليغتسل مسرعا فاصطدم بداليا وهي تقول له بحبور
.. صباح الخير يابيبي مالك مكشر كده ليه!
دفعها جانبا وهو يدلف لداخل الحمام قائلا بخشونة
.. ماما تعبانة أوي وأنا لازم أنزل بسرعة 
عقدت داليا حاجبيها وخرجت وهي تهمس حانقة
.. الحرباية كل ده عشان مبتش هناك إمبارح صبرك عليا یا سوسن 
وقفت أمام باب المركز مترددة في الدخول داخلها يضج ببدايات حديث والخلاصة لا شيء فهي فعليا تقف خاوية الأيدي حتى من شهادة خبرة أو سيرة ذاتية وماذا عساها تذكر فيها أنها عملت لعامين في تكليف حكومي ثم تخلت عن مهنتها لتقوم بالعمل سكرتيرة لزوجها السابق لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر وأدارت مرکزا شبيها إدارة دون المتوسطة لتفشل بعدها فشلا ذريعا وبالنهاية هي ربة منزل بإحتراف مشاعرها المتناقضة كانت ترتسم بوضوح على وجهها ما بين الخيبة والإحباط والڠضب الشديد وأخيرا اليأس فقررت العودة أدراجها غير مدركة أنه هناك من يراقبها وكادت أن تصطدم به فشهقت وعادت للخلف خطوتان فقال معتذرا
.. أنا آسف جدا مقصدتش 
تأملته سالي لقليل من الوقت وأقرت أنه يشبه أسامة قبل التغيرات التي طرأت عليه فقالت
.. ولا يهمك 
وهمت بإنصراف مسرع فاستوقفها الغريب وقال
.. هوا إيه المركز مش حلو معجبتكيش الخدمة
فقالت نافية بسرعة
.. لا لا أنا مدخلتش أصلا مش جاية لعلاج يعني 
رفع حاجبيه وقال
.. آه خضتيني یعنی معظم الناس بتشكر في الموجودين هنا وأصل الأسنان دي ړعب فعلا 
أشارت له لتطمئنه
.. متقلقش حضرتك أنا كنت جاية أقدم على شغل هنا بس معييش سي في 
فقال يإهتمام
.. هوا حضرتك دكتورة أسنان 
هزت رأسها
.. آه 
فتح فمه فجأة واقترب منها وهو يقول بصوت غوغائي
.. هوا الضرس ده محتاج يتخلع
نظرت سالی يإنزعاج لداخل فکه ورأت ما يشير إليه فقالت وهي تسترجع معلوماتها الطبيه ثم قالت
.. هوا الأفضل حضرتك تعمل أشعة بس أظن هيحتاج تنضيف وحشو وممکن کراون بس عندك ضروس العقل اللي فوق واللي تحت في الغالب هتخلع حالتهم مدمرة أفضلك يعني 
ابتسم لها الغريب ومد يده يصافحها قائلا
.. أنا دكتور كريم مدير المركز وكنا فعلا محتاجين دكاترة أهلا بيك يادكتورة تقدري تبدأي شغل معانا وحبذا لو اتعرف بإسمك 
نظرت له سالي متعجبة وهي تمتم بخجل وتصافحه بالمقابل
.. سالي محسن
أنهت الكشف على المرأة السبعينية والتي استعادت وعيها بحرفيتها المعتادة متجاهلة أسامة الذي كان يقف ملاصقا لفراش أمه والآخر الذي اقتحم الغرفة بصوته المرتفع وسلسلة من الأوامر لم تعيرها أي إهتمام عن فريق طبي آت في الطريق وأن عليها التنحي جانبا وأن سعيها مشكورا تلك الكلمة التي جعلتها ترمقه بنظرة إستعلاء بتوقيع ريم الراضي الطبيبة المحنكة الحاصلة على شهادات طبية تفوق فريقه الطبي الذي ظهر بعد لحظات وهو يوليها فروض الطاعة وفي إنتظار إشارة من طرف إصبعها بفهما المزموم دوما وعيناها المتناقضتان اللتان تنضحان بالبرودة تجاوزته وخلفها سار الفريق الطبي وأسامة وجاسر يتبعهما كمن لاحيلة له حتى قال رئيس الفريق متملقا
.. لو عرفنا يادكتور ريم أن حضرتك هنا إحنا كنا مجناش خالص 
فقالت ببرود وقح
.. حضرتك يا دكتور تقدر تشوف شغلك مع اللي اتصل بيك في الوقت الحالي أنا وقتي ضيق ومحتاجة أتكلم مع الأستاذ أسامة 
صرف جاسر الفريق الطبي شاكرا بعدما نقدهم أموالهم ووقف البرهة يراقب رحيلهم ومشاعره تتقاذفه كأمواج بحر لا قرار له حتى اصطدم بصخور الواقع الذي يعلنها له صراحة إنه مقصر مقصر بحق أطفاله مقصر بحق أمه التي شارفت على المۏت دون أن يكون إلى جوارها وأنه لم يعد أهلا لحمل لواء الأسرة بعد فلقد تكفل أخيه الأوسط بالمهمة وقام بها على خير وجه حتى الفريق الطبي الذي استدعاه في آخر ساعة وقف مثله قليل الحيلة عاجزا أمام تلك المحكنة والذنب يقع على عاتقه والڠضب أيضا يقع على عاتق المحيطين به واقتحم مجلس الإثنان ليستمع لما تقوله تلك المتحذلقة التي كانت تشرح لأخيه حالة أمهما المړيضة
.. یعني طبيعي في السن ده مع الكيموثيرابي والإنفعال اللي اتعرضتله تحصل أزمات زي دي الفكرة أننا ننتبه ليها ونحاول قدر الإمكان نبعدها عن الإنفعال دي أكتر حاجة تأذيها 
فقال جاسرا مستنكرا
.. بس كده الإنفعال ممنوع طب ما طول عمرها بتنفعل عمرها ما جالها أزمة بالشكل ده 
قامت ریم واقتربت منه بهدوء حتى قالت بأمر غير قابل النقاش وعيناها المتناقضتان تلمعان بشراسة قباله فهي تكره أمثاله من الرجال ممن يظنون أن باستطاعهم تحقير مجهود المرأة لمجرد إنها إمرأة
.. عشان كده من هنا ورايح ممنوع الإنفعال 
فهتف جاسرا مستحقرا
.. دي أمي وأنا عارفها إكتبيلها مهدي على الأقل 
التفتت ريم الأسامة الذي سارع لفض الإشتباك قائلة بسخريتها المعهودة وهي تتوق للتخلص من ذاك المتذاكي
.. أنا بلغتك إني عندي ساعة واحدة بس فاضيه وحيث إن خلصت الكشف معنديش استعداد أضيع وقتي ولا أرهق خلايا
مخي الثمينة جدا في الرد على الأستاذ 
فقال أسامة بأسف بالغ
.. أرجوك تعذريه وأنا متتصوريش متشکرلك أد إيه 
سارت لتنصرف عندها استوقفها جاسر قائلا
.. استني يا دكتورة مش تاخدي حسابك الأول 
نظرت له ريم من رأسه حتى أخمص قدميه وقالت بإستهزاء
.. خليهوملك 
الټفت له أسامة وهو يتوعده سرا حتى أوصلها لسيارتها الفاخرة التي قادتها بسرعة فائقة وعاد له ليقول موبخا
..یعني أكيد واحدة سايقة لامبورجيني مش مستنيه منك فلوس وكمان تديهوملها بكم الأستهزاء ده وبعدين أنا اللي متصل بيها فكلامي يبقا معاها 
أخفض جاسر رأسه متعبا فكم الكراهية والإستهزاء اللتان أصبح يتلقاهم بشكل دوري دائم أصبح أمرا مقززا مرهقا فهو لم يعتد أبدا الركون لمكانة زياد بالعائلة فقال بعند
لا وأنا غلطت في إيه ولا أنت عشان خاېف على منظرك قصدها!
حملق به أسامة وقد بلغ به الصبر مداه
لا أنا بحاول دائما أقدر الحالة النفسية اللي أنت أكيد فيها بس ده مش معناه إنك تتمادی یا جاسر أنا اللي يهمني أمنا 
هز جاسر رأسه بأسف وهو يشعر بمزيد من السخط الغير مبرر فهو لم يعتد تكرار أخطاءه قائلا
لا نعمات مقالتش إيه اللي دايقها أوي كده
رد أسامة بغموض
.. مسألتش 
ظل جاسر صامتا حتى قرر الرحيل قائلا
.. أنا رايح الشغل أنت راجع ولا وراك مشوار
ضاقت عينا أسامة وقال
.. مش هتدخل تطمن عليها قبل ما تمشي
هز جاسر رأسه نافيا وهو يتوق للهروب من تلك الأحداث المتلاحقة
.. أكيد نامت أما أرجع هبقي أشوفها
مضى يضغط على هاتفه لإعادة الإتصال مرة ثالثة وأخيرا أتاه صوت أخيه الناعس فقال ضائقا
.. أنت فين
دعك زیاد وجهه وقال
.. عند واحد صاحبي 
غمغم أسامة مستفهما
.. سيبت البيت
فرد زیاد متبرما
.. رجعت لقيت نص هدومي متعبية في شنط عند السيكورتي 
فقال أسامة
.. طب هات نص هدومك وتعالي اقعد معايا 
هم زیاد بالرفض فقاطعه أسامة بصوت لا يقبل الجدال
.. أنا مش بعزم ولا بتحايل عليك هتيجي وهتقعد معايا لحد ما أمورك تتعدل ما هو أنا مش هفضل ألف وراكوا أنتوا الاتنين ده غير أمكم اللي تعبانه 
هتف زیاد بقلق عارم
.. ماما جرالها إيه 
فغمغم أسامة
.. جاتلها أزمة كده النهاردة وأغمي عليها المهم أرجع ألاقيك في البيت عندي عشان نروحلها نطمن عليها سوا بالليل إتفقنا 
هز زیاد رأسه مذعنا
.. اتفقنا
عودته للبلاد كانت مفاجأة سارة وأيضا حملت في طياتها أسئلة أرقت مضجعها خاصة عندما يقتحم مكتبها ويخصها بتلك النظرة التي بإمكانها دوما سبر أغوراها فرفعت أنظارها له بإبتسامة صافية
.. خير يا بابي 
اقترب يسري الطحان من صغيرته الوحيدة وجلس قبالها
.. شوفي أنا عمري ما اتدخلت في قرارتك من وأنت بنت سبعتاشر صح!
أومأت آشرى برأسها هامسة
.. صح 
فعقد أبيها حاجبيه قلقا
.. بس یا آشري أنت مش عجباني الحياة يا بنتي مش شغل وبس 
فهزت رأسها نافية وهي تقول بصوت حاولت تضفي عليه المرح
.. يابابي ما أنت شايفني بخرج واتفسح و . . . 
فقاطعها والدها
.. زیاد فین یا آشرى ليه مش بشوفه
صمتت لقليل من الوقت حتى قالت بهدوء
.. بابي أنا وزياد قررنا ننفصل 
نکس والدها رأسه حزينا ثم قال راجيا
.. القرار ده نهائي یا آشري وبالمقابل 
أومأت له برأسها مؤكدة
.. نهائي يا بابي وصدقني لما أقولك أنه كان مفروض ناخده من زمان 
قام أبيها ليحتضنها وقامت هي وغاصت في أحضانه الدافئة وهو يقول لها
.. متستعجليش يا آشري خدي وقتك 
جلست بعد إنصرافه وهي تعيد حساباتها مرة أخرى ولكنها كانت دوما تصل لنفس النتيجة أنها لم تخطيء باتخاذ مثل ذاك القرار ربما أخطأت في تقدير بعض الأمور وربما أخطأت أيضا عندما أخفت أموارا غاية في الأهمية عن زياد فتحملت لومه وتقريعه لها دون ذنب ولكنها لم تكن ترغب في إيذاء مشاعره الذكورية خاصة وهي الناجحة بعملها كانت تظن إن صارحته فسوف تزيد الفجوة بينهما وبالنهاية هذا ماحدث رغم جهودها المتواصلة لرأب الصدع بينهما ولذلك القرار يعد لصالحهما وقد اتخذته بوقت متأخرا بالفعل 
شعور بالاختناق يكتنف صدره والأفق حوله يزداد ضيقا والهرب يبدو حلا مثاليا وتعثرت خطواته في الحديقة أمام صغاره جرت سلمی نحوه وتشبثت بعنقه بينما ظل نسخته المصغرة مكانه لم يتزحزح أنملة وبعيناه أسوء ما قد يراه أب خيبة أمل طعمت صغيرته وجنته بقبلة دافئة وهي تقول
.. وحشتني أوي يا بابا أنت كنت فين إمبارح!
ولم لم يقرر الهرب باكرا  فهو فعليا عاجز عن الرد أو الإتيان بسبب مقنع فتنحنح وهو يسوق كڈبة لأسماعها البريئة وهو يضعها أرضا
.. معلش يا حبيبتي أضطريت أبات في الشغل إمبارح 
فباغتته سلمي بقولها
.. شوفنا ماما النهاردة 
هم بإعتدال ولكنه توقف واقترب أكثر ليحدق بعيناها التي تشع سعادة وتصاعدت خطوات سريعة من سلیم نحوها وهو يزجرها
.. سلمی يالا ندخل جوه عشان نعمل الواجب 
فالتفتت له العنيدة كأبيها
.. لاء مش هعمل حاجة لحد ما ماما تيجي
زي ما قالت وتذاكر معانا 
وتصريح آخر ينبثق من شفتيها لتنتفخ أوادجه كان يعلم أنها لن تستطيع الصمود طويلا وحتما ستعود فلمعت عيناه وابتسم بسعادة الصغارة قائلا
.. بالراحة ياسليم وبعدين إنت فكرك إني مش عارف أنا وماما متفقين على كدة من الأول 
فتعلقت أعين الصغير به قائلا برجاء
.. طب ما نروح نقعد معاها وتيجي أنت تشوفنا أنت كدة كدة بترجع متأخر وساعات كتير مش بنشوفك 
زم شفتيه ضائقا فولده محق أين هو من حياة صغاره أين كان بالأمس هاربا من خيبة واقع بأحضان أخرى لم يألف حتى أنفاسها عقد حاجبيه وقال
.. یالا ادخلوا اتشطفوا وغيروا هدومكو عمو أسامة جوه 
وتهللت ملامح الصغار فهم يشتاقون لعمهم الطيب وانصاعوا لأمره مذعنين وانصرف وهو يعدهم بوجبة عشاء برفقتهم  
لم تصدق عيناها وهي تطالع ساعة معصمها فقالت بدهشة ضائقة الساعة بقت واحدة ! فالټفت لها كريم قائلا
.. إيه عندك معاد ياكتورة 
فابتسمت له بخجل قائلة
.. ولادی بيطلعوا من المدرسة الساعة ۱۲ ونص يادوب ألحقهم 
فارتفع حاجبية بدهشة وعيناه متعلقة بإصبعها الخالي من خاتم زواج قائلا
.. حضرتك متجوزة!
هزت رأسها وقالت بصوت خاڤت
.. کنت 
فتوارى بأعينه حرجا هو الآخر وقال
.. أنا آسف بس یعنی احنا أصل في المركز 
فقاطعته قائلة
.. أنا فاهمة يادكتور طبعا معظم المراكز بتفضل حد متفرغ وأنا آسفه أن مقولتش لحضرتك قبل كده بس زي ماقلت أنا معييش سی في 
ثم حملت حقيبتها وهمت بالإنصراف قائلة
.. أنا آسفة إني ضيعت وقتك 
فاستوقفها سريعا.
.. لا لا لا أنا مقصدتش إحنا بس كده محتاجين نعمل تنظیم جديد للمواعيد يناسبك يادكتورة 
هزت سالی برأسها قائلة
.. أوكيه أنا يناسبي فترة الصبح ولو يعني لازم فترة مسائية أفضل تكون من ۸ بس ساعتين مش أكتر 
صفق بكفة مرة واحدة قائلا بحماسة
.. تمام مناسب جدا 
وسار إلى جوارها حتى وصلا لباب المدخل الزجاجي وفتحه لها وهو يقول
.. أشوفك على خير بكرة بس ياريت تجيبي السي في عشان نحطها في الملف 
ردت بإبتسامة صافية
.. إن شاء الله 
وعندما خطت بخطواتها نحو الشارع تصاعد رنين هاتفها فردت وهي تعلم أن المتصل حتما والدتها التي كانت بالفعل غاية في القلق عليها إذ قالت
.. یعني استنيت تكلميني تطمنيني عليك وأنت ولا أنت هنا 
ضحكت سالی بصفاء لا تعلم مصدره قائلة
.. معلش يا ماما والله أما أرجع هحكيلك 
فعبست مجيدة
.. أنت راجعة دلوقت مش رايحة للولاد زي ماقولت 
نفت سالي سؤالها وهي تشير لسيارة أجرة
.. لا ياماما رابحة أهو أأقصد لما أرجع 
زعقت بها والدتها غاضبة
.. یعنی هتسيبني على عمايا لحد بالليل 
ردت سالي وهي تقفز داخل سيارة الأجرة
.. كفر عبدة لو سمحت
ثم همست لتهدأ أمها
.. خلاص يا ماما ولا تزعلي روحك أنا كنت بلف ولقيت شغل الحمد لله 
اعتدلت مجيدة في جلستها بسرعة قائلة
.. إنتى بتتكلمي جد فين 
فقالت سالي متفكهة
.. هيكون فين يعني في مركز أسنان طبعا 
فقالت أمها ممازحة
.. أوعي يكون سكرتيرة 
فروت سالی بمرارة
.. لا مټخافيش لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين 
تمنت مجيدة لو كانت تمالكت لسانها الذي تسبب في غياب البهجة عن صوت صغيرتها فقالت بحرج
.. أنا مقصدتش حقك عليا 
هزت سالي رأسها طاردة شبح الدموع بعيدا فهي فعليا تقود حياتها نحو تغير لا رجعة بعده قائلة بصلابة حديثة عليها
.. ولا يهمك هكلمك لما أوصل سلام 
لم يتغير شيء بحياته بضعة أيام اختل فقط توازنه والآن وبعد تصريح شمس حياته الصغيرة كل شيء عاد لمكانه الصحيح أو بات قريبا جدا التمتع بقيادة حياته بعيدا عن عبث المحيطين بها وإحكام السيطرة من جديد كان هذا سبب أكثر من كاف للبريق الۏحشي الذي يلتمع بعيناه وهو يخترق الردهة هاتفا بأمر لا يقبل الجدال
.. درية ورايا 
كانت تتمنى لو استطاعت فعليا تجاهله ولكن عيناه تنذر بشيء خطېر جعلها تؤثر السلامة وداخلها يتوعده برد صاډم إن تجاوز الحد دخلت لتراه متخذا مجلسه بعنجهية مفرطة لا تليق إلا بجاسر سليم دون البشر فقال دون مقدمات
.. عاوزة تستقيلي مع السلامة مش هلزمك بحاجة راجعتي نفسك وعاوزة تكملي شغل معايا أنا أكتر من مرحب هاه إيه قرارك 
ألا يعلم الرجال أن إتخاذ قرار وتحديد خيار في التو واللحظة لهو أعظم فخ تقع به إمرأة ربما يجهل الكثير ولكن ليس هو والخيار لدرية لم يكن بين وظيفة واللاوظيفة بین راتب مجز وبين عوز لوالد الخيار لدرية كان بين الكرامة ولا خيار دونها ضاقت عيناها وهي تجيب
.. ويا ترى غيرت رأيك ليه مش كان لازم شرط جزائي ولحد إمبارح كنت هتلففني على الأقسام . 
قاطعها بحسم
.. لحد إمبارح النهاردة غير من غير مراوغة يا درية آه ولا لاء 
رفعت كتفيها بشموخ تمثال إغريقي
.. أنا زي ما أنا مش هتغير 
فرد بالمقابل
.. ولا أنا بتغير 
وساد الصمت بينهما هو لم يستجدي
بقاء زوجة وبالتأكيد لن يستجدي بقاء سكرتيرة وهي لن تقدم تنازلات ولا إعتذارا عما بدر منها بالأمس وعندما يتلاقی خصمان كلاهما يمتلكان عزة وكبرياء يناطح إحداهما الآخر يستوجب التدخل فورا للحد من الخسائر فقال أسامة مقاطعا والذي اقتحم الغرفة على نحو مباغت لهما
.. ومافيش حاجة هتتغير هتفضلي هنا في شغلك يادرية أظن نشوف اللي ورانا بقا 
ولكم كان تدخله محمودا بنظر أخيه الأكبر الذي قال
.. أنا شايف كده برضة 
فقالت درية وهي تقول بعند أنثوى أخرق
.. عشان خاطرك بس یاباشمهندس 
إذ أن الأخير ما لبث أن تمسك بجملتها فبعد ساعة زمنية تلقی هاتفها رسالة نصية عبثية جعلت الډم يتوارد بلا حساب لوجنتها وأناملها تتشبث بالهاتف لكأنه قارب نجاة وعيناها تعيد قراءة السطور ومابين السطور لو كنت أعرف أن خاطري غالي أوي كده عندك أنا كنت عليت سقف مطالبي والأسوء أن هناك شاهدا ناظر هذا التورد بمكر حصري لأفراد آل سليم وهو يقول هازئا
.. بعد ماتخلصي الشات اللطيف ده عاوز آخر إحصائيات الأسهم في البورصة يادرية  
ألحت نعمات عليها للمرة الثالثة على التوالي
.. طب مش هتاكلي ليه ياست سالي 
فالتفتت لها سالي بأعين عاتبة
.. قولتلك شبعانة يا نعمات 
ترك سليم طعامه وقال
.. مش هاكل إلا لما تاكلي 
أخذت نفسا عميقا وأغمضت عيناها پألم كيف لها أن تتذوق طعاما ببيته كيف لها أن تضع بمعدتها غذاءا لم تصنعه هي هي ليست بضيفة ولا هي صاحبة البيت كما تصر نعمات ولا تملك الحق حتى بشربة ماء هي أشبه بکائن طفيلي يسترق الساعات بمنزل دون علم أصحابه لتكون فقط بصحبة أولادها بالماضي كانت صاحبة حق حتى تنازلت هي بملى إرادتها عن تلك الحقوق فالتفتت لصغيرها وقالت بصوت مټألم من تلك الحقائق ساعدها في إثبات إدعائها
.. أنا بطني ۏجعاني أوری یا سليم أما تخف هاكل يالا اتغدي أنت عشان نلحق نقعد مع بعض 
تركت سلمى طعامها وهي تقول بصوت باك
.. إنت هتمشي ياماما مش هتباتي معانا 
فالتفتت للصغرى قائلة بصوت متنهد
.. وبعدين معاك ياسلمی ما تیته وبابا بیباتوا معاك 
فاندفعت سلمی بیکاء طفولي
.. بابا مبتش معانا إمبارح وتيته نامت بدري وسابتنا 
وانتقلت دموع طفلتها لعيناها غير أنها سجنتها بمهارة وقالت
.. معلش أكيد كان عنده شغل ولا حاجة 
فقال سليم ضائقا
.. هوا قال هيرجع يتعشا معانا ياسلمى بطلي عياط 
فتمسكت سلمى بكفها قائلة
.. طب لو مرجعش باتي أنت معانا يا ماما 
ربتت سالي على كف صغيرتها وقالت
.. يحلها حلال ياسلمی يالا بقا خلصي أكلك 
ظاهريا كانت تغتصب الإبتسامات من داخلها لتظهر أمام أطفالها بمظهر مشرق عکس کل خیالاتهم السوداء بهجر الأب والأم لهم في آن واحد وداخليا كانت بالفعل تنتحب حتى أوشكت الصرخات على شق أضلعها لتذكر نفسها مرة أخيرة أنها لم تعد زوجته وأن يحق له التمتع بأحضان غيرها ونفسها الحمقاء المتدثرة بغطاء أحلام وردية عن معاناته دونها تنازعها بسؤال لا تجد له إجابة شافية بتلك السرعة بل والأدهى كيف كيف جعلته يترك أمه المړيضة وأولاده الصغار ويبتعد عنهم كيف استطاعت تملك قلبه وتغيير مفاهیم عقله المتحج كيف فعلت بليلة واحدة ما عجزت هي عن الإتيان به طيلة سبع سنوات ماضية ربما لم تكن بالقوة كافية لتوقف إعصار جاسر سليم ربما كان الضعف من يكمن بها واستكانت هي له كما كانت تخبرها آشرى دوما وترفض هي تصديق تلك الحقيقة وتغلفها بأكذوبة أن هذا ما يتوجب عليها كزوجة.
لكم تكره سماع صوت تلك المتحذلقة ولكنها اضطرت للإتصال به عبر هاتف الشركة حيث أنه لم يجب على أي من اتصالاتها المتكررة قالت درية بصوت يقطر سأما وسما تمنت لو نال من شرايين تلك الحرباء
.. ثواني هحولك ليه 
ثم قالت بعد مضي لحظات بصوت جاهدت أن تغلفه بالبرود
.. المدام على التليفون 
عقد حاجبيه قائلا بلامبالاة طاغية
.. حوليها كمان خمس دقايق
فاتسعت عيناها وقالت
.. نعم 
فقال بصوت قاطع
.. سمعتي 
عادت مرة أخرى لتجيبها
.. عنده إجتماع خليك معايا 
ولم تمهلها فرصة للرد ووضعتها تحت إنتظار الڤرج من جاسر سليم بنغمة موسيقية هي الأكثر مللا على الإطلاق لقد طلب منها خمس دقائق فقط ولكنها كانت في مزاج اکرم دري بالغ فزادتهم عشرا حتى اشتعلت الأخرى ڠضبا صبته فوق رأسه عندما رد بصوته الذكوري العميق
.. بتصل بيك من الصبح مبتردش والسكرتيرة تلطعني كل ده على الويتنج یاجاسر! 
فرد بهدوءه القاټل
.. وطي صوتك وإلا هقفل السكة 
اتسعت عيناها وحبست شهقة حانقة وبدلتها فورا بصوت باك کاذب
.. ده جزاتي إني عاوزة اتطمن عليك وعلى طنطا 
نفث سيجارته وقال
.. إحنا الحمد لله كويسين ومتشكر على إتصالك 
فقالت بدلال
.. مالك يا جاسر أنت زعلان مني
أغمض عيناه ثم قال بصرامة
.. داليا أنا ورايا شغل متلتل ومش فاضي وياريت بعد كده تتصلي للضرورة
فقالت غاضبة
.. مافيش حاجة اسمها كده أنا
مراتك مش موظفة عندك ووقت ما اتصل بيك دي ضرورة بالنسبالي 
فقال بعنده الموروث
.. أنا كمان مش بالضرورة أرد عليك كل مرة هتتصلي فيها 
فقالت بلا مبالاة
.. أوكيه براحتك مستنياك تعدي عليا نروح سوا 
فقال بنفي قاطع
.. سكة البيت متوهش يا داليا 
وانقطع الخط وعالمها الوردي يتزلزل من تحت أقدامها فقد ظنت أنها استطاعت سبر أغواره والغوص بأعماقه والتغلغل بكافة إحتياجاته وفرض قوانین عرفية بينهما وتلقينه كيف ينبغي له أن يعاملها واتضح أنها كانت حالمة أكثر مما ينبغي وضعت سماعة الهاتف والحيرة تلتمع بعيناها الفيروزية وشعور بالخواء والضياع يجتاحها وللمرة الأولي بحياتها لاتدري بالفعل الخطوة التالية فالحياة كما علمها والدها دوما رقعة شطرنج والحصان الأسود دوما بيدق رابح ودوما عاشت الملكة  ألقى نظرة غاضبة على ساعته الثمينة وهو يلعن انشغاله بعمله حتى أنه لم يشعر بمرور الوقت وتسابقت خطواته نحو الخارج ليلحظ درية لازالت غارقة بالعمل هي الأخرى فزجرها قائلا قبل أن يختفي من أمامها
.. روحي لولادك يادرية كفياكي شغل 
رفعت هي الأخرى أبصارها نحو الساعة التي كانت لم تتجاوز السادسة بعد متعجبة فمنذ متى يهرول جاسر سليم عائدا لبيته بتلك السرعة في ذلك الوقت المبكر أم إنها ست الحسن والجمال! عقدت حاجبيها غاضبة وهي تلملم أشيائها بصوت متقطع
.. ملكیییش دعوة يتفلق يتحرق يولع . . .
وقاطعها صوته المرتاب
.. ده یارب ما یکون أنا 
فحملقت به پغضب وقالت موبخة كأنما تخاطب صغيرها أيهم
.. يظهر أنك اتعودت تنط كل شوية زي عفريت العلبة 
فقفز قفزة بهلوانية ساخرا فعبست وهي تمنع ضحكة غير ملائمة ثم قالت بعتب
.. أنا اتأخرت ولازم أروح 
قال لها
.. شفت بقا أنا مستحمل كل ده إزاي 
فحملقت به بريبة
.. مستحمل إيه 
رد أسامة وهو يدعوها لداخل المصعد
.. قاعد مخلص شغلي ومستنيكي كل ده أخرتيني أووي على فكرة 
فقالت وهي ترفع رأسها آنفة
.. وأنا مطلبتش منك تستنا 
فقال بنبرة فكاهية عكس العبوس الكاذب الذي تدفع به لملامحها
.. وأنا مش مستني منك تقوليلي استنا 
فابتعدت بأنظارها عن مجال عيناه الذي يطوقها من رأسها لأخمص قدميها لترسم وجها فولاذيا بالمقابل وهي تخرج بخطوات مسرعة من حجرة المصعد الواسعة والتي كان يحتل هو بحضوره أكثر من نصفها فسار إلى جوارها صامتا وفتح لها باب السيارة وعيناه تخبرانها أنه لن يقبل الرفض ردا فقالت بهدوء
.. شکرا یا باشمهندس تعبتك معايا 
أومأ لها برأسه وهو يقول بتقدير بالغ
.. تعبك راحة يادرية  
كان يصارع الطريق وعقله يعمل كآلة حاسبة والناتج كان مابین دقائق وساعات يلزمها ساعة على الأقل لتناول طعام الغداء برفقتهم واستذكار الدروس لا يعلم بالضبط أما اللعب واللهو فحدث ولا حرج فهي تكاد تمضي يومها بالكامل كطفلة بالخامسة من عمرها برفقتهم فابتسم بحنين لتلك اللحظات التي أهدرها هو دون أن يدری قيمتها الفعلية يتمنى لو تقدم تنازلا واحدا فقط لا أكثر وتعود وبعدها يقسم أنه قد يتنازل عن نصف كبريائه وعناده ولطالما كان محظوظا محظوظا جدا في الواقع إذ إستطاع اللحاق بآخر لحظات الوداع بينها وبين أطفالهما والصغيرة تتشبث بأحضان أمها بقوة قائلة
.. طب هتتأخري بكرة
واتاه الرد الذي أخبره أنه لم يعد محظوظ بل هو في الواقع ملعۏن 
.. أول ما أخلص شغل هاجي على طول مش هتأخر أوعدكم 
عقد حاجبيه واسودت ملامحه پغضب ۏحشي حتى أنه لم ينتبه لهمسة سليم القلقة
.. بابا جه ! 
فالتفتت بفزع أثار ضيقها ورفعت قامتها بكبرياء ناشدت به الضلوع لتستقيم أمامه وربتت على كتفي صغارها ليلقوا التحية على والدهم فساروا نحوه فاحتضنهم مرحبا هو الآخر وهو يكاد يتمالك أنفاسه وفي الوقت ذاته يستبق خطواتها ليمنعها من الهرب قبل أن تؤكد له أو كما يتمني تنفي صحة ماسمعه قائلا بتصميم
.. سلیم خد أختك واطلعوا فوق عاوز اتكلم مع ماما شوية 
وقبلتهم مرة أخيرة قبل أن تشير لهم مودعة وهي تراقب صعودهم الدرجات وسارت بخطوات سريعة متجاهلة وجوده حرفيا حتى استوقفها بسؤال قاطع
.. اشتغلت 
عقدت حاجبيها وهمت بإجابة وقحة ولكنها تمالكت أنفاسها فهي أولا وأخيرا ضيفة بمنزله لتجيبه بهدوء بارد
.. أيوه 
اقترب منها وعيناه تلتهم تفاصيل وجهها الذي غاب عنه ليلتان إثنتان لا أكثر قائلا بإتهام وأنفاسه المتسارعة تكاد تمزق صدره
.. بالسرعة دي ولا دي حاجة كانت من ضمن تدبيراتك السرية اللي مكنتش أعرف عنها حاجة 
قالت بضيق وهي ترغب في الأختفاء بعيدا عن أنظاره التي ټحرقها ووجوده الذي يسبب لها الإختناق
.. يهمك في إيه
زم شفتيه وقال
.. أنا كنت كلمت المحامي النهاردة يحطلك بكرة في البنك المؤخر والنفقة يعني أنا شايف مافيش لازمة للشغل وللپهدلة 
ابتسمت له هازئة وقالت بنبرة ساخرة مرة لتذكره بموقعه الفعلي بحياتها
.. والله معدتش من حقك إنك تشوف 
وزار الأسد بأعماقه فاقترب منها على نحو خاطف واحتبس ذراعها بقبضته قائلا بصوت خفيض
.. أنا ممكن
أردك ياسالي المأذون موثقش الطلاق بس أنا سايبك ترجعي براحتك ساعتها
قاطعته بعند وهي تنفض ذراعها بعيدا عن مرمي قبضته
.. متلمسنيش وأعلى مافي خيلك أركبه یا جاسر 
والتفتت لتطالع وجه الأخرى الغاضب التي كانت تراقب مشهد زوجها المفتون کليا بأيقونة ماضيه يقف وحواسه كلها منصبة عليها وعيناه تحملان رجاءا لم تره من قبل وكيانه کله موجه نحوها ولكن للڠضب الأعمى بداخلها لم تكن تبصره هي فقط تبصر خيالا لليلتان قضاهم من كان يوما زوجها بأحضان غيرها حتى أنه قضى ليلة الأمس برفقتها فقط فمضت تخطو مسرعة لتتجاوز بعدها تلك الفاتنة التي اقترن اسمها به نحو الخارج نحو هواء لا يحمل أنفاسهما نحو أفق لا يحمل مشهد حميم يجمعهما نحو دفء يقبع بیت محسن ومجيدة وكما اعتادت فور وصولها الصعود للأعلى حيث مكان أبيها المفضل وتعثرت بالدرجات الخشبية فأحدثت ضجة فدموعها كانت تهطل بغزارة دموع الفقد للظهر والسند دموع الاشتياق للمسة حانية تخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام دموع الحاجة للشعور بالأمان وأن هناك من يقف خلفها تماما يراقب ويحمي دموع تحتاج وبشدة لمن يمحيها ويبدلها ببسمة ولكنها وجدت أحضان أمها من تتلقفها فتشبثت بها قبل أن ټغرق أكثر ببحر دموعها قائلة
.. بابا واحشني أوي ياماما 
ولمس وجهها وجنة أمها التي كانت غارقة هي الأخرى بنفس الطوفان فردت هامسة
.. أدعيله بالرحمة باسالي
العقل مايتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات والكيد ما تتميز به النساء عن الرجال جلست أمام المرآة العريضة تمشط خصلات شعرها الفحمية الغزيرة وعيناها تلمعان في ضوء الحجرة الخاڤت ألقت نظرة بطرف عيناها نحو الشرفة ويبدو أنه تناول كمية لا بأس بها من السچائر إذ بدأ في السعال فبعد طاولة عشاء صامتة قضاها برفقة أبناءه وبرافقتها يتحاشيا النظر لها عن عمد إستشعرته صعدا للغرفة ونأى كل منهما بجانب فهو اتخذ الشرفة أما هي فمتعت نفسها بحمام طویل دافيء لا تنكر أن أفكارها السلبية أوشكت على النيل منها ولكنها تتمتع بعقل فذ جعلها تؤخر تلك المواجهة فهي وإن كانت الزوجة الوحيدة فهي الثانية بعد رحيل البدينة سنوات جمعتهما فأدمنها وحسب كإدمان الرجل لغيلونه ويلزمه بعض الوقت للتخلص من ذاك الإدمان والتخلص منه لا يتأتى إلا عبر إدمان من نوع آخر قامت بعدما انتهت من زينتها ومضت نحو الشرفة شعر بحركتها الحثيثة نحوه فارتسم على وجهه معالم الحنق والڠضب إنه مستعد الآن لإلقاء اللوم عليها أو تفريغ شحنة غضبه بها ولكنها أخبرته قبلا أنها ليست  بكيس ملاكمة فاقتربت منه ومسدت عضلاته ولكنها نالت النفور والابتعاد والټفت له وعيناه تبرقان في ظلام الليل الدامس
.. عاوزة إيه يا داليا 
نکست عيناها بحزن مرسوم بدقة وقالت بصوت عذب
.. عاوزة راحتك ياجاسر
عقد حاجبيه وارتسمت على وجهه ملامح الحيرة ثم ابتسم فاكها
.. لعبة جديدة !
فغر فاهها ثم زمته بضيق
.. أنت عاوزنا نتخانق صح هوا ده عقاپي عشان أنا متفهمة اللي أنت بتمر بيه وباجي على نفسي عشان خاطرك 
نفث سجائرة ومضي يراقبها بأعين ضيقة ثم قال بصوت متمهل
.. احنا الأتنين فاهمين بعض كويس يا داليا والكام يوم اللي فاتو أنت شوفت جاسر مختلف أنا نفسي ماعرفوش والمثل بيقول خليك مع اللي تعرفه جوازنا كان صفقة وتمت متحوليهاش لقصة حب وتقحمي فيها غيرة أنا مش هقبلها ده لمصلحتك
عقدت ذراعيها وقالت 
.. صح صفقة وتمت بس عشان تكمل صح لازم نحط النقط على الحروف یا جاسر أنا في الأول والآخر أبقا مراتك وليا عليك حقوق زي ما أنت ليك عليا.
دعس سيجارته بقدمه وقال منهيا الحديث
.. لما حق من حقوقك ينقص ابقي تعالي اتكلمي 
ثم تركها خلفه ومضي لداخل الغرفة ووقفت هي تهتز بإنفعال مكتوم وفعليا تكبح دموع القهر بعيناها.
الصباح بداية كل يوم والبدايات دوما لها بريق واعد يمحو ببهائه خيبة نهاية ليلة سابقة نظر في ساعته لقد أوشك أن يتم ساعة كاملة من الجري المتواصل بمضمار الجري بأحد نوادي الأسكندرية العريقة وبعدها يتجه لغرفة التدريبات ويمضي نصف ساعة أخرى مع إحدى الأجهزة الرياضية أشار بكفه لصديقه الذي يراه قدرا من حين لآخر بتحية ودودة وتقدم منه الآخر ليصافحه قائلا 
.. إيه ياعم بشوفك كده صدف دايما 
قال كریم وهو يبتسم
.. أعذرني والله طارق أنت إيه أخبارك سمعت أنك سيبت الجيش وفتحت شركة أمن
هز طارق رأسه
.. یعني تغيير والدنيا ماشية مفضلش غير العروسة
ضحك کریم وقال 
.. شد حيلك طيب وافتكر أخوك
نظر له طارق وهو يهز رأسه مستنكرا
.. ده على أساس التلوتميه اللي جابتهم الست الوالدة دول كانوا أثروا فيك
فرد الآخر ساخرا 
.. يابني أنا معرفش اتجوز زيكم صالون واتنين شربات ونقره الفاتحة اللي اتجوزها دي لازم تكون قرياني وأنا قاریها إنما شغل شړا البطيخ ده وتطلع في الآخر قرعة . . .
قاطعه طارق ضاحكا
.. قرعة . . الله يسامحك . .
ضاقت عینا کریم 
.. إييه
شكلك لقيت العروسة ياسيادة العقيد 
مضى طارق في طريقه متمهلا وإلى جواره کریم ثم الټفت له قائلا
.. والدها إنسان عزيز عليا وفي البداية أنت عارفني أنا ليا طلبات محددة بس هيا طلعت مختلفة بكل المقاييس ده غير أن راسها ناشفة 
نظر له کریم والفضول يتاكله 
.. وأكيد أكتر حاجة عجبتك فيها راسها الناشفة
قال طارق دون موارية 
.. أرمله معاها ۳ صبيان والدها كان واعدني أنه هيخليها تسيبهم معاه لكن من الواضح أنه مش عارف بيتكلم عن إيه
هز کریم رأسه مؤكدا
.. طبعا هيا فيه أم بتسيب ولادها وخصوصا لو كانت أرملة
رفع طارق حاجبيه 
.. ده غير أن باباها مثلا لو قال شمال تبقي هيا يمين فورا
ضحك کریم متفكها 
.. خالف تعرف يعني بس مش فاهم إزاي التركيبة دي ركبت معاك بخلاف أنك مش بتطيق دوشة العيال كمان أنت مبتحبش الجدال ولا المقاوحة 
رفع طارق أنظاره للسماء مبتهلا وهو يتنهد
.. أهو ده اللي هيجنني مش قادر أشيلها من دماغي 
ضحك کریم من مشهد صديقه اليائس من حاله حتى وقعت أنظاره عليها تسير برفقة إحداهن نحو صالة الألعاب فتوقف عن الضحك فجأة فقال طارق متعجبا
.. إيه مالك 
الټفت له کریم
.. هه مافيش بقولك تعالی نلعب شوية أيروبكس شكلك مش تمام
حملق به طارق موبخا
.. ده أنا برضة طب تعالى وأنا أوريك 
دخلت سالي الصالة وتبعتها آشري التي قالت
.. بجد ياسالي متتصوريش فرحت أد إيه لما شفت نمرتك الصبح
فالتفتت لها سالي بإبتسامة صافية 
.. ليه يعني مكنش عيش وملح وبعدين أنت أكتر من أخت لیا یا آشري 
ریتت آشري على كتفها قائلة 
.. وأنت أختي الوحيدة 
وأردفت بقصد الممازحة
.. أصلا 
فابتسمت لها سالي
.. طيب تعالي بقا عشان احنا جايين نتمرن أصلا قدامي يادوب ساعتين عشان ألحق أروح الشغل 
صعدت آشري على آلة الجري وهي تقول هاتفة
.. بجد مقولتیش یعنی 
بدأت سالي في تدريبات الإحماء على الآلة المجاورة لها 
.. ده يادوب کان امبارح ومتتخيلیش جت صدفة كده إزاي 
رمقتها آشري بنظرة محققة قائلة بأمر ثابت
.. احکیلی بالا
كعادتها تمضي كل صباح لغرفتها بهدوء تام واقتربت من مخدومتها التي كانت لا تزال نائمة فأوقظتها برفق وهي تضع طعام الإفطار إلى جوارها فقالت سوسن 
.. أنا نايمة بقالي أد إيه يانعمات 
ابتسمت لها نعمات وقالت
.. مبقالكيش كتير الولاد لسه نازلین مدارسهم من خمس دقايق 
رفعت سوسن ظهرها وجلست رافعة رأسها بكبرياء تود السؤال عنه ولكن لسانها لا يطاوعها فتطوعت نعمات بمنحها تلك المعلومة التي تشتاق لسماعها 
.. جاسر بيه قالي أطلعلك بالفطار الأول وهيعدي عليكي قبل مايروح شغله أما الهانم التانيه ففطرت ونزلت من بدري
زمت سوسن شفتيها قائلة بتبرم
.. ومبتقعدش تفطر مع جوزها ليه 
فقالت نعمات والضحكة تكاد تفلت من ثغرها وهي تناول مخدومتها فنجان الشاي الساخن كما تحب 
.. قعدت تستناه يجي نص ساعة بس هوا كان في مكتبه مخرجش غير بعد ما مشيت 
تنهدت سوسن وتظاهرت بمزيد من اللامبالاة وداخلها يرقص طربا ثم قالت نعمات فجأة 
.. أنا فيه حاجة عاوزة أقولك عليها بس عاوزة منك وعد إنك . .
صمتت نعمات ولم تدري كيف تكمل جملتها فنظرت لها سوسن محملقة بها لكأنما جنت 
.. جرى إيه يا نعمات أنت مستنياني أديكي الأمان 
ردت نعمات 
.. لا أبدا مقصدتش قصدي أنك تاخدي الموضوع بالراحة يعني من غير إنفعال عشان خطړ عليكي 
وضعت سوسن الفنجان في الصينية بهدوء قائلة 
.. اتفضلي احكي أهو شيفاني لا اټجننت ولا بشد في شعری
أخفضت نعمات رأسها قائلة 
.. العفو يا سوسن هانم أنا مقصدش كل ما في الموضوع أن الست سالي جت امبارح بعد ما الولاد رجعوا من المدرسه غدتهم وذاكرتلهم وروحت بالليل على الساعة ستة 
ظلت سوسن صامته وقد التمع التقدير بعيناها وقالت موبخة لنعمات
.. طب وفيها إيه مش أمهم حقها وبعدين عشان خاطر الولاد
فرفعت نعمات رأسها وقالت مؤكدة 
.. أيوا طبعا وهيا قالتلي أن ده هيكون النظام كل يوم والسبت هتبقا تشوف الولاد في التمرين في النادي.
هزت سوسن رأسها بتقدير وقالت كأنما تقر واقعا 
.. والجمعة يروحلها يباتوا معاها والسبت يطلعوا على النادي سوا وبعدها يرجعوا على هنا
قبضت نعمات على كفها وقالت بصوت هامس 
.. ماهو اللي حصل أن جاسر بيه رجع فجأة امبارح وشافها ووقفوا مع بعض وشكلهم في الآخر شدوا مع بعض عشان سمعتها بتقوله أعلى مافي خيلك اركبه یاجاسر
ابتسمت سوسن إبتسامة واسعة قالت بسعادة غير مصدقة
.. قالتله کدة فعلا 
أكدت لها نعمات
.. ایوا فأنا خاېفة لا جاسر بيه ميرضاش و . . 
قاطعتها سوسن بإشارة لا مبالية من يدها وكأنما أمر رفض جاسر غير وراد على الإطلاق قائلة 
.. ابعتيهولی دلوقت هاه فيه حاجة تانيه قبل ما تمشي وناسيه تقوليها
رفعت نعمات صينية الطعام وقالت نافية
.. أنا منساش حاجة فاضل بس سي أسامة اتصل وكان عاوز يجي هو وزياد
بيه امبارح قلتله أنك نايمة
أشارت لها سوسن آمرة 
.. اتصلي بيه وقوليله يجي النهاردة هوا وزياد الساعة تمانية بالدقيقة نتعشا سوا 
هزت نعمات رأسها قائلة 
.. حاضر تحت أمرك ياسوسن هانم
ثم انصرفت تاركة سوسن ولازالت الإبتسامة تزين ثغرها ووجها المشرق بتلك الأحداث الأحداث الأخيرة تطالع أفرع الشجرة أمامها بنظرة راضية
كان مايلزمه كوب من الماء البارد صبه كله فوق رأس أخيه الغارق بسبات نوم كأهل الكهف فهب الأخير منزعجا
.. إيه يا أخي ده حد يصحي حد كده حرام عليك يا أسامة والله 
قال أسامة وهو يرتشف قدحه من القهوة التركية بهدوء لا مبال 
.. بقالي ساعة رايح جاي عليك ولا كأن عيل بقومه عشان يروح حضانته
نفض زیاد شراشف الفراش المبتلة حانقا
.. ما هو أنا اللي استاهل من بكرة هشوفلي شقة أقعد فيها
تجاهل أسامة تهديده الفارغ وقال
.. اتشطف وافطر يالا عشان ننزل
عقد زیاد حاجبيه وهو يجذب منشفة نظيفة من الخزانة ويضعها حول كتفه قائلا
.. لا أسبق أنت عندي مشوار لازم أعمله الأول
ضاقت عينا أسامة وقال
.. آشري برضة
فابتسم زیاد ساخرا 
.. لا مش آشري مش عاوزة ترجع إن شا لله ما رجعت أنا هروح الشقة أخد بقية حاجتي وورقي خلينا نخلص بقا
مط أسامة شفتيه غير راضيا وقال 
.. متاخدكش الجلالة أوي أنت غلطت كتير ومراتك معاها حق في اللي عملته 
الټفت له زياد غاضبا 
.. تکرشني من بيتي ! 
فاقترب منه أسامة قائلا
.. أنت ټخونها وعاوزها تاخدك بالحضن
فرد زیاد معاندا
.. أنا مخونتهاش
فقال أسامة غير مصدقا 
.. لا والله وبتسمي اللي عملته ده أيه 
فعقد زیاد حاجبيه وقال بنفس الڠضب الأعمى 
.. اللي عملته حاجه واللي حصل فعليا حاجه
رفع له أسامة يده مستسلما قائلا 
.. أنا همشي عشان أنت الكلام معاك بيوترني وأنا صاحي مزاجي رايق سلام 
القي زياد عليه السلام متبرما ومضي ليغتسل ورأسه لازال يدور به تلك الفكرة الخرقاء بكونه ضحېة بريئة! راقبت آشري وجهها المتعرق قائلة 
.. كفاية ياسالي أنت بتهلكي روحك
هتفت لها سالي بأنفاس متقطعة 
.. بالعكس أنا مبسوطة جدا حاسة أن جوايا طاقة غير عادية
رفعت آشري يدها باستسلام قائلة 
.. أنا خلاص مش قادرة هروح أغير وهحصليني هاه عشان تلحقي شغلك 
هزت لها سالي رأسها دون کلام ولم تلحظ ظل آخر جاورها على نفس الآلة إلا بعد أن قال 
.. صباح الخير يادكتور إيه النشاط ده 
التفتت له سالي دهشة وقالت بإبتسامة خجولة
.. دکتور کریم! صباح الخير 
قال كريم ممازحا وهو لا زال يسير بسرعة بطيئة بالمقارنة بها
.. ده احنا شكلنا النهاردة فترة مسائية
هزت سالي رأسها نافية 
.. لاء متقلقش عشرة بس وطيران على المركز
قال کریم 
.. ياستي براحتك هوا المركز هيطير إنما أنت عضوة هنا من أمتی مافتكرش إن شوفتك هنا قبل كده 
كادت أن تهتف به من ساعة ما اتجوزت ولكنها قالت پألم 
.. من زمان بس مكنتش باجي كتير إلا عشان الولاد إنما بقيت مواظبة من فترة.
قال كريم بتقدير 
.. لا بس برافو عليكي الرياضة مهمة جدا بتحسن الصحة والمود
ثم قال ممازحا 
.. ده غير كمان أنها بتقوي عضلاتك تعرفي تخلعي الضرس وأنت
مرتاحة ضحكت سالي وقالت
.. ده أهم حاجة 
فرد کریم ممازحا ولكن بنبرة صارمة
.. أيوا طبعا الشيء لزوم الشيء 
نظرت سالي في ساعتها وأطفأت محرك الآلة قائلة
.. أنا همشي بقا 
فابتسم لها کریم مودعا 
.. مع السلامة يادكتور
أنهى مكالمة هاتفية مع درية التي كانت تطلعه على إحدى مستجدات العمل الطارئة قائلا 
.. نص ساعة وهكون عندك وأول مايوصل أسامة تبلغيه 
والټفت لیری نعمات تحمل صينية الطعام وبعض الأطباق بها فارغة متجهة بها نحو المطبخ فقال مستوقفا إياها
.. صحيت وفطرت 
أومأت له نعمات قائلة
.. وعاوزاك فوق 
هز جاسر رأسه ومضي صاعدا الدرجات حتى وصل لغرفتها طرقها بخفة ودلف قائلا
.. صباح الخير يا أمي 
قابلته بإبتسامة وإنما صارمة قائلة
.. صباح الخير ياجاسر 
اقترب منها وقبل كفها وجلس بجوار فراشها قائلا
.. هاه عاملة إيه النهاردة 
قالت مؤكدة 
.. أحسن الحمد لله أنا قلت لنعمات تتصل بأخواتك يجو يتعشوا الساعة ثمانية عاوزاك تكون موجود
هز جاسر رأسه وقال
.. إن شاء الله
رفعت سوسن حاجبها وقالت بنبرة حازمة
.. كمان عاوزاك في حاجة مهمة 
حدق بها جاسرا وقال صاغيا
.. خير 
وضعت سوسن كفا فوق الآخر وعقدتهم وهي تقول يإصرار 
.. الولاد يروحوا يزوروا مامتهم کل جمعة ويباتوا معاها ويرجعوا السبت
عقد جاسر حاجبيه وقال رافضا 
.. هيا بتجيلهم بعد الغدا وبتقضي معاهم اليوم مافيش داعي . .
قاطعته أمه بصرامة 
.. تيجي أو متجيش الولاد لازم يباتوا على الأقل ليلة في حضڼ أمهم يحسوا بنبضها ودفا حضنها الحړب اللي أنت أعلنتها عليها دي ولادك هيدفعوا ثمنها وعمرهم ماهيسامحوك على كل ليلة قضوها بعيد عنها.
هب جاسر واقفا وزعق بأمه دون أن يدري 
.. أنا اللي أعلنت الحړب ولا هيا اللي . .
قاطعته أمه 
.. رقم واحد متعليش صوتك أنا
لسه مموتش 
فهدأت خلجات جاسر واستكانت وتمتم قائلا
.. آسف 
فأردفت سوسن بهدوء
.. رقم اتنين أنت اللي طلقت 
هم بإعتراض ولكنها رفعت يدها لتوقف تسرسل الكلمات من بين شفتيه 
.. أيوا أنت الست تطلب الطلاق مرة وعشرة وعشرين إنما ربنا خلى الراجل اللي بأيده الطلاق ومراتك طلبتها مرة وأنت متنتهاش
فهتف جاسر غاضبا
.. قدام الناس . . .
فقالت أمه مستنكرة
.. ما أنت اتجوزت عليها قدام الناس
رد جاسر هازئا
.. رقم واحد بعد ماقولتلها وهيا مرفضتش ولا اعترضت رقم اتنين حقي
أغمضت سوسن عيناها فابنها لازال غارقا بوحل الكبرياء الأعمى لازال لايستطيع رؤية بأي هوة استقر جراء عناده ثم فتحتها وقالت
.. نفذ اللي بقولك عليه ياجاسر ولو مت قبل ما ترجع أنت ومراتك لبعض اعتبرها وصيتي ليك عشان خاطر سلیم حرمته من أمه اللي ولدته مرة مش هيسامحك لو حرمته من التانية اللي ربته 
ابتعد جاسر بأنظاره عنها ومشهد تلك الليلة العصيبة التي مر بها منذ ثلاث سنوات عاد ليحيا من جديد مشهد لسهيلة تحت الأمطار وهي تصرخ پجنون لكي ترى وليدها الوحيد الذي كان يراقبها وجلا من خلف النافذة العريضة بغرفته فخرج لها جاسر ليراها مترنحة ببقايا خمر ومخدر فسبته بأقذع الشتائم فنهرها وأمرها أن تبتعد پعنف وألا تعود مجددا وبالفعل لم تعد مرة أخرى إذ صډمتها سيارة مسرعة في تلك الليلة وفارقت و الحياة وأتاهم ذاك الخبر التعيس بعد منتصف الليل فهاتفها كان يحمل رقم هاتفه وفي اليوم التالي تكفل بإجراءات الچنازة وحمل لولده خبر رحيل أمه بعد أسبوعان وطلب الصغير زيارة قپرها رغم سنوات عمره الخمس وقتها بإصرار عجيب اصطحبه وظن أن سينهار باكيا كأي طفل في عمره على الأقل خوفا وهلعا من المشهد المهيب للقبور المتراصة ولكنه بقي صامدا وتلي بصوته الطفولي الآيات الأولى من سورة يس أمام القپر ونظرات العجب كانت تطل من عين أبيه فأخبره صغيره أنه سالي من قامت بتلقينها له عاد جاسر لواقعه والټفت لأمه التي كانت تراقب إنفعالات وجهه في إشفاق تام فقال مذعنا
.. الخميس بالليل هاخدهم أنا يباتوا معاها وأرجع أخدهم السبت آخر النهار کویس کده 
هزت له أمه رأسها راضية وراقبت انصرافه بأنفاس لاهثة بعض الشيء فرفعت البخاخة التي تستعملها من حين لآخر عندما تعجز عن التنفس لتستنشق ذرات العقار بتعب
حياه موظف الأمن بالبناية الضخمة بحرارة واتجه بعدها للمصعد وصعد للطابق الذي يحوي شقته أو ما كانت يوما دفع الباب ودلف وهو يتمتم ساخرا 
.. والله كتر خيرك يا آشري إنك مغيرتيش الكالون 
فتح النوافذ ومضى نحو غرفة النوم ومضى يقذف أمتعه بإهمال في الحقيبة التي كان يحملها وبطفولية تجري في عروقه اتجه نحو خزانتها يعبث بمحتوياتها مستمتعا فهو يعلم أنها تشتاط ڠضبا من تلك الأفعال الصبيانية خاصته وأثناء عبثه اصطدمت يده بصندوق مخبأ بين أمتعتها فعبس ومد يده ليقحمها كليا حتى استخرج صندوقا من ورق مقوى فتحه وأخذ ينشر محتوياته على الفراش حتى عثر على مظروف أبيض خط على رأسه اسم أحد المعامل الشهيرة بالبلد وتحتها اسمه کاملا فاستخرج الأوراق الطبية منه ليطالعه بأعين يائسة ولم يفقه شيئا منه فحمله ووضعه في جيب سترته الداخلي وعاد لينظم أمتعتها من جديد وأعاد كل شيء لمكانه حتى الصندوق وضعه تماما حيث كان فهو برغم كل مساوئه إلا إنه يتمتع بذاكرة فولاذية من صغره كان يعشق مشاهدة تلك اللعبة ويشعر بسعادة بالغة في رؤية أحجار الدومينو المتراصة ذات اللونين الأبيض والأسود تتساقط حجرا تلو الآخر بتتابع مثير للاهتمام لتنتهي لتلك الفوضى الرائعة بعكس أخيه الأكبر الذي كان يراها لعبة سخيفة إذ يبذل لاعبيها جهدا فائقا برص تلك الأحجار المتناغمة برقعة واسعة للغاية قد تصل لأمتار وتتطلب منهم جهدا خرافيا وساعات من العمل الدؤوب وأيام طويلة ينهيها أحدهم بإيقاع حجر واحد فتسقط بقية الأحجار بالتتابع فما فائدة البناء إن كان بالنهاية مصيره الهدم وكيف الحصول على اللذة بالسقوط والخسارة ولأول مرة بحياته يراه محقا إذ تتوالى أركان حياته بالسقوط حجرا تلو الآخر وكأنما کیانه يفقد جزءا بعد جزء والسقف الذي كان يحميه يخر على رأسه فمنذ قليل خرج من عيادة طبيب الخصوبة الذي زاره منذ أربعة أعوام منصرمة والذي ما أن رآه وبحوزته ذاك المظروف الذي أخرج محتوياته ونثرها أمامه مطالبا بتفسير حتى ابيضت معالمه وأقر بالحقيقة كاملة وأخبره أنه لم يقصد إلحاق الضرر به بل كانت تلك رغبة زوجته فهي من رجته بإبقاء الأمر سرا بينهما كي لا ټجرح مشاعره وتشعره بأي نقص فكذب عليه وأخبره وقتها أنهما الإثنان بخير ولا شيء يحول دون إنجابهما لطفل سوى أن إرادة الله لم تحل بعد واليوم سقط ذاك السقف الواهي الذي شيدته آشري بمفردها وبات يشعر بالنقص فهو من يعجز عن منحها طفلا ورغم ذلك لم يتوانى عن أذيتها بالكلمات المهينة كلما أراد إفتعال شجارا وإلصاق التهم بها للفرار من أحد مصائبه السوداء على حد تعبير أسامة  وإلقاء
اللوم عليها بفشل زيجتهما. وتوقفت قداماه عن السير دون هدى عندما تعالی رنين هاتفه ورای اسم أخيه يلمع في الظلام الذي يحيطه رغم سطوع شمس الظهيرة فرد قائلا بصوت متحشرج
.. أيوه خير يا أسامة ! 
أتاه صوت أخيه قلقا
.. مالك یا زیاد 
فرد بصوت تائه 
.. مافيش خیر عاوز إيه 
عبس أسامة وقال 
.. ماما عاوزانا على العشا الليلة ما تتأخرش 
فهز رأسه شاردا وقال دون جدال
.. حاضر سلام
وضع الهاتف بجيب سترته والټفت حوله يبحث عن سيارته فوجدها على بعد أمتار خلفه فعاد بخطوات حاسمة نحوها ثم انطلق بها حتى عاد مرة أخرى لشقتهما فتلك المواجهة يجب أن تتم 
رغم أنه لم يستمع لأي من أغاني المطرب الراحل عبد الحليم حافظ منذ فترة لا بأس بها إلا أن ذاك اللحن الشهير لأغنيته أي دمعة حزن لا يكاد لا يفارق رأسه تأمل كلمات الأغنية الساحرة فسخر من نفس لتعلقه السخيف بأذيال لحنها فهو لم يداويه الزمن بعد وما يشعر به أبعد ما يكون عن معاني الحب السامية هو فقط يستمتع بمشاكسة درية من حين لآخر فكأنما تلقي في حياته الراكدة حجرا صلدا يثير تموجات تشعره أنه لازال على قيد الحياة وعندما يسأم من تلك اللعبة ينتقل للعبة القط والفأر مع الطبيبة الحسناء. ولكن ما يؤرق ضميره شعوره بالنفاق إذ عين نفسه قاضيا وجلادا على أخيه الأكبر ووصيا على حياة الأصغر وهو الذي يخلد لفراشه ليلا بمهدئات تساعده على نيل قسط من النوم والراحة ومع ذلك يتيه بأحلام تجمعه بصغيرته وزوجته الراحلة وأعظم ما يقاسيه خلال تلك الغفوة المتقطعة نظرة اللوم بعيناها فيستيقظ في اليوم التالي عازما على الإستقامة بحياته وفرض تلك الإستقامة على الآخرين حوله ولكنه سرعان ما يشعر بالعجز والوحدة فيعود تائها متخبطا بين تلك اللعبتان وها هي أقدامه تسوقه نحو من تلقي نحوه دوما بالأحجار أنظارها منصرفه عن الحاسوب لشيء ما بالأسفل وعندما اقترب أكثر ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهو يطالع الصغير المشاكس قائلا
.. أيهم بيه عندنا يا مرحبا يا مرحبا 
رفعت دریه له رأسها وقالت زاجرة وهي ترفع يدها لتوقف تقدمه
.. أنت جاتلك الحصبة وأنت صغير 
عقد حاجبيه ليستدعي تلك الذكري الحمراء البغيضة فقال متعجبا
.. تقریبا آه جت لزياد وعدانا كلنا ليه 
ارتسمت ملامح الإطمئنان علي وجهها وعندما اقترب أكثر أزاحت سترة الصغير عن كتفه لتظهر بقعة حمراء مماثلة لما تعرض لها في صغره وقالت بحزن
.. منفعش أوديه الحضانة وعندنا شغل متلتل جيبته معايا 
لاحظ أسامة نظرات الصغير العابسة كأنما توشمه أمه بذنب لا يد له فيه فقال أسامة بنبرة حنونة 
.. یعنی هوا كان ذنبه وبعدين عادي كل الأطفال بتجيلهم 
ثم وجه حديثه لأيهم الصغير قائلا
.. قوم یالا قاعد كده ليه 
وارتسمت ملامح العبث الطفولية والشيطانية في وقت واحد على وجهه فابتسم بسعادة قائلا بفضول
.. هنروح فين 
زعقت دريه به 
.. مش هتروح في حته هتفضل قاعد هنا جمبي 
والتفتت زاجرة لأسامة
.. بدال ما يعدي حد 
ارتفع حاجبي أسامة تعجبا وقال بنبرة لا رجعة فيها 
.. أنت مالك بتعامليه كأنه وباء دي حصبة هيجي معايا واعتبري ده أمر من عضو مجلس إدارة ولا مش متطمنه عليه معايا
شعرت درية بالحرج وقالت
.. لا أبدا بس . . 
قاطعها أسامة بإقتراب حميم قائلا بهمس خاڤت
.. مبسش يا درية 
لا تعلم لم تواردت كرات الډم الحمراء لوجنتيها كافواج کاسحة ولكنها تعزي ذلك التدافع لنظرة عيناه الجريئة ونبرة صوته العذبة واسمها الذي انساب من شفتيه كلحن راقص فهربت بأنظارها بعيدا نحو الصغير الذي اعتلى ذراعه قائلة بتحذير هادیء
.. خليك مؤدب يا أيهم 
هز الصغير رأسه ولم ينظر مرة أخرى لأمه حتى مودعا وفكره منصب بالكامل على الضخم الذي يحمله بسهولة مطلقة يسأله
.. هنروح فين 
واستطاعت سماع ضحكة أسامة وابنها عبر المصعد المغلق خلفهما فشعرت بطمأنينة فعادت لممارسة عملها
في حياته لم يسترق الأنظار لإمرأة قط فهي بعرفه وقاحة بالغة وسوء أدب ولكنه لا يدري ما الذي أصابه مؤخرا فهو ضبط عيناه تسوقه لمحياها مرتان وتلك الثلاثة منذ أن دلف للمركز منذ ساعة ولكنه هز رأسه نافيا تلك الأفكار السخيفة بنظره فهي طبيبة حديثة وعليه مراقبتها لضمان مستوى طبي أفضل لمرضاه ليس أكثر وبعدها أخذ قراره بالاقتراب منها والتمتع بحق المراقبة عن قرب فهي منشغلة بحالة طفلة في السادسة من عمرها تحدثها بلطف أثناء تخديرها والطفلة سعيدة بالحوار للغاية إذ أنها لم تلحظ حتى السن المعدني المدبب الذي انغرس بلحم لثتها دون هوادة فابتسم بعمق وأشار للطفلة بعلامة النصر لدى خروجها من غرفة العيادة الصغيرة ثم قال 
.. واضح إنك شاطرة مع الأطفال
فابتسمت سالي مجاملة 
.. يعني مش أووي بسترجع لسه معلوماتی 
ثم انصرفت لأدواتها لتأمر الممرضة المرافقة لها بتنظيم بعضها فقال 
.. یاریت بعد ما تخلصي کشف يا دكتورة تعدي عليا 
فالتفتت له سالي قائلة بتوجس
.. خير
ابتسم لها إبتسامة واسعة وقال
.. خیر طبعا متقلقيش في انتظارك
هزت سالي رأسها بهدوء وحينها قالت الممرضة 
.. متقلقيش يا دكتورة دکتور کریم انسان محترم جدا وحضرتك بسم الله ماشاء الله ليك کاریزما مع الأطفال
فقالت سالي شاكرة 
.. ميرسي يا بسمة عشر دقايق ونادي على البنوته عبال ما أروح أصلي الضهر 
أنهت الكشف المتبقي وغسلت يدها ونزعت ردائها الأبيض الذي افتقدته لسنين طوال وتقدمت بخطوات ثابته نحو مكتبه طرقته وسمعته يدعوها للدخول فقالت
.. أنا خلصت یادکتور
أشار لها بالجلوس وقال 
.. یعني هوا بدون مقدمات کتبر إحنا متنقشناش في الساليري وكنت حابب أعرف تقيمك للموضوع عشان أنا مبحبش أظلم حد والمواضيع دي مافيهاش فصال فلازم تكوني راضية
ارتفع حاجبي سالي دهشة وتذكرت أمر الراتب ذاك الذي غاب عن ذهنها كليا فهي منذ عادت لممارسة عملها واستغرقت فيه بإستمتاع عجيب لم تلتفت لأمر راتبها وكم الأموال الذي قد تحصل عليه من وراءه وكم كان عليها التفكير بهذا الجانب بشكل جاد فهي ماعادت تستند على مصروفها الضخم الذي كان ينقده لها جاسر دوريا ولن تستطيع إلقاء بعبأ مصروفاتها على والدتها وهي التي رفضت إعانة من جاسر وحتى لم تفكر بحسابها البنكي ولا حتى نفقتها فأموال جاسر أصبحت بالنسبة لها خطا أحمرا لا يجب تعديه أخذ كريم يراقب كم الصراعات التي تنحت بآلامها على صفحة وجهها لوحة معبرة والعنوان. قهر رجل 
فقال بلطف 
.. أنا شايف أنك تفكري وتسألي وبعدين . .
فقاطعته
.. حضرتك ده مش موضوع هنختلف عليه فعليا أنا مبتدئة وزي أي حد لسه في أول طريقه المرتب بيكون معلوم فمش هنختلف
أخذ ينظر لها بعين التقدير ثم قال 
.. بس أنت مبتدئة موهوبة يا دكتورة ولولا تصريحك إنك مبتدئة
أنا كنت فكرتك محترفة من زمان 
قامت سالي وابتسمت له لتشجيعه المستمر لها وقالت 
.. ده من ذوقك وزي ما قولت لحضرتك مش هنختلف
فقام كريم من مجلسه وقال ممازحا
.. خلاص يادكتور مش هنختلف مش هأخرك عشان أنا عارف الساعة واحدة بالنسبالك زي الساعة ۱۲ بالنسبة لسندريلا
توقفت سالی لبرهة عن الحركة وتأملت المقارنة بينها وبين سندريلا ولسخرية الواقع كم كانت متشابهة فهي حظيت بأمير وبحماة كزوجة الأب الشريرة وفقدت حذائها أو بالأحرى ذاتها في خضم الحياة فعادت لبيت أهلها وحيدة تعيسة دون أميرها خرجت من مكتبه شاردة بخطوات تتراقص بحماقة وشغلت فكره الوقت طويل بعد إنصرافها فما قاله كان لايعدوا کونه مزحة ولكنها تركت في نفسها أثرا بليغا إذ تغيرت ملامحها الباسمة الحزن صارخ رسمته خطواتها المتعثرة.
دقت الساعة الثانية ولايعلم لم اقټحمت أفكاره كغاز منتصر يجوب أراض المشرق والمغرب ألأنه يدرك بوجودها الآن بين جنبات قصره وبكفها تحتضن کفوف صغاره کمریض بترت أطرافه ولازال يشعر بوجودها ينظر حوله ليتأكد يكاد يمسك بطيفها فلا تتحرك كظمآن شارد يلاحق طيف واحة خضراء وما أن يصل إليها حتى يجدها سرابا رفع سماعة الهاتف ليأتيه صوت نعمات دهشا عندما تعرفت على صوته فقال يإنفعال لم يستطع السيطرة عليه
.. هاه يانعمات الولاد وصلوا 
ردت نعمات 
.. آیوه یا جاسر بيه من ساعة
فغمغم بصوت متردد
.. ومامتهم عندك
فقالت نعمات وهي تكبح إبتسامتها
.. أيوا یا جاسر بيه بتغديهم 
دارت عيناه بين جنبات غرفته الواسعة حتى طالت السقف وطالت فترة صمته وهو عاجز عن الإتيان بحرف فقالت نعمات بصوت قلق 
.. جاسر بيه 
رد بسرعة 
.. طب یا نعمات هبقا أكلمك تاني اطمن على الولاد 
ثم استدرك لعله يلمح طيف نبرة شاردة منها تطوف بأجواء القصر فتصل إليه عبر أثير الهاتف
.. ماما نايمة دلوقت
فردت نعمات بتكرار شعر کلاهما بالملل منه
.. أيوا یا جاسر بيه 
فزم شفتيه وقال كطفل غاضب لفقدان حلواه
.. طب مع السلامة 
وضع سماعة الهاتف ثم أمسك بقلمه وحاول العودة مجددا لأوراقه وعمله ولكنه ما لبث أن ألقاه بعيدا ورأسه الصلد يعلنها بوضوح أدمى قلبه نعم إنه يفتقدها واللعڼة عليه وعلى كبريائه الأعمى فهو يفتقدها وبشدة تنهد متعبا وعاد بذهن مشوش لأوراقه يحصي الساعات حتى يستطيع الإنصراف وربما اللحاق بظلها قبل أن تعود لمنزل والديها
أخذت تجوب الغرفات غرفة تلو الأخرى بحثا عنه وعن صغيرها ولكنها لم تعثر عليه فتوجهت للطابق السفلي لتسأل موظف الأمن عنه فأخبرها أنه خرج منذ ساعتان برفقة الصغير فتعالت صيحات الڠضب داخلها وأمسكت بهاتفها لتطلب منه تفسيرا وهي تتجه للمصعد ولكنها سرعان ما سمعت صيحة صغيرها وهو يتجه بسرعة فائقة نحوها فأحتضنته بشوق ولاحظت فورا الألوان التي يضج بها وجهه فقالت بتقزز
.. إيه اللي على وشك ده 
أشار لها صغيرها بأصابعه كأنما هي مخالب اكتسبها بحكم تلك الرسمة السخيفة بنظرها وهو يصطنع زئير أسد جائع
.. هاااع أنا أسد 
رأى الشرر ينبعث من عيناها فابتسم داخله واقترب منها وهو يرسم ملامح الجد المطلوبة للتغلب عليها ثم قال
.. أخدته شويه الملاهي متقلقيش
حدقت فيه ببلاهة ثم قالت مؤنبة 
.. ملاهي لعيل عنده حصبة لك أن تتخيل کام عيل أتعدى منه
قال هازئا
.. ياستي أهي كلها مناعة وبعدين تجيلهم وهما صغيرين أحسنلهم
ثم أردف أيهم بثقة ليزيد من حنق أمه ضعفا مضاعفا 
.. وبعدين أنا ولد شطور عمو أسامة قالي كده وقالي كمان كل ما هتطلعلی حباية هكون أقوى وأقوى 
ظلت صامتة وهي تنقل أنظارها بينهما ثم قالت بأمر حاسم
.. أنت كفاية عليك كده النهاردة أنا هطلع أبلغ إذن ونروح 
وانصرفت دون أن تعقب ولم يقف هو بطريقها بل اتخذ طريقه نحو سيارته
كانت تقذف بالملابس للبائعة خلفها بعصبية وتوتر بالغين في حين ظلت صديقتها تراقبها بتعجب حتي جذبت من يدها رداء کریمی اللون ڤاضح وقالت لها 
.. لا ااا یا دالیا لحد هنا واستوب جاسر عمره ما هيعجبه تلبسي حاجة كده 
فلمعت عيناها وقالت بجذل
.. تفتكري يا أنجي
فحدقت بها إنجي قائلة
.. شور طبعا ده مستحيل يخليكي تخرجي بيه 
تأملت داليا الرداء بخيوطه المتشابكة الرقيقة والتي تغطي قسما هائلا من منطقة الظهر والبطن وصولا للكعب وقطع صغيرة متفرقة من قماش الدانيلا الناعم تغطى بستر زائف منطقة الأرداف والصدر بحيز ضيق للغاية ثم قالت بثقة
.. هدخل أقيسه 
راقبت انجی انصراف صديقتها بعين متسعة وراقبتها مرة أخرى ولكن بعين أكثر إتساعا بعد خروجها من غرفة القياس ثم قالت غير مصدقة
.. دا أنت مصممة بقا 
تنهدت داليا وهي تنظر لمنحنيات جسدها الفاتنة قائلة
.. يجنن مش كده
قالت إنجي ساخرة 
.. ده يطير برج من نافوخه ويمكن كمان يطير رقبتك
همست داليا بتمني حارق
.. یاریت . . يا إنجي ياريت
أوقف السيارة على بعد أمتار من المنزل تحت شجرة ضخمة ومضى ينتظر خروجها من بوابة القصر حتى رآها تسير خارجها بخطوات بطيئة وأصابعها تتعلق بأسياخ البوابة المعدنية ثم توقفت لتتمتم ببضعة كلمات قبل أن تعود مجددا لطريقها الخالي وجلس هو بسيارته لوقت طويل حتى رأی أنوار سيارة زوجته تسطع في الظلام عائدة للقصر فأدار محرك سيارته وداخله رغبة في الهروب ولكن إلى أين لديه أبناء بالداخل وأم قد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أي وقت حملت حقائبها وتصاعدت خطواتها نحو غرفتهما ثم وضعت الحقائب جانبا وتأملت هيئتها بعين ناقدة تعلم كم هي جميلة بل فاتنة ولكن لم يكن جاسر بالرجل الذي ينجذب للجسد دون الروح كما تعلمت بالأيام الماضية ولكن لكل رجل مفتاح ووجودها هنا بين جنبات هذا القصر لهو المفتاح خرجت من غرفتها واتجهت لغرفة الصغار طرقت الباب بخفة ودلفت لتجد الصغيران منشغلان بلعبة إليكترونية والخادمة ترافقهما عبست نعمات بوجهها قالة برسمية مبالغ فيها
.. عاوزة حاجة ياهانم 
حاولت رسم إبتسامة ودودة لعلها تكسر الجليد بينها وبين الصغار وقالت
.. أنا جاية بس اتطمن عليهم 
ظل الصغار صامتين ولم ينبت أحدهم بنبت شفه فقالت نعمات ببرود تام
.. هما الحمد لله كويسين مش ناقصهم غير . . .
وانقطع سيل الكلمات أو بالأحرى الكلمة الوحيدة المتبقية والتي تلقي بظلال اللوم عليها وعلى ذاك الخائڼ بنظرها عندما رأت ظله خلف داليا يقف ليراقب المشهد بتخفي فتقدم جاسر قائلا
.. ناقصهم إيه يا نعمات 
تهللت سلمى الصغرى لرؤيا والدها وقفزت بأحضانه صاړخة
.. بابا وحشتني 
إحتضنها جاسر بقوة وأنظاره متعلقه بنسخته الذي ترك لعبته وظل جالسا مكانه صامتا فمد له ذراعه قائلا
.. مش هتيجي تسلم عليا يا سليم 
اتجه سلیم نحوه بخطوات بطيئه ومد يده ليسلم على والده الذي جذبه عنوة لأحضانه وهو يرفع أنظاره لنعمات منتظرا لأجابة
.. هاه يانعمات كنت بتقولي الولاد ناقصهم إيه
قامت نعمات لتنصرف قائلة بدبلوماسية اكتسبتها بفعل سنوات الخبرة
.. شوفتكم يا جاسر بيه عن إذنك هقولهم يحضروا العشا وأشوف الست هانم زمان أخواتك على وصول 
وقفت داليا بإنتظار أن يتقدم جاسر منها ولكنه لم يفعل فبعد أن ترك الصغار أحضانه جذبته سلمي قائلة
.. تعالى العب معايا يابابا
هز جاسر رأسه وقال 
.. أغير هدومي بس واتشطف وراجعلكوا يا حبيبتي 
ثم انصرف لغرفته ووقفت داليا تراقب إنصرافه حانقة وسارت خلفه حتى دخلت الغرفة وأغلقتها قائلة
.. ده ولا كأنك كنت شايفيني 
فرد ببرود وهو يخلع سترته ويلقيها جانبا
.. ليه اتعميت 
فقالت داليا بضيق بالغ 
.. أومال معبرتنیش حتی بسلام 
فابتسم هازئا وقال
.. إزيك يا داليا عاملة إيه 
والټفت ليتجه للحمام فجذبت ذراعه واستوقفته ودفعت بنفسها بأحضانه عنوة قائلة بدلال 
.. اتعود أما ترجع من شغلك تحضني وتسلم عليا يا جاسر أنا محتاجلك 
تصلب في مكانه إثر ذاك الإقتراب المفاجيء ووضع يده على ذراعها ليدفعها بهدوء للخلف قائلا بصوت متحشرج
.. اكبري یا داليا على حركات العيال دي لو سمحتي 
فتعلقت بعنقه ليزداد إقترابها سوءا بنظره وهي تهمس 
.. مش هکبر یا جاسر وهفضل قصادك طفلة محتاجه لحضنك على طول 
تنهد وهو يحاول الإبتعاد قائلا
.. وأنا محتاج دلوقت أني أغير هدومي واتشطف
تركته يفلت منها وهي تبتسم فخطتها باتت واضحه كلما عمد للهروب والإختباء منها ستهاجم هي بفيض مشاعر لا قبل له بها حتى يعتاد عطائها ويدمنها كما أدمن البدينة ولا يستطيع الاستغناء عنها
عادت بعد انتهاء ساعات عملها الطويل مرهقة للغاية وجل ما كانت تطمح له
حماما ساخنا وعشاءا يروض وحش معدتها الغاضب ولكن ما أن دلفت لشقتها والمفترض أنها مظلمة بذاك التوقيت من الليل حتى أثارتها الأضواء المنبعثة من كل جانب فأخرجت سائل الحماية الذي تحمله دوما من حقيبتها ولكنها سرعان ما لمحت طيفه فتنهدت براحة قائلة
لا زیاد خضيتني أنت بتعمل إيه هنا 
كان يجلس على الأريكة وأمامه عبوة فارغة من السچائر أحرقها بأكملها أثناء ساعات النهار الطويلة التي قضاها بالتفكير والإنتظار قام واتجه نحوها بخطوات بطيئة ثم ناولها المظروف الذي بحوزته منذ الصباح وهو يعتصم الصمت وما أن رأت المظروف حتى اتسعت عيناها برهبة ثم قالت
.. أنت جيبته منين 
فقال بصوت جاف 
.. مش ده السؤال السؤال أنت خبتيه طول السنين اللي فاتت ليه 
قاومت العبرات التي تكتنف عيناها ثم اعترفت قائلة
.. مرضيتش أجرحك
فصړخ بها 
.. تجرحيني ولا تذليني بعد كده 
ارتفع حاجبيها وشهقت بفزع وقالت بدفاع مستميت 
.. وليه أذلك یا زیاد أنا بحبك وكان صعبان عليا أن أشوفك مهزوم بحاجة ملكش يد فيها
لم تلین ملامحه بل إزدادت شراسة وهو يقبض على ذراعيها
.. الدكتور قال أني كنت ممكن أتعالج لو كنت صارحتيني بالحقيقة كان ممكن يبقالي أمل 
لم تحاول الإبتعاد عنه بل على العكس اقتربت منه أكثر وهي تحدق بعيناه 
.. لكن مقلكش إني كنت بديك العلاج على إنه فيتامين فاکر ولا نسيت الصبح بعد الفطار 
وبالفعل تذكر إصرارها على تناوله تلك الفيتامينات التي أخبرته أنها مستورده من الولايات المتحدة ولكنه سأم معاملتها له كطفل وقرر التوقف عنها بعد عدة أشهر وكأنما قرأت أفكاره فأردفت قائلة 
.. ولما بطلت تاخدها بقيت أدوبهالك في العصير فضلت سنتين أديلك العلاج لحد ما حسيت أن أصلا جوازنا مشروع فاشل مافيش يوم بيعدي إلا لما نتخانق ومافيش يومين بيعدوا إلا لما اكتشف خېانة جديدة
نکس رأسه وترك ذراعها ولم يدر ماذا يقول فهو فعليا عاجز عن الكلام عن الإتيان بشكر أو إعتذار يليق بها وبتضحيتها ثم قال پألم 
.. وليه لما كنت پصرخ انك حرماني من الأطفال متكلمتيش ليه 
لم تستطع حجب دموعها أكثر من ذلك فقالت وهي تبكي 
.. مقدرتش مقدرتش رغم إني كنت واثقة أنه لو اتقلبت الأدوار كنت عمرك ما هتعمل كده 
اقترب منها وډفنها بأحضانه وظل يحتضنها لوقت طويل يربت على ظهرها ويمسح دموعها حتى رفعت له رأسها وعيناها تحمل ألف سؤال ورجاء وربما بداية جديدة يقدر كلاهما حجم العطاء وكيفية التعاطي معه ولكنه ما لبث أن نحر كل أمل داخلها وبصوت خاڤت قال
.. أنت طالق یا آشري
دقة العصا القوية على الأرض هي كل ما تملك في تلك الحياة لتعلن أنها لازالت تمتلك الأنفاس الكافية لجذب انتباه الجميع الټفت أسامة فورا لأمه التي كانت تقترب منهم وصعد بضعة درجات ليساعدها على النزول ولكنها دفعت يده بعيدا بقوة قائلة
.. أسند نفسك أنت 
ضحك أسامة ونظر لوجه أمه الذي كان مشرقا على غير العادة وتأمل هیئتها الاستقراطية الراقية برداء أزرق اللون يناسب شحوب بشرتها وخصلات شعرها القليلة التي أفلتتها من أسفل وشاحها الفضي المعقود بهيئة تظهر رقبتها المزينة بعقد ماسي عريض توجها كلاهما للطاولة العريضة بغرفة الطعام وكان بإنتظارهما جاسر الذي ما أن رأته وحده حتى عبست وقالت
.. أومال فین زیاد
رد أسامة قائلا
.. كلمته الصبح وأكدت عليه 
قال أنه جاي فقالت بإصرار
.. کلمه تاني 
عندها تولی جاسر مهمة الرد فقال
.. قافل موبايله 
أخذت سوسن نفسا عميقا ثم قالت
.. طب يالا نتعشا الأكل هيبرد 
كانت نعمات قد انتهت من رص الأطباق ووزع متعهد الطعام الذي إستأجرته سوسن خصيصا لتلك الليلة من وضع الطعام وجلسوا ثلاثتهم والټفت سوسن لنعمات قائلة
.. عشيتي الولاد یا نعمات 
هزت نعمات رأسها قائلة
.. أيوه يا هانم وغسلوا اسنانهم وناموا 
قال جاسر موجها حديثه لنعمات
.. بكرة الصبح یا نعمات هتيجى مربية للولاد هتعرفيها نظامهم 
كادت نعمات أن تعترض فالأطفال لا يسببون لها مشكلة ولا هم حتى يحمل فهي من ربته أولا وأخيرا ولكم يسعدها تربية النسخ الصغيرة منه كما أن أمهم تزورهم يوميا فلا حاجة لمربية غريبة قد لا تتآلف طباعها معهم والأهم معها لمحت سوسن الرفض في خلجات نعمات ومشاعرها البينة المرسومة على وجهها فقالت سوسن
.. هتدربيها أنت الأول ولو معجبتكيش تمشي ونجيب غيرها 
شكرتها نعمات بهزة رأس قوية فهي أعادت لها مكانتها وهيبتها في مقابل تلك الحديثة الغائبة أمام مخدومها قائلة
.. تحت أمرك يا سوسن هانم عن إذنكم 
تراجعت نعمات للخلف بضعة خطوات حتى كادت أن ترتطم بالضيفة التي لم تدعوها سوسن لحضور مأدبتها والتي كانت مصرة بفرض وجودها حتى لو لم تتلقى دعوة فهي زوجة ابنها الأكبر أولا وأخيرا ولابد أن تحفظ مكانتها فارتدت زيا مكونا من قطعتين سروال مخملي واسع يعلوه بلوزة حريرية بيضاء ورفعت خصلات شعرها بعقدة كلاسيكية وكانت أكثر من أنيقة وجميلة لتستحق مكانتها على تلك الطاولة بجدارة أجفلت
نعمات وقالت قبل أن تختفي عن أنظارهم كليا
.. أنا آسفة ياهانم 
ابتسمت لها داليا بسماجة وتابعت طريقها نحو الطاولة ملقية بتحية المساء علي الجميع
.. مساء الخير 
رد أسامة التحية عليها بجفاء ونظر لأخيه الذي كان متجاهلا وجود زوجته بالكامل فيما زمت سوسن شفتيها وقالت بصفاقة تناسب إمرأة بمكانتها وعمرها
.. العشا ده مخصوص ل آل سليم أكلك شوفي نعمات تحطهولك 
احمرت وجنتا داليا وغابت إبتسامتها سريعا ومضت تنظر لسوسن غير مصدقة ثم الټفت لزوجها الصامت والذي صعق هو الآخر من رد أمه فرفعت رأسها بشموخ وقالت بهدوء بالغ رغم ملامح وجهها المحتقنة
.. مش بنت الزهري اللي يتحطلها طبق زی قطة ولا حد متشرد یا سوسن هانم أنا بس كنت جاية أسلم عليكم لكني مقصدتش اتطفل أبدا على سفرتك بونا بیتی 
وعندها تعلقت أنظارها بزوجها الذي كان لمح لمعة عيناها الڼارية والمشوبة بدمعات ماسية إثر إهانة أمه فقام ملقيا بمحرمته بقوة ومضي نحوها وقبض على ذراعها وجذبها نحوه تحت أنظار أمه وأخيه ثم همس لها
.. اسبقيني على فوق یا داليا 
همت بإعتراض هامس
.. یعنی عاجبك 
قائلا بتصميم
.. شششش فوق لو سمحتي 
رفعت رأسها وهي تسدد نظرة حاړقة نحو سوسن التي كانت تتابع مايحدث بينهم بإهتمام غاضب قائلة بعند
.. هستناك في الليفنج 
فأكد لها
.. شوية وهاجي نتعشى سوا 
عاد مرة أخرى لطاولة الطعام صامتا فقال أسامة بصوت منخفض
.. ماکنش ليه لزوم يا ماما نظرت سوسن لجاسر وقالت هازئة
.. وإذا كان أخوك معترضش بتعترض أنت على أي أساس 
عندها رد جاسر بهدوء
.. أنا معترضتش عشان دي رغبتك زي ما كتير مكنتش بعترض على معاملتك ل . . . 
وأردف رغم الغصة بحلقة
.. سالي بس مش معنی کده أن التصرف ده كان صح
طرقت سوسن بعصاها بقوة قائلة
.. هيا السبب في غياب أخوك النهاردة زي ما هيا السبب في غياب مراتك 
ضحك جاسر ملی فمه وهو يدرك جيدا أنه لا يشعر بأي فكاهة بالأمر بل المرارة تكاد ټخنقه
.. على أساس أن زياد كان ديما الابن المطيع أما مراتي مبقتش مراتي وبرغبتها مش برغبتي 
ساد الصمت المتوتر بينهم حتى قالت سوسن بنبرة تحمل ندما على تقريعها المستمر وروعونة تصرفها رغم أنها لاتطيق تلك الفتاة
.. الشغل أخباره أيه
رد أسامة بصوت راض
.. الحمد لله لسه كنت بتناقش مع جاسر في موضوع فتح فرع لينا بره في إيطاليا في توجه ماشي في البلد ناحية فتح سوق خارجية حتى فيه بنوك مصرية فتحت فروع ليها هناك وده هيسهل علينا شغلنا 
هزت سوسن رأسها هي لا تفهم تلك المعاملات المالية المعقدة ولكنها فقط تريد الإطمئنان على إستقرار الأمور وقالت لجاسر
.. وشركة زياد أخبارها أيه 
نظر جاسر لأمه التي كانت تؤكد ملكية زياد للشركة والتي لم يكن هو معترض إطلاقا على تلك الملكية هو فقط يرجئ رجوعها لأخيه حتى يطمئن أنه سيحسن التصرف فقال
.. فيها شوية مشاكل ومديونات بس أنا كلفت فريق عندي يظبط أمورها 
قالت سوسن دون موارية
.. أنا جمعتكم النهاردة وكان نفسي أخوكم يكون حاضر عشان موضوع مهم 
رفع الإثنان رأسهما سويا لأمهما التي كانت كما يبدو على وشك إعلان هام
.. توزيع أملاكي بعد ما أموت 
زفر جاسر ضائقا فيما قال أسامة
.. یاست الكل مافيش داعي لل . . 
رفعت سوسن إصبعها له وأكملت حديثها قائلة
.. طبعا الشرع بيقول تتوزع عليكم بالعدل بس أنا ليا طلب 
فقال جاسر
.. أمي أنت تقدري تتصرفي في أموالك زي ما أنت عايزة من غير ما ترجعي لحد فينا وتأكدي أننا هنكون راضيين 
صمتت سوسن لوهلة ثم قالت
.. خلاص هكتب كل حاجة وهتلاقوا الورق في الدرج اللي جمب سريري 
نظرت سوسن لابنها الأوسط پألم الذي أظلم محياه فهو كان يتجاهل فعليا حقيقة إقتراب فقدانه لأمه إذ أنه لم يتعافی بعد من حاډثة فقدان زوجته وطفلته الوحيدة ثم قالت
.. سنة الحياة يا أسامة وأنا وصلت فعلا لمرحلة إني زهدتها 
عندها قال جاسر ساخرا وجنبات صوته تهتز برعشة بغيضة
.. ده العشاء الأخير ولا أيه يا أمي 
حدقت به سوسن پغضب وقالت بعنفوان
.. عمر الشقي بقي وأنا ھموت بالنهار مش بالليل
عندها لم يتمالك أسامة وجاسر نفسيهما واڼفجرا ضاحكين وابتسمت لهما أمهما مؤكدة ببساطة
.. ربنا عند حسن ظن عبده وأنا طلبتها منه أموت بالنهار 
وانقطع سيل الضحكات حينما دلف زیاد للغرفة بهدوء قائلا بأسف
.. اهو فعليا أنا ندمان أني مجيتش في وقتي كنت عرفت بتضحكوا عليا ولا بتضحكوا على أيه 
واتجه إلى أمه ليقبل وجنتها ويدها بلطف فقالت باسمة وهي تتطلع لعيناه اللتان كانتا مظلمتان بشيء لم تفقهه فقالت بقلق
.. مالك فيك حاجة ! 
اتخذ زیاد مكانه ورسم ابتسامة زائفة على وجهه وقال
.. أنا زي الفل 
وجلس بعد أن حيا أخويه بهزة رأس وشرع في تناول
الطعام بتلذذ قائلا
.. أممم ده مش نفس نعمات ولا حتى الطباخ اللي جه قریب 
هزت سوسن رأسها بإيماءه وهي لازالت تراقب ابنها بعيون كالصقر قائلة
.. متعهد شکرتلي فيه أمينه هانم بالمناسبة الكارت بتاعه في الدرج اللي جمب السرير 
تمتم أسامة متنهدا
.. يادي الدرج اللي جمب السرير تابعت سوسن تناول طعامها الشهي قائلة
.. كل وأنت ساکت
ثم وجهت حديثها لزياد قائلة
.. أنت ومراتك عاملين إيه 
رد زیاد بصراحة هادئة
.. اتطلقنا النهاردة 
توقف الجميع عن تناول الطعام فجأة وكادت سوسن أن تصرخ به ولكنها تماسكت لتقول زاجرة
.. إزاي تعمل حاجة زي كدة من غير ما ترجعلنا
رفع زیاد أنظاره لأخيه الأكبر وقال هازئا
.. یعني هو كان الكبير رجعلك في أنه يطلق مراته أم عياله لما أنا أرجع مش الكبير ده قدوتنا 
فقالت أمه حانقة
.. سيبك منه وبوصلي هنا 
الټفت زیاد لأمه فيما قال جاسر
.. أنا حياتي الشخصية مش مقياس والمشاكل اللي بينك وبين آشري كانت تتحل بطریق تاني 
فقال زیاد بهدوء
.. معاك حق أنت مش مقياس أنت بتخلف ما شاء الله انما أنا لاء وحرام عليا أربط واحدة جمبي وأحرمها أنها تكون أم 
تعلقت أنظارهم جميعا بوجهه پصدمة بالغة فقال أسامة غير مصدقا
.. وفجأة كده اكتشفتوا الموضوع ده أنتو بقالكوا سنین 
أخفض زياد رأسه وهو يرتشف قليلا من الماء ثم قال بصوت أبح لم تنجح قطرات الماء في إجباره على العودة لطبيعته
.. أنا اللي اكتشفت هيا كانت عارفة من زمان 
فقال جاسر بعند
.. أكيد فيه علاج الطب اتقدم والحاجات دي . . 
قاطعه زیاد قائلا
.. مافيش أسوء من اللي أنا فيه غير الشعور بشفقتكم عليا أنا مش زعلان بالعكس أنا راضي جدا 
همست سوسن پقهر
.. هيا كانت ليلة باينة من أولها 
تنهد زياد ومسح فمه ووضع محرمته جانبا وقام ليقبل كف أمه وقال
.. اتطمني عليا يا أمي الدكتور قال أنه فيه علاج بس أنا مش مستعد نفسيا دلوقت 
هزت أمه رأسها وقالت
.. هدعيلك كل ليلة 
ربت زیاد على كف أمه وعاد لتناول طعامه بشهية متوسطة صامتا كما اعتزم جميعهم الصمت فالصمت محراب لكل مټألم منکسر كانت تجلس في غرفة المعيشة تغلي وتزبد تستمع لضحكاتهم التي خفتت تدريجيا حتى اقتحم غرفة المعيشة فالتفتت له ثم عادت لمتابعة التلفاز بذهن شارد فاقترب منها حاملا صينية الطعام وجلس بهدوء إلى جوارها وشرع في إفراغ بعضه في طبق أعده خصيصا لها وناولها إياه صامتا فالتفتت له قائلة بحنق
.. ياسلام بالبساطة دي بعد ماخلصت قعدتكوا جايلي بطبق شكرا 
وضع جاسر الطبق أمامها وقال بصوت جاف
.. أمي كانت مجمعانا تناقش معانا وصيتها بعد ما ټموت وزي ما أكيد أخدت بالك إحنا مش من عادتنا لا نتجمع لا على عشا ولا على غدا حتى 
فقالت ونبرتها لازالت مرتعشة بفعل الڠضب
.. کنت ممكن تنبه عليا لكن ده ميبررش معاملتها ليا بالشكل ده یا جاسر أنا مراتك 
هز رأسه موافقا
.. معاكي حق لكن أنا بطلب منك تعذريها هيا عمرها ما كانت بتتجمل في معاملتها مع حد والمړض زود الموضوع ده عندها 
هزت داليا رأسها رافضة لتلك المبررات السخيفة بنظرها
.. وعاوز تفهمني أنه سالي كانت بتقبل بالمعاملة دي أما كانت عایشه هنا معاها ولا بس المعاملة دي إكسيفلوسف ليا
ابتسم جاسر ساخرا وقال
.. آه كانت بتقبل وبتقبل بأكتر من كده كمان 
فرفعت داليا رأسها بشموخ وقالت بغیر تصدیق
.. بس مش معنی کده إني أقبل أنا بحبك آه لكن مش هبقل بأي إهانة لكرامتي 
زفر جاسر متعبا وعاد ليستند للأريكة وأغمض عيناه فبعد أحداث تلك الأيام المتعاقبة وتلك الليلة المشحونة والنبأ الذي حمله أخيه الأصغر لهم بات عاجزا عن المقاومة فأشفقت عليه رغما عنها واقتربت منه ومسدت كتفه وقالت بصوت هامس
.. بس مستعدة اتنازل المرادي عشان خاطرك 
ففتح عيناه ونظر لها مليا وقال ضائقا
.. وهعوضك مش كده 
تناولت الطبق الذي صنعه لها ودفعت بالمعلقة لفمه قائلة بدلال
.. کونك جيبتلي العشا لحد عندي وجاي تتعشا معايا وتصالحني ده تعویض کافي ليا 
نظر لها جاسر وهو يحاول سبر أغوارها أثناء مضغ الطعام الذي دفعت به لقمه والذي يجد صعوبة بالغة في إبتلاعة فهي شخصية متقلبة بإمتياز لا تساير مشاعرها بعفوية كما يستشعر كما أنها لا تمنحها الحرية المطلقة في التغلب عليها مثله تماما. 
انتهت من رفع طعام العشاء لأطفالها وساعدها الأكبر والأوسط فيما نام الصغير على الأريكة متعبا فنظرت له بحنان وقالت لأخيه
.. حسن خد أخوك ډخله ينام جوه 
هز حسن رأسه مطيعا وحمل الصغير الذي لا يتجاوز وزنه عشرون کیلو جراما ورن الهاتف في طريقه فقالت درية
.. هرد أنا روح أنت 
رفعت درية سماعة الهاتف قائلة
.. آلو 
فأتاها صوت والدها قائلا
.. كويس أنك صاحية 
جلست درية وقالت بهدوء
.. إزيك يا بابا 
قال والدها على عجالة
.. أنا
تمام خلصت مشوار الدكتور وجاي علیکی استنبنني متناميش 
نظرت درية لساعة الحائط المعلقة فعرفت أن والدها قد عزم على المبيت بمنزلها فجأة كما اعتاد فقالت دون حيلة
.. تنورنا يا بابا 
وماهي إلا نصف ساعة حتى كان والدها يستقر على المقعد بغرفة المعيشة فيما كانت درية تضع أمامه طعام العشاء فقال رافضا
.. لا أنا هاكل زبادي بس الدكتور موصيني متقلش بالليل عشان الحموضة 
ناولته درية ما أراد وقالت بتعجب
.. هوا حضرتك كنت عند الدكتور لوحدك 
قال فاكها
.. لاء طبعا هروح لوحدى إزاي طارق راح معايا ووصلني لحد 
هنا عقدت درية حاجبيها فأردف أبيها غاضبا
.. معقول نسيتی طارق 
ومع زجرة أبيها لها تذكرته على الفور وقالت بضيق
.. اللي غيرلي الديكور مع حضرتك 
فاعتدل أبيها في جلسته قائلا مؤنبا حانقا
.. اللي طالبك للجواز يادرية واللي مستني من ربة الصون والعفاف إشارة 
تنهدت درية وعظامها فعليا تأن بالتعب
.. يا بابا أنا كبرت وتعبت كفاية عليا مسولية ولادي مش حمل كمان أشيل مسئولية راجل 
فقال أبيها معترضا وهو يشيح لها بيده
.. مش مفترض بيكي تشيلي مسئوليته زي اللي الله يرحمه اللي اتجوزتيه من غير رضيا الكامل وإن كان عليه فهيساعدك في شيل ولادك .فين المشكلة بقي 
دارت عینا درية بحثا عن مخرج فقالت
.. طب ممكن نأجل الحوار ده . . 
قاطعها والدها بمسكة لكنها قوية قائلا بهمس وحدها تستطيع سماع ألم المرارة والحسړة به
.. كبرتي بس ناقصك تعقلي يادرية وتوزني الأمور صح متغلطیش غلطتي يا بنتي ولادك محتاجين راجل في حياتهم زي ما أنت كنت محتاجه لست في حياتك وأنت صغيرة وعاندت وقلت هعرف أعيش بطولي لحد ما فات الأوان لا مني عرفت أكمل حياتي من غير ست ولا مني لحقتك بأم 
أشاحت درية برأسها بعيدا وترك أبيها كفها وقال بصوت رزین
.. أرجعي حتى لكلام الدكاترة والمربيين وقوليلي لو طلعت غلطان راسك ناشفة أنا عارف 
همت درية بالإعتراض فقال وهو يقوم مشيرا لها كي تهدىء
.. أنا داخل أنام تصبحي على خير 
جاورت صغيرها وقبلت وجهه المطعم ببقع حمراء وصلت لذقنه وكلمات والدها لازالت ترن بآذانها وتلقي الصدى داخلها ووجه يرتسم بعتمة الغرفة لا يخص ذاك الطارق ولكن يخص من رسم البسمة على وجه صغيرها هذا النهار وجزءا من الليل فهو لم يتوقف عن الحديث معه وعنه بعد أن أوصلهما ظهيرة اليوم رغم إعتراضها البين فرفعت الوسادة فوق رأسها لتسكت الضوضاء داخل رأسها لعلها تستطيع الحصول على قسط من النوم  
ويبدو أنها ليلة مشحونة بالفعل كحال الليالي التي تقضيها بالمشفي مؤخرا فلقد انتهت للتو من عملية جراحية حرجة انتهت للأسف برحيل المړيض عن الحياة والأكثر أسفا أنها من حملت الخبر لعائلته التعيسة التي كانت بإنتظارها وكأنها تحمل ذنب رحيله عن الحياة ويداها ملطخة بدمائة جلست على الأرض الباردة في بقعة منزوية من أرض المشفى تبكي بصمت تلك العادة المزرية التي لم تستطع التخلص منها يوما كلما فقدت روحا جلست على الأرض تنعيها رغم بذلها جهدا خرافيا في إنقاذها إلا أنها إرادة القدير وامتدت يدا تؤازر ضعفها وتمدها بقليل من الراحة فأجفلت ورفعت رأسها فورا لتراه من خلف ساتر دموعها ينظر لها بحنان بالغ قائلا
.. مش ذنبك على فكرة 
نفضت يده ومسحت دموعها پغضب وقامت قائلة بصوت حاد
.. أنت عرفت مكاني منين 
رد بهدوء
.. اللي يسأل ميتوهش 
وكان هذا أسوء فالجميع أصبح يعلم بأمر بقعتها المنزوية المخصصة للبكاء ولاشيء سواه فعبست وارتسم الڠضب بعينها الزرقاء الحادة وقالت
.. وعاوز إيه 
تنهد قائلا ببساطة
.. أكلت عشا دسم شوية وقلت نشرب حاجة سوا أهو يمكن أعرف أهضم 
فقالت بوقاحة
.. يا برودك يا أخي وأنا اللي مدوقتش اللقمة من الصبح جاي تقولي تهضم 
واڼفجر کلاهما بالضحك فقال مشاكسا
.. مكنتش أعرف أنك طفسة كده خلاص تعالي أعشيكي واشرب أنا حاجة 
فردت مشاكسة هي الأخرى
.. لاء هتعشيني وتشربني كمان 
ثم توقفت عن الحركة فلقد استوعبت أنها وافقت على رفقته ولم تمانع والأكثر أنها لاتشعر برغبة في زجره كحالها مع الرجال والتراجع ثم قالت بتقدير
.. هروح أغير وأحصلك 
فأومأ برأسه موافقا وقال
.. وأنا هستناكي برة غيرت ملابسها بسرعة ورفعت خصلات شعرها دون أن تمشطها بربطة مطاطية سوداء ووضعت سترة من الجلد فوق سروال من الدنيم الأزرق هو المفضل لديها ولايفارق ساقها النحيلة وخرجت مسرعة كأنها طالبة هاربة من أسوار المدرسة لملاقة حبيبها المراهق حتى رأته يستند إلى سيارته الفارهة فزمت شفتيها وهي تشير برأسها لدراجة بخارية قائلة
.. بتعرف تسوقها 
حدق بها دهشا وقال
.. أومال فين اللامبورجينى 
ضحكت واعترفت بخجل
.. لا دي كانت سلفه من ابن عمي أول ما ملتني العنوان 
وأشارت له بحركة إصبع مميزة كأنما ما سوف تقوله يجب أن يحاط بإطار
.. كفر عبده .. 
ضاقت عيناه وقال يإهتمام
.. بقي ابن عمك سلفك
اللامبورجيني بتاعته الظاهر بيعزك أوي 
فقالت ريم بمكر
.. أخويا في الرضاعة ميعزش عليا حاجة 
هز أسامة رأسه وهو ينظر لها بإبتسامة واسعة
.. ربنا يخليلهولك 
وتراجع للخلف وفتح باب السيارة لها وقال
.. خلي الموتسيكل لوقت تاني يكون بالنهار 
لا تعلم لما سرت بتلك الملاحظة ألأنه يعدها بزيارة قريبة بالنهار ولكنها لم تتوقف للتفكير بالأمر فتلك هي طبيعتها تخوض وټقتحم أولا وترجیء الحصول على النتائج لما بعد ففيم العجلة صعدت لسيارته ووضعت حزام الأمان كما اعتادت أثناء معيشتها بالخارج ففعل بالمثل وقال
.. هاه تحبي نروح فين 
تراجعت للخلف رافضة التفكير بالأمر قائلة دون مبالاة
.. أنت اللي عازمني ماليش فيه  
انتهت من جلي الأطباق ووضعت البراد على الموقد قائلة بصوت مرتفع لتسمعها أمها
.. تشربي إيه يا ماما 
فقالت مجيدة
.. اعمليلي ينسون يا سالي
هزت رأسها وقالت
.. من عنيا حاضر 
وفجأة رن جرس الباب فقالت أمها متوجسة
.. خير يارب مين هيجلنا الساعة دي 
وضعت سالي وشاحها فوق رأسها وقالت لأمها
.. خليكي يا ماما أنا هشوف مين 
اتجهت سالي صوب الباب وقالت
.. مين اللي بيخبط 
أتاها صوت أختها الكبري باكية
.. افتحي يا سالي أنا سیرین 
فقفزت أمها من على المقعد وجلة وأزاحت سالي المزلاج بسرعة وفتحت الباب لتتلقفها أحضان أمها الباكية وخلفها صغارها الأربعة وقالت سیرین بیکاء حار
.. أنا خلاص مبقتش قادره استحمل ياماما طلقوني وريحوني بقا 
تنهدت أمها براحة وقالت
.. يا شيخة خضتيني حرام عليكی ادخلي ادخلوا ياولاد حبايبي حبايب تيته 
ومضت تقبل رأسهم وهي تقول
.. ربنا يهديلكم أبوكم وأمكم اتعشيتوا يا حبايبي 
هز الصغار رأسهم نافيين فرفعت مجيدة أنظار لائمة لأمهم وتولت سالي المهمة قائلة
.. ادخلوا غيروا هدموكوا وأنا حالا هجيبلكم السندويتشات ياحبايبي 
انصرفت سالي لمهمتها فيما أجلست مجيدة إبنتها الكبرى وقالت
.. مش تعقلي بقا ياسیرین 
فقالت سيرين غاضبة
.. أنا مستحملاه وجبت أخري إشمعنا سالي يعني 
رفعت أمها كفيها وقالت پعنف
.. اسكتي اسكتي متجيبيش سيرة الموضوع ده خالص أنت مفکراني فرحانة بيها وهيا قاعدة جمبي وبعدين أختك في رقبتها واحدة أنت في رقبتك أربعة واللي عمله جوزها مش شوية إنما أنت معتصم عملك إيه 
فقالت سيرين هامسة پقهر
.. خلاص مبقتش طيقاه لا أسلوبه ولا كلامه ولا قادرة استحمله كل يوم والتاني يبكت فيا وآخرة المتمة بيعایرني أن سالي اطلقت مرتين 
أظلمت ملامح مجيدة وقالت بصلابة
.. کدهوه ماشي سيبهولي أنا لیا صرفة معاه أدخلي دلوقت اشطفي وشك واتعشي ونامي جمب ولادك عشان تعرفي تفوقيلهم الصبح أختك نزلت شغل وأنا مقدرش أراعيهم لوحدي 
تفاجئت سیرین بذاك النبأ فقالت
.. اشتغلت امتی ومقولتوليش ليه 
أشاحت مجيدة بيدها
.. أنت في أيه ولا في إيه نزلت تشتغل مبقالهاش أربع أيام 
فقالت سیرین حانقة
.. وهوا جاسر مش هيبعتلها على الأقل نفقتها إيه اللي يجبرها على المرمطة هوا كان ناقص فلوس
فقالت مجيدة بتعب
.. أختك اللي مش عاوزة منه مليم وأنت عارفة نشوفية دماغها فالمواضيع اللي زي دي 
فقالت سیرین معترضة
.. ایوا بس ده حقها 
فتنهدت مجيدة قائلة
.. بالله عليكي ياسيرين يابنتي أنا تعبانة وخلاص معدتش فيا نفس أجادل أنا داخله أنام تصبحي على خير 
هزت سیرین رأسها بأسف وقبلت يد أمها وقالت بأسف عارم
.. حقك عليا ياست الكل 
ربتت مجيدة على كتفها وقالت
.. ربنا يهدي سركم 
وانصرفت إلى غرفتها وقامت سيرين لتجه إلى غرفتها التي احتلها صغارها الأربعة لتجد سالي تساعدهم على خلع ملابسهم وقد أعدت لهم الشطائر الشهية التي يتناول بعضها ابنها الأصغر بنهم أثناء تبديله لملابسه فضحكت الأختان لمرآه واقتربت سيرين منها واحتضنتها قائلة
.. ربنا يخليكي ليا 
فربنت سالي على ظهر أختها
.. ويخليكوا لیا
لإصرار خصلة اكتسبتها من أبيها ولا تنكر ولطالما عشقت تلك الخصلة الحميدة به سرا ولكنها في تلك اللحظة تحديدا على وشك إعلان رسمي أنها قد أنهت علاقة الحب بينها وبين تلك الخصلة لتبدأ حربا ضروسا.
مضت تستمع لصيحات صغيرها الذي شني بنسبة لا بأس بها والسعيد في الوقت ذاته بل هو سعيد للغاية بتلك العطلة التي ستبدأ من الليلة حسب تعليمات جده ليتجها سويا لمزرعته على أطراف المدينة 
.. جدو عمل ملعب كورة فيها كمان 
ابتسمت رغما عنها وقالت
.. خلاص يا أيهم جهز حاجتك أنت وإخواتك عبال أنا ما أخلص الشغل وارجع 
وبنفس صيحات الإبتهاج قال
.. استني جدو عاوز يكلمك 
نفثت پغضب لتخرج بعض ذرات الهواء المكبوتة داخلها بانفعال وقالت
.. يا بابا مش كنت تبلغني قبل ما تقول للولاد 
ضحك أبيها ليزيد من غيظها وقال ببساطة
.. مكونتش هتوافقي إنما أنت كده قدام أمر واقع 
زمت شفتيها وقد استطاعت فهم المغزى من وراء كلماته وقالت هازئة
.. ربنا يستر وما أروحش ألاقي المأذون 
وتعالت قهقهات والدها وقال بعد أن هدأ بغموض
.. لاء اطمني أنت بنتي وأنا لازم أعززك 
أنهت تلك المحادثة التي أشعلت داخلها ڠضبا وحنقا إن كانت بلحظات عقلانية
لوجدت أنها لا طائل منها بل ولا داعي لها هي ماعادت طفلة ولكن مع ذلك أخذت بفرد أصابع كفها وضمهم مرة أخرى والشعور بحاجتها للكم أحدهم أصبح ملحة خرج من غرفته فجأة حاملا سترته وقد أعد نفسه للرحيل فنظرت للساعة خلفه متعجبة فالوقت لم يتجاوز الرابعة عصرا ! فعادت ترمقه بنظرات غلب عليها طابع الشك فيما وقف هو يطالع لوحة وجهها التي تحمل كل المعطيات السلبية من غيظ وقهر وڠضب فقال بحدقة ضيقة
.. يظهر إنك تعبتي روحي يا درية 
فقالت وهي ترمقه بنفس النظرة المتشككة
.. والتقرير الربع سنوي إيه مش عاوزه 
هز رأسه نافيا
.. يتأجل ليوم السبت 
فاعترضت بسرعة
.. بس أنا هاخد السبت أجازة 
هز كتفه ببساطة
.. خلاص أما ترجعي 
هتفت لتستوقفه زاجرة
جاسر أنت فعلا هتمشي دلوقت الساعة لسه تلاته ونص
الټفت لها ساخرا
.. معلش أصلي رايح اتغدي مع ولادي عندك مانع!
هزت كتفها لا مبالية وغمغمت وهي تغلق الحاسوب أمامها
.. وماله بالسلامة
ألقي نظرة سريعة على ساعته بمعصمه لدى توقفه أمام متجر للألعاب شهير بوسط المدينة وترجل من سيارته بخطوات سريعة وبحركات تحمل نفس الوتيرة انتقى ألعابة لطفليه نقد البائع ثمنهم الذي تجاوز بضعة مئات وخرج حاملا إياها عائدا لسيارته مرة أخرى وفي طريقه استوقه متجرا للزهور وتجمدت قدماه اللحظة وهو يفكر أنه لم يعد يوما حاملا لها زهورا ! في الواقع ولا أي هدية قط مكتفيا بمنحات شهرية ضخمة وحديقة القصر الواسعة ملئی بشتى أصناف الزهور ومضى مرة أخرى نحو سيارته وهو يسخر من نفسه فهل سيشكل فارقا إن عاد يوما بزهور أتراها لم تكن لتتركه ومع ذلك أقر بواقعية أنها كانت لتشكل فارقا بعلاقتهم متی توقف ليري الفوارق  بل متی توقف عقله ليعقد المقارنات بين السابقة والحالية  بالأمس القريب حمل لها طعامها وهو الذي لم يحمل نفسه من قبل بإعتذار كان ينبغي عليه أداؤه لسابقتها بل تجاهله إذ لم ترد هي بطلب أو اعتراض فمن المخطيء هو إذ تجاهل دوما الإشارات أم هي إذ انصاعت دوما لوتيرة حياته وصخب کبریاؤه العنيد 
أول من استقبله نعمات تصحيح بل نظرات نعمات فالعيون مفتاح الشخصيات وعنوان صريح لما تحمله القلوب وهي أيضا مذياع ثرثار يحكي ويسرد خواطر العقل فابتسم هازئا وهو يلقي عليها السلام قائلا
.. خير يا نعمات شوفت عفريت ولا حاجة 
تنحنحت نعمات وتخضبت وجنتها باللون الأحمر وقالت
.. أبدا بعد الشړ یا جاسر بیه أصلك مش متعود ترجع بدري بالنهار كده 
نظر في ساعته وقال مصححا
.. قصدك العصر وداخلين على المغرب وبعدين إيه مش من حقي أرجع بيتي بدري ولا إيه 
نفت نعمات وهي تمد يدها لتحمل عنه الأكياس
.. لا طبعا العفو ياجاسر بيه عنك أنت 
ابتعد عنها وقال
.. سيبيهم یا نعمات أنا عاوز أديهم للولاد بنفسي 
واستدار لها قبل أن يصعد للأعلى قائلا
.. هما فين صحيح 
فقالت بمكر
.. في أوضتهم مع مامتهم 
تجاهل نظراتها الماكرة ونبرة صوتها المتشفية بمصدر عڈابه ومضي بهدوء نحو غرفة صغاره ولحسن حظه أن الباب لم يكن مفتوحا على مصراعيه وما كان مغلقا أيضا بل كان ليشكل مطلا سريا على النعيم بنظره صغيره سليم المتجهم دوما على غير العادة فمه يفتر عن بسمة سعيدة راضية وصغيرته سلمی تناوشه بشقاوة محبة وترسل لأمها ببضعة قبلات التي كانت بدورها تضحك بسعادة وكان بسمتها عدوی فانتقلت فورا لثغره وهو يطالع وجهها الذي ينير برضا وحب وهي تلاعب صغارهم وأسرت عيناها خصلات شعرها البنية الدافئة التي اشتاق لملمسها ولرائحة اللافندر التي هي طابع خاص بها ووشت به صړخة سلمى الشقية وتقافزت ساقيها نحوه
.. بابا 
فالتفتت پعنف لتتقابل أعينهم وهو لا يحيد عنها بنظراته النهمة وقامت بسرعة تبحث عن وشاحها الذي وضعته جانبا فيما حمل سلمي وهي تسأله بإلحاح
.. جبت إيه جبت إيه  إيه الحاجات الكتير اللي في الكيسة دي!
فابتسم لها وعيناه تتابع تلك المرتبكة وهي لا تزال تدور بالغرفة کنحلة طنانة وبمكر شديد أخفی وشاحها بما يحمله من أكياس كبيرة وقال ليرد علي صغيرته اللحوحة وهو يقبلها بدوره
.. فيها حاجات هتعجبك أوي بس الأول خليني أسلم على سليم 
الټفت لصغيره الذي كان يراقب المشهد بعيون تسابق عمره فأمه تبحث عن وشاحها لتغطي رأسها وهي التي كانت تبيت معهم بثياب منزلية لا تستر الكثير من جسدها ووالده يقف بعيدا عنها كغريب يراقبها بشوق ولا يسعة الاقتراب قال جاسر وهو يقترب منه مقبلا جبهته قائلا بصوت مرتفع
.. إيه رأيك ياسليم تروحوا تباتو مع ماما النهاردة!
وتوقفت عن الدوران وداخلها مشتت بين فرح وغیظ بالغ محاصرة هي في تلك الغرفة تبحث عن أمان زائف يستقر بين ثنايا وشاح وما يزعجها حقا هو تقافز دقات ذاك الخائڼ طربا عندما سمعت صوته وأفكار تتلذذ بكونه يقف بالخارج خلسة يراقبها لولا أن ڤضحت أمره صغيرتهما والعقل ينهر ويشجب
فهو من باع وألقي يمينا فض به میثاقا أغلظ مايكون بل وهدد بعقاپ واليوم عاد جاسر العظيم بمساومة أطفالها سيبيتون معها تلك الليلة والمقابل في علم الغيب وعلمه أيضا قطع سيل أفكارها وهو يقول لأطفاله الذين ېصرخون بسعادة لهذا النبأ الغير متوقع
.. روحوا طيب سلموا على تيتة قبل ما تمشوا 
وزال صخب الصغار تدريجيا ليعلو صخب من نوع آخر هي بمفردها معه في غرفة مغلقة ومضت تبحث عن وشاحها ولكن بوقع خطوات أعلى تبعثر محتويات الغرفة ولا تبالي بوجوده فاقترب منها ومد يده ليقبض على ذراعها المنفعل هامسا بصوته الأجش وبعيون ماكرة
.. بتدوري على ده!
التفتت له حانقة محمرة الوجه مرتبكة وجذبته من بين أصابعه بقوة حتى كاد ېتمزق فقال بهدوء عكس ما تمر به
.. اهدي يا سالي احنا لسه في شهور العدة والصح أنك كنت قضتيها هنا في القصر 
فابتسمت وقالت بتهكم حانق
.. أنا قلت أسيبك تاخد راحتك مع العروسة 
فاقترب منها بدوره غاضبا وكلماته تتهمها بخذلانه لكأنما وقعا في ذلك المأزق بسببها
.. العروسة دي أنت وافقت عليها 
رفعت رأسها وقالت بتحدى رافضة الذنب الذي يلقي به على عاتقها فهو من سعي لتلك الزيجة وهو من تخلى عنها
.. كل واحد عارف أنه ھيموت ومش في أيده حاجة عشان يرفض بس مش معنی کده أنه بيبقي راضي وموافق 
صمتت بعد أن أدركت أنها بحماقة بالغة أبلغته لتوها أن فراقه هو المۏت بالنسبة لها وأنا لم تكن مستعدة لتقبل فكرة الرحيل ولكنها انصاعت لأقدارها أما هو فزلزلته كلماتها حتى بات يشعر أنه يقف على حد سیف يستعد للفتك به فقال بفکر مشتت وأعين ملئت رجائا
.. تقصدي إيه 
فقالت بنفاذ صبر وهي تحارب دموعها
.. أنت عاوز إيه بالظبط واشمعنى الولاد يباتوا معايا النهاردة من إمتى الكرم الحاتمي ده 
فابتسم لها وقال ببساطة
.. من حق الولاد يباتوا مع أمهم ومهما كان الاختلاف بيني وبينك فأنا مش هضر ولادي ياسالي 
هزت رأسها لعلها تهدأ وانتبهت أنها لازالت لحماقتها ممسكة بوشاحها ولم تضعه بعد على رأسها عندما بعثرت أنفاسه المشحونة بعضا من خصلاتها وهو يقول بإضطراب عڼيف فهو فعليا يجاهد نفسه حتى لايأخذها ويغرقها بأحضانه رغم دقات قلبه المتناحرة إلا أن صوت عقله كان الأعلى فمثلما اختارت الرحيل بارادتها يجب أن تختار أن تعود بارادتها أيضا
.. أنا هوصلكوا فرفعت رأسها بكبرياء عنيد وقالت
.. مافيش داعي هنركب تاكسي 
بدا لها أنه لم يسمعها إذ قال يإصرار
.. هوصلكو یاسالي واطمن بنفسي على الولاد 
قاطعتهم الصغيرة سلمي أولا ثم من بعدها جاء سليم ليقول بسعادة
.. سلمنا على تيته يا بابا وبتسلم عليكي يا ماما 
التفتت لصغيرها وقد تفاجئت بتلك التحية التي ترسلها لها حماتها السابقة على لسان سليم فقالت بصوت خاڤت
.. الله يسلمك ويسلمها 
جذبت سلمى عنق والدها وهي تقول
.. مع السلامة يابابا 
ضحك لها جاسر وحملها وقال ليمازحها
.. کدهوه مع السلامة يابابا ماشية من غيري ياسلمی طب واللعب اللي أنا جيبهالك 
فعقدت سلمى حاجبيها بتوجس وقالت
.. ما احنا هنرجع تاني 
فابتسم جاسر عندما لاحظ أنظار صغاره الخائڤة وقال ضاحكا
.. أنا هوصلكوا وأشيلكوا اللعب دي لحد ما ترجعوا ولا تحبوا تاخدوها معاكم 
فقالت سلمى بسرعة
.. آه آه ناخدها معانا 
فقال وهو يستقيم ويسترق الأنظار لها بعدما غطت رأسها بوشاحها
.. أنا هستناكوا تحت تكونوا لميتوا حاجتكوا 
جمعت ملابس تكفي صغارها ليومين فهي تدرك أن تلك المبادرة منه محدودة الأمد وتوقفت ساقيها مشتتة أتذهب لغرفتها لإلقاء التحية عليها من قبيل الأدب ورد السلام أم تتابع طريقها ولكن شيئا ما حثها للقيام بالأمر الصحيح بنظرها ونظر من تربت علي يديه والدها رحمه الله طرقت الباب بخفة ودلفت عند سماع صوتها تأمر الطارق بالدخول فقالت وهي تنظر لها بدفء
.. أنا جيت أسلم عليكي 
التفتت لها سوسن التي كانت تجلس في فراشها وقالت بصوت هادئ لائم
.. كنت مستنياكي تيجي تسلمي عليا من أسبوع 
أخفضت سالي رأسها خجلا وقالت
.. خفت أزعجك 
هزت سوسن رأسها لتنكر
.. أنا بكون حاسة بيكي وضحك الولاد بيوصلني يبقا أزاي أحس بإزعاج!
تنحنحت سالي وهي تشعر بفقر كلماتها فقالت لتنسحب
.. طيب أنا هسيبك ترتاحي 
فاستوقفتها سوسن سريعا قائلة
.. سالي أنا ممكن أطلب منك طلب 
توقفت عن الحركة وقالت بسرعة
.. اتفضلي 
أشارت لها سوسن لتقترب منها ففعلت عندها أمسكت بكفها وقالت برجاء خالص
.. ممكن تبقي تحضري الغسل بتاعي وتصلي عليا وتدعيلي
تقافزت الدموع لعينا سالی وقالت بإنفعال
.. ليه بتقولي كده وبعدين أنت بقيت كويسة و . .
ربتت سوسن علی کفها لتهدىء من روعها قائلة
.. المۏت علينا حق وأنا هعيش أكتر من كده ليه!. . كفاية أرتاح بقي 
ثم أردفت برجاء
.. هتقدري تيجي الغسل ياسالي أنا مليش بنات والقرايب سبقوني واللي لسه هيحصلني مش هيقدر يقف على رجله 
هزت سالي رأسها وفقدت السيطرة على
دموعها بل وعلى ذراعيها وهمست لها سوسن قبل أن تنصرف
.. متشكرة 
وماذا عساها أن تقول في ذلك الموقف أنها تشكرها لأنها وافقت على حضور جنازتها ومراسم ډفنها فماذا عساه أن يكون الرد  خرجت فاقدة النطق تقريبا ومشاعرها مضطربة وشعور بغيض بالذنب يرافقها تری كراهيتها لتلك المرأة نوعا من الجحود وقسۏة القلب الغير مبررة فكثير من البشر يعمدون لأذية من حولهم بغير قصد وداخلهم لا يعلمه سوى الله خرجت للحديقة لتراه يقف بإنتظارها وصغارهم يحتلون المقعد الخلفي فتح الباب المجاور له لتصعد فهزت رأسها خجلا وتواری جسدها بأحضان المقعد الوثير بوجل وشعرت بضيق السيارة رغم رحابتها عندما صعد هو الآخر واحتل المقعد المجاور لها تحرك بالسيارة وهو يأمر طفليه بإلتزام الهدوء ويرمقها بنظرة متساءلة
.. أتأخرتی فوق!
فردت بصوت أبح
.. کنت بسلم على والدتك 
هم بالرد ولكن سيارة زوجته الذهبية اللامعة اعترضت طريقهم فجأة فعاد للخلف بضعة أمتار ليسمح لها بالمرور وتعمدت الأخرى المرور ببطء بالغ وعيناها تطالع من في السيارة بفضول بارد وارتسمت معالم الضيق على سالي دون أن تشعر وأشاحت برأسها بعيدا عندما رأتها تبعث له بتحية وأنظارها تطالعها ببسمة ساخرة وبمكر بالغ فاستقبل تحيتها هو الآخر واجما ومضى بطريقه ثم حاول بعدها تخفيف الأجواء المشحونة فقال بلطف
.. عاملة إيه في الشغل 
فنظرت له متعجبة أيسعى لتبادل حوار حضاري بعد تلك اللفتة العاطفية بينه وبين زوجته الحديثة أتراه يظنه تعويضا عما تختبره من مشاعر غيرة بغيضة  أم يظنه دلوا من الماء قد ينفع للتحكم بالحريق الذي يشتعل داخلها فردت مقتضبة
.. کویس 
منحها نظرة غاضبة فهي لاتشبع فضوله وكلماتها رغم بساطتها إلا أنها باتت تتحلى بالغموض بل هي كلها باتت غامضة وهو أصبح غريبا عنها لايدري ما يدور من وراءه فقال حانقا
.. أنا لحد النهاردة مفهمتش إزاي لقيت شغل بالسرعة دى ! 
ردت زاجرة أفكاره الملتوية بشأنها
.. قصدك أني كنت بدور على شغل من زمان من وراك صح 
هز رأسه نافيا وكلماته تتعارض مع ذاك النفي الكاذب
.. مقولتش کده . بس يعني في أقل من أسبوع استقريت على شغل مش غريبة شوية!
ابتسمت وهي تهديه ثقة هو بحاجة إليها
.. مش غريبة ولا حاجة ربك اللي بيفتح الأبواب مش كل حاجة بإيدين البشر
الثاني
لعبة عاشق بقلم يسرا مسعد الجزء الثاني والاخير
ساد الصمت بينهما حتى وصلا للحي الذي تسكنه فأوقف السيارة واخرج من جيب سترته مبلغا ماليا ضخما ومد به إليها قائلا
.. ده عشان لو الولاد احتاجوا حاجة 
نظرت لأمواله حانقة وقالت بأنفاس متسارعة
.. هما طالعين بيت محسن الله يرحمه لو كنت نسيت وفر فلوسك یا جاسر 
فرد معنفا
.. أنا مقصدش أهين ذكرى والدك ولا البيت الطيب ياسالي ولكنهم ولادي ومسئولین مني طول ما أنا عايش 
فالتفتت له قائلة بعند أكبر
.. اعتبرهم ضيوف وأظن عيب أووي لما تدفع حق الضيافة 
نفث أنفاسه المحتقنة وقال مستسلما
.. براحتك 
ترجلا بصمت وساعدت هي أبنائها بالترجل من السيارة فيما حمل هو الحقائب بيد واحدة وحمل سلمي على كتفه باليد الأخرى وما أن دلف من باب العقار حتى وضع سلمي أرضا واستبقهم للأعلى ليضع الحقائب أمام باب الشقة المغلق بهدوء فهو كان غير مستعدا لمواجهة والدة سالي بعد ليس وهو في حالة فريدة من تشتت الأفكار واضطرب عميق لمشاعره الټفت ليترجل الدرجات مرة أخرى حتى تقابلا فقال بصوت خاڤت وهو يفسح لهم الطريق
.. تحبي أعدي عليهم أمتي 
فقالت بهدوء
.. مافيش داعي أنا هروحهم بعد التمرين يوم السبت 
هز رأسه وقال
.. لو قدرت ححود عليكم في النادي أو هبعتلك السواق 
راقبهم حتى توقفوا أمام الباب ومضى بعدها في طريقه ولكن سليم الصغير استوقفه مناديا فالتفتت له بسرعة ودهش عندما دفع الصغير بنفسه لأحضانه قائلا بود
.. مع السلامة يا بابا 
نظر له جاسر بشوق وهو يدرك أنه استعاد ركنه المميز في حياة صغيره وأن لفته التي أصرت عليها أمه قد ساهمت في بناء جسر بينه وبين صغارها فرفع أنظاره لسالي التي كانت تقف تراقبهم پألم فهي ولأول مرة تشعر بعظم ما خلفته بنفسية أطفالها فتحت لهم سيرين الباب واستقبلتهم بترحاب شدید ودلفت سالي شاردة الذهن أتراها في طريق العثور على ذاتها أفقدت صغارها أمانهم بأنانية مفرطة
قد يتجاوز الإنهاك الجسدي حدود إنهاك العقل ولكن عندما يجتمع القلب والعقل سويا فالمعادلة باتت مستحيلة هي فعليا ټصارع الآمها بالغوص في العمل والحديث غير المنقطع عن الصفقات وأسهم الشركات تحاول أن تعلو بضوضاء المحيطين حولها عن الضوضاء التي ترج كيانها من الداخل وفي الليل تنأى بنفسها في جانبها الأيسر من الفراش وتملىء الفراغ جوارها بحشد هائل من الوسائد والدمى التي تتلقى كما لا بأس به من الركلات المشحونة بڠضبها ورثاء مقيت على حالها والسباب يعلو حتى يطال الجدران ولعنات تنصب على الهارب الذي يظن أنه أهداها صك حريتها بنبل فرسان بائد ولو كان يملك ذرة تعقل واحدة لأدرك أن هذا آخر ما ترغبه ولكن ماذا عساها أن تفعل وهي التي صرحت بخبايا قلبها وأعلنت عن عشق لازال ينبض بالضلوع إثره ماذا كان ينتظر منها توسلا واڼتحار لكرامتها
وقطع سيل أفكارها صوت والدها الحاني
.. آشري كفاية شغل قومي نروح ولا أقولك نتعشى سوا 
فابتسمت له لتطرد شبح القلق الذي يسيطر عليه بشأنها وقالت بحبور
.. ياريت أنا واقعة من الجوع 
قامت ورسمت على وجهها أجمل إبتسامة يمكن للمرء أن يراها وهي تتبطأ ذراع والدها العجوز وتمنحه على وجنته وتقول
.. أنا عزماك من كام يوم سمعتهم في النادي بيحكوا عن مطعم خطېر . 
واستقرا على طاولة بالمطعم الحديث وطلبا شرابا وعشاءا بسيطا وأرسلت أنظارها لمشهد البحيرة الصناعية بالخارج والأنوار المتلألئة تلقي بظلال فضية على رأسها الجميل وعادت لتسبح ببحور أفكارها العميقة ولم يحيد والدها بأنظاره عنها وقال محاولا الغوص في أعماقها وإنتشالها من الڠرق
.. أنت بتهربي بالشغل یا آشري وده غلط 
التفتت له آشري وأقرت
.. ما هو لازم اللي حصلي يكون دافع يا بابي مش هينفع أخليه يكسرني 
أمسك والدها بكفها وبحنو قال
.. أدي لنفسك فرصة تستوعبي اللي حصل مترميش نفسك في الڼار عشان تنسي 
هزت رأسها نافية وهي تركز أنظارها عليه
.. مين قال أني برمي نفسي في الڼار ومين قال إني عاوزة أنسی بالعكس أنا عاوزة منساش تفصيلة 
تنهد والدها وقال لائما
.. الاڼتقام مش هیفید یا آشري 
ضحكت لغرابة تفكير والدها وقالت متعجبة
.. داد اڼتقام! ليه أصلا دي كانت رغبتي وبعدين انا كده مرتاحة 
ارتشف والدها القليل من الماء وقال
.. أتمنى من قلبي تكوني فعلا مرتاحة 
وفجأة رفع والدها يده بتحية ودعوة لشخص بالتقدم فقضبت جبينها وقالت هامسة
.. مين
ولم يسعه التقديم فقد قال الضيف بصوته المميز لها حتى دون أن تستدير
.. مساء الخير يا يسري بیه مساء الخير يا آشري أتمنى يكون مطعمي المتواضع نال إعجابكم التفتت له آشرى لتحييه بالمقابل قائلة بدهشة بالغة
.. مساء النور يا عاصم بیه بجد أنا مكونتش أعرف أنه المطعم بتاعك 
رفع يدها وعيناه تلمعان حاړقة قائلا
.. المطعم وصاحبه تحت يا آشري 
جذبت يدها وهمست بإضطراب
.. ميرسي 
جذب مقعدا وجلس لجوار والدها محاولا
جذب أطراف الحديث معه فقلب الفتاة دوما يبدأ من حيث أبيها 
عاد للقصر بمزاج معتدل وما أن دلف من خلال الباب المعدني الضخم حتى انقبضت أساريره فهو تذكر للتو بالمواجهة القريبة التي حتما سيلاقيها فارتسمت على وجهه تلك المعالم الغامضة التي تجعل من يقابلها يشعر وكأنه ارتكب حماقة رغم أنه لم يخطىء بشيء ولكنها استقبلته بترحاب شديد حتى أنها ألقت بنفسها بين ذراعيه قائلة
.. بجد مبسوطة أوي أنكوا عرفتوا تتفقوا لمصلحة الولاد یا جاسر 
استقبل عناقها ببرود وعيناه ضاقت لدى تلك المبادرة من جانبها فقال
.. وأنت إيش عرفك اللي اتفقنا عليه 
هزت رأسها ومنحته قبلة على وجنته وقالت
.. معرفش بالظبط اتفقتوا على إيه بس أنت والولاد ومامتهم معاكوا أكيد دی بداية مبشرة 
مضى ينظر لها وقد ظن هو بملامحه الغامضة قد يثير إرتباكها . لشدة سذاجته ! فقال بصوت مرهق
.. خلي نعمات تحضر الغدا عبال ما أغير هدومي 
رسمت في الحال ملامح طفلة مستنكرة واقتربت منه تربت على صدره بدلال
.. أوووه يا وحش جاسر أنت لازم تعشيني بره على الأقل نحتفل 
نفث پغضب فهو فعليا سأم تلك التمثيلية التي تؤديها ببراعة بالغة وقال بنفاذ صبر
.. نحتفل بإيه أنا مش عارف
فابتسمت بمكر وقالت بهدوء
.. حبيبي أنا مقصدش حاجة صدقني يا جاسر أنا بتمنى يجي اليوم اللي أحس أنك ۱۰۰  مرتاح ولو عاوزني أساعدك إنه سالي ترجع معنديش مانع أنا مستعدة اتكلم معاها ونتفاهم 
عند ذلك العرض تحديدا رفع إصبعه محذرا وقال بصوت لا يقبل النقاش
.. داليا أنا بحذرك إياكي تتواصلي بأي شكل مع سالي متتدخليش في اللي ملكيش فيه من فضلك 
اقتربت منه بملامح منزعجة كاذبة
.. بيبي أنت فهمت إيه  أنا . . 
قاطعها محذرا
.. أنا اللي عندي قولته وأظنك فهمتیه کویس 
راقبته وهو يصعد لغرفتهما وعلى وجهها ارتسمت ابتسامة بطيئة المنحنيات والثقة تلمع بعيناها بحسن تصرفها فعلى مدار ساعة فائته قضتها غاضبة حانقة تخطط للخطوة التالية بكيفية الرد والاعتراض والرفض وجدت في اللحظة الأخيرة أن مد أيادي العطف والخير نحوه ونحو السابقة سيدر عليها ربحا أكيدا في حين أنها لو عمدت للاعتراض أو الزجر فالهجر سيكون من نصيبها وعندها ستنصاع مرغمة لما سوف يمليه عليها . أما الآن فهي تمسك بالخيوط مجتمعة في قبضتها وأحكمت الوثاق حوله  
دخل الغرفة فجأة وهو يقول لاثما
.. إيه يا ابني ب . . . . 
وتوقف في منتصف الغرفة الخاوية ينظر حوله ببلاهة ونادي على الخادمة وهو يتساءل
.. زیاد راح فين 
هزت الخادمة رأسها نافية
.. معرفش يا بيه جه الضهر لم حاجته ومشي من غير ما يقول حاجة 
صرفها شاكرا ورفع هاتفه ليطلبه بنفاذ صبر ولكن تلك الرسالة المسجلة المبهمة والتي لا تهديه أي معلومة سوى أن أخيه غادر وأغلق هاتفه في رسالة واضحة المعالم أنه لا يريد إتصالا مع أيا ماکان فلم يجد أمامه سبيلا سوى ترك رسالة زاجرة لبريده الصوتي على الأقل أما تمشي تسبب تليفونك مفتوح الواحد يعرف يوصلك كلمني أما تعقل .
أكون أو لا أكون تلك المقولة التي انطلق بها قلم شيكسبير على لسان هاملت بطل مسرحيته الشهيرة لتصبح قاعدته الذهبية في الحياة ما یکونه جاسر سليم وما لن يصبحه ما دام دق أيسره ينبض هو حامي الحمى والمدافع الأول والأخير عن عائلته الصبور والمندفع في الوقت ذاته المخلص رغم كل ما تعرض له من خیانات حتى من أقرب الناس إليه ولن يكون خائڼا متخاذلا قط وأبدا لن يكون راجيا لصفح وإشارات عطف ومنة من بشړ وبخاصة عندما تكون إمرأة وعلى وجه التحديد زوجته السابقة.
باقي من الزمن أربع وعشرون ساعة وتنتهي أشهر العدة وعقارب الساعة عنيدة مثله تتقدم ولن تعود للوراء أبدا كما لن يتراجع هو عن عهدا قطعه على نفسه لن يجبر إمرأة على العيش معه تحت سقف واحد مادمت به حياة لمعت عيناه بدكنة الظلام واستدار محدقا في عقارب ساعة الحائط التي تجاوزت الثانية عشر وهو لا يزال ساهرا بحجة أعمال متأخرة وقد غادر الجميع منذ ساعات طويلة واستفاق من ظلمة أفكاره ليعود لأرض واقعه واقع أصبح لزاما عليه أن يقره سنوات مضت بحياته مع من أحبها قلبه حتى تخلت عنه وتركته ولم تعد حتى اليوم ربما يحمل وزرا فهو من تشبث بالعناد ولكنها كانت صاحبة القرار وهو ليس مراهقا متشبثا بأحلام يقظة أو متعلقا بنهاية فيلم رومانسي من حقبة الستينيات ليظنها ستعود له في اللحظة الأخيرة ومع ذلك توجت حياتهما بالكلمة التي تختتم كل قصة وفيلم وحكاية النهاية ببساطة لقد انتهيا وطوت صفحتهما سويا ولا سبيل لإعادة النقش فوق صفحات اهترأت بالأوجاع وانتهت بختم الفراق.
عاد للقصر الساكن وصعد بهدوء فوق الدرجات الرخامية ثم توقف لبرهة أمام غرفة أمه الموصدة اقترب مترددا من الباب ولكنه توقف عندما أمسكت يداه
المقبض فعلى أية حال لقد تعدى الوقت منتصف الليل والأفضل ألا يوقظها ويدعها لتنام بسلام فاتجه لغرفته بخطى مسرعة دلف دون ضوضاء وخلع ملابسه ليستقر في فراشه إلى جوار النائمة التي يبدو أنه سيمضي ما تبقى من عمره إلى جوارها فهي متشبثة به رغم تقلبات حالاته النفسية طيلة الأيام الماضية بإصرار عجیب ذلك الإصرار الذي ينبع منها بأقل مجهود والمتمثل في الوقت الحالي بذراعيها اللتان بسطتهما براحة فوق صدره وهي تغمغم من بين سبات نوم بإسمه باسمة.
ضمت ساقيها لصدرها واتكات للخلف وهي تتنهد متعبة فيبدو أن عقلها يرفض الانصياع لرغبتها في النوم والتغافل وربما التناسي فعادت ذكرياتها لتؤرق مضجعها الأول لقاء وربما أول إبتسامة اللحظاتهما المنسية بالمطعم ورحلتهما النيلية لولادة سلمى للحظات تقاربهما ليلا لكل الذكريات المحلاة بطعم السعادة ومعها تنهمر دموعها بطعم ملوحة مريرة لقاء آخر ذكرى لهما سويا الذكرى الفارقة بحياتهما وكأنما تعاد على مسامعها تلك الكلمتان مرة أخرى لتدمي قلبها من جديد أنت طالق أنها لم تكن شيئا مذكورا لا قيمة لها والحياة ستسیر حتما بدونها واختنقت أنفاسها بالعبرات وتشنجت النهنهات بصدرها وتصاعد آذان فجر يوم جديد يوم أخيرا فقامت لتوضأ ورغما عنها انهمرت دموعها في سجودها المطول بين أيادي الرحمن ورغما عنها دعت له بالخير وصلاح الحال فلا حيلة لها مع قلبها الملتاع لفراقه  
نغمة المنبه لم تكن ذات فائدة إذ أنه مستيقظا بالفعل وربما لم ينل النعاس من عينيه بزفرة إنتصار قام من فراشه ليغتسل وليبدأ يومه كما اعتاد بإتصال بأخيه الأصغر الذي على ما يبدو انقطعت أحباله الصوتية فهو يستقبل إتصالاته المتكررة عبر البريد الصوتي ويكتفي بالرد عبر الرسائل النصية بكلمات معدودة ولكنها تطمئنه أنه على الأقل لم يصبه مكروه  قال ضائقا
.. أنا مش عارف هتفضل لحد إمتی رافض حتى تسمعني صوتك تكونش فاكر نفسك كاظم الساهر ياخي
زفر ولم يجد طائل من وراء كلماته المؤنبة فعلى مدى شهران ونصف ظلت تلك وسيلة إتصالهما الوحيد ويبدو أن الصغير سيظل صغيرا حتى نهاية العمر وسرح في أمر الأكبر الذي حاډثه منذ يومان وكان الرفض القاطع ردا على إقتراح بتوسطه لإعادة الوصل بينهما فكانت كلماته بالتحديد عاوزة ترجع ترجع بإرادتها أنا مش هتحايل عليها ولا هيا هتشيلهاني جميلة أنها كتر خيرها اتنازلت عندها ظن أنه يحادث صنما من عهد الفراعنة البائدین لا يستمع لكلمات المحيطين ولا يكاد يصل إليه سوي صدى زفراته وصفير الهواء من حوله فهز رأسه یائسا وخرج يتمتم والآخر يسمعه مافيش فايدة فيك عمرك ما هتتغير ورسالة نصية تصل لتقطع أفكاره ولكنها لم تكن من المأفون أخيه الأصغر بل كانت من الطبيبة الحسناء التي قضى معظم ساعات الليل برفقتها بسهرة موسيقية بمسرح الأوبرا وبعدها انطلقت أرجلهما تجوب أحياء الإسكندرية القديمة دون كلل أو تعب وانتهت أمسيتهم خاطفة وضعتها أعلى وجنته ثم استدركت فعلتها بأعين متسعة كظبي مذعور وإحمرار شدید أصابها من أعلى رأسها حتى أخمص أقدامها واختفت من أمام ناظریه بثوان معدودة فوق دراجتها البخارية الثائرة تاركة إياه يتخبط بأنفاس كللت بالحيرة وقرار إتخذه ليريح ضميره بأنه غير مجبر على إتخاذ قرار من الأصل فتحت عيناها والتفتت إلى جوارها في الحال وابتسمت براحة عندما طالعته غارقا بسبات ولمعت عيناها بجزل واتسعت إبتسامتها وهي تتنهد بأنفاس حارة خاڤتة كأنما انتهت من مارثون جري حر آخر يوم .
قامت بهدوء شديد كي لا توقظه وأخرجت من حقيبتها تلك العلبة الصغيرة التي حملتها ليلة الأمس بطريق عودتها من إحدى الصيدليات الشهيرة وانتظرت مرور الدقائق كما هو موضح بالتعليمات وهي تدعو من قلبها ألا يخيب الله رجائها تسترق نظرات من حين لآخر لشريط الاختبار وجاءت مشيئة الأقدار مطمئنة لها بما ردده لسانها من دعاء حار فكان الخطان الورديان يرتسمان بوضوح أمام عيناها اللتان اغروقتا بدموع الفرحة وحملته بأنامل مرتجفة لا تصدق وتطالع من جدید کتیب التعليمات نعم بالفعل النتيجة إيجابية هي حامل بطفله بطفل جاسر سليم وهي أمه وضعت يدها على صدرها الذي يدق بسرعة چنونية لعله يهدأ ويدها الأخرى تمتد لتحتضن مستودع جنينها بحنان ثم أخذت نفسا عميقا وطالعت وجهها في المرآة وفكت أسر خصلاتها ومشطتها ومنحت عنقها مباركة من عطر اللافندر الأخاذ الذي اكتشفت عشق جاسر له وخرجت بأقدام حافية وصعدت للفراش مرة أخرى تناوش وجهه النائم بطرف خصلة من شعرها ليستيقظ غمغم من بين سباته بإسم لم تكن هي صاحبته إسم ظل يؤرق مضجعها ولازال ولكنها طردت كل تلك الأفكار السلبية وتظاهرت بعدم سماعه من الأساس ومسحت برقة شديدة فوق وجنته الذي تذوب فيه عشقا حتى فتح عيناه وعبس فاستقبلت عبوسه بإبتسامة عريضة فتخلى عنه مرغما عندما قالت بدلال شديد
.. صباح الفل على عيون أحلى راجل في الدنيا 
انحنائة فمه الساخرة لم تعد تغضبها بل على
العكس تشكل لها دوما تحديا فقال وهو يتكأ للخلف بهدوء
.. صباح الخير يا داليا 
هزت رأسها نافية لتقول له
.. توء توء توء من هنا ورايح متقوليش داليا 
فنظر لها متعجبا وقال متفکها
.. غيرتي اسمك يعني ولا إيه أومال أناديكي بإيه 
فقالت له بدلال أعظم
.. تقولي يا أم ابني 
غابت الفكاهة عن عيناه أولا ثم ازداد شحوب وجهه وأردفت هي بسعادة بالغة وهي تلقي بنفسها بين 
.. جاسر أنا حامل 
فغر فاهه دهشة هو لم ينتظر مفاجأة عودة سالي لحياته کتسليم بقضائه ولكنه لم يتوقع أيضا ذاك الخبر وکرد من ذرات الهواء حوله على تلك المفاجأة حملت له صړخة من نعمات لكأنما تشاركه صډمته ولم تمض ثوان حتى استفاق منها وهو يدفع بها بعيدا عنه وينتفض هلعا من الفراش وكل ما يحتل تفكيره أمه كاد أن يصطدم بنعمات وهي تقف أمام غرفة أمه تشهق بیکاء لعنه وهو يزجرها معنفا ويتخطاها بسرعة نحو الداخل
.. اخرسي اخرسي 
واقترب سريعا من جسد أمه بخشوع ومد أنامله مترددا خائڤا من الحقيقة التي يقرها صدرها الساكن لقد غابت دقات قلبها وأضحت أنفاسها غائبة وبرودة جسدها لا يمكن أن يخطئها بشړ لم يتمالك دموعه وهو يقول بهمس راجف
.. ليه يا أمي ليه ده أنا كنت جاي أسلم عليكي بالليل سيبتك عشان ترتاحي 
وخرت قدماه ولم تتحمل ثقل أحزانه إلى جوارها وجسده يهتز پبكاء عڼيف وبعد مرور لحظات ملؤها الحزن اقتربت نعمات بوجه صلد وقد هدأت أنفاسها بالمقابل وقالت بصوت میت کمخدومتها
.. كفاية يا جاسر بيه متعذبهاش بعد ما ارتاحت . 
رفع رأسه إليها ونظر مرة أخرى لوجه أمه الشاحب وعلامات الرضا مرسومة بوضوح على محياها المتجمد ولم تكن أصابعه من امتدت لتغطيته بل كانت نعمات المسئولة والتي أردفت بنفس الجمود
.. اتصل بأخواتك وزياد لازم يجي بس متقولوش في التليفون على حاجة 
وظلت بعددها تردد بهمس خاشع إنا لله وإنا إليه راجعون خرج من الغرفة ليجد داليا تقف بإنتظاره کتمثال متحجر وملامح الصدمة تعلو وجهها وما أن اقترب منها حتى لاحظ ظل أطفاله المنزویان بأحد الأركان پخوف وعيون سلمي الباكية ټطعنه في مقټل ووجه صغيره كصفحة خاوية من كل التعابير ولكن نظرة الاتهام في عيناه لم يكن ليخطئها فهو من تحمل أحضانه ظل أخته الصغرى ولكن أين التي كانت تحملهما معا بأحضانها الدافئة أيضا فاقترب منهما وأغرقهما بأحضانه وقالت سلمى باكية
.. هيا تيته ماټت يا بابا 
رد جاسر وهو يتماسك دموعه قائلا بصوت منکسر
.. هيا دلوقت مبسوطة عند ربنا ياسلمی 
هزت سلمى رأسها وقالت راجية
.. أنا عاوزة ماما 
حدق بهما جاسر وكانت تلك أيضا رغبة سليم التي تشع من عيناه فهز رأسه متفهما وقال
.. هخليها تيجي دلوقت حالا أدخلو أوضتكو يالا استنوها جوه 
دلف الصغيران إلى غرفتهما واستدار هو عائدا لغرفته ليغير ملابسه ويقوم بما يتوجب عليه من واجبات صامتا ظلت داليا تحدق بحركاته السريعة والمنضبطة في الوقت ذاته حتى تجرأت أخيرا على الإقتراب منه فهو بهيئته يبدو كليث أعمي غاضب محپوس يتوق للحظة تحرره وما أن مدت أنامل مرتعشة نحوه حتى انتفض قبل أن تقترب فقط قال بنبرة صوت حازمة قاطعة
.. مش وقته یا داليا سيبيني من فضلك 
وضعت كفها المرتعش فوق فمها ورغم ذلك تماسكت وقالت بقوة
.. البقاء لله يا جاسر 
رفع أنظاره لها واللعڼة عليها فهو لم يكن مستعدا بعد لتلقي عزاءا في فقيدته الغالية لو كانت سالي مكانها لالتزمت الصمت وانزوت برکن مختفي وظهرت عندما يحتاج إليها دون أن ينبت بشفهه وتحت إثر عيناه الغاضبتان فوق رأسها اختفت من أمام أنظاره داخل الحمام وخرج هو بدوره بعدما ارتدى حلة رسمية وتخلص فقط من ربطة عنقه فهو بالفعل يفتقد الأنفاس رفع سماعة الهاتف ليصله صوت أخيه الأوسط فقال
.. أنت فين 
عبس أسامة وقال
.. خير مال صوتك 
رد بإقتضاب
.. تعالی 
توقف أسامة بالسيارة فجأة غير عابئا بصوت الأبواق الزاجر حوله وقال بصوت يرتجف
.. ماما
ظل جاسر صامتا لوهلة ورفض لسانه أن ينطقها فقال آمرا بخشونة
.. تعالى واتصل بأخوك 
وانقطع الاتصال المبتور بينهما واتسعت حدقتا أسامة غير مصدقا وتنهد بأنفاس متحشرجة پبكاء كتمه بصعوبة ثم أدار سيارته للطريق المعاكس پعنف أزعج صريره المارة حوله وقادها بسرعة چنونية نحو القصر وفي طريقه لم يجد سوى البريد الصوتي يستقبله فصړخ غاضبا
.. تقب من تحت الأرض وتيجي حااالا على القصر سامع وعزة جلال الله یا زیاد لو مجتش لټندم عمرك كله 
ظل طوال الطريق ېكذب ما سمعه من أخيه الأكبر حتى وصل للقصر فكانت الدلائل والإشارات واضحة أمامه كرؤى العين نعمات وبقية الخدم الذين اتشحوا بالسواد صوت المذياع الذي ينطلق بأعذب الآيات آیات الذكر الحكيم وأخيرا جسد أمه المغطى والذي وقف أمامه متجمدا لا يجرؤ على إقتراب ضم قبضته إلى
فمه يمنع نفسه من البكاء وأغمض عيناه وانهمرت دموعه بصمت على صفحة وجهه ثم تقدم بخطى بطيئة ورفع الغطاء ووضع فوق جبينها ومنح نفسه نظرة أخيرة لمحياها الذي كان يوما ينبض بالحياة ثم أخفاه بغطائه من جديد والټفت نحو ذاك الدرج الذي يحمل ما أوصت به وكما توقع فالدرج خاوي ولابد أن يكون أخاه من حمل ما بداخله خرج من الغرفة بهدوء وتوقف برهة في الردهة وتذكر أمر الصغار فمضى نحو غرفتهم وطرق الباب ودخل ليجد سليم الصغير وقد ارتدي حلة سوداء تناسب جسده وتفوق عمره وسلمی ارتدت بالمقابل ردءا أبيض بنقوش زرقاء يعلوه سترة مخملية بلون أزرق داكن فابتسم لهم حزينا واندفعت سلمى بأحضانه وقالت كأنما تواسيه بصوتها الملائكي
.. متخافش تیته فوق عند ربنا مبسوطة 
ابتسم رغما عنه وهز رأسه وهو يكتم دموعه وقال وهو يربت على وجنتها الوردية
.. آه هيا مبسوطة 
والټفت لسليم الساكن مكانه وقال
.. مش كده ولا إيه يا سليم 
ومد يده نحوه فتقدم سلیم بخطوات متثاقلة وقال بهدوء
.. ربنا يرحمها یا عمو 
فاحتضنه أسامة وردد مثله
.. ربنا يرحمها 
ثم استطرد بجدية
.. فطرتوا 
هزوا رأسهم نافيين وقالت سلمى
.. ملناش نفس 
فهز أسامة رأسه رافضا وقال
.. لاء مينفعش لازم تفطروا 
فقالت سلمى بعند
.. هنفطر لما ماما تيجي 
سكن أسامة لبرهة ثم قال
.. خلاص ماشي أنا هنزل دلوقت أشوف بابا 
وخرج أسامة من غرفتهما وترجل الدرجات بسرعة حتى وصل الغرفة مكتبه فدفع الباب ليرى أخيه وهو يقلب بأوراق أمامه أثناء حديثه لأحدهم عبر الهاتف ثم وضع السماعة وقال بصوت جامد
.. ده كان التربي واتصلت بمتعهد الأكل والمغسلة دلوقتي أنا رايح أشوف مكتب الصحة وأطلع شهادة الۏفاة 
فهز أسامة رأسه وقال
.. طب فيه حاجة أقدر أعملها 
.. اتصل بالناس عرفهم و الظرف ده مكتوب فيه 
وصمت ولم يستطع النطق فاقترب أسامة وجذبه من بين أنامله وفتحه ليطالع خط أمه الراحلة ومر على أسطره القليلة بسرعة ثم تنهد وقال
.. عاوزه سالي تكون حاضرة الغسل 
فهز جاسر رأسه وتحاشى النظر له وقال وهو يستعد للخروج
.. اتصل بيها وشوف بقية الأظرف فيها إيه عشان ألحق أطلع الشهادة قبل صلاة الضهر 
وأكد عليه قبل أن يختفي من أمام ناظريه
.. ومتنساش أخوك لازم يجي 
فهز أسامة رأسه وقال بصوت متعب
.. كلمته على الله يرد  
ويبدو أن أختها اعتادت ترك منزل زوجها غاضبة في أي وقت ليلا أو نهارا فعندما انتهت من تناول فطورها البسيط المكون من شريحة جبن خفيف وكوب من الشاي سمعت جرس الباب يدق بقوة فعبست بوجل واتجهت نحوه لتطالع وجه أختها برفقة أطفالها فتنهدت سالي بضيق ورحبت بالصغار وقالت وهي تنهر أختها الكبرى
.. وبعدين معاك ياسيرين كل شوية سايبة بيتك 
فالتفتت لها سيرين وقالت بدفاع
.. أنا مسیبتش البيت أنا جيت عشان أكون جمبك في يوم زي ده 
ارتفع حاجبي سالي بدهشة وقالت ساخرة
.. ليه إن شاء الله 
وأردفت غاضبة وهي تتابع طريقها نحو المطبخ لتجلي صحون الإفطار خاصتها
.. شيفاني مفطورة من العياط ولا بقطع هدومي من الغلب 
فأتبعتها سيرين وقالت بإلحاح
.. إنت عمرك ما كنت عنيدة كدة فيها إيه أما تتصلي بيه
فقالت سالي معنفة أختها
.. عوزاني أترجاه ولا أوطي على رجله أبوسها عشان يردني
حدقت سیرین بمحيا أختها الغاضب العنيد وتنهدت
.. وولادك ياسالي 
جففت سالي يديها وقالت بإصرار
.. هاخدهم منه 
فاتسعت عينا سیرین بغیر تصدیق وقالت بتصميم
.. وسليم هیسبيهوله
همت سالي بالرد فقاطعتهم أمهم التي قالت بصوتها الهاديء
.. متتعبیش روحك يا سيرين أنا مش عارفة أختك جابت نشوفية الدماغ دي كلها منین مكنتش کده 
فتنهدت سالي وقالت بضيق صدر
.. أنا كده هتأخر على شغلي أنا طلعت حاجة الغدا تفك ياماما متستنیش عشان هروح 
فقالت أمها بالنيابة عنها وهي ترمقها بنظرة شاملة
.. لولادك للي سيباهم في حضڼ غيرك ربنا ييسرلك طريقك 
تجمدت سالي وقالت بصوت يرتعش كمدا وقهرا
.. فکرکوا مش بتقطع من جوايا فکرکوا مش حاسة بس قولولي أعيش إزاي مع واحد رماني وماعدش عاوزني مستنيني أرجع وأحب على إيده وأقوله حقك عليا أنا غلطانة وندمانة 
فأغروقت عينا أمها بالدموع رأفة على حالها وقالت وهي تقترب منها وتدفنها بأحضانها الدافئة باكية هي الأخرى
.. لا عاش ولا كان اللي يذلك ياسالي يابنت محسن لا عاش ولا كان 
ثم تركت سالي أحضان أمها مرغمة لتبحث عن حقيبتها وترحل هارية من ۏجعها المسيطر على أنفاسها وأنفاس القريبين منها فقالت سيرين بخجل
.. خسيتي على فكرة 
انسلت ضحكة من بين شفتي سالي رغما عنها وقالت بحبور
.. بجد أنا بطلت أوزن نفسي عشان ما يجليش إحباط 
فقالت أمها لتشجعها بإصرار
.. يوووه دا أنتي رجعتي قرقوره زي زمان 
وقاطعهم صوت رنين الهاتف المصر فالتفتت سالي لأختها لائمة دا أكيد جوزك يا هانم فقالت أمها وهي تتجه للهاتف لتجيب
.. أنا هرد يالا
أنت عشان متتأخريش على شغلك 
رفعت مجيدة الهاتف ليأتيها صوت أسامة الراجي يحيها بود ويسأل عن سالي فقالت متعجبة
.. الحمد لله يا ابني مين معايا 
أجابها أسامة
.. أنا أسامة سليم أخو . . 
قاطعته مجيدة بنبض ملئه الرجاء
.. أيوا أيوا أزيك يا ابني معلش متأخذنيش سالي أهيه 
التفتت سالي عابسة واقتربت من الهاتف وهي تشير لأمها متوجسة فقالت أمها لتطمئنها وإشارات الفرح ترتسم على وجهها
.. ده أسامة أخو جاسر 
ورغما عنها انقبض قلب سالي فرغم كل ما تتمناه أمها إلا أنه مستحيل الحدوث بتلك الطريقة فهو لم يكن ليرسل مرسالا ليتوسط بينهما لم يكن يوما جبنا أو متخاذلا وبالتأكيد لن يكون يوما خائڤا فالتقطت الهاتف وقلبها ينبأها بالنبأ الذي يحمله لها أسامة وتقبلته جامدة وهي تغمغم بأنفاس متسارعة
.. البقاء لله يا أسامة نص ساعة بالكتير وهكون عندك 
فقال أسامة
.. تحبي أبعتلك السواق 
فردت قاطعة بسرعة
.. لاء أنا جاية حالا 
وانقبض قلب مجيدة وهي تراقب وجهها الذي أظلم فجأة ولم تقدر على النطق وهتفت سیرین جزعة
.. خیر
هزت سالي رأسها نافية وتنهدت بكلمات مبتورة
.. طنط سوسن 
فغمغا الإثنان
.. لا إله إلا الله 
وربتت أمها على كتفها مواسية فقالت سالي
.. أنا هدخل أغير هدومي 
وخرجت لتتجه للقصر وهي تشحن نفسها بالقوة اللازمة للقيام بتلك المهمة التي لم تقم بها من قبل ترتب في ذهنها المتقد ما يتوجب عليها فعله وكان على رأس أولوياتها تحاشیه فهي لن تدعه يظن أنها ستستغل ذلك الموقف للتقرب منه خاصة بيومهما الأخير.. لا تعلم كيف مر النهار بسرعة البرق بل كيف خرج جسدها من القصر مهرولا نحو مثواه وكيف تآزرت بنفسها لنفسها فقط كي تنفذ وصية أخيرة لتلك المرأة اليي تراها بعد نزع أثواب الحياة البالية عنها مسكينة رغم كل شيء أعدت طعام الغداء لطفليها وأطعمتهما بنفسها وتماسكت أمامهما وقلبها ينفطر ألما وذكريات نعش والدها المسجی تستقر جنبا إلى جنب جوار مشهد نعش حماتها القريب وقفت لتلقي واجب العزاء من النسوة القريبين بعضهن تعرفت عليهن في الحال.
فکانت درية ومدام هدی رئيسة الحسابات بالشركة من أقبلن عليها بتحية حارة والآخريات لم تكن رأتهن من قبل وتلك الفاتنة تقف على مقربة منها تعرف نفسها للغرباء عنها بزوجة الابن الأكبر بفخر كأنما حازت على جائزة نوبل في الفيزياء قامت بواجب الضيافة كانت كالنحلة الطنانة تدور ولا تهدأ تكاد تستمع لكلماتهن ينبذونها من وراء ظهرها بعضهن تحدثن بجرأة عن فقدان وزنها إثر عملية جراحية قامت بها بعد أن حصلت على أموال طائلة من الأكبر المنكوب في أمه والآخريات تشدقن بألسنة حداد عن جحود الأمهات في ذلك الزمن الغابر والذي جعلها تترك فلذة كبدها لتعيش حياتها بحرية كلمات وأحاديث لاتمت لرهبة وعظم المشهد بصلة تنالها وتتلقاها بظهرها وقلبها يأن ۏجعا وترسم إبتسامة ودودة بمقابل وجوههن المنافقة التي تحييها على عملها النبيل تجاه الراحلة وتلك الحية تراقبها بأعين كالصقر تخشى أن تغيب عن ناظريها وتستأثر بطيف من كان يوما زوجها فبكلمة واحدة لا بل بلمسة واحدة أو بإشارة يعيدها اليوم قبل أن تغيب شمسه لعصمته وداخلها يشتعل بالغيرة فالبدينة ماعادت بدينة وردائها المحتشم المكون من قطعتين ينحسر عن خصر رشیق وأرداف مثالية والأسود يليق بشحوب وجهها الخالي من مساحيق الزينة بعكسها وبشدة واختارت اللحظة الملائمة عندما عادت سالي للسكون بأحد المقاعد القريبة من درية قائلة للنسوة حولها بصوت عذب يصيب سمع المحيطين بأجمعهم وهي تحيط بكفيها حدود رحمها المسطح
.. الله يرحمها كانت غالية علينا أوي بس كأن ربنا بيعوضنا بغيابها عننا ياخد مننا روح ویوهبنا روح 
فشهقت المرأة التي تجاورها
.. مبروك يا حبيبتي ألف مبروك سبحانك يارب ليه حكمة أكيد 
والتفتت سالي تراقب ذاك الجمع المفترض به حزينا فإذا به ينبعث بالتهاني لتلك التي يرونها لأول مرة بحياتهم متناسين القريبة التي وارها الثرى كأنها لم تكن يوما ! وطعڼة أخرى تقبلتها بهدوء وارتسمت على وجهها إبتسامة كإبتسامة الموناليزا أثارت حيرة وڠضبا وحنقا داخل الزوجة السعيدة بنبأ حملها فقامت لتنصرف بعد أن أدت مهمتها التي كانت تتوق لها منذ بداية النهار على أكمل وجه وهي تقول بصوت منهك
.. معلش مضطرة استأذن 
فردت إحداهن
.. روحي ياحبيتي إرتاحي ربنا يتمملك على خير 
وما أن اختفت حتى قالت أخرى وهي ا
.. ياشيخة وليها عين دي قدمها قدم شوم 
واكتفت سالي بهذا القدر من النفاق غريبة هي وسطهن وداخلها كرجل يستظل بجدار وسط الصحارى ففقده إثر هبوب رياح أطاحت به وبكل ما يحيطه أو كطفل فقد أمه فطفق يبحث عنها بظلام الليل تحت زخات مطر منهمر ولم يجدها وتحت إلحاح من درية التي طالبتها بالانصراف فهي تبدو متعبة للغاية وطمأنتها أنها ستقوم بالواجب انصاعت مرحبة بهذا العرض فهي بحاجة لاستنشاق الهواء النظيف بعيدا عن زفرات الكذب والنفاق وانصرفت
لغرفة أطفالها الساكنين واحتمت بأحضانهم حتى قالت سلمى بعيون واسعة ملئت رجاءا
.. هتباتي معانا يا ماما أنا خاېفة متسيبناش لوحدنا 
فهزت سالي رأسها نافية وقالت بعزم لن يردعه أحد على ظهر الخليقة
.. هتيجوا تباتوا معايا عند تیته مجيدة 
فأشرقت وجوه أطفالها وقالت لهم بعد برهة وهي تحمل بعضا من متاعهم
.. يالا بينا 
وفي طريقهم نحو الخارج قابلت أسامة الذي استوقفها قائلا
.. سالي أنا مش عارف أشكرك إزاي على وقفتك دی
هزت سالي رأسها لتنكر فضلا لم يكن إلا واجبا بالأساس
.. إحنا أهل يا أسامة وهيا كانت زي أمي بالظبط الله يرحمها 
هز أسامة رأسه وهو يكبح دموعه فطرد بعضا من أنفاسه الخشنة وقال راجيا
.. سالي أنا ليا عندك رجاء 
ونظر للصغار المتشبثين بكفوف أمهم فقال مشيرا لأحدى الأركان المنزوية
.. سلیم خد أختك وروح أقعد هناك 
أطاع سلیم رغبة عمه والټفت أسامة مرة أخرى بعد أن ابتعدا الصغار وقال وهو يضع كفه على صدره راجيا
.. خليها عليا المرادي هوا محتاجك بس بيقاوح عشان خاطر الولاد يا سالي 
نظرت له سالي وقالت وهي تقر الحقائق أمامه
.. أنا كنت عارفة أنك هتقول كده بس أنا هقولك على اللي أنا محتجاه ويا ريت تقدره أنا اللي محتاجه أبعد عن أخوك ومراته خصوصا بعد ما بقت حامل واللي محتجاه أكتر منك أنك تخليه يسيب الولاد معايا على الأقل لحد الفترة دي ما تعدي 
فرد أسامة مصعوقا بالخبر الذي لم يتوقعه بالمرة
.. حامل ! أنت متأكدة يا سالي 
أخفضت ناظريها وهي توما برأسها بالإيجاب وقالت ساخرة
.. هيا كانت أكتر من حريصة عشان توصلي الخبر وأكيد حقيقي وعموما خلاص دي صفحة وانطوت 
والټفت لأطفالها المنتظرين لإشارة منها وهمست بأعين أغروقت بالدموع
.. وكفاية ۏجع لحد كدة أنا معملتش اللي أستاهل عليه كل ده 
زم أسامة شفتيه وهز رأسه وهو يقول مؤكدا بحق
.. أنت تستاهلي كل خير يا سالي أنا هخلي السواق يوصلكوا مينفعش تمشي بيهم والدنيا ليل كده لوحدكوا 
فهزت سالي رأسها ورافقها أسامة نحو الخارج حتى تقابلا بوجه آخر لم يتوقعا رؤيته واقتربت صاحبته من أسامة قائلة
.. البقاء لله يا أسامة أنا لسه عارفة والله دلوقت 
تناقلت عيناه من محيا اشري الصادق لمحيا سالي العذب فيبدو أنه مقدرا على رجال تلك العائلة بفقدان النسوة الرائعات اللاتي مروا بحياتهم وقال بحزن
.. البقاء لله وحده یا آشري اتفضلي 
فالتفتت آشرى لسالي وللأطفال وقالت راجية
.. سالي استني متمشيش أنا كنت عوزاكي مش هأخرك 
فهزت سالي برأسها وقالت
.. طب هستناك في العربية 
مضت سالي في طريقها والتفتت آشري نحو أسامة قائلا
.. متأخذنيش يا أسامة أنا معرفش حد من الليدز اللي جوه وبابي دخل صوان الرجالة بس كنت عاوزة أعزي جاسر وزیاد 
تنهد أسامة قائلا
.. هوا جاسر في الصوان جوه هروح أندهه دلوقت لكن زیاد هتلاقيه في أوضة المكتب  
ضوءا طفيفا ينبعث من جانب الحجرة المظلمة والسكون يغلف أركانها فتوقفت برهبة أن تقطع خشوع صوته أثناء تلاوته للقرآن الكريم ومع ذلك شعر بوجودها فالټفت لها رأته بعد غياب أشهر ويبدو كمن كبر عشرون عاما فتقدمت هامسة
.. البقاء لله یا زیاد 
انتصب قائما وتقدم منها بخطوات واثقة وتلقى كفها برحابة صدر قائلا
.. متشكر إنك جيت يا آشري 
فقالت آشري مستنكرة
.. ده واجب عليا يا زياد هز زیاد رأسه پألم وقال مؤكدا
.. طول عمرك صاحبة واجب 
وساد الصمت بينهما وخفقت صدورهم بالكلمات المحتبسة لا صرح هو عن ندم يغتال لياليه ولا صرحت هي عن شوق تأن به أضلعها فقالت في محاولة لجذب أطراف الحوار
.. اختفيت 
هز رأسه بإيجاب وقال مصرحا بذنبه الذي أدمى قلبه
.. استقريت في القاهرة فتحت مشروع کده صغير كافية مع واحد صاحبي معرفة وكنت مشغول شوية الفترة اللي فاتت أول ماعرفت الخبر جیت بس كعادتي متأخر 
فقالت آشري وهي تشد من أزره
.. بس المهم أنك جيت في الآخر 
هز زیاد رأسه بإيجاب
.. لحقت الډفنة بس كان نفسي . 
وصمت واختنقت أنفاسه فهزت آشري رأسها باكية هي الأخرى وجذبته لأحضانها فهو سيظل طفلها الوحيد
.. کله مكتوب ومقدر یا زیاد 
ضحك زیاد من بين دموعه المنهمرة وخفقات صدرة العشوائية الإيقاع رغما عنه وقال وهو يبتعد عنها
.. اسمها مقدر ومكتوب أنا هفضل أعلم فيكي لحد أمتي!
رفعت آشري كفها بلا مبالاة ساخرة
.. مهما تعمل وبعدين ما أنت خلاص سيبتني 
أصابته كلماتها بحړقة بالغة لتزيد أحزانه للضعفين ثم قال مقرا
.. أنت تستاهلي الأحسن مني 
حدقت فيه بقوة من بين دموعها وعيناها تصرخ أنها لا تريد سواه ولكنها بعزة نفس رفعت رأسها بكبرياء وقالت
.. أشوف وشك على خير يا زياد 
خرجت آشري مسرعة لتستوقف مرة أخرى أمام الرجلين فحيت جاسر قائلة
.. البقاء لله يا جاسر شد حيلك 
رد جاسر بصوت هادىء متماسك عكس حالة أخويه المتصدعة بحزن دامي
..
منجلكيش في حاجة وحشة آشري 
فهزت آشري رأسها بتحية وانصرفت نحو السيارة التي تقل سالي والأطفال مما جذب إنتباه جاسر الذي الټفت لأخيه الساكن الجواره وقال
.. هيا سالي أخدت الولاد 
هز أسامة رأسه وقال بعند
.. أيوة هيا طلبت مني أقولك بس ده أمر مفروغ منه مش مستحب يقعدوا في أجواء زي دي 
فانصاع جاسر بعقلانية للأمر وقال
.. کده أفضل فعلا
.. أنا آسفة 
اتسعت عيناها متعجبة واقتربت منها لتربت علي ذراعها وهي تتأمل رأسها المتدلي بذنب
.. آسفة علي إيه آشري 
تنهدت الأخرى الغارقة في بحر من الندم والضياع وما يسحب الهواء من صدرها بحق ذاك الشعور بالإثم
.. أنا اللي شجعتك على الخطوة دي لولا زني كان زمانك معاه 
وأردفت ساخرة وفي الواقع من حالها
.. كنت فاكرة أن الطلاق ده بيس أوف كيك 
لو لم يكن اليوم مأساويا بامتياز ولو لم تكن عاصرت مشاعر وأحاسيس طاحنة مزقتها وأعادت ترتيب أشلائها على نحو جديد وغريب عليها لأطلقت الضحكات المتعالية وسط جنوح الليل ولم تبالي لأعراف ولا لتقاليد اقتربت منها ورفعت رأسها لتواجهها ومزقت ذنبها الفاضل بعناق طاحن ووضعت على وجنتها وسط ذهول بقية معالم وجهها
.. بالعكس ده أنا اللي بشكرك حقيقي ومن كل قلبي أنت أنقذتيني من نفسي 
ولازالت الدهشة تقتات على أنفاس صدرها المتلاحقة
.. أنا ! أنا حاسة إني ضيعتك زيي 
لم تظن أنه قد يأتي اليوم وتتبدل فيه الأدوار ولكن اليوم أضحى أعظم معلم عرفته منذ سنوات اليوم حملت من كانت تحمل لها دوما الحقد والعداء إلي قپرها راضية داعية لها بالخير واليوم أيضا تقف أمام من دفعتها دوما لتدفعها هي بالمقابل
.. أنا مضعتش یا آشري بالعكس أنا لقيت نفسي اللي توهت عنها من زمان أنت اللي دلوقت محتاجة تفصلي بين حالتك وحالتي 
أومأت بالموافقة
.. فعلا زیاد مش جاسر بس أنت حملك أكبر مني ولادك .
ضحكة خاڤتة انفلتت منها ليست ساخرة بقدر ما كانت مريرة
.. هيبقالهم أخ أو أخت المدام حامل كان زماني قاعدة أسمع منها عن تعب الوحم وتقوليلي آسفة 
فاتسعت عينا آشري پذعر وهتفت بإنجليزية خالصة
he is an idiot 
التفتت سالي لتطالع وجوه أطفالها المتعبة التواقة وبشدة للخلود للفراش والنوم وقالت
.. معدتش تفرق أنا هروح إبقي طمنيني عليكي سلام
رفعت كفها لتودعها وقد اطمأن قلبها أنها لم تكن مذنبة بحقها أنها لم تدفعها دون قصد لتعيش تلك المرارة التي تذوقتها مؤخرا ولم تدري أنها كالعلقم لإختبار كسر أقوى ما يكون على ظهر المرأة وبالأخص عندما تفقد أبنائها فالكسر يكون مضاعفا  
ودعت درية آخر النسوة اللاتي كن يتسامرن حتى ظهور السائق الخاص بإبتسامة صفراء فيما كان رنين هاتفها يتصاعد إلحاح مزر فأخرجته من حقيبتها متأففة لتجيب بصوت جاهدت لتجعله لطيفا قدر الإمكان
.. أيوه يا بابا أنا خلصت نص ساعة وأكون في البيت 
رد والدها منفعلا
.. متتحرکیش من غير طارق هوا جايلك في السكة 
اشتعلت النيران في عروقها فأبيها أصبح يفرضه فرضا بين أدق خطوط حياتها اليومية وبالتالي أصبح الرسم الذي كانت تتعامل معه سابقا شاذا غير مألوف لعيناها
.. يا بابا مکنش له لزوم تتصل بيه تكلمه يجي 
فقال الأب مدافعا بمكر
.. یعني أسيبك تيجي لوحدك في أنصاص الليالي 
نظرت درية مرة ثانية لساعة معصمها وقالت وهي تجز على أسنانها الأمامية بغيظ
.. الساعة عشرة إلا ربع 
تنصل والدها سريعا من التبريرات التي لا طائل منها وقال
.. خلاص اللي حصل حصل وهوا جاي استنيه ميصحش الراجل ياخد المشوار على الفاضي 
وما أن أنهى إتصاله حتى رن هاتفها مرة أخرى فتمتمت درية بغيظ
.. طبعا ما أنت كمان لازم تديله نمرة تليفوني
خرجت درية للحديقة الواسعة ولمحت أضواء سيارته تشق عتمتها وفيما كانت تتجه نحوها سمعت إسمها يتردد خلفها فالتفتت له ولاحظت إقترابه العابس نحوها قائلا
.. أنا كلفت عم عيد السواق يوصلك أنت ومدام هدی 
ولكن بدلا من أن تتعالی موجاتها الصوتية الرقيقة بإعتذار تصاعدت نغمة صوته الخشنة بتحية المساء مقاطعا
.. مساء الخير يا درية 
التفتت أسامة ليطالع الرجل الفارع الطول والمرتسمة على وجهه إبتسامة مضيئة خصها فقط لدرية بشيء من الحيرة ردت درية تحية المساء بخفوت قائلة لأسامة
.. مافيش داعي سيادة العقيد هيوصلني متشكرة 
وعند ذكره مد يده مصافحا أسامة معرفا بنفسه
.. عقيد طارق الأسمر خطيب مدام درية 
وعندما لمح الذعر المرتسم بعيناها قال مصححا
.. أقصد بإعتبار ما سيكون 
تقبل أسامة مصافحته بإقتضاب وعيناه لا تفارق درية التي هربت بأنظارها بعيدا وداخلها فعليا تخطى مرحلة الغليان وسارت إلى جوار طارق بعدما تمتمت بوداع وشبه کلمات تقبلها أسامة شاكرا لجهدها في تلك الليلة العصيبة وظلت طيلة الطريق صامتة فقط لأنها تدرك جيدا أن الكلمات ستكلفها إڼفجارا مأساوي النتائج حتى وصلا للشارع الذي تقطنه وتوقف بسيارته أمام العقار الذي تسكنه فتمتمت بتحية لتنصرف ولكنه أستوقفها قائلا بنبرة
إعتذار
.. أنا آسف إن كنت دايقتك لكن .
فالتفتت له وقد حان موعد الإڼفجار بتوقيت درية المسائي بعد مهازل تلك الليلة التي يبدو أنها غير منتهية
.. اللي حضرتك يا سيادة العقيد صرحتله بخبر الخطوبة واللي أنا معرفش عنها حاجه ده يبقى رئيسي في العمل حضرتك فاهم ده معناه إيه
هز رأسه مذعنا وقال راجيا
.. درية أنا بقالي كتير بحاول أقرب منك وآخر مرة كنا في المزرعة سوا أظن إني وضحت رغبتي في القرب ده ويكون بشكل رسمي 
همست غاضبة
.. وأظن إني وضحت إني ما بفكرش في الارتباط نهائي 
فاعترض طارق
.. لكن والدك . 
قاطعته بحزم
.. والدي ! أعتقد إني أنا صاحبة القرار وأنا مش لسه عيلة صغيرة
اقترب منها وعيناه مركزة على ملامح وجهها الغاضبة وقال بإفتتان
.. أكيد أنتي صاحبة القرار لكن أنا طمعان أنك تغيري رأيك وتديني فرصة 
فتحت باب السيارة وقالت قبل أن تنصرف
.. كان ممكن تطلب قبل ما تصرح بحاجة بإعتبار ما سيكون وعموما أنا متشكرة على تعبك 
ترجل هو الآخر واقترب منها بخطوات مسرعة وقال بإنفعال ملح
.. أنا آسف وبعتذر منك حقيقي لكن أرجو أنك فعليا تديني فرصة لينا إحنا الأتنين 
نظرت حولها بتوتر فالوقت قد تأخر وليس من المناسب أن تطيل الوقوف برفقته فهزت رأسها وانصرفت مسرعة نحو الدرجات التصعد للأعلى  
حد الإنهاك حد الألم حد الفقد حد الوحدة حد البعد رغم القرب حد الذنب رغم الكبرياء حد الإشتياق حد الكرامة حد النهاية حد البداية حد المجهول حد الأمل حد الظلام الذي يقبع به منذ ساعة بعد إنصراف الجمع الغفير يبكي بصمت دموع قهرت عزيمته وانسابت لتعلن معها حد الضعف وبسنوات عمره التي تخطت الأربعون ضعف يختبره ولأول مرة ضعف يجده ساکنا بأضلعه أليفا ترتاح له نفسه أليس من حقه أن يشعر ولو لمرة بالحرية في كونه ضعيفا لقد رحلت من كانت ترفض ضعفه تحاربه قبل أن يعد هوا نفسه للحرب تركته رغم أنها تركت له دوما مؤشرات بقرب الرحيل ربما منذ سنوات ولكنه كان عنيدا لدرجة ظن معها أنها لن ترحل أبدا هل كان عنیدا لا بل كان غبيآ كما نعتته مؤخرا رحلت ورحل معها اليوم الأخير ليبدأ من جديد وليست له أي رغبة في تلك بداية خطوات تسحق الحصى من خلفه ولم يحتاج أن يلتفت ليعرف هوية صاحبها فقال
.. قريت كل في الأظرف وأديت أخوك بتاعه
جلس وافترش الأرض إلي جواره
.. أخده بس أظن مش هيقراه دلوقتي 
فالټفت له جاسر
.. بس لازم علي الأقل يعرف محتوى الباقي ده حقه 
نظر له أسامة وشعور بالشفقة مثير للإشمئزاز والحنق داخله يتصاعد نحوه رغم غضبه الشديد منه مشاعر مختلطة ارتسمت على معالم وجهه فڤضحت ما هو مختبأ بين حنايا صدره حتى قال جاسر منزعجا
.. مالك أنت مفكر أني قولتلها تعمل كده
هز رأسه نافيا وبشدة
.. أكيد لاء لأنه ده مش في مصلحتك 
تنهد وقام فقد سأم الجلوس والتراخي
.. لا مصلحتي ولا غير ولا هيفرق معايا 
فرفع أسامة قامته هو الآخر وقال مؤنبا بغيظ
.. واضح ولا يفرق معاك حتى أن يكونلك من كل ست مرت في حياتك ابن ولا بنت يشيلوا عاهات تفكيرك 
حد الڠضب ومشاعر أخري على الجانب الموازي خېانة وكشف وتوقيت سيء والأدهی تورط
.. وأنت عرفت منين 
والضحكة الساخرة دقت أجراس الليل والظلام ورغم أنف التقاليد كانت من نصيبه
.. هوا أنا بس اللي عرفت!
فكان حد الإنتقام وذراعها القابع بين قبضته پصرخ ألما ولسانها يصطرخ
.. جاسر أنت اټجننت
وهسیس صوته المنبعث من بين إصطكاك أسنانه الدامي أثار ذعرها
.. أنت إزاي تجرؤي تقلبي عزا أمي لصوان تهاني أنت مبتحسيش 
امتقع وجهها وغادرت الډماء ولا رجعة قريبة لها على مايبدو
.. بيبي أنا مقصدتش
.. أخرسي أنا مش بيبي أنا جاسر سليم وإن كنت نسيتي مين هوا جاسر سليم يبقي أنت محتاجة اللي يفكرك 
هل ظنت أنها سترى الشيطان يوما رؤى العين بوجهه المتجهم هل ظنت أنها ستكون يوما على مقربة من أبواب الچحيم بأنفاسه الملتهبة هل ظنت أنها ستفقد أنفاسها رغم أن كل ما يحتبسه بين أنامله غليظة الملمس والقوة ذراعها الأيسر والسبب نظرة عيناه وفقط
.. أنا آسفة حقيقي أنا آسفة صدقني أنا آسفة 
همست راجية فجل ما ترجوه هو النجاة خشیت وإن علا صوتها فستفر شیاطین غضبه من معقلها ويقبض على أنفاسها لأنها تجرأت فقط وارتفعت حد الكراهية
.. مافيش خروج من باب البيت وهتحترمي ذكرى أمي وسيرة الحمل ده متجيش سيرته على لسانك 
وبذراعها السليم احتضنت الأيسر مثيله ونظرة ړعب خالصة تلقي بظلالها على عيناها فلقد عاد بضعة خطوات للخلف وبصوته الساخر المتوعد تابع حديثه
.. أنت مفكرة إنك كده بتربطيني غيرك مشيت وڠصب عنها سابته لأنه ببساطه أصبح يخصني وأنا اللي يخصني مبيتلویش دراعي بيه 
تحشرجت أنفاسها وعقلها يرفض أنه يلخص أمنيتها بكيونة الأمومة
لطفل يكن هو والده لمجرد ملكية لا ڼزاع عليها لقرار بالتحفظ والأسر لعقاپ إن أراده يوما كما فعل بسابقتها
.. ده ابننا على فكرة مش ليك لوحدك 
والرد كان فوريا حد الإقرار ولا مجال للڼزاع.. بيتهيألك صلبي وملكي 
ملكية لا ڼزاع عليها ملكية لن يفرط فيها فالنساء بحياته وضع مؤقت ومن تردن منهن الرحيل يمنحها حريتها وفورا ولكن من تسري بعروقه الډماء فلا مجال لرحيله إلا بإرادة الله عز وجل هو ليس بظالم وليس بذلك المتجبر بل هو دیکتاتور بنزعة ديموقراطية خالصة قد يظنها البعض تهاونا وتخاذلا ولكنه فقط يدرك حدود ملكيته أتظن نفسها امتلكته بطفل لتصرح بحملها علنا حتي يعرف القاصي والداني أتظن نفسها صاحبة القرار ألا تدري أنه هو الآمر والناهي!
تعويضا مناسبا هكذا كانت تفكر فأنفاسهم الهادئة المطمئنة بالقرب من صدرها كانت أكثر من تعویض مناسب لما مرت به منذ بداية اليوم مدت ذراعها لتحتضنهم أكثر وأكثر فكم اشتاقت لدفئهم لا تريد التفكير في الغد وما يليه وتبعاته الغامضة التي كانت ترهق لياليها سابقا هي الآن تشدو فقط للراحة والنوم بأحضانهم ففيها سكينتها ورغم ذلك شهد الفراش تقلب جنباتها بغير راحة حتى سمعت آذان الفجر يشق سكون الليل فقامت لتوضأ وتفرغ ما في جعبة قلبها في سجود مطول وبكاء لا تدري مصدره ولا سببه ولكنها شعرت بالراحة في طرد الدموع خارج مقلة عيناها وارتاح قلبها بالتخلص من ذلك العبأ وفي الصباح استيقظت متأخرة وبالكاد تستطيع اللحاق بموعد عملها وسمعت أصواتهم الضاحكة برفقة أمها فخرجت من غرفتها وعلى وجهها ترتسم إبتسامتها المشرقة وارتمى الصغار بأحضانها وهو يلقي عليها بتحية الصباح وسلمی تقول بإنفعال ضاحك
.. المدرسة راحت علينا 
ابتسمت لها سالي وقالت
.. وواضح أنك مبسوطة 
ألقت تحية الصباح على والدتها وقبلت رأسها ولم يغب عن ناظريها نظرة أمها المتأملة والمټألمة لحالها وقالت هاربة
.. أنا يادوب ألحق الشغل 
فعبست مجيدة
.. ما تاخدي أجازة وريحي يابنتي النهاردة واقعدي مع ولادك 
هزت رأسها بإعتراض
.. مش هينفع يا ماما أنا غبت إمبارح ممكن بكرة أو بعده بس ححاول أرجع بدري متقلقيش 
تناولت فطورها برفقة أسرتها الصغيرة سريعا وارتدت ملابس الحداد کالأمس دون تفكيير فقط لم تستطع الخروج من المنزل بملابسها المعتادة 
قطعة من الورق هذا ما تبقى له بحوزته کلمات تحمل له ذکری غالية ووصية ثمينة تعوضه بجزء يسير من فقدان ثروته ولكنها فشلت في تعويض روحه التي تشعر بالخواء دون أنفاسها لم يكن قريبا منها ولكن كان يكفيه مجرد المعرفة بأنها موجودة في إنتظاره بأي وقت واليوم ماعادت بإنتظاره عودته كما إعتاد لقد رحلت ورحل معها شعوره بالاطمئنان لقربها سمع طرقا على الباب فرفع رأسه ومسح عيناه بسرعة وطالع وجه أخيه المتجهم الذي ما أن رآه مرتديا حلته حتى قال
.. أنت رايح على فين على الصبح كده 
فرد بإقتضاب
.. راجع القاهرة 
فزجره أسامة ساخرا
.. مستعجل ليه 
وراك إيه هناك أهم من اللي هنا 
تنهد زياد بتعب وقال
.. معدتش تفرق يا أسامة صدقني عموما أنت معاك أكيد نص من الوصية ورقم حسابي في البنك أنت عارفه ولو جاسر مش عاجباه الوصية فأنا هاخد نصيبي کفایه 
قبض أسامة على ذراعه وقال غاضبا
.. أنت مش كل موقف تتحط فيه تهرب منه اتحمل مسئوليتك للآخر أنا وأخوك مش مسئولين عنك 
فرد زیاد پغضب أكبر
.. أنت بتسمي ثقتي فيكوا تنصل من المسئولية يا أسامة 
فعقد أسامة حاجبيه غاضبا
.. أقف وواجهه أطلب حقك دي شركتك 
فهم زیاد ما كان يرمي له أخيه فقال مستهزءا
.. وفكرك هيدهالي وبعدين ملعۏن الفلوس اللي هتخسرنا بعض خليهاله أنا الحمد لله ماشي في حياتي كويس ومش ناقصني حاجة 
هز أسامة رأسه وقال معنفا
.. وأنت فاكر أخوك طمعان في فلوسك هوا عاوز يحس أنك خاېف على أملاكك واتعلمت الدرس
مضى نحو الطاولة ورفع الظرف الذي خطته أمه بيدها وقال بأعين دامعة وأنفاس مخټنقة
.. صدقني أنا اتعلمت حاجات كتير أوي خصوصا بعد ده ده أعظم درس 
نكس أسامة رأسه وتمتم معتذرا
.. أنا مش قصدي 
قاطعه زیاد بصوت هادیء
.. أنا عارف أنك پتخاف عليا علينا بس اطمن أنا كويس وراجع إن شاء الله قريب  
غيابها المفاجيء بالأمس بالإضافة لهيئتها المتشحة بالسواد صباحا أثار قلقه ولم يستطع منع نفسه من إستراق السمع لهمهمات العاملين حولها حتى اقتنص فرصته بالإقتراب عندما كانت بمفردها في العيادة طرق الباب بخفه وابتسم لها على حذر وهو يقترب
.. البقاء لله 
هزت رأسها وقالت بأسف
.. أنا آسفه على غيابي المفاجيء إمبارح والنهاردة كمان جیت متأخر 
جلس وعيناه لا تحيد عنها
.. ميهمكيش أنا عرفت أنها كانت حماتك أأقصد اللي كانت 
هزت رأسها متفهمة وقالت لترفع عنه الحرج
.. آه الله يرحمها 
قال بفضول لم يستطع كبحه
.. هيا كانت مقربة منك 
إرتسمت الحيرة على وجهها ولم تدر
لوهلة ما الإجابة هل كانت يوما مقربة منها  حسنا إذا كان الشجار اليومي والمشاكل التي كانت لا تحصى ولا تعد تقاربا فنعم هي مقربة وللغاية كان ينظر إليها محدقا بكل خجلاتها والانفعالات المتابينة التي تمر على وجهها مرور الكرام تباعا حتى قال
.. للدرجادي الإجابة صعبة!
ضحكت ساخرة رغما عنها وقالت وهي تشعر بالحزن لأنها وأخيرا تلقنت الدرس على نحو جيد ومؤسف في الوقت ذاته
.. یعني أحيانا بتعيش مع ناس عمرك كله ماتحسش بوجودهم أو ساعات بتتمنی تبعد وساعة الفراق تحس أن العشرة كانت حاجة مهمة أوي 
هز رأسه متفقا معها وزم شفتيه مستاءا
.. الفراق بيعيد ترتيب حساباتك بيخليكي تشوفي اللي مكونتیش عاوزه تشوفيه قبل كده 
صمتت لبرهة بالفعل لقد أعادت هي ترتيب حياتها بعد الفراق أبصرت تغيرات جذرية أطاحت بما كان في مأمن ومسكن ومستقر أطفالها في المقام الأول ولكن هل خسرتهم بالفراق لم تشعر بخسارتهم ولكنها باتت تشعر الآن وعلى نحو يومي بقيمتها بحياتهم بقيمتها هي في الحياة ولكن مع ذلك تتوق لمعرفة قيمتها بحياته هل يفتقدها سخرت من نفسها وبشدة عند تلك الخاطرة فالزوجة المصونة تحمل بأحشائها بذرة تنمو فأي إفتقاد يشعر به لقد محيت من حياته وشرع هو بإستئناف مسيرته على أكمل وجه كل ذلك وملامحها باتت مدروسه بإتقان بين ثنايا عقل کریم الذي أصبح متعلقا دون يدري بخباياها حتى قال دون مورابة
.. سالي أنت انفصلت عن زوجك إمتی 
إنتشلها من بحور حيرة أفكارها لترتسم الدهشة على ملامحها بل والصدمة إذ أنه لم يسأل فقط عن أمر شخصي يخصها بل رفع أيضا الألقاب الرسمية بينهما ونادها بإسمها ومع ذلك لم تتمالك لسانها الصريح وأفصحت عن ما يدور بخاطرها
.. مش شايف أنك بتسأل في أمر شخصي جدا!
هز رأسه وقال بإصرار وعيناه مركزة على تورد وجنتيها الخفيف
.. عارف بس على نحو ما حاسس أنه حقي متسأليش إزاي 
فضحكت رغما عنها وقالت
.. أنت صريح أوي 
هز رأسه متفقا معها
.. مش بيقولو الصراحة راحة 
وبلطف أردف
.. مجاوبتيش عن سؤالي 
فأجابته ببساطة
.. بالظبط 91 يوم 
فلمعت عيناه وهو يكرر بهمس ورائها
.. شهور العدة زائد يوم 
هزت رأسها صامتة وساد الصمت بينهما لوهلة حتى قام فجأة وقال قبل أن ينصرف
.. عشان كده النهاردة وشك باين عليه أنفاس الحرية 
عبست متعجبة ولم تفهم ماذا يقصد أو فهمت ولكنها لم تصدقه هل تحررت بالفعل من أسر جاسر سليم هل باتت تطير حرة في سماء الكون بعيدا عن فلكه! ببساطة لا يوجد تعريف آخر على ظهيرة الأرض سواه فهذا هو جاسر سليم يدفن أمه بالأمس القريب وفي اليوم التالي يظهر بكامل عنفوانه حلة أنيقة قاتمة ذقن حليق عطر يصيب المحيطين بالدوار وخطوات واثقة كأنما تخضع حدود جاذبية الأرض لقوانينه الخاصة راقبته درية وهو يتقدم منها ملقيا عليها بتحية الصباح بنبرة صوته الهادئة وأتبعها بأمر حاسم
.. کلمي مجدي المحامي خليه يجي واتصلي بأسامة بلغيه بالمعاد اللي هيوصل فيه مجدي 
هزت درية رأسها وشرعت بالفعل في أداء ماطلبه منها وماكانت سوی ساعة من الزمن حتى كان يجلس برفقه أخيه والمحامي الذي كان يقلب أوراق الوصية التي تركتها الراحلة متحيرا وإمارات العجب مرسومة بوضوح على وجهه حتى قال
.. أنتوا یعني موافقين على الوصية بالشكل ده إحنا ممكن نطعن فيها لأنها مش مستوفيه الشروط القانونية 
زجره جاسر بنظرة ڼارية ونبرة صوته إحتدت
.. الوصية هتتنفذ بحذافيرها أنا جايبك عشان تبدأ في الإجراءات 
نظر له مجدي ومن ثم لأسامة الساكن والذي كان يبدو أنه متفقا مع أخيه فقال مرة أخيرة
.. وزیاد موافق هوا كمان 
فرد أسامة مؤكدا
.. أيوا معندوش إعتراض 
حمل المحامي الأوراق وقال بعملية وهو يهم بالإنصراف
.. إذ أنا محتاج أقعد مع دادة نعمات ومدام سالي وزياد مفروغ من أمره وبالنسبة لبقية التركة فهبتدي في إجراءات إعلام الوراثة فورا
خرج مجدي مسرعا وهم أسامة بالإنصراف وراءه ولكن جاسر استوقفه قائلا
.. مکنش قادر يستنی كام يوم كمان
تنهد أسامة والټفت له مؤنبا
.. زیاد بیمر بوقت صعب يمكن أصعب مننا وأنت الوحيد اللي تقدر ترجعه هو المتهم الأول والأخير كان حريا بهم القول فتش عن جاسر سليم وليس عن المرأة كما قال نابليون 
فابتسم متهكما وهو يخرج من درج مكتبه مظروفا ألقاه ليد أخيه فتلقفه عابسا بعجب
.. إيه ده 
فرد بإقتضاب
.. افتحه 
تطلع أسامة للأوراق التي تثبت ملكية زياد لشركته وعقد البيع الذي خطته داليا بتوقيعها لجاسر مباشرة ومن ثم بتاريخ لاحق عقد بيع من جاسر لصالح زیاد فغمغم أسامة خجلا
.. کنت مفكر أنك . .
قاطعه جاسر غاضبا
.. على فكرة لولا أن الشركة كانت محتاجة شغل كتير مني وطبعا أخوك لغي التوكيل اللي كان بيني وبينه أنا كنت خليت عقد البيع من داليا ليه مباشرة أول ما أمور الشركة أتعدلت عينت مجلس إدارة وعضو منتدب مسئول عن أمور شرکته 
اقترب
منه أسامة وأعاد له المظروف
.. خليه معاك كده ولا كده أنا حاسس أنه ماشي في طريق ومش هيغير مساره دلوقتي 
رفض جاسر عرضه وقال مصرا
.. خليه معاك أنت أنت اللي هتدهوله وقت ما تحس أن مساره أتعدل 
وهمس وهو يعود للوراء متنهدا بعتب
.. أنا فيا اللي مكفيني 
جلس أسامة وأنظاره مرتكزة على وجه أخيه يحاول إستنباط مايدور في عقله من أفكار معقدة
.. سوسن الله يرحمها عقدتهالك خمسة مليون لحساب سالي مش مبلغ هين
رمقه جاسر بغيظ
.. ده الشماتة هتطق مع عينك يا أخي 
ضحك أسامة بصخب قائلا
.. قال يعني أنت هتغلب بكرة تلاقي طريقة تعيد بيها الوصال هيا يعني هتعرف تعمل حاجة بالفلوس دي كلها وأقطع دراعي إن مكنتش ترفضهم 
تألقت أنظاره وكأنما بعثت من جديد بخلاياه ودبت الحماسة بأوصاله فمهما تقطعت الخيوط بينهما ومهما صارت لعبته بعيدة عنه ومهما شعر بیدیه عاجزتين عن الإمساك بها فستتجدد الخيوط بينهما تلقائيا وللقدر تدابیره فغدا تعود لعبته بمكمن بين أصابعه وتلك المرة سيحرص على جذب الخيوط وشدها بقوة فلن تبرح مكانها بين أنامله ذلك قدرها المرسوم منذ البداية فهي دائما وأبدا لعبة عاشق أنظاره قاتمة سوداء كحلته خرج ولم يبرح مكانه من أمام مكتبها المستطيل فرفعت أنظارها الحذرة نحوه وقالت ببرود
.. خیر یا باشمهندس!
فرد ببرود يماثلها
.. من هنا ورايح إطبعي نسخة زيادة من التقارير المالية للمجموعة تعجبت وقالت
.. ليه
فقال ساخرا
.. يعني علي إعتبار ما سيكون 
رفعت رأسها بغتة واحمرت عيناها وارتسمت ملامح الغيظ على وجهها وقالت
.. ويا ترى إيه اللي سيكون 
اقترب منها وبفحيح صوته أجاب
.. ده اللي مستني أعرفه منك يادرية 
قامت وانتصبت قامتها نحوه بتحدي
.. شؤوني الشخصية مش من حق أي حد يحاسبني عليها 
اكفهر وجهه بطوفان ڠضب وقال بصوت جعلها تهتز في وقفتها رغم أنه لم يكن مرتفعا بل بالكاد مسموعا
.. إلا أنا...
ماذا لو سارت معطيات الحياة حسب ما اتفق هوانا ماذا لو لم نبذل جهدا مضنيا للحصول على ما هو حقنا بالأساس لكنا إذ نتحدث عن الجنة وما كان لحديثنا ركنا على أرض الله الواسعة ولكنها حتى الآن شاكرة رغم أنها منذ قليل كانت بمكتب محامية مختصة بالأسرة والڼزاع القضائي بشؤونها والتي أخبرتها بوضوح أنه لا مجال لاحتفاظها بسليم في حضانتها فهي ليست أمه ربما من تكون ربت وترعرع الصغير في كنفها إلا أن حقها في الإحتفاظ به معډوم الطفل لأبيه والطفلة لها حتى أجل معلوم وإن شائت تقدمت لها بدعوى ضم لحضانتها ولكنها بذلك تكون قد فرقت طفليها وما ذنبهما وأمل سخيف يتضاءل داخلها أن يكون جاسر قد تنازل عن الطفلين لها لقد مرت ثلاثة أيام منذ عودتها ليلا بالصغار وتفاجئت صباح يوم أمس بالسائق الخاص به ينتظرها أسفل البناية في تمام السابعة كي يقلها هي والأبناء إلي مدرستهم بناءا على أوامر مرؤوسه الذي أمره أيضا بإصطحابهم منها وأن يكون رهن إشارة منها في أي وقت من ساعات النهار حاملا معه ملابس جديدة لهم وبعض الألعاب الثمينة.
أفاقت من سحابة أفكارها أمام باب المركز ألقت عليها موظفة الإستقبال التحية كان بإنتظارها حالة واحدة لطفلة في السادسة من عمرها ولغرابة الأمر وجدت أن الأب من يصطحبها وعلمت منه سرا پوفاة الأم منذ ثلاث سنوات تأثرت كثيرا لحال الطفلة ورغم ذلك نظرت للأب بشيء من الإجلال فبعد فراق زوجته لم يسعی لزواج من أخرى حرصا منه على مشاعر صغيرته فمر بخاطرها ذاك الذي تزوج بأخرى وعلى وشك إنجاب آخر منها يتجرأ ويمنع عنها طفليها ودون أن تدري اشتعلت ڼار الڠضب داخلها بعد انصراف الطفلة وجلست تغلي وتزبد لابد لها أن تواجهه كيف لها أن تترك صغارها في رعاية تلك المتبجحة بحملها في عزاء حماتها وأن تأمن عليهم في غيابه هو عن القصر حتى ساعات الليل المتأخرة بل والأدهی کیف لها أن تخطو بزيارات يومية لأطفالها بعد رحيل صاحبة القصر عنه!
وضعت كفيها على وجهها وهي ټغرق في بحور اليأس وقلة الحيلة وداخلها مشتعل بحنق غاضب ودت لو تكسر رقبته وبعدها تبكي إلى جوارها وانتبهت بعد قليل لتواجد کریم داخل الغرفة يراقبها بشيء من التسلية فأجفلت وعادت للوراء هاتفة به
.. خضتني على فكرة 
اقترب منها ضاحكا
.. إيه نهاية العالم قالو كمان ساعة!
زفرت بنفس اليأس
.. ياريت كان زمان الواحد ارتاح 
عقد حاجبيه وجلس بالمقعد المقابل لها متمتما
.. ياساتر يارب طب على كدة بقي نلحق نحتفل 
رفعت رأسها له دهشة
.. نحتفل بإيه 
وضع أمامها كوبان من العصير الطازج وطبق بلاستيكي يحوی قطعة حلوى شهية تقدر بمئات السعرات الحرارية وشوکتان وقال ببساطة
.. بيكي ودى حاجة بسيطة تشجعك تكملي طريقك ومتتحججيش تاني بالولاد 
ضحكت ببلاهة وهي فعليا لا تفهم مغزی کلماته فأردف مفسرا
.. أنت مش حاسة بالإنجاز اللي عملتيه ولا إيه مواظبة على الرياضة والحركة والأكل الصحي وخسيتي
ولسه عندك طاقة وعزيمة أنت لازم تهني روحك وتكافئيها 
ضحكت سالي قائلة
.. والله أنت رايق يا دكتور 
ابتسم لها
.. وأنت لما تشيلي الهم حاجة هتتحل 
هزت رأسها مقرة نعم فلن يجدي هذا نفعا مع ما تواجهه بل عليها التمتع بطاقة إيجابية كي تقف وتطالب بحقها وحق أطفالها في حياة مستقرة فهز کریم رأسه وشرع في تقاسم قطعة الحلوى وقال بفم ممتلىء متفکها
.. شوفتي معايا حق إزای 
دفعت سالي بطبق الحلوى وقالت وهي تبتسم له بخجل
.. أنا هشرب العصير بس ومتشكرة على اللفتة الطيبة دي منك 
لمعت عينا کریم وترك الحلوى وقال فجأة
.. أول مرة أخد بالي أن عندك غمازة في خدك اليمين بس 
وضعت يدها لا تلقائيا على خدها الأيمن وقالت هامسة بحرج
.. هيا أصلا مش ملحوظة 
كانت سالي مدركة أنها تظهر في أوقات وفترات متباعدة وقليل من يلحظها وبعمر زيجتها الكامل لم يلحظها جاسر ولا مرة فهز رأسه رافضا
.. بس دي حاجة مميزة فيكي 
وكان رنين الهاتف من أنقذها من طوفان دماء الخجل التي تواردت بغير حساب لوجنتيها وبخاصة اليمني فرفع کریم يده لیستأذن بالخروج تاركا لها حرية التحدث حاملا معه مشروبه فقط تناولت سالي الهاتف وعبست فالرقم أمامها غير مسجل وردت وهي تخشى سماع أنباء سيئة عن أطفالها حتى أتاها صوت رجولي معرفا بنفسه
.. آلو مدام سالي أنا مجدي المحامي مش عارف إذا كنت تفتكريني ولا لاء أنا محامي عائلة سليم يا فندم 
تنفست سالي الصعداء وردت
.. آه افتكرت حضرتك أهلا وسهلا خیر 
رد الرجل بلطف
.. كل خیر يا تری حضرتك تقدري تجيلي المكتب النهاردة لو مش في استطاعتك مليني عنوان منزلك وأنا أجيلك في الوقت المناسب 
تقافزت دقات قلبها پخوف ممزوج بالأمل
.. حضرتك عاوزني بخصوص إيه 
تنحنح الرجل بحرج
.. للأسف مش هينفع نتناقش في التليفون فقالت سالي على عجالة
.. أوكية أنا ححود على حضرتك في المكتب الساعة 3 مناسب 
رد الرجل بالإيجاب وأنهت سالي المحادثة وداخلها يحدوها بالأمل أن يكون جاسر قد تراجع عن قراره بالإحتفاظ بالصغار بعد رحيل الجدة  
منذ يومان والصداع يكاد يفتك برأسه ولايجد سببا له ولا علاج قد يداويه فقرر المرور عليها بالمشفى فهو لم يتحدث معها منذ فترة على إية حال ولم تعاود هي الإتصال به وهو لا يدري أتلك حجته في الوصول إليها تلك المرة بعد إنقطاع ولماذا هو راغب في إعادة الوصل بالأساس ولكنه لم يغرق نفسه بالتفكيير فهو يعاني من الصداع وتلك كانت بالفعل حجته كانت غاضبة ومع ذلك تعاملت معه ببرود منقطع النظير وهي ترفض الكشف عليه قائلة
.. حضرتك محتاج لإختصاص باطنة أو مخ وأعصاب ده مش من إختصاصي 
زم شفتيه مستاءا
.. حضرتك
رفعت أنظارها له وقالت بصوت محتد
.. أومال عاوز أقولك إيه 
قاطعها أو بالأحرى حاول مقاطعتها
.. ريم أنا .
.. أنا معنديش وقت أضيعه وبصراحة زهقت من لعبة الشد والجذب دي أنا فيه في حياتي أكتر من معضلة أولی بیا أتعامل معاها 
وعادت مرة أخرى لمطالعة المجلة العلمية القابعة بين يدها وأنظارها لا تلتقط أبعد من ألوان صفحاتها فهمس وهو يهم بالقيام منصرفا
.. على فكرة والدتي اټوفت من 3 أيام عشان كده متصلتش بيك من يومها 
فرفعت رأسها فجأة وقامت وهي تقترب منه معتذرة برجاء
.. أسامة بجد أنا آسفه مقولتليش ليه قبل كده 
رفع عيناه مؤنبا وقال بصدق أحاسيس لم يجرؤ على البوح بها من قبل
.. مكنتش قادر اتكلم مكنتش قادر حتى أنطقها اتعاملت مع ۏفاتها زي أي راجل ما بيتعامل ما بين إجراءات وورق ووصية مش أكتر أنا لسه لحد دلوقت مش مستوعب فراقها .
وكأنما تحول الرجل الفارع الطول ذو الهيبة والمقدرة لطفل وحيد يتيم الأم دون سابق إنذار وبعاطفة لم تدر منبعها اقتربت منه وتلقفت رأسه بأحضانها صامتة وأناملها تدور بحركات ضاغطه على جوانب صدغيه حتی همست
.. کده أحسن 
رفع حاجبيه وتنهد براحة لم يشعر بمثلها من قبل
.. أحسن كتير الصداع راح 
ابتعد عنها للوراء قليلا حتى تاه في عيناها المتناقضتان فابتسمت له ببساطة وقالت بحزن وكأنما تتحدث عن نفسها هي الأخرى
.. أنت بتداري جواك كتير وده بيضغط عليك وأنت مش حاسس مأجل لحظة المواجهة مع كل حاجة والمشكلة أنك ساعة لما تيجي تواجه هيحصل ڠصب عنك وهتلاقي اللي بتواجهه أكتر بكتير من الحجم اللي أنت فاكره 
فعبس معترضا
.. قصدك إني بهرب لكن أنا بحاول 
وضعت يدها على فمه فجأة وأردفت
.. الهروب راحة بس هتدفع تمنها بعدين صدقني أنا فاهمة أنا بتكلم علي إيه وأنت كمان فاهم 
عقد حاجبيه وهرب بأعينه بعيدا عن عنها فعيناها كأنما تنومه مغناطيسيا إن صح التعبير باستطاعتها سبر أغواره والتحكم بأفكاره والنبش بين ثنايا ماضيه المؤلم هزت رأسها وابتعدت عنه هي الأخرى عائدة لمكتبها وقالت بأمر صریح
.. واجه يا أسامة واختار الهروب
مش حل 
لقد أيقن أن الهرب بحالته مأزق وليس مخرج لذلك غادر وابتعد أعاد ترتيب أولويات حياته والنظر بعين الإعتبار لنواقصه المعنوية أولا ثم المادية نجح بشكل كبير في التغلب على معظم مشاكله والبدء بصفحة جديدة بحياته قد يكون كلفه الكثير كلفه فراق لم يدري بعد كيفيه التعامل معه ولكنه ليس متعجلا كما كان في السابق بل هو متقبل لنزعات الفراق وعواقبه يشعر بداخله خلقا الإنسان جديد إنسان يسعى للتعلم من سوابق أخطاءه وما يقض مضجعه ذاك الهاجس الذي يؤنبه ليلا أن يكون بالفعل فقدها وحتى إن تغير فلن تعود له أمسك الهاتف وللمرة العشرون ربما بعد المائة منذ أن غادر الإسكندرية حاول الإتصال بها ولكن كالعادة لم يستطع إكمال الاتصال وأغلق الهاتف حتى قبل أن تتزايد الأرقام لسبعة وعاد للواقع على صوت صديقه الذي كان يناديه
.. زياد أنا نازل البلد أجيب اللي اتفقنا عليه تمام 
رفع كفه بهمة مودعا له
.. تمام متقلقش 
وتمتم بعدها بخفوت لنفسه
.. مش هترجع يا زیاد إلا لما تستحقها  
وصلت سالي لمكتب المحامي بمنتصف البلد في المعاد المقرر وتفاجئت بوجود نعمات في غرفة الاستقبال فأقبلت عليها الأخير بتحية حارة وهي ټحتضنها بشوق لها وللأطفال الذين ما انفك لسانها عن الدعاء لهم بصلاح الحال قاطعتهم مديرة مكتب المحامي قائلة
.. اتفضلوا حضراتكوا 
أصرت نعمات أن تتقدمها سالي أولا فدخلت غرفة المحامي المخضرم الواسعة وألقت عليه التحية بهدوء واستقبلهم هو بحفاوة ولطف بالغ ودعاهم للجلوس قائلا
.. طبعا أنتو مستغربين إيه لم الشامي على المغربي 
هزت سالي رأسها نافية وقالت مؤنبة
.. إزاي حضرتك إحنا عشرة مع بعض 
رغم أنها كانت لا تطيق تلك المرأة إلا أنها في الأيام الأخيرة أثبتت لها ولأطفالها إخلاصا منقطع النظير لم يظهره له زوجها الذي عاشت بكنفه لسنوات فربنت نعمات على يدها بتقدير وهي تقول
.. ربنا يعلم بغلاوتك عندي والله 
تنحنح مجدي حرجا وقال
.. حيث كده نبتدي مدام سوسن الله يرحمها كانت سايبه ليكم أظرف هديهالكم في نهاية الجلسة وليا أنا ظرفين بشأنكم هقراهم عليكم دلوقت ولو تحبوا كل واحدة تعرف محتوى ما يخصها لوحدها معنديش مانع 
نظرت كلتاهما لبعض بتعجب وقالت سالي
.. أنا معنديش مانع خير
وفي نفس اللحظة ردت نعمات بأن لا مانع لديها أيضا فوضع المحامي عويناته وشرع في قراءة الوصيتان اللتان تركتهما الراحلة بصوت هادىء وتعالى الذهول ملامحهما حتى انتهى مجدي من قراءة الوصيتان فأغروقت أعين نعمات بالدموع وهي تترحم على مرؤوستها بصوت مرتفع وأردفت بشفاة مرتجفة
.. بس ده كتير بيت ووديعه وأنا بس كنت هسيب شغلي أنا هفضل في خدمة ولادها لحد آخر يوم في عمري
هز المحامي رأسه وقال
.. أنت تستاهلي كل خير يا دادة نعمات أنا هعتبر دي موافقة منك وهبتدي بكرة بإذن الله في الإجراءات هيا شددت في الوصية أن البيت اشتريهولك في الحتة اللي تعجبك مهما بلغت تكفلته وجاسر بيه أصر أن الوصايا تتنفذ بحاذفيرها 
وضعت نعمات يدها على شفتيها المرتعشة فيما كانت سالی محدقة بذهول لم تتخطاه بعد وداخلها رغبة بالرفض تتصاعد أفصحت عنها بقوة
.. أنا مقدرش أقبل بالمبلغ ده مستحيل 
التفتت نعمات لها وكذلك أنظار المحامي الدهشة قائلا
.. ليه بس يا مدام سالي 
قامت سالي وهي لا تود تبرير رغبتها ليس لأنها لا تمتلك تبريرا هي تمتلك الآلآف ولكنه هو ونعمات لن يتفهما قط ولذلك آثرت الصمت وعدم الاعتراف بشيء قائلة
.. أرجوك دي رغبتي ومتشكرة جدا وآسفة إني ضيعت وقتك 
هتف المحامي بها قبل أن تنصرف مسرعة
.. مدام سالي 
التفتت له قائلة
.. أنا فيه حاجة أكيد لازم أمضي عليها عشان أخلي مسئوليتك صح!
هز مجدي رأسه بالإيجاب ولكنه نفى
.. ده صحيح لكن مش معناه إني أخدت موافقتك كموقف نهائي أنا هسيبلك فرصة أسبوع اتنين براحتك ومنتظر ردك بعد ما تكوني فكرتي 
هزت رأسها رافضة العرض جملة وتفصيلا قائلة
.. لو سمحت إديني الورق أوقعه دلوقت من غير ما أضيع وقتك أكتر من کده 
جلس الرجل إلى مقعده وهو يشير لها بالنفي
.. مش هيحصل واجبي ناحية موكلتي الله يرحمها إني أنفذ وصيتها وأمنحك الوقت الكافي للتفكيير 
قالت سالي بسأم
.. براحتك بس هتفضل مستني كتير لأن رفضي نهائي 
قال مجدي بلطف
.. طب إيه رأيك تبلغيني قرارك الجمعة الجاية قدامك وقت أهوه تعيدي النظر 
هزت رأسها بقبول تحت إلحاح من الرجل والذي انضمت له نعمات أيضا إذ قالت
.. متستعجليش يا مدام سالي ده حقك مش كفاية 
وتوقفت نعمات عن الحديث عندما لمحت طعنات الألم تغتال صفاء أعينها فابتسمت لها سالی رافضة تعاطفها قائلة
.. متشكرة ومبلغ حضرتك قراري النهائي اللي مش هيختلف کتیر لكن طالما أنت مصر عن إذنكم  
لو لم تكن سيدة الأعمال الأولى بالشرق الأوسط لكانت مزارعة الورود الأولى هكذا كانت تحدث نفسها وهي تنتقل بخفة فراشة من
ركن لآخر مستنشقة عبق الورود اليافع تنتقي زهورا لصديقتها التي وضعت مولودها الأول بالأمس القريب وكان هو يقف يراقبها دون أن تشعر حتى قادتها خطواتها دون أن تشعر لصدام هو من خطط له فرفعت رأسها وجلة فابتسم لها وقال فجأة
.. آسف آشري إيه المفاجأة اللطيفة دي ! 
تمتمت بإعتذار هي الأخرى وهي تعود للخلف خطوتان وعند الثالثة اقترب منها ليصبح الفارق فقط خطوة
.. عاصم بيه سوری مخدتش بالي 
عبس ممازحا
.. عاصم بيه إحنا لسه محتفظين بالألقاب بينا ولا إيه 
هزت رأسها بحرج وأردف بلطف
.. يا ترى بتشتري ورد لمين 
فابتسمت
.. واحدة صاحبتي ولدت إمبارح وكنت ناوية أزورها 
رفع حاجبيه متصنعا الدهشة قائلا
.. متقوليش رايحة لعيلة المسلماني أنا كمان كنت رايح وكنت جاي اشتری ورد 
تعجبت آشري للغاية إذ إنها لم تدري بوجود علاقة تجمعهم بالأساس
.. معقول
برر عاصم وهو ينتقي الزهور مثلها بزهو
.. دخلت شريك مؤخرا مع أحمد في مشروع ضخم أوي مسمعتيش خبر الصفقة دي ولا إيه ده كل مصر بتتكلم عنها 
هل يظن أنها تتبع أخباره! ياللعجب فقالت نافية وهي تتعجل الرجيل
.. لاء سوري أول مرة اعرف عموما فرصة سعيدة أني شوفتك 
استوقفها عاصم قائلا
.. طب ماتيجي نروح سوا 
هزت آشري رأسها وهي تتعجل الهرب
.. أنا كنت هبعتهم ديلفيري عشان عندي مشوار مهم وأعدي عليها بعدين 
كان عاصم متفهما لحاجتها للابتعاد عنه كلما اقترب ولكنه في تلك المرة استوقفها قائلا بصوت خاڤت
.. زياد نقل وكمل حياته بعيد عنك أظن أنه آن الأوان تكملي حياتك يا آشري 
عقدت حاجبيها غاضبة وقالت بصوت محتد وأصابعها تقسو على الزهور المسكينة بحوزتها
.. أظن أنه نوت يور بیزنس ومش من حقك ولا أي حد يتدخل ويقولي إيه المفروض أعمله 
رد مدافعا
.. أنا مش قصدي أتطفل عليكي لكن صعب ليدي جميلة زيك تضيع عمرها في إنتظار شيء مستحيل 
احمرت وجنتها پغضب لم يمر بها في حياتها من قبل حتى قالت دون أن تدري
.. إنت إنسان وقح 
انصرفت غاضبة من متجر الزهور والدموع تكاد تعمي بصيرتها أهكذا يراها الجميع متعلقة بدرب مستحيل تضيع لحظات عمرها الثمينة في إنتظار من سيعود وهو ليس بعائد تركها خلفه وشرع في المضي بحياته غير عابئ مضي نحو المستقبل وهي خلفه متعلقة بحبال ماض مهترئ حتى توقفت عن السير لوجهتها الغامضة حتى لها والتفتت حولها تبحث عن سيارتها بذهن شارد تمسح فيض دموعها وداخلها يتوعد الهارب أبدا لن أسامحك يزداد شعوره بالخواء الذي أصبح يعشش داخله كلما عاد ليلا للقصر الخاوي دونهم أمه وأطفاله ومن كانت يوما زوجته حياة اختفت وأخرى تبدلت وماعاد يدرك أبسط ملامحها ولكم يرغب بالعودة وبشدة للماض بحادفيره بكل مافيه بكل الآمه وآماله طالعته أنظارها الساخطة واستقبلته بجفاء واضح قائلة
.. أنا عاوزة أعرف لحد امتى هفضل محپوسة
تجاوزها حتى وصل للغرفة وډخلها وهو غير عابیء بخطواتها المتقافزة خلفه وشرع بخلع سترته ببرود دون أن يمنحها ردا ولا حتى نظرة فقالت بإلحاح
.. جاسر أنا بكلمك 
رفع أنظاره الساخطة نحوها قائلا
.. عاوزة إيه يا داليا أنا راجع تعبان ومش رايقلك 
اقتربت منه وهي ترسم إمارات الحزن ببراعة على ملامح وجهها
.. أنت هتفضل زعلان مني لحد إمتى!
رفع حاجبيه ساخرا ولم يكلف نفسه عناء كتم ضحكة مريرة
.. مش بقولك أنك بتدي نفسك حجم أكبر منك وأنت مش مصدقة 
هزت رأسها ودمعة فرت من عيناها دون قصد منها
.. عاوز تقول أني ولا حاجة بالنسبالك أنا عارفة ومتأكدة بس صدقني أنت مبتبذلش أدنى مجهود في أنك تعبر عن ده لكن أنا مش هستسلم أنا هفضل أحارب لحد ما أوصلك مش هسيبك ولا هتنازل عنك زي اللي قبلي 
جف حلقه وهي دون أن تدري تشق صدره بصلابة رأس عما يشعر به بالفعل لقد تخلت عنه سابقتها لم تدافع عن حقها به لم تشعره بأهميته تركته خلفها وترکت صغارهما ولم تبال سوی بالابتعاد عنه فقال بصوت متحشرج وهو يبتعد عنها
.. عاوزه تخرجي إخرجي براحتك 
اقتربت منه وأمسكت بذراعه قائلة
.. أنا عاوزة نسيب هنا بكل الذكريات اللي فيه ونبتدي في مکان 
فهب من أحزانه زاعقا
.. أنا عمري ماهسيب هنا ده بيتي وبيت ولادي عاوزة تعيشي هنا أهلا وسهلا مش عاوزة بالسلامة 
تعلقت به رغم ثورة غضبه الأسود
.. یا جاسر صدقني هنا ھيموت كل حاجة بينا 
أمسك بذراعيها بحزم ليبعدها عنه ويقطع إلتصاقها به قائلا بصوت كالفحيح 
.. أنت مش هتفرضي عليا أعيش فین نقطة وآخر السطر وآخر مرة تفتحي فيها حوار زي ده تاني لمصلحتك 
اتجه للحمام ليغتسل تاركا إياها ترتجف پخوف تلك المرة الثانية في أقل من يومان تقابل فيها جانب أحلك مايكون من جوانبه المتخفية تخطو بظلامه وظلمه وبعليائه يأمر وعليها الطاعة ظنت أنها بحبها ستنجو ولكن من الواضح أنها ټغرق ولا سبيل للنجاة ولا سبيل أيضا
للاستسلام  الغرفة الخاوية المظلمة دونها أصبحت ملاذه يجلس بالمقعد المجاور لفراشها البارد يدور بفلك أفكاره كسفينة فقدت ربانها ولا مرسى لها والهواء العليل يضرب صدره بسقيعه يثير إنتباهه يمنعه من السقوط بهاوية ظلماته وهاتفه يضيء بعتمة الغرفة بالمكالمة التي انتظرها منذ صباح اليوم أتاه صوت مجدي معتذرا
.. أنا آسف انشغلت وحقيقي نسيت أكلمك 
رد بصوت قاطع
.. رفضت 
همس مجدي
.. زي ما كنت واثق لكني أكدت عليها إني منتظر قرارها النهائي يوم الجمعة 
ربما تتكاثر المتغيرات من حوله مما يثير حنقه ولكن المعطيات الثابته هي أساس الحياة ابتسمت عيناه في الظلام ولمعت برمادية نيران اشتعلت وأتت على كل شيء فلعبته لم تتغير وكما سيحرص لن تتغير وستعود مجددا خيوطها ساكنة بين أصابعه  
الجمعة يوم تقليدي بالبيوت المصرية القديمة يوم تجمع العائلة وغداء دسم يعقب الصلاة والأحفاد يلتمون حول طاولة مستديرة والأحاديث لا تنقطع استيقظت صباحا وغيرت ملابسها سريعا وكذلك أطفالها وهي تعدهم بحلوى إن أحسنوا التصرف لهذا اليوم وخرجت وألقت تحية الصباح على أمها المشغولة بشؤون المطبخ فقالت سالي عابسة
.. برضة يا ماما قولتلك أنا لما أرجع هعمل الغدا 
ابتسمت مجيدة لها
.. عبال ما ترجعي يكون أختك وجوزها والولاد جم تريحني أنت وتفرشي السفرة 
قبلتها سالي مودعة وكذلك الصغار قائلة
.. متقلقيش ساعتين بالظبط ونرجع بإذن الله 
قالت مجيدة
.. أنا مش عارفة إيه حكاية النادي اللي كل يوم ده حتى الجمعة لازم تروحيه ! 
اعترضت سلمی
.. أنا عاوزه أروح النادي 
ضحكت سالي وقالت
.. مش هنتأخر مع السلامة 
وما أن عبرت سالي بأطفالها أسوار النادي حتى تسارعت خطواتهم نحو مجموعة التدريب الملحقين بها فودعتهم سالي بتحية واتجهت بدورها لصالة الألعاب کي تمارس رياضتها المفضلة ولكن مع نسمات الهواء العليلة آثرت التريض بالمضمار العريض حول الفناء الواسع مارست أولا تدريبات الإحماء ثم شرعت بالركض البطيء وأفكارها تسبح بمعزل عن الضوضاء الخفيفة حولها هي لم تصارح والدتها بفحوى الوصية التي لم تفهم مغزاها بعد واعترفت لنفسها أنها تخشى أن تؤثر والدتها عليها لتقبل تلك الأموال الطائلة وداخلها لا يدرى لم هي حقا ترفض قبولها هل لكونها منة وعطاءا من ناحية آل سليم أم لأنها تشعر أنها بالأصل منحة منه فهو الذي يكد بالعمل أولا وأخيرا ولم تكن والدته سوی متحصلة على نصيب بأمر الشرع ولكن في ذات الوقت هي تسعى للتفكير بعقلانية في الأمر تلك الأموال قد تحل كثيرا من مشاكلها المادية التي لا تعانيها حقا ولكن من يدري وخاطرة جديدة تمر بعقلها هل بإمكانها المساومة تمنحه الخمسة ملايين مقابل الاحتفاظ بسليم وسلمی وعند تلك الخاطرة الحمقاء انفلتت ضحكتها الساخرة فما قيمة الخمسة ملايين بنظره وأبطأت من سرعتها حتى توقفت لا شيء لا شيء بالمرة فهو لن يتخلى عن أطفالهما أبدا لا لشيء سوى العند القاټل والمتحكم بدمائه تحية الصباح المألوفة لها أخرجتها من دوامة أفكارها البائسة فالتفتت لمصدرها لتطالع وجهه المتبسم الذي قال
.. هوا على طول كده أنت شايلة الهم
ابتسمت دون حيلة وقالت
.. لا والله بس أنت حظك كده معايا 
اقترب منها قائلا بزهو
.. بالعكس ده حظك أنت لأني معروف عني إني حلال المشاكل 
هزت رأسها بتقدير وقالت
.. أنت بالفعل حليت أكبر مشكلة كانت بتواجهني
عقد حاجبيه وقال جادا
.. بجد إيه هيا 
بسطت كفيها وقالت بخفة
.. اشتغلت 
قال بتقدير
.. ده من حسن حظي كنت هلاقي زيك دكتورة شاطرة مع الأطفال فين!
صمتت وابتعدت بعيناها عنه بخجل فقال ليتجدد الحوار بينهما
.. بس مش من عادتك تيجي النادي الجمعة 
هزت رأسها نافية
.. الصراحة لاء بس الولاد شجعوني عندهم تمرین إستثنائي النهاردة وأنا محتاجة أغير جو 
وأردف ليكمل
.. وتفكري 
هزت رأسها بالموافقة وكررت خلفه
.. وأفكر 
قال بإلحاح
.. في إيه 
ودون أن تدري قصت عليه قسما كبيرا مما كانت تفكر به فبطبيعتها الثرثارة التي لا تجد غضاضة في البوح بما يختلج بصدرها بصوت مرتفع استمع لها وقال دهشا
.. إنت إزاي ترفضي وأنت تقدري تعملي حاجات كتيره بالمبلغ ده تنفعي بيه نفسك وتنفعي الست دي الله يرحمها 
عللت موقفها
.. مقدرش أقبل ده مش طبيعتي 
توقف عن السير والټفت ليواجها قائلا بحزم
.. النفع مش شرط يكون مادي يا سالي هيا آه فلوس بس أنت تقدري تحوليها لمسار تاني تغير كل حياتك فكري كده إذا أخدتي الفلوس وعملتي بيهم مركز أسنان خيري شوفي النفع اللي ساعتها هيعود عليكي وعلى حماتك الله يرحمها وعلى الناس طاقة إيجابية هتغير كل حاجة في حياتك 
وكأنما بعث هو بالطاقة في أوصالها وانتعشت أورتها وأزدادت دقات قلبها بها وقالت بحماس منقطع النظير
.. تصدق معاك حق 
ابتسم وتحولت بسمته لضحكة مرتفعة ونظر لها بتقدير بالغ
.. أنت طيبة أوي ياسالي مجرد فكرة أنك تاخدي الفلوس ليكي كنتي رفضاها ولما اتقلبت لمصلحة غيرك وافقتي فورا 
هزت رأسها وهي تبتعد بعيناها عن نطاق حصاره
..
لاء أنا في دي بتاعة مصلحتي يمكن الخير يعود عليا باللي بتمناه 
قال مقرا بهدوء
.. لازم عموما أنا في الخدمة وقت ما تنوي هتلاقيني معاكي 
ثم أردف ممازحا
.. وبحذرك محدش هيدير المشروع ده غيري دي فكرتي من الأول 
ضحكت سالي وقالت بلطف
.. بس كده أنا هتعبك معايا فهز رأسه نافيا
.. بالعكس أنت لو تعرفي أنا كان نفسي أد إيه من زمان في عمل خيري زي ده هتعرفي أنك بتعملي فيا معروف
عادت لمنزل والدتها منذ ساعتان وساعدتها بإعداد طاولة الطعام بهمة ونشاط فائقين حتى قالت مجيدة متعجبة
.. وأنا اللي كنت فاكرة هترجعي تعبانة 
ضحكت سالي وقررت مصارحة والدتها بأمر الوصية والأموال الطائلة التي ستحصل عليها فاصطحبتها لغرفة الصالون الهاديء وعرضت عليها الأمر منذ بدايته حتى قرارها الأخير بالاحتفاظ بالأموال وعلى عكس ماتوقعت سالي كان رد أمها بالرفض معللة
.. أنا خاېفة يابنتي يكون عنيه على الفلوس دي وتدخلي في مشاكل معاه 
ضحكت سالي لبساطة أمها
.. ماما 5 مليون مش مبلغ عند جاسر زائد أن المحامي أكد عليا إصراره بتنفيذ وصية أمه الله يرحمها بحذفيرها 
اعترضت مجيدة بإصرار
.. وعليكي من ۏجع الدماغ ده بایه ما تاخدي الفلوس وتشيليهم في البنك وخلاص 
رفضت سالي بإصرار
.. يا ماما أنا فكرت في كلام کریم الفلوس دي أنا مسئولة عنها قدام ربنا ولما اقدمها في عمل خیر بإذن الله ربنا يجعله في ميزاني وييسرلي حياتي 
عبست مجيدة متوجسة
.. ومین کریم ده كمان 
ابتسمت سالي لأمها بهدوء
.. ده الدكتور صاحب المركز اللي بشتغل فيه إنسان محترم أوي 
ضاقت عينا مجيدة وهي تقول بهدوء حذر
.. یعني هوا مستغني عنك كده يقترح عليكي مشروع أنت تكوني صاحبته 
هزت سالي كتفيها بعدم فهم
.. وده هيضره في إيه وبعدين الدكاتره على قفا من يشيل غير أنه أصر يشاركني في المشروع ده عشان نفسه هوا کمان في مشروع خيري 
تنهدت مجيدة بمكر
.. آه قولتيلي هيشاركك طيب 
احمرت وجنتا سالي وهي تراقب نظرات أمها الماكرة المتفحصة لها وقالت بإعتراض وهمت بالانصراف لبقية شؤونها المتأخرة
.. على فكرة الموضوع مش زي ما أنت فاكرة خالص وأنا رايحة أشوف الل ورايا قبل ما عصابة سيرين تهجم علينا 
راقبت أمها خطوات ابنتها الصغيرة الهاربة بقلب راجف وهي تدعو الله أن يسد خطاها وتهمس
.. ربنا يبعد عنك ولاد الحړام يابنتي 
وقفت أمام الباب لا تصدق ناظريها تطالعه لكأنما كان غائبا عنها عشر سنوات وليس فقط بضعة أيام تحاشت فيهم الاقتراب منه بأي شكل ألقي عليها التحية بصوته الواثق وعيناه تلتهم تفاصيلها القديمة لقد فقدت الكثير من وزنها وعاد جسدها لطبيعته التي ألفها سابقا عادت ضئيلة كما كانت بلمحات أنوثة طاغية اكتسبتها مع مرور السنون قصيرة لازالت ترفع ناظريها له فرأسها لا يتجاوز كتفيه فتنحنحت وبصوت مرتجف أدركت أنه أتي لإصطحاب إبنائها وهي التي لم تشبع من صحبتهم فعقدت حاجبيها غاضبة وردت عليه التحية فقال بوجه عابس وصوت لائم
.. إيه يا سالي هنفضل واقفين على الباب كتير
تراجعت للخلف خطوتان لكي تفسح له الطريق وقالت بهمس مكتوم
.. اتفضل 
وعندما دلف إلى الداخل لاحظ على الفور ظل أختها وأطفالها ومن خلفهم تتسابق خطوات صغاره نحوه فتلقفهم بصوت مرح وقبل رؤوسهم قائلا
.. وحشتوني كده برضه متتصلوش تسألو عليا 
ابتسم الصغيران بخجل وقالت سلمى ببراءة
.. ما أنا معرفش نمرة تليفونك 
الټفت للساكنة وراءه قائلا بمكر
.. ماما تعرفها 
ثم رفع جسده مرة أخرى ليستقيم ويلقي التحية على سيرين التي كانت تنظر له شزرا ومن خلفها مجيدة التي خرجت من غرفتها وقابلته بعيون لائمة ورغم ذلك قالت بصوت هادىء يمليه عليها الواجب
.. البقاء لله يا ابني 
هز رأسه بحرج وقال بصوت متحشرج
.. البقاء لله وحده 
أشارت مجيدة لسالي قائلة
.. أدخلوا أقعدوا في أوضة الصالون ميصحش تخلیه واقف کده 
أشارت له سالي بصمت فتقدم بخطوات واسعة حتى وقف بمنتصف الغرفة وهمت سالي بالانصراف لتتركه وحيدا مع أطفالهما فاستوقفها قائلا بحزم
.. استني ياسالي أنا عاوز أتكلم معاكي 
الټفت إلى صغيره قائلا
.. سلیم خد أختك ورحوا اقعدوا مع تيته دلوقت عاوز أتكلم مع ماما راقبت 
انصراف الصغار ودون أن تدري شعرت بالخۏف لكونها بمفردها معه بين جدران أربع بالرغم من أنها جدران منزلها قاطع جاسر شرودها بإقتراب قائلا بصوت جاهد ليمحي عنه آثار الغيرة
.. معتصم هنا 
عقدت حاجبيها بتعجب والتفتت له قائلة
.. لاء بتسأل ليه 
تنحنح قائلا
.. أبدا فضول مش أكتر 
كټفت ذراعيها بدفاع قائلة
.. وأديك عرفت الإجابة خیر کنت عاوز إيه 
ابتسم لها دون حيلة عصفورته الصغيرة عادت للمشاكسة ثم قال بصوت رصین
.. مجدي كلمني قالي أنك رفضتي الوصية 
أخذت نفسا عميقا ورفعت حاجبيها وقالت بتوتر
.. إحنا اتفقنا إني هبلغه قراري النهائي النهاردة 
هز رأسه واقترب منها قائلا بصوت حميم
.. کویس وأنا جاي أأكدلك إن معنديش إعتراض أنا
مکرهلكيش الخير يا سالي 
زمت شفتيها وقالت هازئة بكبرياء
.. وفكرك حتى لو اعترضت أنا هيهمني وعموما أنا قررت أني هاخد الفلوس 
عقد حاجبيه وقد تفاجىء لا فقط بذاك القرار الذي سعى للحضور لإقناعها بالموافقة عليه بل ومساعدتها للتصرف بتلك الأموال الطائلة وليظهر هو بمظهر ملائكي بل لتلك النظرة الڼارية بعيناها فقال
.. وأنا سعيد بقرارك ده ومكنتش ناوي أقف قصادك وأمنعك من حقك 
اقتربت منه وقالت بقوة
.. بس أنت فعلا مانعني من حقي 
هتف مستنكرا
.. أنا هزت رأسها ورددت بإصرار
.. أيوا حقي في أولادي 
رفع رأسه بخيلاء سطر له وحده دون البشر قائلا
.. أنت اللي اخترتي 
قالت تحمله الذنب
.. ده مکنش موضع اختیار یا جاسر 
اقترب منها وداخله يعتمل پغضب
.. أنا الأول خيرتك ووافقتي وتكوني معايا لآخر الطريق وجيتي في النص ورفضتي واخترتي تمشي وأنا مأجبرتكيش على حاجة 
احمرت وجنتها بنفس الڠضب وربما الضعف
.. وكنت عاوزني أعمل إيه أشوفك بتتجوز وأكمل معاك وأنا اللي أسميلك مولودك التالت ولا كنت أعمل أيه 
قال بهمس بارد جمد الڠضب بعروقها حتى شعرت بالقهر
.. ليه أم تسميه 
كتمت دموعها بصعوبة بالغة وقالت بصوت ينهار ألما
.. ربنا يخليهالك 
رفع رأسه بعد وقال
.. أنا أهم حاجة عندي ولادي مش هيفارقوا حضڼي يا سالي 
اقتربت منه بتحدي وقالت بعزم باد بقسمات وجهها التي أنارت مرة أخرى
.. ولا هيفارقوني 
ولمعت عيناها بإنتصار وهي تلمح إهتزاز شفتيه ورفعت صوتها لتنادي صغارهما للجلوس مع والدهما وانصرفت عنه بعيناها وهي تستمع لصوته الذي يحاول التحلي بالهدوء وهو يخبر صغاره أنه سيمر عليهم بعد غد لإصطحابهم مرة أخرى للقصر 
أظلم محيا الصغيران فقال جاسر متوجسا
.. ولا أنتوا لسه عاوزين تقعدوا مع ماما
هتف سليم
.. أيوا بابا با سیبنا هنا حبه كمان 
زم شفتيه وقال بصدق
.. بس أنتو بتوحشوني يا سلیم 
شعر سليم وأخته بالذنب ناحية والدهما فأقبلت سالي عليهم مرة أخرى لتنفي عنهم ذاك الشعور فهما المذنبان بحقهما وليس العكس قائلة بثقة
.. انتو هترجعوا مع بابا بعد بكرة وأحنا هنرجع لنظامنا القديم ويوم الخميس هتيجوا تباتو معايا  
نعم هو لا يحبذ التعاطي مع المتغيرات وما كان يبقيه واثقا ثوابت الحياة ولكن بعد تلك الزيارة القصيرة أدرك إنقلاب موازين الأمور فالمتغير أصبح ثابتا والثابت أضحى ماضيا ولعبته قطعت خيوطها وباتت حرة دونها تتحرك كيفما اتفق هواها وخطواتها لم تعد متعثرة بل هي واثقة بدربها والأدهى أنه درب يجهله.
تتعاقب الفصول والأزمنه وكذلك المشاعر ينقلب السخط إلى رضا والحزن إلى فرح والتوق إلى زهد وماكان مستحيلا بالأمس القريب يكون واقعا ملموسا بجوانبه تعملت أن تخوض دروب الحياة وتحصد ما تقدمه يديها بلحظة إنهارت حياتها وأطاحت بكل ما هو ثابت لها بيت وزوج وأسرة صغيرة باتت شبه وحيدة كما تحب أن تفكر وتعلمت أيضا أن تأخذ بالجانب الإيجابي فقط من الأمور كما أخبرها کریم ذات مرة أنهت آخر حالة وودعها الطفل الصغير بإبتسامة عريضة وهو يردد لوالديه محستش بحاجة خالص فابتسم له کریم بالمقابل ودلف إلي العيادة ليحادثها مازحا
.. خلاص كل الأهالي بقت بتطلبك أنت بالذات للأطفال 
ابتسمت سالي ومازحته
.. ربنا يبعد عنا بس العين 
ضحك کریم
.. أنا مش بقر أنا بنق بس المهم فاضية النهاردة على ستة كده 
عقدت سالي حاجبيها قائلة
.. يعني ممكن نخليها سبعة خير 
قال كريم بجدية
.. السمسار كلمني وبيقول لقى موقع خرافي 
ابتسمت سالي هازئة
.. على الله يكون صادق المرادي بقاله يجي شهرين ملففنا وراه 
رفع کریم يده قائلا بحزم
.. لا أنا آخر مرة كلمته جامد وأكد عليا المرادي أنه فيه كل المواصفات 
قالت سالي
.. خلاص بس خليها سبعة أكون لحقت أقعد مع الولاد شوية 
اقترب منها كريم قائلا بلطف
.. هوا باباهم لسه مش موافق يعيشوا معاك 
تنهدت سالي بحزن
.. أنا فاهماه کویس جاسر طول عمره عنيد بس عندي أمل يفوق ويحس ده مأثر إزاي علي نفسية الولاد سلیم بالذات 
عبس کریم متشككا
.. هيا مراته بتعامل الأولاد إزاي 
ضحكت سالي هازئة
.. اللي عرفته أنه محرج عليها تحتك بالولاد وهيا أصلا مالهاش خلق على مراعيتهم 
زم کریم شفتيه مستاءا
.. بجد شخصية غريبة أوي أنا ممكن أعند في شيء يخصني إنما مصلحة ولادي دي مافهاش عند 
هزت سالي كتفيها وقالت هامسة
.. ده جاسر هوا صح إلى أن يثبت العكس وتطلع أنت اللي غلطان برضه 
قهقه کریم بصوت مرتفع وهز رأسه غير مصدقا وقال وهو يتأمل ملامح سالي المستاءة
.. وده كنت عايشة معاه إزاي!
سرحت سالي بأبصارها بعيدا عنه ولكأنما تذكرت فكيف لها أن تنسى كيف كانت الحياة إلي جوار هذا الصلد العنيد! وأقرت بحزن هامس
.. كنت بسمع الكلام 
ظل کریم ينظر لها مليا حتى قال
.. بس الجواز مش واحد يتكلم والتاني يسمع ياسالي الجواز اتنين يتكلموا ويتفاهموا 
هزت كتفها دون حيلة قائلة بسخرية مريرة
.. یعني أنت كنت
شوفتني كملت!
اقترب منها هامسا
.. أنا مش بقولك كده عشان كنت تكملي أنا بقولك كده عشان تتأكدي أنك كنت صح فن التجاهل عنوان أحد كتب التنمية البشرية التي تكتظ بهم مكتبة کریم والذي اعتادت إستعارة الكتب منه وكان لا يجد أي غضاضة في ذلك بل كان سعيدا بتلك الحالة من التفاهم والانسجام بينهما فلقد إكتشف ولعهما المشترك بنفس الأشياء القراءة والتريض ومشاهدة الأفلام الكلاسيكية القديمة ولشدة ولعها بذلك الكتاب منحها كريم إياه مازحا بأنه ارتكب أحد أكبر الحماقات في التاريخ إذ تبرع لها بالكتاب دون مقابل فالكتب بنظره ثروة کنز ثمين فكيف بصاحبه أن يتخلى عنه!
كانت بالماضي تختزن داخلها كل الذكريات والمواقف السيئة تعيرها حجما كبيرا وتقتطع منها طاقة هائلة للتعامل مع كم هذا المخزون ولكن بخطوات بسيطة استطاعت تنمية هذا الشعور الرائع بل هو الأروع على الإطلاق التجاهل فأصبحت المضايقات المتكررة التي تلاقيها على يد تلك المدعوة داليا تثير سخريتها وليس ڠضبها تجعلها ترى أي إمرأة مهزوزة ضعيفة هي بل توصلت لحقيقة الأمر إنها أضعف منها هي شخصيا إنها ك دون کیشوت تحارب طواحين الهواء تسوق قدماها نحو الماضي لتحارب أشياء ماټت واندثرت وكل هذا في سبيل أن تتوقف سالي عن الحضور اليومي وملاقاة أطفالها والتمتع معهم بوقتها رغم أنها لم تری جاسر سوی مرتان فقط خلال الشهرين المنصرمين وفي المرتين تحاشت الإحتكاك به لا خوفا منه ولا مراعاة لتلك الغيورة بل لخاطر أطفالها وها هي تقف تبتسم لها بسماجة قائلة
.. كويس أنك بتعرفي تيجي المشوار ده كل يوم 
نظرت لها سالي بطرف عيناها وابتسمت لها ساخرة ثم التفتت لسليم الذي كان يحملق بكتاب الرياضيات غاضبا وقالت
.. سلیم حبيبي متدایقش نفسك حل مسألة تانية فيه حاجات تأجيل مواجهتها بيكون أفضل مش لأنك مش قادر تحلها أنت بس ذهنك دلوقت مش صافي في الآخر متضيعش وقتك 
احمر وجه داليا وزمت شفتيها وقالت
.. طيب واضح أنكو مشغولين وأنا الحمل بيخليني أدوخ هروح أرتاح شوية 
لم تكن سالي لترد على عبارتها التي تظن أنها قد تستفزها بها كيد النسوة الضعيفة فلقد مرت هي بحمل وولادة ولديها بالفعل أطفال تراعهم وانتبهت سالي لصوت هاتفها الذي أخذ يعلو بالرنين فابتسمت وأجابت دون أن تدري بوجود تلك المتلصصة من خلف الباب
.. أيوا یا کریم . 
ثم ضحكت قائلة
.. لا متقلقش مش ناسية سبعة بالدقيقة نتقابل زي ما اتفقنا ونروح سوا 
وضعت داليا يدها على صدرها بفرح بالغ وهي تهمس لنفسها کریم أي مصېبة المهم تاخدك وارتاح   
كانت تنظر له غاضبة التغيرات التي طرأت على حاله فأصبح نزق المزاج مشتت كثير الانتقاد للمحيطين به ببساطة لكأنما خط فوق جبهته عبارة سريع الإشتعال فقالت بعند
.. دي رابع مرة أعيد فيها الشغل 
فقال زاعقا
.. إن شالله حتى عشرة يادرية 
رفعت حاجبها الأيمن بانتقاد قائلة بنبرة خاڤتة
.. لو سمحت يا جاسر متعليش صوتك عليا وتفهمني إيه اللي ناقص المرادي 
نفث غاضبا بلهب وهو ينزع ربطة عنقه الذي يشعر كأنها ټخنقه قائلا
.. أنا مش لسه هعلمك الشغل بادرية 
قامت درية وقالت بحزم
.. كويس أنك عارف وأظن أنت كمان عارف دقة شغلي وعشان كده لو سمحت اتفضل وقع على الورق عشان التأخير مش في مصلحة الشغل 
هز رأسه وقال بعند أكبر
.. لاء وسيبيه اسامة يراجعه طالما أنت مش عاوزة تعيديه 
نظرت له وملامحها تعلوها دهشة بالغة وتمتمت
.. ده كأني بتعامل مع أيهم 
هدر فيها محذرا
.. درية 
وضعت عويناتها وابتسمت له ببرود
.. نعم 
زم شفتيه وقال
.. علي التكييف واتفضلي على مكتبك 
نفذت ما أمرها به والتفتت له قائلة بنفس الإبتسامة التي قد تجمد مياه المحيط
.. أي أوامر تانيه!
أقر بما يمر به مرهقا
.. هاتيلي حاجة للصداع 
ألم يفتك برأسه منذ الصباح فأطفاله على وشك الانتهاء من العام الدراسي وقد بكت له سلمي على مائدة الفطور وصرحت له برغبتها بقضاء فترة الصيف برفقة أمها أما سليم فكان ينظر لها غاضبا وهمهم متبرما بس يا سلمى بابا أصلا مش هيوافق ولم يمتلك ردا سوى أن يغمغم لهم بأمر مقتضب للانتهاء من فطورهم وداليا لا تنفك عن محاولتها الحثيثة بالاقتراب منه واختراق الأسوار التي يصنعها حول نفسه وفي أوقات يجد نفسه ضیعفا للحد الذي يسمح لها باختراقها بقدر يسير فبالنهاية مالذي يمنع رجلا بتلقي الحب والرعاية من زوجته! ألأنه يرغب بتلقي المثل ولكن من أخرى أصبحت لا تعيره أي إهتمام أيسير بدربها كالمسكين خلفها يرجو منها شفقة ونظرة عطف لحاله وحال أطفالهما! ويلقبونه هو بالعنيد أيهما العنيد
سارت إلي جواره كطفلة صغيرة سعيدة تتلمس الجدران وبفضول تتجول في غرفه الواسعة بسرعة فائقة والبسمة المرتسمة على شفتيها أخبرته أنها أغرمت به فابتسم هو الآخر سعيدا ليس لأنهما أخير عثروا على مكان يناسب مشروعهما الصغير الذي يسعى حثيثا نحو النور ولكنه
لأنه أخيرا حاز على رضا تام منها صاح مبتهجا
.. واضح أنه المسطح عجبك 
هزت رأسها لتقول بسعادة
.. جدا 
اقترب منها وعقد حاجبيه بمكر قائلا
لا أنت كده هتخليه يعلي السعر علينا 
ضحكت وزمت شفتيها ورسمت تعبيرا غامضا على وجهها وظهر أمامها السمسار وقال بحفاوة
لا أظن أهوه في الآخر عملت اللي عليا وزيادة 
قالت سالي بنبرة متشككة
.. أنت شايف كده 
.. يعني أنا رأيي نبص على المكان التاني اللي قلت عليه 
بهت الرجل وأدار رأسه نحو کریم الصامت والذي كان يكتم ضحكاته قائلا
.. ما تحضرنا یادکتور ده موقع يشرح الروح هوا فيه بعد كده والناس طالبين فيه مبلغ مش بطال 
هز کریم رأسه موافقا وقالت سالي
.. لا لا السعر بالذات لو يعني لو هنتفق هيبقي فيه كلام تاني خاالص 
هز الرجل يده دون حيلة وقال
.. صدقيني يا دكتوره استحاله تلاقي حاجة أحسن من كده 
تدخل کریم في الحوار جادا
.. طب سيبني ياحاج مع الدكتوره وهنرد عليك 
قال الرجل يائسا
.. عموما إحنا ممكن نحرك السعر شويه بس بالكتير ٥ الآلآف مش أكتر 
وصلا كلاهما لحيث سيارة كريم المرصوفة وودع الرجل بتحية حارة وهو لازال يكتم ضحكاته حتى اڼفجر قائلا
.. إنت مش ممكن ممثلة درجة أولى 
عبست بوجهه قائلة
.. مش أنت اللي قولت كده هيعلي علينا 
هز كفه نافيا وهو يضحك ممازحا إياها
.. ڼصابة درجة أولى ده الراجل طول الطريق لعربيته عمال يقنع فيا نقبل وهينزل السعر أكتر 
ضحكت سالي قائلة
لا من بعض نصائحكم 
فتح كريم السيارة وقال داعيا إياها للصعود
.. لا يالا طيب أوصلك في سكتي 
احمرت وجنتا سالي وقالت
.. مافيش لزوم تتعب روحك أنا هاخد تاکسي 
نظر لها کریم مليا فهي دوما ترفض بشكل مبطن مرافقته لأي مكان بسيارته وهو كان لا يمانع إذ أنه يجد من غير اللائق دفعها للقيام بأمر لاتحبذه فقال عابسا
.. طب ماتجيبلك عربية بدال ۏجع القلب ده همت 
لتسخر من تلك الفكرة ولكنها تذكرت إمتلاكها لملايين وإمتلاك سيارة لن يؤثر على ميزانتيتها ولكنها مع ذلك قالت
.. ناوية بإذن الله أول ما أحوش مبلغ محترم أدفعه مقدم 
فتح لها كريم الباب وبعند قال
.. طب اركبي أوصلك لأقرب مكان حتی وبطريقتي السحرية هقنعك أنه من الطبيعي تستغلي الفلوس في حاجات تانيه بخلاف المشروع الخيري 
هزت سالي رأسها دون فهم فكيف إستطاع الولوج لعقلها ومعرفة السر الذي يمنعها من تحقيق رغبتها وبالفعل صعدت السيارته وما أن صعد هو الآخر حتى قالت للدفاع عن نفسها
.. على فكرة الموضوع مش زي ما أنت فاكر وأنا . . 
قاطعها كریم قائلا
.. من مبادىء الإحسان والخير أنه الواحد يحسن لنفسه الأول یا سالي عشان تقدري تدي لازم تاخدي ده أمر ضروري عشان ما تهدریش طاقتك 
عقدت سالي حاجبيها وهي تفكر في مغزی کلماته فتابع هو
.. العربية دي وسيلة تسهل عليك الانتقال من مكان للتاني مهمة ليك وللولاد كمان فرضا لا قدر الله أي حاجة حصلت بسرعة هتعرفي تكوني معاهم 
ظهرت إمارات الإقتناع على وجهها حتى قالت بامتعاض
.. أنت معاك حق بس الحقيقة إني حتى نسيت السواقة وبقالي زمن مسوقتش عربية 
قال كريم ببساطة وبإبتسامة واسعة
.. وأنا رحت فين 
كعادته مؤخرا طبع قبلة دافئة على جبين صغاره وهم نائمون وقبل أن ينصرف متجها لغرفته ليبدل ملابسه باغتته الصغيرة بعناق وغمغمة هامسة محلاة بطعم أحلامها البريئة
.. أنا بحبك يا بابا 
توقف عن الحراك للحظات وضمھا لأحضانه مرة أخرى ودثرها جيدا وهو يغمغم لها
.. وأنا بحبك ياقلب بابا 
ثم اتجه لفراش أخيها مرة أخرى وقبل جبينه مرة أخرى قائلا بهمس
.. بكرة تكبر وتعرف أد إيه أنا بحبكوا 
خطواته كانت متعبة في الواقع مذنبة مهما ابتعد بعناده السافر سيعود لأرض الواقع ليقر بحقيقة لاجدال فيها يفتقدها ويفتقد لذة أمان أحضانها حوله وحول صغاره عنادا بات مرا كالعلقم عندما يستيقظ صباحا ليجد أن من تحوطه بأحضانها أخرى يجد نفسه غريبا عنها مهما حاولت هي الاقتراب وجدها تنتظره بغلالة إرجوانية تكشف الستار عن مفاتنها وعطرها النفاذ يستبقها لتستقبله بأحضان حارة وعلى النقيض استقبلها هو ببرود جم قائلا بصوت متجمد كعضلات جسده
.. لسه صاحية ! 
ابتسمت له بافتنان
.. أنا حتى لما بكون زعلانه منك بعمل نفسي نايمة بس مبقدرش يغمضلي عين وأنت مش في حضڼي 
هز رأسه واتجه بصمته نحو الخزانة ليخلع سترته ليجد أن أناملها امتدت واقټحمت فتحة قميصه لتتولى هي خلعه عنه فغمغم بضيق
.. داليا أنا . . 
قالت بهمس
.. أنت محتاج مساج من بتوع زمان فاكر 
موسم الإمتحانات عبارة تلخص معاناة كل أسرة أو بالأصح أم مصرية ولم تكن درية مستثناة من تلك القاعدة ليس لأنها تخشى حصول أبنائها على درجات متدنية فهي تؤمن بأن النجاح بالمستقبل يظل بید من يسعي له حتى آخر رمق ولو
كان بآخر لحظة ولكنها تخشی توابعه فوقت الفراغ الذي يقضيه أبنائها بعد حصولهم على إجازة العام كان دوما أمرا شاقا ينتهي بتدخل والدها الضاري والذي يسعد به الأحفاد أفكار انغمست بها حتى أنها لم تلحظ أنه كان يراقبها لدقائق منصرمة وهي تحيط نفسها بعدة أوراق وملفات وأصابعها تعبث بها بطريقة عشوائية ليست من شیمها وعندما لاحظته أخيرا ارتسمت على وجهها نظرة مؤنبة وقالت
.. خیر یا باشمهندس!
اقترب منها مانحا إياها إحدى نظراته الماكرة دون حساب قائلا ببسمة متواضعة
.. أبدا كنت جاي لجاسر 
قالت وكأنما تهذب طفلها المشاكس
.. أظن أنت عارف أنه بقي بيتأخر الصبح شوية 
هو كان يدرك تلك المعلومة إذ أن أخيه بحالة نفسية سيئة بعد رحيل أمهما فأصبح يستغرق وقتا في الاستيقاظ والتوجه بهمة لعمله ولدافع قوي ليعود لمنزله البارد دونها ودون طيف زوجته السابقة فقال وهو يهز رأسه بهدوء
.. طيب أن هدخل استناه جوه وهاتي البوسطة أمضيها 
عبست بتوتر
.. علي أي أساس يعني 
غمز بعيناه وقال وهو ينصرف لغرفة جاسر
.. على إعتبار ما سيكون 
ضمت حاجبيها پغضب وقامت لتتبعه بعند قائلة
.. بس جاسر مدانیش أوامر بكده 
الټفت لها هازئا
.. أصل الحاجات دي بتحصل فجأة يعني زي الخطوبة كده 
نکست رأسها وقالت باستسلام
.. أنا متخطبتش يا أسامة 
اقترب منها ليقول حانقا
.. ماهو ده بقى اللي عاوز أفهمه علي أي أساس كان بيتكلم البأف ده 
ڼهرته بشدة
.. متقولش عليه بأف 
استشاط ڠضبا هو الآخر وزعق بها
.. نعم يا أختي 
فغرت فمها بذهول وقالت مؤنبة
.. أسامة 
ثم انتبهت لزلة لسانها ريثما اقترب منها بل في الواقع اقترب بشدة حتي بات يخترق بأنفاسه حجابها الحاجز وهو يقول بهمس دافئ
.. يا عيون أسامة 
وتدافعت قدماها نحو الخلف هارية بخطوات سريعة كتدافع الډم لوجنتها
.. أنا ورايا شغل
بذهن مشوش إنصرف من عمله كما أتی صباحا تاركا درية تنظر لإثره بشفقة بالغة عائدا للقصر الذي يدرك أنه في تلك الساعة تكون هي قد غادرته منذ قليل ورسالة نصية من داليا تخبره بوجود عطل ما في شقتها وأنها ستغيب عنه تلك الليلة رغما عنها فاستقبلها براحة تامة فهو بحاجة للاختلاء بنفسه ولكنه لا يدرك ألسوء حظه أم لقدره السعيد دلف لغرفة أطفاله ليجدها لازالت برفقتهم فاستقبلته ببرود وقالت هامسة خشية أن توقظ الأبناء وهي تهرب من صحبته نحو الخارج
.. سلیم بكرة عنده إمتحان فضلت قاعدة جمبه لحد مانام 
تبع إثرها وأغلق باب الغرفة وقال بهدوء مستفسرا
.. إمتحان إيه
التفتت له وارتسم على وجهها رغما عنها ملمحا ساخرا
.. ماث 
عقد حاجبيه ليقول بحنق
.. مش معنی أني مش عارف يبقى كده أنا مش مهتم هيا الفكرة إني واثق بأنك واخده بالك منهم فمكفرتش لما ريحت دماغي من جهة ولا حرام أرتاح من الفكر شوية 
زمت شفتيها وقالت بصلابة
.. بإيدك ترتاح من الفكر تماما وتسيبهم معايا
اقترب منها قائلا بعند أكبر
.. عشان لما يكبروا يحسوا أني رميتهم 
توترت أنفاسها وقالت بحنق
.. ده اللي انت بتفكر فيه شكلك قدامهم! مبتفكرش أنهم طول النهار هنا في رعاية الدادات جدتهم الله يرحمها وأنت بترجع بعد العشا وكلها أسبوع ويخلصوا مدرسة مين هيراعيهم طول الوقت!
قال مدافعا عن نفسه وهو يشعر بالڠضب يختنق أنفاسه
.. أنت اللي سيبتيهم وجاية دلوقت تقولي مين هيراعيهم مفكرتيش في ده قبل كده ليه 
شددت قبضتها على حقيبته المعلقة على كتفها وقالت
.. طبعا ماهو الذنب ذنبي لوحدي وحضرتك خالي من أي مسئولية 
تهكم منها بضحكة خاڤتة
.. وأنا لما أسيبهوملك كده أبقى شيلت المسئولية 
اقتربت منه دون خوف وأمسكت بذراعه في لحظة أطلقت لڠضبها منه العنان
.. أنت بتعمل كل ده عشان حاجتين بس مالهومش تالت عندك وإحساسك بالعظمة وأنه مهما كان أنا دوري على الهامش في حياة الولاد 
نظر لكفها الرقيق الذي يحيط بذراعه بقبضة واهية وأمسك به فأجفلها وقال بصوت أجش هامس وهو يقربه من شفتيه ولثم باطنه بحرارة تختلج صدره شوقا
.. كده يبقوا ۳ حاجات ياسالي والتلاته غلط 
ارتجفت شفتيها بل ارتجف جسدها كله كأنما أصيبت بصاعقة كهربائية لا قبلة صغيرة دافئة الملمس حطت على كفها الصغير القابع بين أنامله القوية لتفترش ذكرياتها البعيدة والقريبة قلبها لينوح بصړاخ يدوي بالشوق إليه رغما عنها فسحبت كفها بغتة وكذلك خطواتها لهروب نحو الخارج ودموعها تستبق الرحيل من مکمن جفونها المرتخية بعيدا عن أي شاهد ..من كان يظن أنه لا يستطيع التنقل داخل حجرات القصر بحرية ويقبع منتظرا وصول أخيه بغرفة الصالون كأي ضيف لا لأنه ليس على وفاق مؤخرا معه أو لأن والدتهما قد رحلت بل لأن اخيه أصبح متزوجا بتلك الحية الرقطاء التي استقبلته بإبتسامة بارده وعللت عدم قدرتها بالترحيب به كما يجب بسبب حملها المزعج الذي كثيرا ما يسبب لها الغثيان وكأنه يأبه لها ولغثيانها تلك اللعېنة ! لو كانت سالي مازالت
زوجته حتى الساعة لما شعر بحرج أفكار مريرة تناوشه تذكره بما خسره وبما تبقى له وتشعره بالنهاية أنه غاية في الضالة إن كان يشعر بالغربة بمنزل طفولته فكيف يشعر الطفلان ببعدهما القسري عن الحنون أمهما نظر لأعينهما المتسعة البريئة وابتسم لهم إبتسامة صافية من قلبه قائلا
.. هاه أخدتو الأجازة ولا لسه 
هزت سلمى رأسها بحماس قائلة بفرح
.. أخدتها بس سليم لسه أخدها النهارده كان عنده امتحان ماث 
الټفت له زیاد قائلا
.. وعملت إيه في الإمتحان یا سليم 
رد سليم بفخر
.. حليته كله صح ماما كانت مراجعه معايا كل المسائل 
رد زیاد بدهشة
.. هيا ماما بتيجي هنا 
ابتسم الطفلان وقالا سويا
.. آه كل يوم 
هز زیاد رأسه بتقدير بالغ فيبدو أنه قد بخس سالي حقها إنها أم بالفطرة ولم تكن تلك الحية ولا ذاك الرأس الصلد المتحكم بأفعال أخيه بعائق لها وانتبه لوجه أخيه وهو يحدق به بدهشة فقام وقال بسخريته المريرة
.. أرجو مکنش بتطفل 
عبر جاسر باب الغرفة سريعا وقال بضيق
.. وقاعد في الصالون ليه فكرت جالنا ضيف 
زم زیاد شفتيه وقال
.. ماهو أنا فعلا بقيت ضيف 
أسامة قالي أنك مصمم تشتري نصيبنا 
الټفت جاسر لأطفاله وقبلهم وأمرهم باستباقه لغرفة المعيشة وما أن أطاعاه حتى الټفت لأخيه قائلا بإصرار مټألم لسوء ظن أخيه به 
.. لأن مش من حقي أقعد فيه أنا وعيالي من غير ما أديكم حقكم فيه لكن ده هيفضل بيتك يا زياد متجيش تقعد في صالونه زي الأغراب 
تنهد زیاد وقال بشبه اعتذار
.. عموما أنا مكنتش هطول أنا جيت أسلم عليك أنت والولاد وحشوني كمان أنا رجعت إسكندرية بشكل دایم 
عقد جاسر حاجبيه وقال
.. والكافية 
رفع زیاد حاجبيه دهشة فاستطرد جاسر
.. ناس معارف قالولي أنك شارکت واحد وفتحت کافية في القاهرة 
ضحك متهكما وقال
.. قصدك جواسيس عموما لو كنت استنيت شوية كانوا قالولك إني رجعت عشان أفتح فرع تاني هنا وفي الوقت الحالي بنجهز فرع في شرم 
هز جاسر رأسه بتقدير ومد يده ليصافح أخيه الأصغر قائلا بصدق
.. مبروك 
صافحه زیاد وتابع بنفس النبرة الساخرة
.. عقبال ما أباركلك على المولود قابلت مراتك وبلغتني 
تلاشت ملامح الود من على ملامح جاسر سريعا وارتسمت بدلا منها مشاعر الڠضب والضيق فتابع زیاد بنبرة متوترة
.. برغم كل اللي بينا يا جاسر أنا فعلا مشفق عليك 
رد جاسر بصلابة
.. مافيش حاجة بينا يا زياد أنت هتفضل أخويا مهما كان وأنا کویس الحمد لله وفر شفقتك 
ابتسم له زیاد وقال وهو يدفعه لأحضانه
.. من قلبي بتمنى تكون كويس
.. والله بقينا مشغولين ومش فاضيين يا ست سالي 
قالتها مازحة وهي تعبر سياج الحديقة الصغيرة المحيطة بالممشى المستطيل داخل النادي فالتفتت لها سالي وقالت ضاحكة
.. والله يا آشري بجد معنديش وقت خالص وبالعافية بلاقي وقت للولاد حتى بقالي أسبوع معتبتش النادي 
عبست آشري وهي لا تزال تشعر بالحنق من صديقتها
.. ولا حتى تليفون وبعدين ليه كل ده 
فمضت سالي تسرد عليها مجريات حياتها مؤخرا وما توصلت له و حتى اليوم فهتفت آشري بحماس
.. الله بجد مرکز خيري بریلانت جود فور يو أنا مبسوطة عشانك أوي 
ابتسمت سالي بود وقالت
.. بس متتخيلیش الموضوع مرهق أد إيه ولولا كريم أنا كنت ضيعت 
التفتت لها آشري وقالت بنبرة ماكرة
.. کریم مین کریم 
احمرت وجنتا سالي رغما عنها وقالت بتوتر لا تدري سببه
.. ده مدير المركز اللي بشتغل فيه وصاحب الفكرة الحقيقة وصمم إنه يكون المدير المالي ده غير أنه ساهم معايا بمبلغ كده بس هوا شخصية محترمة جدا 
ضحكت آشري وهي تراقب ردة فعل الأخيرة وقالت
.. سالي وشك أحمر خالص 
عقدت سالي حاجبيها غاضبة وقالت
.. ده من الشمس على فكرة وبعدين مافيش اللي في دماغك ده 
نظرت لها آشري بحنان وقالت بتصميم
.. على فكرة ده من حقك تعيشي حياتك بالشكل اللي تحبيه من غير قيد ولا شرط كفاية جاسر عايش حياته بالطول والعرض 
جلست سالي على أقرب مقعد وقالت بهدوء
.. أنا مش بفکر کده خالص والموضوع مش رد فعل ولا باي باك کریم انسان محترم وأقرب لأخ وقف جمبي كتير زي ما أنت وقفت جمبي مش أكتر 
هزت آشري كتفها وارتشفت القليل من قنينة المياه التي تحملها وقالت
.. أنا بتكلم إن جينرال مستقبلا متحسيش بتأنيب ضمير ولا تعقدي الدنيا يا سالي موف أون الدنيا مبتقفش على حد 
هزت سالي رأسها وقالت بمرارة الفقد التي تستشعرها دوما
.. حاليا واقفة على ولادي نفسي أغمض عين وافتحها الأقيهم في حضڼي 
ربتت آشري على كتفها
.. هيرجعهوملك وبكرة تقولي آشري قالت 
نفضت سالي رأسها وكذلك نفضت الدموع بعيدا عن عيناها ووقفت قائلة
.. أنا أتأخرت يادوب أقضي نص ساعة في الجيم عشان ألحق أطلع على المشروع 
سارت آشري لجوارها قائلة بمزاحها المرح
.. وأنا هاجي
معاكي وأتمنى تقبليني شريكة متواضعة وتقبلي الشيك اللي هيديهولك ولا أخلي كلامي مع دکتور کریم 
وکزتها سالي بغيظ وسارتا ضاحكتان وكلا منهما تفكر بالشريك الغائب الموصوم بلعڼة آل سليم رغما عن كرامتهما الجريحة
ما كانت تخشاه بالفعل واقعا متجسدا أمامها فقط بهيئة أكثر إثارة متمثلة في جسد فارع وحلة رياضية ونظارة شمسية تخفي ورائها نظرة ماكرة وأبيها يعلنها واضحة
.. طارق عرض عليا ياخد الولاد في رالي 
کررت ورائه ببلاهة وهي تحاول إستيعاب الأمر وكيفيه سوق رفض لائق وقاطع في الوقت ذاته خاصة مع أعين صغارها المشټعلة بحماس
.. رالي ! 
استطرد طارق وهو يخلع نظارته وإبتسامة تعلو ثغره
.. رالي ده سباق عربيات 
قاطعته بحدة
.. أنا عارفة الرالي  السؤال فين
اقترب منها مهدئا قائلا بصوته العميق وعيناه تبلعان تفاصيلها البسيطة والمغرية في الوقت ذاته
.. متقلقيش على بعد خمسة كيلو بس من المزرعة وياريت تيجي معانا هتنبسطي أووي 
تعالت صيحات ابنها الأوسط مشجعا
.. ياريت يا ماما هتنبسطي جدا صدقيني 
تبعها تأكيد من الأكبر أن الأمر مشوقا أما الصغير فلم يتسنى لها فعل أي شيء تجاه حماسه المنقطع النظير إذ قفز يتسلق کتف طارق صائحا بابتهاج والتفتت لأبيها ونظرتها المخيبة للآمال استقبلها هو ببراءة تامة قائلا
.. ما هو الولاد أخدو الأجازة ومش معقول هيفضلوا محبوسين في المزرعة وفرصة أنت النهاردة أجازة 
نعم بالفعل الكثرة تغلب الشجاعة بل ما غلبها حقا في تلك اللحظة عيناه الباسمتان وصوته الذي خصها فقط بهمس صادق لم تلتقطه سوى أذنيها
.. أرجو متعتبريهاش تطفل مني لأن في الواقع دي طريقتي للاعتذار 
انسابت ضحكاتها العذبة تحملها نسمات النسيم ورغم الفراق لم يكن لينساها وزاد إفتقاده لها فسار ببطء نحوها فهو يعلم أنها عندما تراه سوف تخفت تلك الموسيقى وتبهت إبتسامة وجهها ولم تكن تلك رغبته أشارت له صغيرته بتحية من قبضتها الصغيرة وتدافعت خطواتها نحوه والتفتت لتراقب تقدمه الحذر بدهشة فعبست رغما عنها وساورتها الشكوك رفع سلمي في الهواء بقوة ودغدغها تحت أنظارها المحملقة به بغرابة فهيئته كانت غريبة بعض الشيء إذ تخلى عن حلته الرسمية بل وسرواله الكلاسيكي ليستبدله بآخر كاكي قصير وقميصا قطنيا بلون أزرق اقترب أكثر ولاحظت لحيته النبتة واشتاقت رغما عنها لملمسها الخشن ولم يسعها إلا أن تلاحظ أيضا نظرة عيناه الماكرة  تبا له يعلم جيدا تأثيره عليها ونبرة صوته تمتع بالعبث إذ قال بابتسامة جانبية
.. إزيك يا سالي 
پغضب متصاعد ودت أن تقول أحسن منك ولكنها ستكون كاذبة وسترقد في ظلمات الچحيم بكذبتها تلك فتنحنحنت واستجمعت أعصابها المتقافزة قالت بهدوء رصين بعد برهة
.. الحمد لله 
جذب کرسيا بالمقابل لها وجلس بأريحية متسائلا
.. فين سليم 
ردت صغيرته بالنيابة عن أمها
.. لسه ماخلصش تمرین 
قامت سالي فجأة وقالت وهي تهرب بدقات قلبها التي فقدت إيقاعها السليم
.. أنا هروح أشوفه خليكي هنا مع بابا يا سلمی
قام بدوره وقال ببساطة
.. نيجي معاكي أنا عاوز أشوفه أنا كمان 
عبرا البوابة المعدنية ليدلفا سويا عبر المكان المخصص لتدريب الكارتية وتشاغلت سلمى باللعب مع فتاة أخرى تماثلها عمرا تحت أنظار سالي التي تراقبها صامتة وفي الوقت ذاته تمنح بكفها تحية مشجعة لسليم والذي كان يبلي بلاءا حسنا بتمرینه خاصة بعد أن رأى طيف جاسر يراقبه هو الآخر ويمنحه تشجيعا إضافيا ظلا صامتين وإن كانت عيناه كالصقر لا تخفي عنه شاردة منها حتى قال بصوته الأجش
.. سليم لعبه اتحسن في الكام دقيقة اللي إحنا واقفين فيها سوا أنا وأنت 
ردت بعند متجاهلة تلميحه المبطن
.. هوا سليم دايما كده بيبتدي التمرين عنده رهبة وبعدين بيكمل کویس 
الټفت لها وقد ضاقت عيناه وقال
.. قاوحي يا سالي واعندي وأركبي دماغك زي ما أنت عاوزة وكل ده وأنا صابر عليكي عشان مسيرك ترجعي ليا وللولاد 
احمرت وجنتها بشدة الغيظ واحترق قلبها پألم الغدر وقالت بمرارة النبذ مستنكرة
.. أنا ! أنا اللي بعند وأنت أنت اللي صابر یا جاسر! كتر خيرك هقولك إيه غير كده 
زم شفتيه وقال مؤكدا
.. هترجعي إمتی یاسالي مش كفاية كده أنا كل ده وسايبك بكيفك 
نفثت بلهيب الڠضب
.. مش هرجع يا جاسر 
وضع ساقا فوق الأخرى بعنجيهته الفطرية
.. عند يعني مش أكتر 
مضت تراقب أطفالهما لترسل أنظارها بعيدا عنه في محاولة فاشلة للتجاهل قائلة بسخرية
.. آه عند 
ضحك متهكما فيهدي محاولتها صڤعة مدوية إذ بائت بالفشل
.. وهتترهبني من بعدي ياسالي خليكي حقانية عمرك كله هتقضيه وأنت بتحاولي تنسيني ومش هتقدري إستحالة تقدري 
عادت أنظارها لتستقر دون تصديق على ملامح وجهه الواثقة والتي أهدتها إبتسامة واسعة ولجم لسانها وفتأت تحاول أن تجد ربما ولو شق كلمة لترد بها على غروره الوقح فتمحي بها آثار إبتسامته الواثقة دون رجعة ا ولكنها بائت بالفشل فاحمر وجهها أكثر وأكثر فأشفق عليها واستحوذ على كفها فجأة وربت عليه برفق ورفعه
ليلثمه مرة أخرى في غضون أيام قليلة ويرسل المزيد من الشحنات التي أتت على ما تبقى من تماسكها الضعيف ورغما عنها أغلقت عيناها بقوة لتمنع سقوط مزر لدموع لا تستطيع التحكم بها وقامت فجأة قائلة بقوة
.. أنا هروح أسأل لسلمي عن معاد تمرینها...
أتراها تنساه يوما كيف وقلبها معلق بقطعتان تشبهانه راقبت انصرافهما بصحبته بقلب ينوح بعذاب صامت وأعين صغارهما معلقتان بظلها كرهته في تلك اللحظة أيما كراهية هو من يمزقهم بعناده ويدعي بعد كل ذلك الصبر ! فأني لها هي بالعودة والتراجع عن حياتها الجديدة! 
سارت ببطء دقات قلبها عائدة لمنزل عائلتها مشيا على الأقدام صراعها الداخلي كان أكبر من سعة صدرها والدموع تنهمر من مقلتيها بلا حساب ولا رادع حتى مع نظرات المارة المتعجبة نهرت نفسها مرارا وتكرار ولكن لا فائدة لحسن حظها عندما وصلت للمنزل لم تجد أمها في انتظارها فلابد وأنها في زيارة لأختها الكبرى فاتجهت قدميها دون أن تشعر لملاذ والدها الراحل حاولت الاعتناء بزهوره وزروعه ولكنها لم تكن ناجحة بقدره ومع ذلك استطاعت الإبقاء على بعض المزروعات القوية والتي لا تتطلب جهدا في الرعاية.
مرت سريعا وهي تتفقد حالتهم وانشغلت أناملها بحالهم وكذلك عقلها لكن القلب كان لا يزال يأن من وقع كلماته القاسېة تمتمت لنفسها بحنق جم صابره ثم جلست على الأريكة الخشبية لترتاح قليلا وربما يرتاح عقلها من تكرار كلماته على مسامعه ثم أتاها صوت العظيمة كوكب الشرق لكأنما تواسيها وتشد من أزرها وهي تصدح بأغنيتها الرائعة فات الميعاد وتجد نفسها رغما عنها تنساب دموعها من جديد تحت وطأة كلمات أم کلثوم العذبة المعذبة بيني وبينك هجر وغدر وچرح في قلبي داريتوه آآآه  بيني وبينك ليل وفراق وطريق أنت اللي بيدتوه آآه وهمست لنفسها وهي تمسح دموعها بقوة أنت اللي بديت ياجاسر والبادي أظلم  لا تعلم إن كان رد فعل على حوار الأمس أم هو بالفعل الطريق الذي يجب أن تنشد لتتخطاه نحو حياة بلا رجوع موافقتها الفورية أثارت تعجبه ودهشته إذ توقع أن ترفض بحمرة خجل وتحفظ عهده دائما بها فقال مرة أخرى ليتأكد
.. یعني على تلاتة كده نروح سوا بعربيتي!
هزت رأسها قائلة
.. خليها تلاتة ونص یا کریم أكون خلصت كل الحالات اللي عندي 
هز رأسه ضاحكا
.. خلاص تلاتة ونص نروح نقابل صاحب الشركة وإن شاء الله التوريد خلال أسبوع بالكتير 
ابتسمت له وهي تعود مرة ثانية للحالة التي تتابعها
.. إن شاء الله 
خرج من غرفة العيادة منتشيا بسعادة لا يعرف سببها الفعلي يعلم بأنه يخطو بخطوات متسرعة على أرض متصدعة ولكن ليس هنالك على الفؤاد سلطان  
وبغرفتهما كانت تدلك بتدليك صباحي سريع لكتفه رفضه بضيق أنفاس قائلا
.. أنا اتأخرت یاداليا 
عبست بوجهه بدلال وقالت
.. إن كان عليا مش عاوزاك تروح الشغل النهاردة فيه مشوار مهم لازم نعمله سوا 
قضب حاجبيه متعجبا وقال
.. مشوار إيه 
وضعت يدها على كتفيه من جديد وقالت بعيون راجية
.. جاسر من أول ما حملت وأنت مروحتش معايا ولا مرة للدكتور إيه منفسکش تشوف البيبي
ابتسم ساخرا وتمتم
.. وهشوف فيه إيه ده لسه يادوب 
عبست پغضب وقالت بدموع تماسیح
.. أنا كان قلبي حاسس أنك مش هتحبه قد حبك ل 
فقاطعها زاعقا
.. داليا من غير مزایدات كلهم ولادي وحبي ليهم مبيتجزأش مش عاوز اسمع الكلام السخيف ده تاني 
اقتربت منه سريعا وريتت على وجنته وقالت لتدر عطفه وشفقته
.. یعني هتيجي معايا النهاردة محتجالك أووي جاسر دي أول مرة أكون أم أنا 
فقاطعها مرة أخرى بنفاذ صبر
.. خلاص يا داليا الساعة كام معاد الدكتور 
ابتسمت له إبتسامتها الساحرة وهي تطبع على وجنته قبلة خفيفة
.. يعني عدي عليا الساعة تلاتة كده 
ابتعد عنها وهو يهز رأسه
.. تمام تلاتة بالدقيقة تكوني جاهزة ومستنياني تحت  
كانت بطريقها نحو المصعد لتتجه للدور الرابع حيث مكتبها ولكن شيئا ما حث قدماها على التوقف ولا تدري أهو نداء قلبه أم قلبها الذي جعلها تستدير تلقائيا للخلف لتراه يقف على بعد أمتار قليلة بذلة غير رسمية وقد نبتت لحيته ومنحته مظهرا ناضجا فاقترب منها بنظرت عيناه الثاقبة وخطواته الواثقة قائلا
.. إزيك يا آشري!
استجمعت دقات قلبها الخافقة بسرعة وردت
.. الحمد لله إزيك أنت یازیاد 
صمت لوهلة وقال
.. أنا الحمد لله أحسن 
وساد الصمت بينهما لفترة أطول لكأنما فقد الإثنان النطق وكلاهما يخوض صراعا مابين تحذيرات العقل واشتیاق القلب حتى أمسك هو بزمام المبادرة وقال بصوت هادیء
.. أنا كنت جاي أعزمك على حفل افتتاح الكافية بتاعي 
ارتفع حاجبيها دهشة وقالت
.. فتحت كافية ! 
ابتسم بود قائلا
.. في الواقع هيا سلسلة فرع في القاهرة واسکندرية وحاليا بنجهز أنا وشريكي لفرع في شرم 
هزت رأسها وقالت بفرح صادق
.. مبرووك یا زیاد 
استطرد سریعا برجاء
.. النهاردة الساعة سبعة 
ورغما عنها انسابت الكلمات منها مؤكدة
.. أول
ما أخلص شغلي أكيد هاجي 
ولم يكن بينهما وداع إذ قفزت قدميها بهروب نحو المصعد وهي تلوم نفسها على موافقتها السريعة بينما وقف هو يراقب انصرافها بدقات قلب مضطربة دقات الساعة نبهته بالإضافة لإتصالها الملح فوضع القلم جانبا ورتب أوراقه وجمعها ورد على إتصالها الملح للمرة الثالثة على التوالي قائلا بتبرم
.. الساعة لسه اتنين یا داليا 
قالت بدلالها المصطنع
.. ما أنا بس بتأكد إنك مش ناسي 
قال بحزم ليقطع الإتصال بعدها
.. تلاته یا داليا هكون عندك 
وكعادته لا يخلف موعدا قط حتى لو كان يشعر بثقل يخدر أوصاله جنينا ينمو بأحشاء إمرأة لم يخطط لأن يكون إرتباطه بها أمرا واقعا ومتجسدا لتلك الدرجة خاصة وعقله بل وقلبه مازال معلقا بأخرى نظر في ساعته الثمينة وارتقب بعدها خطواتها المتسارعة نحو سيارته وما أن قفزت بداخلها حتى قالت بعتاب
.. طيب مش كنت تدخل تستناني جوه ! 
فقال متهكما وهو يقلع بالسيارة
.. هتفرق إيه وبعدين أنا قلتلك تلاتة بالدقيقة 
نظرت له بطرف عيناها مستنكرة
.. ياسلااام ولو كنت أتأخرت يا جاسر 
قال حازما
.. كنت هرجع شغلي يا داليا 
عبست وظلت واجمة لفترة حتى قالت
.. جاسر أنت بجد حاسس بأبوتك للطفل ده 
تأفف بصوت مرتفع قائلا
.. داليا الأوهام اللي في دماغك دي أنا مش مسئول عنها ودلوقت بقى العنوان فين ولا هنفضل ماشيين تايهين کده کتیر 
قالت بصوت مستكين
.. خليك ماشي على طول بعد الإشارة على شمالك ادخل 
فعل مثلما أرشدته حتى وصلا للإشارة المرورية وتوقف السير بأمر من الضوء الأحمر الذي قد يطول لدقائق عدة فهم بالحديث معها مجددا ليمحو أثار شكوكها المٹيرة للشفقة بداخلها ولكنه لم يسعه سوى التحديق بقوة للمشهد المتجسد أمامه لزوجته السابقة تقف بصحبه أحدهم يتضاحكان سويا وبالقرب منهما إشارة إعلانية لمركز علاج أسنان شهير فما كان منه سوى أن يترجل من سيارته بخطوات مسرعة غير عابیء للمارة ولا للسيارات التي بدأت في إصدار أصوات معترضة بأبواقها إذ توقف ذلك المچنون فجأة عن الحركة والشارة الضوئية أضحت خضراء ولا لصوت داليا الذي ارتفع هاتفا بإسمه مستنكرا فجل ما كان يتملك عقله في تلك اللحظة لم يكن سوی شیطان أسود وخلفه قلب يضج بلهيب عڈابه وتملكت أنامله رقبة ذلك الفارع عبر ياقة قميصه حتى كاد ېخنقه وتعالت صړخة سالي فزعة قائلة
.. جاسر . . أنت اټجننت أنت بتعمل إيه!
فدفعه ذلك الفارع ونهره
.. فيه إيه يا جدع أنت!
أيسأله مالخطب  يقف على قارعة الطريق يتضاحك معها تحت أنظار المارة بل وتحت أنظاره ويسأله ما الخطب! فما كان منه إلا أن لكمه بقبضته القوية فأصاب جانب وجهه الأيسر پعنف حتى كاد خصمه أن يسقط مترنحا لولا قوة جسده زاعقا به
.. دلوقت أنا هعرفك في إيه 
صړخت سالي بقوة
.. جاسر ! 
الټفت لها ولم ينتبه لذلك الذي استعاد توازنه بسرعة مذهلة وعالجه بقبضته القوية التي أسقطته أرضا فصړخت سالي مرة أخرى ولكن تلك المرة بإسم غريمه
.. کریم أستنی 
قام ليمسك بتلابيب ذلك الكريم ليريه وضاعة مكانته بالمقارنة به وانخرط الإثنان بعراك دام تدخل المارة لفضه وبالفعل نجح أحد الرجال بعد معاناة لمنع الإثنان من الإقتتال مجددا ودفعت سالي بنفسها نحو سيارة كريم وتولت هي مهمة القيادة بصحبة كريم الذي أصاب وجهه تشوها كبيرا لا يقل عن التشوه الذي الاقاه الآخر على يديه والذي مضى يراقب انصرافهما بأعين مستعرة ثم الټفت لينتبه أن أصوات الأبواق قد خفتت وأن سيارته توقفت على الجانب وداخلها داليا التي تولت مقعد القيادة وتحرك بخطوات مسرعة نحوها وما أن اقترب وهم بفتح الباب حتى نظرت له غاضبة وقادت السيارة مبتعدة عنه تاركة إياه يحدق بها بذهول حانق  مرت الدقائق بصمتها الثقيل حتى قطعته هي بهمسها الرقيق
.. کریم أنا آسفة 
نظر لها قائلا بإبتسامة حانية
.. بتعتذري على إيه 
تنهدت بحيرة
.. أنا مش عارفة بجد إيه اللي حصل جاسر 
وصمتت لم تدر بأی حروف تكمل ولا كلمات تتابع حديثها فما فعله بعيدا كل البعد عن إتزانه ورصانة تصرفاته بل وغروره البارد أحيانا فاستبدل کریم حيرتها بعبارة تشجيعية
.. سواقتك اتحسنت عن الأول كتير 
ضحكت ساخرة بمرارة من نفسها
.. على الرغم إني مش مركزة بالمرة 
نظر لها مليا ثم قال بدفء
.. أنا معاكي ومركز
تأوه رغما عنه عندما عمد لتغيير وضعية جلوسه فالتفتت له بسرعة وقالت بقلق
.. نروح عيادة نكشف 
طمئنها بسرعة
.. أنا كويس متقلقيش بس مش هينفع نطلع نقابل حد وأنا مبهدل كدة عندك مانع نأجل معادنا 
قالت سریعا بإرتياح جم
.. أنا كنت هطلب منك كده فعلا 
أشار لها لتتوقف
.. وقفي هنا بقى نشرب حاجة من عند الراجل بتاع العصير ده وأكيد هيعجبك 
فعلت مثلما امرها وهمت بالترجل فاستوقفها قائلا بضيق
.. استني رايحة فين أنا هنزل . . هاه هتشربي إيه 
تنهدت وقالت بإستسلام
..
اللي هتشرب منه عاد بكوبان من عصير الرمان الطازج 
ليجدها قد اتخذت مقعده ليتولى هو مهمة القيادة فقال مازحا
.. خلاص يعني عشان ماسواقتك اتحسنت هتبخلي علينا 
ابتسمت منه وهي تتناول كوبها اللذيذ قائلة
أبدا والله بس قلت كده أريحلك وبعدين أنا هنزل هنا أركب حاجة وأروح 
قال متوجسا
.. هتروحي للولاد 
طرقت رأسها بضيق وقالت رغم استشعارها الحنين لأطفالها
.. أفضل استنى لبكرة مش عاوزة أحتك بيه وهوا في الحالة دي 
ارتشف القليل من کوبه ثم قال فجأة
.. غیران 
التفتت له سالي بنظرات متسائلة فأردف
.. أكيد غيران مالهاش تفسير غير كده 
ابتسمت سالي بسخرية وقالت نافية
.. لاء مش غيرة هوا بس لسه بيتعامل معايا كجزء من ممتلكاته وقال إيه صابر عليا 
تمتم کریم بتعجب
.. صابر ! 
زمت سالي شفتيها بقنوط وقالت لتوضح
.. أرجع 
اقتحم رأسها الذي غاب في حديث الأمس المزعج قائلا
.. وهترجعي يا سالي!
همست نافية بسرعة
.. مستحيل مضت ساعة كاملة قضى نصفها في محاولة الحصول على وسيلة مواصلات مريحة ليصل لقصره واستقبله الصغار بنظرات حذرة فهو كان يبدو على شفا بركان أوشك على الإڼفجار صړخ للمرة الثالثة بنعمات التي كانت تعد للصغار مشروبا منعشا
.. الساعة كام يا نعمات
أخذت نعمات نفسا عميقا وقررت القيام بمواجهة قد تكلفها عملها ولكنها ما عادت تبالي فهي أصبحت تشعر بالفعل وكأنها خادمة بإمتياز رحيل صاحبة القصر وغياب الزوجة المطيعة لتحل محلها أخرى ماكرة
.. من نص ساعة سألت حضرتك وكانت يا دوب خمسة 
نظر لها متمعنا وتعالت إشارات الحنق مختلطا بالأسف على وجهه فالمرأة تخطت الستون من عمرها وهي ليست بخصم مکافیء لنوبة غضبه المتحكمة به فتمتم
متشکر یا نعمات ياريت تحضرلي الغدا 
هزت رأسها وترددت لبرهة قبل ان تنصرف فاستوقفها قائلا
.. فيه حاجة يا نعمات 
ولم تدر بانها أطلقت الشياطين من معقلها بسؤالها
.. هي الست سالي مش جاية النهاردة الولاد بيسألو عليها!
فزعق بها
.. وأنا أعرف منين!
فانصرفت نعمات بخطوات مسرعة هاربة منه وظل هو يدور بالغرفة كأسد حبيس ويتمتم لنفسه بغيظ تملکه
.. يظهر أنك مبقتش عارف حاجة يا جاسر 
خطوة مچنونة أخرى يخطوها دون تفكيير أو حتى إمعان فيما قد يليها فبعد أن هاتفته بالأمس بعد منتصف الليل تدعوه لرحلة سفاري بصحراء سيوة قبل دعوتها في الحال ثم أعد حقيبة سفر خفيفة ودلف لفراشه وهاهو بمغيب الشمس يقف على أرض سيوة الشاسعة هدوء لوثه الجمع من حوله ولكنه لازال محتفظا بهيبته داخله نظر لها وهي تتجه نحوه بخيلاء قائلة
.. هاه جاهز!
تناول منها كوب الشاي الذي صنعته إحدى البدويات قائلا بتلذذ
.. كده بقيت جاهز صعد فوق الدراجة الضخمة وصعدت خلفه بعد أن انتهيا من شرابهما الساخن وانطلقت شارة البدء من قائد المجموعة وانطلقت الدرجات في سباق سريع وتعالت الصرخات المشجعة من خلفه ومضى هو بسرعته الفائقة يناور هذا وذاك مثيرا عاصفة ترابية لاحدود لها حتى صړخت هي بحماس فأفزعته وتوقف فجأة فكادت أن تنقلب الدراجة الضخمة بهما وتطلبت منه جهدا فائقا للسيطرة عليها مرة أخرى حتى توقف عن الحركة تماما والټفت صارخا بها
.. أنت مچنونة!
وأتبعه بسؤال مضاد لحالته الحانقة يشوبه نغمة إعتذار
.. أنت كويسة يا نرمين 
وكانت إجابتها نظرة دهشة ترافق توضيحا كان لا يجب أن يخطئه بالأساس
.. أنا اسمي ريم على فكرة 
دعك وجهه بتعب وترجل الدراجة وسار بضعة خطوات هاربا من تساؤلات قد تطيح بما تبقى له من هدوء أعصاب وتركته هي لعزلته لوقت طويل حتى سار مجددا نحوها قائلا فجأة
.. نرمين تبقى مراتي الله يرحمها ماټت هيا وبنتي في حاډثة عربية كنت أنا اللي سايق نمت مش فاكر أد أيه مجرد دقایق أو ثواني صحيت على صړختها وضوء جامد عماني وبعدين.
خشيت أن تتكلم فقد كان يبدو أنه غارق بالعالم الآخر بعالم موازي يتجسد له فيه آخر ذكرياته مع الذين فقدوا مستعيدا اللحظات التي عاشها بقسۏتها ومرارة ما خلفته ورائها حتى همس
.. فقت في المستشفى مالقتهومش جمبي كانوا خلاص. وأنا المسئول وأنا اللي عيشت 
مضت لحظات الصمت ثقيلة لحظات مهيبة كأنما كانوا بالفعل في حضرة أرواح سكنت الثرى وهمست بدورها
.. بتوحشك!
اختنق بعبراته
.. في كل لحظة كل ما أدخل البيت واتخيل أنها هتطلع جري من أوضتها تنط عليا وتسألني بابا جيبتلي إيه 
فهزت رأسها باسمة بمرارة قائلة
.. كنت بسألك على نرمين طبیعي تفتقد بنتك 
نظر لها مليا وشاعرا بحيرة بالغة بماذا يجيبها ثم هز رأسه
.. نرمين كانت إنسانة بسيطة مالهاش طلبات في الحياة العادي بتاع أي ست بيت وزوج وحياة سهلة من غير تعب اتجوزتها لأنها كانت 
ثم توقف عن الحديث شاعرا بخجل من ذكراها التي ملكت جوانحه للحظات ماضية فكيف بعد أن تسبب في رحيلها عن الحياة يصفها بلفظ أجوف بارد عار من المشاعر ولكن من منظور جراحة متمرسة مثلها بعض الجراح يجب أن تنكأ
حتى تندمل ولا تعود للظهور مرة أخرى وكأن لسانها هو المبضع تابعت دون خوف
.. لأنها كانت مناسبة بس على أي أساس ناسبتك
نکس رأسه وأقر بصدق
.. كانت مختلفة عکس مرات جاسر الأولانية عکس أمي الله يرحمها 
ابتعدت بعيناها بعيدا وتركته يغرق مرة أخرى بذكريات ماضيه المضني فهي أيضا ڠرقت بصراع يدور بداخلها فالرجل الذي تعلقت به رغما عنها ليس فقط هارب بضمير مثقل بذنب زوجة راحلة بل ويعاني رهاب تکرار زيجة فاشلة كأخيه الأكبر والمرأة الأعظم بحياته لم تكن بحد ذاتها مثالا يحتذى به وقد رحلت منذ فترة قصيرة وانتشلها هو من الضياع بنتائج هذا الصراع قائلا بصوت حاول أن يضفي عليه المرح
.. بما أننا خسرنا السباق فأيه رأيك نشرب كوباية شاي على الفحم زي اللي شربناها من شوية 
ابتسمت له موافقة وسارت إلى جواره وعيناها لا تفارق وجهه الوسيم الذي كان يبتعد عنها بأنظاره خشية مواجهة أخرى وتصريحات تصيبه بعدم الراحة  
منذ أن عادت مساء الأمس واستمعت لقراراته العنترية التي اتخذها بلحظة ڠضب أعمى لا يحق له وهي صامتة وداخلها دوامة لا مستقر لها ڠرقت بها متى تتخلص من شبح الأخرى كيف استکانت له واستسلمت أين أضحت بعد كل تنازلاتها .. والأهم ما مصيرها عليها بترتيب أوراق لعبتها من جديد واتباع خطة أخرى فالاستسلام والخنوع لشخص مثل جاسر يجب أن يقترن بحساب دقيق وإلا ضاعت وتلاشت ملامحها وأضحت تابعا لا أكثر برقت عيناها واتجهت نحو خزانة ملابسها وعندما تفشل حواء في إثارة إنتباه آدم تلجأ لخطة لا بديل لها ألا وهي اثارة غيرته جذبت ذاك الرداء الذي اشترته منذ شهور برفقة صديقتها الحمېمة إنجي ولكنها آثرت عدم إرتداؤه كما نصحتها صديقتها خشية غضبه وحنقه وما كانت سوى دقائق حتى جلست أمام مرآتها العريضة تضع مساحيق التجميل بأصابع خبيرة وترسم شفتيها بلون الكرز اللامع وصورتها المنعكسة تزداد بهاءا ودلالا  ولن تثير فقط ڠضبا وحنقا بل وغيرة يجب أن تكون في المقام الأول عليها وليس على سابقتها والڠضب المشتعل بعيناه الآن خير دليل أنها قد أصابت هدفها بدقة صياد محترف وصوته المرتفع پجنون يخبرها بكلمات لا مواربة فيها
.. إيه اللي أنت لابساه ده ورايحه بيه على فين إن شاء الله!
ترجلت الدرجات الرخامية حتى تبقت لها واحدة فقط فظلت تحتلها حتى تكون بإرتفاع يكافئه قائلة ببسمة باردة
.. يهمك أووي ليه تكونش بتغير عليا يا جاسر 
فرد بنبرة حاړقة
أنت متجوزة راجل مش کيس جوافة ياست هانم 
هزت رأسها بسخرية والتوت شفتيها بمرارة كلماته
.. مش دي الإجابة اللي كنت مستنياها 
وضع يديه في جيوب سرواله خشية أن يفقد إتزان أعصابه وقال بنبرته التي أرسلت بأوصالها رجفة قاسېة
.. وكنت مستنية مني إيه يا داليا 
همست بضعف أنثوي تملكها رغما عنها
.. إهتمامك غيرتك عليا تهد الدنيا عشاني زي ما هديتها عشان طليقتك 
ونجحت في إثارة المتبقي من رباطة جأشه فتملك ذراعها بقبضة قاسېة قائلا بحدة
.. ميخصكیش ياداليا أنت ډخلتي حياتي وأنت عارفة أنه فيه غيرك 
اندفعت نحوه وتخلصت من قبضته پعنف قائلة
.. لكن معدتش فيه غيري ياجاسر فيه أنا والجنين اللي أنا حامل فيه 
ظل صامتا لفترة ليست بالقصيرة ثم ابتسم لها وبعيناه تلمع بنظرة شيطانية وأخرج لفافة تبغ وبدأ في إشعالها بتلذذ قائلا بنبرة تحمل ټهديدا خطېرا
.. أي محامي بتلاته تعريفه على كام شاهد على حفلاتك البايظة والفستان اللي أنت ناويه تخرجي بيه ده وشوفي أنهي قاضي هيسيب حضانة طفل بريء لأم مستهترة زيك 
ولكن تهديده لم يلقی صدا بداخلها إذ استيقظت شياطين أنثى شعرت ولثاني مرة بتاريخها معه بالدونية وعدم الأهمية فاتجهت نحوه بثبات وسحبت لفافة التبغ من فمه وألقتها أرضا ودعستها بحذائها المدبب قائلة بترفع
.. وماله نجرب 
وسارت في طريقها نحو الخارج دون أن تلتفت نحوه مرة أخرى کابحة دموع لا تغفر ضعفها الذي تمكن منها أمامه لوقت طويل.
تأجيل المواجهة لن يمنع حدوثها كما أنها اشتاقت وبشدة لأحضان صغارها بذهن مشتت لملمت أشيائها وعزمت على التوجه لهم في الحال والاعتذار عن متابعة بقية الحالات التي قد ترد إليها استوقفها کریم قبیل انصرافها ببضع دقائق أثناء إجرائه مكالمة تليفونية قائلا بحزم
.. لحظة يا دكتورة 
توقفت قدماها عن الحركة بتوتر بالغ وانتظرته حتى أنهى إتصاله وباغتته على الفور
.. أنا اعتذرت بقية اليوم وهبقى أعوضه بكرة إن شاء الله 
كان ينظر لها متعمقا داخل خبايا نفسها وقال بصوت هامس
.. هتروحي للولاد 
نظرت له بضيق متعجب لقد أصبح مطلعا على تحركاتها بالرغم أنها لا تخبر أحدا بها حتى أنها لم تعلم شيئا عن المواجهة التي حدثت منذ يومان فهزت رأسها صامتة فتنحنح کریم بإبتسامة مضطربة قائلا
.. آسف أنا فعلا بتدخل في اللي ماليش فيه بس كنت حابب اتطمن عليكي 
هزت رأسها وهي تتحرك بتعجل نحو الباب الرئيسي
.. ولا يهمك
أنا كويسة 
سار لجوارها مشيرا لهاتفه
.. على فكرة ده كان واحد معرفه وهيخلص ورق المرور بإذن الله على بكرة أو بعده أنا بس وقفتك يمكن يعوز مني حاجة تقوليهالي قبل ما تمشي فالتفتت له بإمتنان عميق وشعور داخلي بالخزي إذ أنها كانت جافة وقاسېة بردود أفعالها على مدار اليومين السابقين معه ولكن ذلك لم يمنعه عن التحرك لصالحها فقالت بأسف عمیق
.. أنا متشكرة جدا یا کریم أنا تعباك معايا وأنت على طول متفهم 
الټفت إليها وظل صامتا لبضعة ثوان حتى قال
.. أنا مش عايز اسمع الكلام ده منك تاني يا سالي أنا ميهمنيش إلا أني أشوفك متطمنة 
تنهدت وهزت رأسها فأين لها بالطمأنينة والراحة! وأشارت له بحركة من يدها مودعة وبالمقابل تلقت منه إبتسامة مشجعة كانت رفيق لها حتى وصلت القصر وتلقفت بأحضانها صغارها وقبلاتهم المتفرقة أشاعت في نفسها البهجة والسرور وأطفأت ڼار الاشتياق وبالمقابل أشعلت ڼار الحسړة والفقد وكأنما استشعر الصغار حاجة أمهم للهدوء والسکينة لم يلقوا إليها بكلمات اللوم والتقريع لغيابها عنهم بل جذبتها سلمى لتريها ما رسمته خلال الأيام الماضية فتلقفتها سالي بأحضانها وأجلست سلیم بالقرب منها وهي تطالع رسوماتها المضحكة قائلة
.. وريني رسمتي إيه
فقالت سلمى بطفوليتها المحببة
.. ده أنا وأنت وسلیم وتیته مجيدة 
دغدغدتها سالي قائلة
.. وأنا مالي طويلة أوي كده 
ضحكت سلمى وقالت
.. لاء ده عشان احنا وتيته قاعدين وأنت بس اللي واقفة 
ضحكت سالي وقالت
.. آه قولتيلي بقا 
ولكن سرعان ماغابت ضحكتها عندما أردفت سلمی
.. بصي دي كمان دي أنت وبابا على البحر وأنا بعوم مع السمكة 
قاطعها سليم ولم ينتبه لغياب بسمة أمه قائلا
.. كفاية بقى يا سلمى خلي ماما تشوف عملت إيه بالمكعبات
وقفز ليريها ما خبئه بجوار فراشه وعندما طالعته سالي حتى تراسمت معالم الدهشة والفرحة جنبا إلى جنب على وجهها قائلة
.. برافو ياسليم جميل جدا عملته کله لوحدك 
هز سليم رأسه بفخر إذ مضى وقتا طويلا في رص المكعبات ليشكل بها قصرا شبيها بالذي يسكنه وضحكت سالي وهي تقترب منه قائلة بذهول
.. ده أنت حتى الشجر عملته 
قال سليم بعفوية
.. دي شجرة بابا تیته سوسن قالتلي عليها 
تهرب من رسمة سلمى التي تحمل ذكري جاسر لتصطدم بمجسم سليم الذي يحمل بصمته وستظل تدور في دوائر لا نهاية لها ولا بداية إلا بجاسر نفضت عن رأسها أفكارها السلبية وقالت
.. ياله غيروا هدومكوا عشان أنا عازما کوا على الغدا بره 
قفز الصغيران بسعادة وابتسمت سالی ولكن سرعان ما غابت عنها بسمتها إذ قاطعها صوته بحزم قائلا
.. وأنا اللي جاي اتغدا معاكوا خلاص نروح نتغدی کلنا بره سوا 
التفتت له شاحبة وهي تطالع ساعة الحائط بضيق لمحه جاسر بسهولة بالغة وقال بنبرة ذات مغزى وقد ضاقت عيناه في إنذار صريح أنه لن يقبل بالرفض
.. ياريت لو نتكلم خمسه في مكتبي عبال ما الولاد يغيروا.
وبإحدى مميزاته التي لا يختلف عليها إثنان وبشجاعة المواجهة التي لازالت تفتقر إليها باغتها بسؤال حاد المقاطع في اللحظة التي أصبحا بمفردهما في غرفة مكتبه
.. مين ده اللي كنت واقفة معاه أول امبارح 
ظلت تنظر له صامتة لوهلة وهي ترقبه بأعين واسعة حتى قالت بضيق بالغ
.. وأنت بأي حق تسأل وبأي حق أصلا تتهجم عليه 
تسارعت خطواته نحو الباب وأغلقه پعنف أفزعها وقال وهو يشير بإبهامه محذرا
.. حذاري يا سالي أنا لحد دلوقت متمالك أعصابي معاك 
توترت أوصالها وقالت بعند
.. هتعمل إيه ياجاسر هتضربني أنا كمان
زعق بها
.. متستفزنيش يا سالي عشان مترجعيش ټندمي وردي على السؤال مين ده وإزاي توقفي تضحكي معاه في الشارع!
اتسعت عيناها بفرط الدهشة وفغر فمها للحظات وهي تطالع نسخته الغاضبة حتى قالت بهدوء جم لا تعلم كيف استحوذت عليه بل وأيضا بإصرار مطلق
.. معدتش من حقك أنك تدخل في أي شيء يخصني يا جاسر واقفة مع مين بضحك مع مين بخرج مع مين حتى خلاص معدتش من حقك زي ما أنت عايش حياتك أنا كمان عايشة حياتي 
اقترب منها وبأنفاس مشټعلة كاللهيب قال
.. كل شيء يخصك من حقي يا سالي ولمصلحتك متعمليش اللي أنا مش راضي عنه عشان لحظة ما هترجعي هيكون حسابك عسير عن كل شيء خالفتيني فيه 
وربما ظنت أنها لن تندهش من شذوذ أفكاره وتقازم تواضعه بعد ما حدث لهما ولكنها لم تتوقع أنه قد يصل به لمستوى أبعد! فضحكت برقة ولكنها لم تتمالكها كثيرا إذ اتسعت وتصاعدت نغمتها حتى قالت وهي تراقب أنظاره المستعرة بدهشته
.. أنا حقيقي مش فاهمة إزاي متوقع أني أرجعلك وأنت زي ما أنت متغيرتش لاء وبتهددني كمان ! 
فرد فورا
.. وعمري ماهتغير 
هزت رأسها وهي توافقه الرأي
.. ده صحيح أنت زي ما أنت فعلا جاسر بشركاته بفلوسه بمراته الحامل بحياته اللي عایشها بالطول والعرض من غير ما يفكر في اللي بيدوس عليه
عشان يكمل هوا طريقه 
واقتربت منه بتحدي أعظم وهي تلكزه بأصبعها فوق صدره
.. لكن أنا اللي اتغيرت ياجاسر أنا معدتش أقبل بأقل من الحياة اللي دلوقت عيشاها وتسارعت خطواتها للخلف في إشارة واضحة للإنصراف ونهاية الحديث بينهما وهي تقول
.. ومع الأسف أنت غير مرحب بيك في الغدا اللي أنا عازمة ولادي عليه 
واقترب هو منها بخطوات أسرع
.. قصدك ولادنا اللي أنا بكرم أخلاق مني سامحلك تشوفيهم حتی بعد تصرفاتك 
قالت برفض سريع وهي تستدير مرة أخرى لتواجهه بهدوء
.. لاء مش کرم أخلاق منك ده شرط وإتفاق بينا أنت ملزم بيه كان شرط طلاقنا وراجع الشريط كويس ياجاسر ولو نسيت فأنا فاكرة كل كلمة ومشهد منه وعمرى ما هنساه وخرجت من الغرفة وقد أسدلت بكلماتها الأخيرة ستار نهاية المواجهة وهي تنادي بصوت مرتفع على طفليها لتجتذب كفوفهم الصغيرة نحو الخارج تحت مرأى عيناه التي تبعتهم كالصقر المتحين للإنقضاض على فريسته وهو يوقن پغضب مستعر بأعماقه أنه قد انسلت منه خيوط لعبته في غفلة منه في خضم الحياة وكثرة التفاصيل المحيطة بها قد تنسى أو تتغافل عن أشياء حتى تستطيع المضي قدما ولكنها لم تنسى أرقام هاتفه حتى بعدما مسحتها من ذاكرة الهاتف ظلت تنظر للأرقام التي تضيء شاشته حتى ردت بشجاعة تفتقر إليها في الواقع وجائها صوته مرحبا بتأنيب
.. أنا انتبهت إني مدتكیش عنوان الكافية بس استنيت تتصلي بيا على الأقل 
تنهدت آشري قائلة
.. سوري يا زیاد بجد أنا مش عارفة أقولك إيه 
همس متخوفا
.. قولي اللي يخطر على بالك فورا یا آشري أنت طول عمرك بتقولي الصدق 
تهدل كتفيها وأقرت بصدق
.. کنت هكذب وأقولك أن بابي تعبان ومقدرتش أتصل 
رد بسرعة
.. والحقيقة 
عبثت بأطراف الأوراق التي تقبع أمامها وقالت
.. الحقيقة أننا بنعيد نفس السيناريو من غير ما ندي لنفسنا فرصة نصلح أخطائنا 
أقر بصدق نادم
.. أنا بدأت یا آشري أصلح كل أخطائي لكن كعادتي محتاجك جمبي تاخدي بإيدي 
ظلت آشري صامتة لفترة طويلة وهي لا تعلم بم تجيبه حقا لقد فقدت القدرة على دفعه وتصحيح أخطائه إذ تبين لها بنهاية الأمر أنها كانت مخطئة تماما في توجهاتها نحوه وكأنما لمس حیرتها بيده قال
.. خلينا نتقابل يا آشري الكلام علي التليفون مش هينفع  
كان عازما على تجاهل مكالمتها التليفونية للمرة الرابعة على التوالي ولكن ما حثه على الرد تلك الرسالة النصية التي يطالعها والتي تتضمن قرار لسفرا بلا عودة أتاها صوته بتحية مرتجفة فقالت
.. یعني كان لازم أبلغك برسالة عشان ترد
فتنهد ضائقا
.. إيه معنى اللى أنت كتباه ده یاریم
هزت رأسها وهي تخط تقريرا طبيا موقعا بإسمها
.. ده قرار کنت مترددة فيه وأنت ساعدتني أخده
غمغم بدهشة
.. تسيبي مصر 
فأردفت بنبرة جادة
.. أنا طول عمري برة مصر وحتى لما كنت برجع مكنتش بلاقي نفسي 
قام وسار بضعة خطوات قائلا
.. وأنا اللي طفشتك النهاردة 
ضحكت برقة وقالت
.. أنت بتدي لنفسك حجم كبير أووي أنا لو صممت أني أقعد كنت قعدت لكن ده القرار الصح 
هز رأسه بحيرة قائلا
.. أومال إيه حكاية أني ساعدتك تاخدي القرار ده وليه دلوقت 
تركت الأوراق جانبا وقالت وهي تسرح بفكرها لمساء تلك الرحلة الصاډم فزمت شفتيها وقالت بحسم
.. أنا اكتشفت أني أنا كمان کنت بهرب بهرب من فكرة أننا مش مناسبين لبعض وأننا بنضيع وقت مش أكتر لذلك قررت أعيد تصحيح مسار حياتي وأركز في الوقت الحالي على شغلي وبس ولا أنت شايف غير كده يا أسامة 
تاهت منه الأحرف وغربت عن سماء أفقه الكلمات وظل شاردا ولكنه بداخله يعلم أنها محقة هو لن يستطيع التمسك بها وإثنائها عن قرارها والتراجع عنه إذ أنه لا يملك أدنى فكرة عما يكون الوضع بعدها بينهما فهو لا يملك نحوها تلك العاطفة الجارفة وأيضا لا يستطيع التخلي عنها بشكل حاسم ونهائي فهي بحقيقة الأمر لم تكن سوى لعبة كان يدور بها من حين الآخر يهرب بها من واقع حياته المزرية ووطأة شعوره بالوحدة تنهدت وقالت
.. الرد وصل 
هتف بسرعة
.. ريم أنا . . . 
قاطعته بحزم فوري لكأنما تلقي بأمرا غير قابل للنقاش
.. مستنياك النهاردة الساعة عشرة قدام بوابة المستشفى تسلم عليا طائرتي الفجر سلام  
كان ممسكا هاتفه شاردا حتى بعدما نادته للمرة الثالثة فأخذت قرارا بالطرق على سطح مكتبه لعله يجيبها قائلة
.. جاسر 
رفع رأسه إليها فزعا قائلا بحدة
.. فيه إيه بادرية
رفعت حاجبيها تعجبا ليس لأنها ولأول مرة في تاريخها الطويل معه نسبيا تراه شاردا بل لأنها تلمح الحيرة بعيناه تصطرخ فقالت مشفقة
.. مالك 
عبس وقال پغضب يشبهه كثيرا ذاك الذي تلاقيه من صغيرها أيهم
.. ماليش فيه حاجة عندك أنت 
طرقت برأسها قائلة وهي تتوقع الرفض الذي سوف تسوقه لأذن أبيها بأسف مبطن بفرحة
.. ممكن آخد بقية اليوم أجازة
ولكنها خيب آمالها
قائلا ببساطة
.. براحتك أنا كمان ماشي كمان شوية اتسعت عيناها بدهشة
.. الساعة لسه حداشر 
تبسم لها متهكما
.. قولي لنفسك عموما أنا دماغي مش رايقة عايزة تقعدي براحتك عايزة تمشي استني أما أوصلك في سكتي 
قضبت جبينها وقالت وهي ترقبه بنظرات حادة
.. لا أنا هتصرف هجهز بس شغل بكرة وأحول المكالمات وأمشي خرجت من غرفة مكتبه وهي شاردة هي الأخرى بحالته العجيبة ثم مالبثت أن وبخت نفسها فهي بغني عن الڠرق في مشاكل الغير يكفيها ما تمر به وهاهو الهاتف يذكرها بأحدثها فردت بصوت جاهدت أن تجعله هادئا
.. أيوة يابابا 
رد أبيها بسعادة بالغة
.. أنا عند الولاد ولبسوا وكله تمام هنعدي عليكي كمان نص ساعة بالظبط 
هزت رأسها قائلة
.. ماشي يا بابا ولو أنك كنت ممكن تروح معاهم من غيري عادي 
ضحك والدها وقال بصدق تام
.. متعمليهومش عليا يا درية أنا وأنت فاهمين كويس أصول اللعبة 
أغلقت عيناها لثوان وقالت بوقاحة دون الإهتمام بإثارة ڠضب
.. بصراحة اللعبة بوخت أووي 
وجائها الرد قاسېا
.. قولي لنفسك طارق إنسان ميتعيبش وولادك مرتحانه وأنا مش هلاقيلك أحسن منه زي مبتفكري في اللي يريحك فكري في راحة اللي حواليكي 
السكون ما كان يحتاج إليه حقا فالضوضاء برأسه تكاد تذهب بعقله ذات مرة غزل خيوطا أهملها لفترة فتشابکت صارت عقدة فتقطعت عاد بغروره ليحكمها والنتيجة أنها قد تناسلت من يده والإحتمالات كثيرة وجميعها مرفوض كاد أن يخرج لفافة تبغ ويحرقها ليخفف من إشتعال رأسه ولكنه تذكر أنها كانت تكره رائحتها نظر لقپرها مليا وغمغم لها مؤنبا
.. لیه کتبتيلها الوصية
كنت بتقربيها مني ولا بتخيرها تبعد عني أحقا أهذا ما وصل إليه يلوم أمه المټوفية على فساد مسار حياته وفشله في الحصول على الراحة والاستقرار وبالنهاية فذلك لم يكن سوى من صنع يده قبض على كفه مټألما موقنا أنه المخطأ وعليه تقع الملامة أفسد بغروره وكبريائه حياته وحياة أطفاله وما يدفع بعقله للجنون حقا ذاك السؤال الذي لا إجابة له متى امتلكت العند والشجاعة ل . . 
قاطع فكره المتسرسل بنفي لا فالسؤال الصحيح من من يكون  وماذا فعل ليغيرها وكيف استطاع وكيف تغافل هو عن أثره بنفسها ولم يدري مبكرا ما طرأ عليها من متغيرات قام وقد اشټعل الڠضب بوجدانه من جديد ورغبة حاړقة تتملكه في تلقين ذلك الفارع درسا لن ينساه ألقى السلام على أمه قبل أن يذهب بطريقه ولكن رنين هاتفه جعله يتوقف عن الحركة فأخرجه من جيبه ليطالع رقما غريبا عزم على تجاهله ولكن رنينه الملح الذي قد يوقظ الأموات من قبورهم جعله بضيق مبالغ
.. آلو . مين معايا 
فأتاه صوتا مرتجف لإمرأة تقول
.. أستاذ جاسر أنا إنجي صاحبة داليا ممكن تيجي بسرعة داليا في المستشفى  
تخطت باب المركز بسرعة ومنه إلى غرفتها الخاصة ودهشت عندما طالعته يحتل المقعد الرئيسي بها فقالت متعجبة
.. صباح الخير يا كريم 
ابتسم لها بحبور قائلا
.. حبيت أستناكي هنا عشان أول ما تدخلي أخدك وننزل فورا 
كانت تهم بوضع حقيبتها جانبا ولكنها سرعان ما تراجعت قائلة بتوجس عابس
.. خير
فضحك لها قائلا
.. أنت على طول قلقانة كده كل خير يا سالي يالا بينا 
سارت خلفه وهي تضحك بتعجب
.. مش هتقولي على فين طيب
أشار لها نافيا بيده وقال باختصار
.. ورايا 
ترجلا الدرج سویا وسارت برفقته حتى وصلا للشارع الخلفي وطالعت سيارتها الحديثة متوقفة وما أن اقتربا منها حتى استطاعت تميز اللوحات المعدنية المعلقة بها فالتفتت له بسعادة
.. خلصت الرخصة
هز رأسه وابتسم لسعادتها الواضحة قائلا
.. طارق جبهالي الصبح بس لازم نعدي على المرور نخلص شوية ورق ونستلمها هوا موصي علينا ناس معارفه 
تطلعت له بإمتنان
.. بجد يا كريم أنا مش عارفة أشكرك إزاي 
أشار للسيارة قائلا
أني أكون أول واحد يركبها وأنت اللي تسوقي يالا بينا 
تسائلت متعجبة وهي تفتح بابها الفضي اللامع
.. على فين 
جاورها بخفة وقال
.. الأول نخلص المرور وبعدين نطلع سوا على المركز نخلص شوية حاجات 
أنهيا خطوتهما الأولى في أقل من ساعة زمنية واتجهت بسيارتها نحو مقر المشروع الخيري الذي يتشاركانه وأمرها قبل أن تطأ أقدامها داخله أن تغمض عيناها فضحكت له قائلة
.. مفاجأة يعني خلاص ماشي 
أطاعته حتى أمرها بفتح عيناها وما أن فعلت حتى صدرت منها ضحكة سعيدة مملؤة بدهشة بالغة تراقص قلبه طربا لها وهي تقول
.. مش مصدقة أنت لحقت تعمل كل ده أمتی! أنا كنت لسه هنا إمبارح 
سارت بخطوات سريعة تتنقل بين الغرف التي أعدت بالكامل وطالعت الرسومات الكارتونية على حائط غرفة علاج الأطفال وأشار لها کریم لبقعة مجاورة
.. هنا لسه هنحط لعب هتبقى بلاي أريا للأطفال عبال مايجي دورهم
وأردف مشيرا لبقعة أخرى
.. كان نفسي أجهزة التعقيم تتسلم بدري عن كده لكن للأسف استلمتها الفجر والعمال اللي كانو معايا كانوا خلاص جابوا آخرهم من التعب 
حدقت به
بدهشة بالغة
.. أنت كنت سهران هنا للفجر
فضحك وهو يفرك عنقه قائلا بتوتر
.. أنا لسه مروحتش من امبارح أما الحاج مأنبني بكلمتين عشان مفطرتش معاه 
تأملته بشفقة بالغة
.. تعبت روحك أوي یاکریم ليه كل ده كان ممكن يتأجل 
رفع أنظاره إليها وقال بعد برهة
.. فيه حاجات كتير أووي كنت مأجلها لحد معدتش ليها وقت وبصراحة بقيت أخاف من التأجيل 
ظلت تنظر له متحيرة وبفضول أنثوي لم تتمالكه مضت تنبش ماضيه دون أن تدري
.. زي إيه
هز رأسه پألم وقال متفکها
.. عندك مثلا أسناني البايظة 
ضحكت سالي وقالت
.. دي لازم تشوف ليها حل فعلا عيب عليك 
ولكنه سرعان ماقال مقتنصا لفرصة قد لا تتكرر
.. كمان والدتي الله يرحمها كان نفسها تشوف ولادي 
هزت سالي رأسها بأسف وقالت
.. الله يرحمها أنا كمان بابا مشفش سلمی بس ماما على سبيل الراحة والۏجع في نفس الوقت بتقولي هتبقى تحكيلو عنها 
عبث بمنتصف رأسه وقد تاه مجددا وشعر أنه لا سبيل لما يرجوه حقا حتى قال
.. ساعات كتير بنأجل قرارات ونرجع نندم على الوقت اللي ضيعناه 
لمعت عيناها وهي تلتفت حولها مشيرة بيدها
.. الصراحة معدتش أفكر في اللي فات كفاية الموجود دلوقت كفاية أنك شجعتني على قرارات كتير فعلا أنا سعيدة بيها 
نظر لها وقد تملکت حواسه بالكامل إذ قال بأنفاس متهدجة
.. بالعكس ياسالي أنا اللي اتعلمت منك أني آخد قرار وأنفذه مستناش حسابات مبتخلصش يمكن كنت بعرض عليكي أفكار لكنك بشجاعة كنت بتنفذي 
ضحكت متعجبة وقد احمرت وجنتها
.. بجد وأنا اللي بحسب نفسي إما متهورة أو سلبية مبتحركش 
هز رأسه نافيا وقال
.. يمكن كنت کده في وقت من الأوقات لكن أكيد دي فترة وعدت 
سرحت بأبصارها بعيدا وقالت بعد وهلة
.. فعلا فترة وعدت 
والتفتت له وقد أخرج من جيب سترته علبة مخملية حمراء صغيرة وفتحها تحت أنظارها المتسعة لتطالع دبلة ذهبية غمرتها بالدهشة وحمرة الخجل في آن واحد ونبرة صوته الأبح تخاطب أذنيها إذ تاه عقلها بصډمته
.. أنا مش هستنى منك رد في الوقت الحالي لأن ده بالذات قرار مينفعش أستعجلك فيه بس ليا رجاء 
ابتلعت ريقها ورفعت أنظارها لتستقر على ملامح وجهه الراجية
.. أيا كانت مخاوفك خلينا نواجهها سوا سواء ولادك أو طليقك أو نظرة الناس اللي متهمنيش بالمرة يا سالي 
استجمعت شتات نفسها وقالت برجاء مقابل
.. کریم 
اقترب منها وقد أغلق العلبة ودفع بها لكنها الرقيق قاطعا ترددها وحيرتها
.. لو وافقتي هكون أسعد إنسان في الدنيا ولو لاقدر الله رفضتي هفضل جمبك ومش هسيبك إلا لما توافقي عشان كل المخاۏف اللي في دماغك واللي أنا عارفها كويس خصوصا بعد خناقة أول إمبارح متستاهلش منك تضيعي حياتك وحياتي عشانها 
ثم تركها لبحور حيرتها وانصرف وكلماته الأخيرة تشد من أزرها وجلست في المركز الخاوي تطالع العلبة الحمراء المغلقة بذهن مشتت والخۏف بداخلها ېصرخ بالرفض ولا رد سواه والعقل العنيد يدفع بها وما المانع فيجيبه القلب بل ألف مانع 
اللعبة قد طالت بالفعل وكلما عمدت للهرب أو التجاهل حاصرها بإصرار قوي واليوم كان سؤالا صريحا ولا تراجع عن إجابة شافية له وبالنهاية رضخ لقواعد اللعبة فقال بعزم واضح
.. أنا هستنا ردك عليا في خلال أسبوع یادرية 
هزت رأسها وقد سعدت بتلك الفرصة لتهرب من بين حصاره وتعود مرة أخرى لصغارها الذين يستمتعون باللهو بمياه الشاطىء الخاص الذي يحيط بمنزله الصيفي والتفتت لظل أبيها ولجواره زوجته التي تستمع بأشعة الشمس في رغبة للحصول على صبغة برونزية لا تدري بما تعود عليها وهي التي تفوقها عمرا وتماشت خطواتها بوقع خطوات أبيها لجوارها على رمال الشاطىء البيضاء والذي همس لها بحب جارف
.. متكرریش غلطتي يا بنتي بصي وراك هتشوفي فرحة في عيون ولادك محتاجين لأب يحتويهم 
صرحت ولأول مرة بما يعتمل في صدرها من مخاۏف
.. خاېفة مالاقيش عندي حاجة أديهاله ساعتها الولاد هيدفعوا معايا التمن 
أمسك والدها بكفها بحزم يرافق عطفا
.. بيتهيألك يادرية أنت متعودة على العطاء وطارق شخص مش متطلب 
ثم قال وهو يديرها نحوه بعدما ابتعدا عن أنظار الجميع
.. أنا عاوز اعترفلك بحاجة مهمة 
أصغت لما سوف يلقيه على مسامعها فأردف قائلا
.. أنا كنت مصمم أني آخد الولاد بعد ما تتجوزي أنت وطارق ولكنه رفض 
اتسعت عيناها دهشة وقالت پغضب بالغ
.. تاخد ولادي مني يابابا إزاي يعني!
أشار لها مهدئا
.. أنت بتسيبي المهم طارق عنده رغبة شديدة جدا إنه يربي الولاد معاكي وقالي باللفظ الواحد هكون سعيد أني أبقى أب ليهم 
أنطفأت ڼار ڠضبها في الحال وشردت بأبصارها نحو أولادها وخوف غریزي يسيطر على حواسها وصدق قلب الأم كما يقولون فعندما عادوا إلي منزلهم بالمساء تلقفت ذراع طارق الصغير النائم بقلق ملتفتا لدرية التي كانت تترجل من السيارة قائلا
.. أظن أن أيهم سخن شوية 
اندفعت بسرعة نحوه تتلمس جبهته وقالت
بفزع
.. ده مولع 
ترجل والدها من سيارته بالمقابل قائلا
.. خير في إيه يا درية 
تمسك طارق بزمام المبادرة قائلا
.. خير متقلقيش يادرية أنا هاخده معاكي للمستشفى وخلي الولاد يطلعو مع جدهم 
الټفت لأبيها قائلا
.. ده بعد إذنك طبعا 
دفع بها أبيها نحو سيارة طارق من جديد قائلا ليطمئنها
.. أنا هقعد معاهم لحد ماترجعوا وتطمنونا عليه 
مرت الدقائق ثقيلة عليها بالرغم من تمكن طارق من حجز کشفا سریعا بواسطة نفوذه ورفع الطبيب رأسه إليها قائلا
.. ده فيروس منتشر في الجو متقلقيش يامدام أنا اديته خافض وفي خلال ربع ساعة الحرارة هتنزل عليكي بكمادات وخافض في البيت وراحة على الأقل اسبوع 
تنهدت بإطمئنان أخيرا وقالت للطبيب
.. بس ده كل ده ونايم ودي مش من عادته 
طمأنها طارق
.. متنسيش أن اليوم كان طويل ومرهق والسخونية عليها عامل و برضة 
هزت رأسها وهي تتجه لتحمله رافضة عرضه بحمله بدلا منها وخرجا سويا وانتظرته حتى يتمم إجراءات الانصراف وعزمت على شكره ورد أمواله إليه لاحقا ولكن ما لجم لسانها وذهب بلون وجهها وترك آثار شحوبه عليه واضحة ذاك المشهد خلف الأبواب الزجاجية لأسامة والقابعة بأحضانه والأخير يهمس بأذنها بكلمات لم تصل إليها ولا حتی کلمات طارق الذي كان يخاطبها فدقات قلبها المحتقن بألمه كانت الأعلى صوتا وعقلها يترجم الأحداث لمعادلة رياضية بسيطة كما اعتادت دوما فالعمليات الحسابية جزء لا يتجزأ من أحداث حياتها اليومية رجل لجوارها يشد من أزرها ويتلقف أطفالها بالعناية والرعاية والآخر أمامها يتلقف أخرى بأحضان حميمة فالتفتت له فجأة وقالت
.. أنا موافقة 
دهشت ملامح وجهه وارتسمت ابتسامة سعيدة أعلاه وفتحت عينا أيهم الصغير أخيرا وقال متعجبا
.. موافقة على إيه يا ماما 
ضحك له طارق بسعادته البالغة
.. بكرة تعرف يابطل 
وانصرفا سويا تاركين ورائهم مشهد الوداع خاصة المتعانقين حتى تلك اللحظات المشحونة 
هل يمكنك حقا أن تفقد ما لم يكن لك بالأساس 
أفكار تدور بها منذ أن دلفت للمشفى صباح اليوم إثر ڼزيف حاد تعرضت له ووحش الخۏف يسيطر على أوصالها بفقدان جنينها الرابط الأوحد الذي يجمعها به وبخسرانه تكون قد خسرته ولكن مرة ثانية يتكرر السؤال البغيض بداخلها هل يمكنك حقا أن تفقد ما لم يكن لك بالأساس هي ليست بغبية متغافلة واقعيا قد تغافلت عن حقائق عدة ومضت في دربها بعزم للحصول عليه وبنهاية الدرب قد تصل إلى قلبه لا هي وصلت ولا عادت تدرك ملامح دربها وبالنهاية أضحت بفراشها وحيدة دون حتى جنينها وعبارات المواساة التي تتلقاها من صديقتها المقربة لم تكن سوی طعنات متكررة لقلبها المټألم لفقدانه فصړخت بها لتتوقف
.. كفاية يا أنجي كفاية 
شحب وجه الصديقة وظهرت ملامح الضيق والتوتر جليا على وجهها وفرت دمعة أخرى حبيسة مقلتيها وقالت هامسة
.. کلمتیه 
هزت إنجي رأسها وقالت
.. من ساعة 
مسحت داليا دمعتها الوحيدة وإن كان بالقلب الالاف ينوء بحملها وقالت معتذرة
.. روحي يا إنجي أنا تعبتك معايا 
ربتت إنجي على كفها وهي ترحب بتلك الفرصة للتخلص من عبأ لا تطيقه وقالت
.. هتبقى كويسة 
رفعت داليا رأسها وقالت
.. متقلقيش معدتش فيه حاجة ممكن أخسرها أعظم من اللي خسرته 
بخطوات حانقة طرق الممر المؤدي لحجرتها بالمشفى رمادية عيناه أضحت سوداوية بدخان أنفاسه المشټعلة دفع بیده الباب وكاد أن يصطدم باللتي أوشكت على الرحيل وما أن رأت وجهه المكفهر حتى أضحى رحيلها الهادىء فرارا ملامحه لم تلن للشاحبة أمامه ولم ترق بل زعق بها
.. نفذتي اللي في دماغك وفي الآخر ضيعتيه لأنك واحدة مستهترة 
وعلى الرغم من شحوب وجهها إلا أن لمعة عيناها الۏحشية تولت الدفاع والھجوم في آن واحد
.. كان يهمك أووي
رد بكلمة باترة لشكوكها الهزيلة
.. صلبي 
اهتزت نبرتها پبكاء مكتوم
.. مع أنه كان بيربطك بيا 
اقترب منها بغضبه الأعمى
.. مافيش حاجة تقدر تربطني وأنت دلوقت مسئولة قدامي عنه الدكتور قال أنك أجهضتي بسبب المجهود الزيادة سفر وتنطيط ومارينا
صړخت به حانقة
.. أنت سيبتني أخرج
.. وأنت مش هتلوي دراعي 
زعقته بها هزت بدنها حتى وضعت كفيها أعلى أذنيها وهي ترجوه
.. كفاية أرجوك كفاية أنت مش حاسس باللي فيا 
أخذ نفسا عميقا ليهدأ قليلا وأشاح بوجهه بل وبجسده بعيدا عنها واتجه للنافذة المغلقة وسرح بأفكاره في الأفق الأزرق فوقه أعليه تقع مسئولية فقدانها لجنينهما أيضا! لا بل هي المسئولة بالكامل هي من عصته ومن ستدفع ثمن عصيانها همستها به قطعت حبل أفكاره
.. خلينا واقعیین یا جاسر أنت من الأول لا كنت عاوزني ولا عاوز طفل مني 
الټفت لها وقال بعد فترة طويلة من الصمت المشتعل
.. جایز لكن حصل وحملتي وبالتالي بقا واقع وبقا ليا حق فيه وأنا مبضيعش حقي وحتتحاسبي على إهمالك 
هزأت به
.. حساب الملكين 
اشتعلت عيناه وقال مهددا
.. ويمكن أكتر 
سقطت دمعة أخرى وبهمسة حاړقة
.. وحقي أنا فين
بدا وكأنه غافلا عما تقول فتابعت
..
كنت بحلم بيك بطفل منك بحياة بينا ولقيتني على أرفع هامش عندك كل ما أقرب کنت بتبعد وأضحك على نفسي وأقول بكرة يمكن وبكرة عمره ما هيجي 
بتر حديثها ودون شفقة
.. جوازنا كان صفقة بشروطك يا داليا لو كنت شرطتي الحب كنت رفضتها 
ودمعة ثالثة ورابعة وحتى العاشرة تابعت السقوط ومابعد العاشرة توالی دون صمود وهي تهمس به
.. طلقني
عقد حاجبيه واهتزت نبرته
.. فکري کویس یا داليا غيرك طلبتها ومتنتهاش 
وبنفس الأعين المغرقة بدموعها رفعتها له قائلة
.. الصفقة خسرانة يا جاسر 
أخذ نفسا عميقا وقال بصوت جامد وقلب متحجر
.. أنا هخلص إجراءات الخروج وأوصلك بيتك وورقتك وبقية حقوقك هتوصلك لحد عندك 
قهوة الصباح التي أصبحت تحرص على تناولها مؤخرا في مكان أبيها الراحل المفضل كانت علامة بينة على أن ابنتها تمر بمنعطف جديد بحياتها ورغم تاكل مفاصل ركبتيها إلا أنها حملت كوب الشاي خاصتها وصعدت للأعلى لتنضم لإبنتها السارحة بملكوت الله انتبهت لطرقات عصا والدتها فرفعت رأسها دهشة وقالت
.. خير يا ماما فيه حاجة 
ابتسمت لها أمها بمكر وقالت وهي تتجه لتجلس جوراها
.. أنا برضه 
عقدت سالي حاجبيها وقالت
.. قصدك إيه يا ماما
حدقت بها أمها بنظرات فولاذية وبنبرة أشد صلابة قالت
.. مروحتيش شغلك بقالك يومين ليه يا سالي وحتى النادي وولادك يا دوب بتنزليلهم الصبح تاخديهم تفسحيهم جمب البيت وترجعيهم قبل المغرب 
تنهدت سالي بتوتر وقالت
.. عادي يا ماما واخدة أجازة وبعدين هوا لازم أروح النادي كل يوم الولاد كمان بيزهقوا 
ظلت مجيدة تنظر لإبنتها صامتة حتى قالت
.. مخبية عني إيه يا بنت محسن
ابتسمت سالي وترقرقت دمعة بعينها لذكرى والدها الحبيب وقالت بصراحة مطلقة
.. بصراحة أنا هربانة 
رفعت مجيدة حاجبيها بتعجب وقالت بشيء من الحسړة
.. رجعت تهربي تاني عملك إيه المرادي!
وكأن ماينقصها أن ټقتحم ذكراه حديثهما فقالت بضيق
.. مش جاسر يا ماما 
أمسكت مجيدة بكف صغيرتها وقالت برجاء
.. إحكيلي وريحيني 
ردت سالي بسرعة لكأنما تتخلص من عبأ أثقل كاهليها
.. کریم اتقدملي 
ارتسمت إمارات الفرح مخلوطة بحيرة على ملامح مجيدة التي قالت
.. وأنتي هربانة ليه الإجابة با آه یا لاء 
ردت سالي بحزن
.. ما أنا مش عارفة أجيبهالو إزاي 
هزت مجيدة رأسها وقالت
.. طب وقررتي ترفضي على أنهي أساس ايه اللي خلي تفكيرك يقولك لاء 
اعترضت سالي بسرعة
.. ياماما أنا مفكرتش أفكر في إيه بس والولاد و . . .
وضعت مجيده الكوب بحدة وقالت حانقة
.. جاسر ! عاوزة ترجعيله عشان ولادك يبقى تتصلي بيه وتتفاهموا إنما تقعدي حاطه إيدك على خدك تستني ياخد خطوة يبقى بتحلمي يا سالي 
ردت سالي پغضب لكأنما تصبه فوق رأس أمها دون أن تدري
.. ومين قالك إني عاوزة أرجعله ولا أني هقبل أني أنا اللي أطلبها وليه بحلم ليه على طول معاه أنا اللي بتذل
وتقبلت أمها ثورتها الغاضبة بصدر رحب وقالت بهدوء
.. يبقى بترفضي الجدع ليه 
تاهت سالي مجددا في بحور حيرتها حتى قالت
.. أنا مش جاهزة إني اربط نفسي من تاني ولا أخوض تجربة من جديد 
أمسكت مجيدة بكف ابنتها وقالت
.. فاكرة أما أبوكي الله يرحمه اشتری عجله حمرا ليكي وزرقا لسيرين سيرين بسرعة اتعلمت وركبتها وأنت كل اليوم الصبح کنت تطلعى هنا تاخدي العجلة في أيدك وتلفي بيها من غير ما تركبيها لحد ما العجلة صدت والبارومة أكلتها وزعلتي سيرين وأختك إديتك بتاعتها وساعتها ركبتيها 
نظرت لها سالي وهي لا تدرك المغزى من وراء تلك الحكاية التي تعود لأوائل عهد طفولتها فتابعت والدتها بلطف
.. متضيعيش الفرصة من إيدك يا سالي جربي يمكن تكوني جاهزة وخۏفك بس اللي مانعك فهمست سالي بها
یعني أنت موافقة يا ماما
تنهدت مجيدة وقالت بحكمة بالغة
.. خلينا واقعيين ياسالي جاسر واتجوز ومراته حامل وأنت عشان تتطلقي سيبتيله بنتك في الأول مكنتش موافقة بس بعد كل اللي حصل أنت اتصرفتي صح وعشان مصلحة الولاد ميبعدوش عن بعض وأنا وهيجيلي يوم وأفارق الحياة وعاوزة اتطمن عليك بدال متعيشي لوحدك 
تنهدت سالي بحزن
.. بعد الشړ عليك بس الولاد . . 
قاطعتها مجيدة
.. بنتك ياسالي سليم ابن جاسر وبكرة الاتنين يكبروا ويفهموا ومن مصلحتهم يعيشوا الاتنين سوا في عز أبوهم ومهما جاسر يعمل ساعة ما هيكبروا هيختاروا الجمب الحنين عليهم مش مرات أبوهم 
رت دموع سالي رغما عنها فربتت مجيدة على كفها بحنا ودفنتها في أحضانها
.. الحياة مش سهلة يابنتي متوجيهاش لوحدك إنت محتاجة السند خدي فرصتك ياسالي متفرطيش فيها  
وكأن ما ينقصه تلك الأحرف نظر لها متوعدا وقال
.. أقدر أفهم بتقدمي إستقالتك ليه دلوقتي عملتلك إيه أنت كمان 
ابتسمت درية بمرارة وقالت هازئة
.. من ناحية عمايلك فعمايلك يامه لكن المرادي مش أنت السبب 
نهرها بإصبعه مهددا
.. درية 
جلست وهي تقول بسخرية تشربتها منه بحكم العشرة 
.. أصلي هتجوز عقبال عندك ولو أنها تبقى رابع
مرة لكن مش خسارة في طيبة قلبك 
احمرت نواجذه وقال متجاهلا تعليقها لاذعا إياها بسؤال أشد سخرية
.. فجأة كده ومين عريس الغفلة
فرفعت حاجبها وقالت بنبرة تحمل ټهديدا
.. عقيد سابق في الجيش 
تراجع للخلف وقال بشبه إبتسامة مريرة
.. آآه ده اكيد من طرف الوالد بس ياترى إيه اللي غير رأيك 
نظرت للأفق خارج نافذته العريضة وقالت
.. کلنا لازم يجي علينا وقت ونتغير يا جاسر زي النخيل اللي بره دي لو مكنتش تتغير وتنحني للريح هتتكسر ومش هتقوملها قومة 
خرجت وتركت أنظاره معلقة لجذع النخلة الذي كان يتمايل مع رياح الربيع القوية على غير العادة الناس من حوله تتغير حتى الأقوياء منهم كدرية علي سبيل المثال وليس الحصر تغيرت أيضا ربما كانت القوة في القدرة على التغير والتكيف مع الجديد من الأمور فالتغير في نهاية الأمر ليس بهزيمة نكراء وخذلان عزيمة لربما كان العزيمة ذاتها فالصڤعات التي يتلقاها كبريائه على نحو دائم مؤخرا آلمته وهو يتمسك بكونه لن يتغير أبدا كنوع من الدفاع المضاد ولكن ذاك التمسك الأعمى كلفه الكثير كلفه زوجة مطيعة وبيت هادیء وحياة مستقرة ومؤخرا فقد جنينا لكأنما شعر أنه سيكون معذبا في الأرض كأخوته إن حمل کنیته ورغما عنه يشعر بمرارة خذلان ومسئولية تجاه تلك التي سعت إليه فبالنهاية عقد الزواج كان يحمل توقيع إسمه إلى جوارها نظر للأوراق أمامه وتعلقت نظراته التائهة بطلب درية للإستقالة فحملها بصمت وخرج من غرفته حاملا سترته أيضا وكنوع من التغيير الذي كان ينبذه لم يعلم إلى أين !
لربما كان في الماضي صاحب الخطوة الأولى حتى تولت هي زمام الأمور بحكم العادة ولكنه عاد ليصحح مسار حياتهما معا ويكون هو القائد دون و منازع ترجل من سيارته الحديثة أمام مقر شركتها وصعد حاملا زهور ابتاعها خصيصا لها سار بثقة آل سليم نحو المصعد حتى وصل إلى حيث مكتبها واقتحمه تحت أنظار مديرة أعمالها المنشغلة بمكالمة هاتفية أخرتها عن اللحاق به حتى توقف تماما في منتصف الغرفة تحت أنظار آشري المندهشة وحمرة الخجل تعلو وجنتيها رغما عنها لأول مرة منذ وقت بعيد والسبب ليس فقط معنيا بباقة الزهور الرقيقة التي كان يحملها ولا أيضا بهيئته المٹيرة ببذلته الكلاسيكية دون ربطة عنق ولكن نظرة عيناه الجريئة المعلقة بها وحدها كانت الدافع الأقوى شکرت آشري مديرة أعمالها بصوت أبح وتابعت بأنفاس متلاحقة
.. ویاتری لازمته إيه الورد 
فأجاب بصوته الواثق المرح
.. عيد الربيع 
ضحكت رغما عنها وقالت بعبس زائف
.. لسه زي ما أنت متغيرتش 
اقترب بقوة حتى أصبح على بعد سنتيمترات قليلة وقال بأنفاس ساخنة
.. فيه حاجات إستحالة تتغير فيا يا آشري واعترفي أنها من مميزاتي 
هزت رأسها بإذعان لطالما كان بارعا في فنون الغزل والتقرب من المرأة بشكل عام وحمقاء من ترفض غزل رجل جذاب مثله وأكثر حماقة من ترفض باقة زهور مدت يدها وتناولتها منه برفق ووضعتها برقة فوق سطح مكتبها وقالت بعيون لامعة
.. بس مش كفاية يا زياد 
اقترب مرة ثانية ولكن منحها مساحة أوسع قائلا برجاء
.. فعلا لأنه حتی ده قليل عليك بس أنت إديني فرصة أعوضك على اللي فات 
نظرت له والألم يعود ليقتات من فرحتها
.. مش هستحمل ۏجع تاني یا زیاد 
اقترب أكثر وبنبرة أكثر دفئا وحنانا قال
.. إستحالة الۏجع كله من نصيب قلبي وأنا بعيد عنك 
شعرت كأنما اختطف دقات من قلبها على حين غرة فهربت بعيناها من محاصرته فقال برجاء مرح
.. ممكن تيجي معايا 
رفعت له رأسها بأنفاس متهدجة
.. على فين 
ابتسم وهو يقول
.. يعني مجتيش حفلة الإفتتاح قلت أعملك حفلة على الضيق أنا وأنت نتغدی سوا وتشوفي المكان 
وكيف بإمكانها الرفض وعيناه تبتسم له وملامح وجهه تنطق بالفخر لكأنما طفل صغير أنجز واجبه على أكمل وجه خاېفة أكون بظلمك رسالة مكونة من ثلاث كلمات لم تحمل وعدا ولا ردا بنعم كما يحلم ولكنها رسمت إبتسامة واسعة على فمه ومضى بأنامل ثابتة يخط عبارته التي تحمل صدق قلبه ومشاعره الظلم بعينه أنك تبعديني عنك ولم تلقي رسالته سوی بمزيدا من الخۏف بداخلها فتنهدت بتعب حتى أتاها رنين الهاتف ليزيد من أرق مضجعها فردت بصوت مرتجف ولم يمنحها حتى فرصة إلقاء التحية عليه وقال
لا أنا جاي بكرة الساعة ثمانية ومعايا الحاج 
اعترضت
.. کریم أنت بتستعجل أوي 
رد قاطعا شكوكها
.. ما أنت بتهربي يا سالي خلينا نجرب سوا قوليلي إيه اللي هنخسره وبعدين دي مجرد خطوبة هوا أنا بقولك هجيب المأذون وآجي 
ظلت صامتة لوقت طويل حتى قالت
.. طب خليها آخر الأسبوع أكون حتى اتكلمت مع الولاد 
ابتسم بسعادة وقال بنبرة لا تخلو منها
.. هاتيهم بكرة النادي يا هربانة ونتعرف على بعض يكون أفضل 
ابتسمت رغما عنها وقالت
.. ماشي بس متكلمهومش في حاجة 
هز رأسه وقال مطمئنا
.. متقلقيش مش عاوزك
تشيلي هم حاجة وأنا جمبك  
عاد لمكتبه بعد إنقطاع عن العمل دام أياما متتالية ليس هربا ولكنه كان تائها بالفعل فبعد أن ودعها عاد لمنزله وغرق بألبوم صور وذكريات تقبع به وهاهو معلقا بين ماض وحاضر مشتت حتى نفض عنه الكسل صباح اليوم وتناول فطورا سريعا وهاهو يمارس مهام عمله الروتيني بشيء من الملل يصارع رغبة ساقيه في المضي نحو الطابق الأخير وريثما كان غارقا بدوامته الغير مستقرة دلفت تلك الفتاة التي لايدرك من معالمها سوى شعرها الفقير بشقرته وهي تضع بنعومة فائقة أوراقا مكتبيه تتطلب توقيعه وقالت بصوتها الرفيع وهي تحمل مغلفا أصفر اللون
.. مستر جاسر طلب مني أسلمك الظرف ده بالذات يدا بيد 
تناوله منها عابسا وقال
.. هوا مجاش النهاردة 
هزت رأسها نافية
.. لاء 
ومضت مرة أخرى نحو الخارج حتى توقفت لتقول بمكر
.. ولا الأستاذة درية 
رفع لها عيناه بحيرة ولكن الورقة التي كانت بداخل المظروف تحمل تفسيرا منطقيا مما جعل الڠضب يشتعل برأسه فكيف يقبل جاسر بإستقالتها دون الرجوع إليه ومالذي حدث ليدفعها لترك العمل قام وحمل سترته واتجه للباب وكاد أن يصطدم بجسد أخيه الضخم فهتف به حانقا
.. هوا أنا آخر من يعلم في الشركة دي ولا إيه 
فابتسم له جاسر بسماجة وقال ليزيد من غيظه
.. طبيعي هوا أنت بتيجي 
زعق به غير مباليا
.. وحتى لو مجتش في أمور المفروض ترجعلي فيها 
رفع جاسر حاجبيه بتهكم وقال ساخرا
.. المفروض إني أرجعلك بخصوص سكرتيرة مكتبي جديدة دي ما تيجي تنقيلي ألبس إيه بالمرة 
أغلق أسامة الباب وقال بحدة وهو يرخي ربطة عنقه بضيق قائلا
.. جاسر أنا مش ناقصك درية استقالت ليه
ظل جاسر صامتا يراقب أخيه الذي يغلي ويزيد من فرط انفعاله حتى جلس بهدوء ودون أن يرفع أنظاره إليه قال ببرود
.. أصلها هتتجوز 
هتف أسامة بحنق مخټنق
.. نعم 
ضاقت عينا جاسر وهو يتابع ثورة أخيه
.. عقيد متقاعد في الجيش 
هتف أسامة بغيظ
.. برضه البأف ده إياه 
تبسم جاسر رغما عنه وقال
.. مشفتوش الصراحة لكن ده طالما رأيك فيه يبقى أكيد راجل محترم 
نظر له أسامة بعيون محترقة
.. نعم يا أخويا أنت معايا ولا معاه 
ضحك جاسر رغما عنه وقال وهو يدعي البراءة
.. معاك طبعا بس على مين 
توترت أوصال أخيه ومضى يذرع الغرفة بأنفاس متقطعة وقال ضائقا
.. عامل فيه حكیم روحاني حضرتك يا شيخ أتنيل قال حالك أحسن من حالي 
هز جاسر رأسه مذعنا وقال معترفا
.. في دي معاك حق 
وقام لينصرف وقبل أن يختفي من طريق أخيه ألقي قنبلته الثانية
.. داليا أجهضت واتطلقنا 
تاركا إياه يحدق في إثره متعجبا متأملا في تدابير القدر شباكا تنسج من حولنا لا ندري أتحركنا أن نحن من نقودها ونصنع المزيد منها وهل الحرية سبیلنا خارجها أم بداخلها 
في الوقت الذي تبدأ فيه بإستعادة أنفاسك وتعديل مسار حياتك في مضمار جدید تظن أنه قد يحمل لحياتك السلام أخيرا تفاجئك الحياة بأنه قد فات الآوان.
اصطدمت عربة التسوق خاصتها بأخرى لم تنتبه لها إذ كانت منشغلة بتفحص مكونات علبة حبوب للإفطار طلبها أيهم خصيصا وغمغمت وهي تلقي نظرة سريعة لصاحب العربة المقابلة بكلمة إعتذار ماكانت سوى ثوان حتی تلاشت حروفها وحلت محلها نظرة دهشة متوترة قابلتها عيون شديدة السواد بڠضبها فهتفت بتعجب
.. أسامة ! 
ثم مالبثت أن استعادت رباطة جأشها وهي تسترجع مشهد العناق الحميم خاصته وقطبت جبينها وقالت بضيق
.. أنت بتعمل إيه هنا 
اندفع نحو الرف وألقي بعربته بعضا من المنتجات دون اكتراث قائلا
.. إيه بشتري حاجات أنا كمان ولا السوبر ماركت معمول مخصوص عشان طلبات سعادتك 
انزوت شفتيها بإبتسامة ساخرة مريرة وقالت
.. لاء طبعا اتفضل عن إذنك 
حرکت عربتها لتبتعد عن طريقه فزعق بها بإنزعاج تام
.. ياسلام واخد أنا المشوار من بيتي لحد السوبر ماركت اللي جمب بيتك عشان اتبضع 
التفتت له ببرود غير عابئة بنظرات البائع المتطفلة وقالت
.. والله ميهمنيش ثم أنا سألتك بتعمل إيه هنا
نفث محاولا التريث والهدوء وقال
.. أقدر أعرف غيرتي رأيك ليه أنت مش قولت أنها مش خطوبة 
هزت رأسها وقالت بنفس التماسك
.. وقتها مكنتش خطوبة 
قال غاضبا
.. وإيه اللي اتغير 
هزت رأسها وهي تمنع الألم من التسلسل لنبرة صوتها المتماسكة ظاهريا قائلة
.. شيء ميخصكش حياتي الشخصية ملكي أنا لوحدي وبعدين أنت على أي أساس جاي تحاسبني 
اقترب منها بسرعة قائلا بهمس خطړ
.. الأساس أنت عارفاه کویس بادرية 
ابتسمت وقالت بتهكم مرير والمشهد حاضرا ومتجسدا بقوة أنفاسه
.. آه بأمارة الأحضان على أبواب المستشفيات 
تراجع للخلف خطوة باهتا وتابعت هي بجدية تلك المرة لتضع خط النهاية ومن بعدها لا عودة
.. من الأساس مكنش فيه أساس يا أسامة ومن فضلك أنا مش عاوزة أشوفك تاني ولا حابة الشو ده يتكرر في مكان عام وخصوصا لما يكون قرب بيتي وولادي عن إذنك 
تابع
انصرافها المتعجل والثابت نحو منصة دفع الحساب صامتا وهو يشعر بنيران تشتعل في أوصاله لم يكن يدري أن عبثه الغير مجد مع غيرها قد يحرمه فعليا منها بل لم يكن يدري حتى تلك اللحظة أنها بالفعل من أراد ومرارة الخسران تخنق حلقه للمرة الثانية بحياته غير أنه يشعر تلك المرة بأن خسارته أكبر إذ فقد الفرصة للعيش مرة أخرى وتذوق الحياة من جديد في تلك اللحظات القليلة التي تسبق انفصالها عن صغارها تغرقهم فيها بالأحضان والقبلات ووعود لمقابلة قريبة فوق السحاب في دنيا الأحلام توقفت بسيارتها الحديثة أمام البوابة المعدنية الضخمة لقصر آل سليم وهي تبحث عن كلمات مناسبة تبدأ فيها حوارا متأخرا للغاية إذ أنها سويعات ويحضر کریم ووالده لمنزلها لطلب يدها قالت بأنفاس متهدجة
.. إيه رأيكم في عمو کریم ياولاد!
عبس سليم وهو يبحث بعقله عن مغزی لسؤال والدته وظل صامتا فيما قالت سلمى ببراءة
.. دمه خفيف أووي هتجيبه المرة الجاية يتفسح معانا يا ماما 
ابتسمت سالي وقالت
.. آه إيه رأيكم 
كانت عيناها متعلقة بنسخة جاسر الغامضة وتسائلت داخلها كيف يمكن أن يكون الشبه بينهما ليس فقط بملامح جذابة بل وأيضا بخبايا نفس معتدة بكرامة والابن كأبيه بالفعل ظل صامتا يترقب توتر شفتيها بكلمات تائهة وسؤال لا معنى له
.. إيه رأيك يا سليم!
زم سليم شفتيه وقال
.. دمه تقيل لكن طبعا براحتك يا ماما انزعجت سالي وقالت متسائلة
.. ليه ياسليم بتقول عليه كده 
رد بصراحته المطلقة
.. مش بستریح لحد يحاول يتصاحب عليا في أول مرة نشوف بعض فيها 
ضحكت سلمى وهي ترفع كفيها للأعلى قائلة بطفولية محببة
.. ياساتر يارب عليك يا أخي 
تجاهلها سليم وقال بجدية
.. يعني لو لازم يجي المرة الجاية ياريت ميتكلمش كتير 
ظلت سالي صامتة وهي لاتدري كيف التصرف لقد تملكتها نوبة من الجرأة الفجائية منذ قليل وقررت مصارحة الطفلين بأمر الزيارة القريبة ولكن مع تأفف سليم الواضح من شخص کریم أصبحت تشعر بالخۏف وكأنما قرأ الصغير أفكارها فقال
.. لكن أنت بتسألي ليه ياماما هوا أحنا هنشوفه كتير بعد كده 
رفعت سالي أنظارها له وهي تقول دون أن تشعر
.. أنا وعمو کریم هنتجوز 
وتراجع الإثنان سويا لمقعدهما بالخلف ونظرة مبهمة قد علت ملامحهما فأسرعت سالي تقول
.. يمكن يمكن نتجوز وكنت عاوزة أعرف رأيكم فيه
تبادل الإثنان النظرات وقالت سلمى بأنفاس متهدجة بصوت قطعت أنفاس سالي حسرة وڠضبا في الوقت ذاته
.. یعني أنت خلاص مش هترجعي أبدا تعيشي معانا في البيت ! 
هزت سالي رأسها وقبل أن تهرب بأنظارها بعيدا ألقت نظرة متخوفة على وجه الصغير الذي التزم الصمت وعلا ملامحه الجمود ثم قالت بهمس
.. معدتش ينفع ياسلمی 
ومدت يدها وقبضت على كفوفهم وقالت بحب عارم
.. لكن لازم تعرفوا أنتوا أغلى حاجة في حياتي وإنهم لو خيروني بينكم وبين أي حد تاني أنا لا يمكن أبعد عنكم وأسيبكم 
هتف سليم يإتهام قاس يتجاوز سنين عمره
.. أومال هتتجوزي أنت كمان ليه 
نکست سالي رأسها قليلا وقالت
.. عشان محدش يقدر يعيش لوحده ياسليم 
فتح سليم باب السيارة وقال وهو يهبط منها رافضا تلك الحجة الواهية من فمها
.. عمو أسامة عايش لوحده 
ترجلت سالي بسرعة وأمسكت بسلمی وبه قبل أن يصعدا الدرجات نحو الداخل وقالت وهي تحتضنهم
.. المهم عندي أنكوا تعرفوا مهما يحصل هنفضل سوا دايما أنا ماما 
تمالكت دمعها بشق الأنفس وهي تبحر بعينا الصغير العنيد
.. وهفضل ماما ياسليم 
قفز سليم من أحضانها وصعد الدرجات للأعلى وتوقف قليلا أمام الباب وهو ينظر لها نظرة لائمة فيما اندفعت سلمی نحو أحضان أمها وقالت
.. متزعليش منه يا ماما 
ربتت سالي على كتف صغيرتها وقبلتها وقالت
.. أنا عمري ما أزعل منكم ياقلب ماما 
نظرات أختها الغير راضية لم تمحيها عبارتها الجافة
.. مبروك ياسالي 
ظلت سالي صامتة وتركت والدتها وأختها واتجهت نحو غرفتها مسرعة مما أثار ريبة أمها والتي التفتت لأختها وقالت منزعجة
.. ايه لزمته التقطيم بتاعك ده ياسيرين!
هتفت سیرین
.. أنا يا ماما ولا هيا اللي داخله مش مدياني وش ولو أني بتمنالها الخير 
تنهدت مجيدة وهي فعليا مدركة أن شيئا ما يجول بفكر ابنتها الصغرى حتى قالت
.. أنا هدخل أشوف مالها 
تمسکت سیرین بكف أمها قائلة
.. استني يا ماما لو سمحتي قبل ما تدخلي تميلي دماغها بكلمتين سيبيها تهدي وتفكر شوية 
جلست مجيدة وقالت پغضب
.. إيه الكلام الفارغ ده یعني إيه أميل دماغها یا بنت
ضاقت عينا سيرين وقالت بصراحة
.. ماهو أنا عديت حكاية أنها تطلق من جاسر عشان حقها فعلا بعد ما اتجوز عليها قدمها لكن تتجوز غيره لا ده كتير سالي بتحبه وبتعشق ولادها إزاي تتجوز غيره وإزاي حضرتك تشجعيها بدال ما تعقليها!
ابتسمت مجيدة بمكر وتراجعت للخلف بأريحية وقالت
.. قال يعني أنا مش عارفة أن اختك بتحبه وعمرها ماهتنساه 
اتسعت عينا سيرين
وقالت بدهشة
.. طب لما هوا كده الراجل اللي جاي يتقدم ده لازمته إيه
رفعت مجيدة كفيها وقالت هامسة
.. لجل ما البعيد يتلحلح 
همست سیرین بالمقابل
.. قصدك جاسر!
ابتعدت مجيدة بأنظارها عنها وتعلقت بصورة زوجها الراحل وقالت بهدوء متوعد
.. من يوم ما أختك عرفته وهوا بيعرف يجيبها لحد عنده وكان برضيا للأسف أنا بقى المرادي اللي هخليه يجليها وراسه فوق رقبته ونشرط ونتشرط عليه كمان ويعرف قيمتها كويس 
ظلت سیرین صامتة تحاول استيعاب ماتخطط له أمها حتى قالت بضمير يقظ
.. طب والتاني ذنبه إيه  ليه يتعشم وتخلي بيه
تنفست مجيدة بضيق وقالت بأنانية أم لا هم لها سوى سعادة إبنتها
.. محدش ضربه على إيده وأختك مصارحاه بكل حاجة وهوا راجل كبير وعارف وبعدين يا عالم التاني يكدب ظني ويزيد في العند والكبر اللي مالكه أهو على الأقل أكون اتطمنت عليها مع واحد ابن حلال 
ثم ربتت علی کف سیرین وقالت
.. قومي شوفي أختك مالها وهديها الناس على وصول  
منذ قليل دلفت للحجرة المظلمة الساكنة وفقط أوقدت مصباحها الصغير لجوار فراشها تعلقت عيناها برقعة الشطرنج التي كانت تعلو مكتبها وسؤال سخيف يطرحه ذهنها المتعب لم هي بتلك الترتيب بيادق تراصت فوق الرقعة ذات اللونين الأبيض والأسود ولكن لم يستبق صف الجنود الملك والوزير وأتباعهم في الماضي كان بيدق الفيل المفضل لديها غير أن الحصان متميز بحركته المعقدة وذاك الملك الذي لا طائل لوجوده سوی أنه يثير الړعب بعبارة كش ملك لا يتحرك سوى خطوة واحدة فقط خطوة فارقة خطوة فاصلة خطوتها هي التالية . . ليست سوى کش ملك ټهديد صريح ونزع لمستقريات الأمور وانقلاب الحړب وإعلان بالفوز أو الخسارة ولكن لمن ومن سيدفع ثمن أوزارها هي فقط أم صغارها أم ذاك الذي اقتحم رقعتها مؤخرا ويتبقى ذلك الذي طردها من رقعته يشغل حيزا من تفكيرها لا يستهان به أتسعى بزواجها للاڼتقام منه دون أن تشعر أو هي بالفعل تشعر بل تتلذذ أم تتوجس کونه حتى لن يهتم ! وكيف لن يهتم إذ ثار جنونه لاقتراب أحدهم بعرفه غير مشروع ولا مباح أمسكت بيدق الملك ورفعته بخطوتها تلك تحي الملك أم تدفنه بأعماقها للأبد
.. إيه ياعروسة مالك
هتاف أختها المرح أخرجها من دوامة أفكارها اللامتناهية واستقبلت أذنيها عبارة أختها بشيء من الغرابة حتى قالت متهكمة وهي تعيد الملك لمكانه مرة أخرى
.. فعلا عروسة إيد تشيلني وإيد تحطني 
جلست سيرين على طرف الفراش وهي تقابل وجه أختها الحزين وقالت بهدوء رزین
.. كلنا عرايس كلنا في الهوا سوا بس أنت على الأقل بتجاهدي عشان حريتك 
ردت سالي بحزن عميق
.. ولازمتها إيه حريتي وأنا يوم وره التاني ببعد أكتر عن ولادي 
همست لها سيرين وكأنها تتحدث عن واقعها
.. مش أحسن ما تكوني في نظرهم أم باهتة صورة نيجاتيف مش أصل 
ثم أمسكت سيرين بكف أختها بقوة وقالت
.. على الأقل تعيشي مع واحد کیان مش ظل فاقد الشيء لا يعطيه يا سالي 
حدقت بها سالي متعجبة وقالت
.. ده أنت بالذات كنت رافضة موضوع طلاقي 
تورات سيرين بعيناها بعيدا عنها حتى قالت بصدق
.. أقولك الحق کنت غيرانه منك قدرتي تاخدي الخطوة اللي طول عمري كنت خاېفة منها 
رفعت سالي يدها وأخفضتهم للأسفل مرة أخرى بغير حيلة قائلة
.. یعني شوفتيني أرتحت ياسيرين!
هزت سیرین رأسها وقالت
.. على الأقل مش هتقضي بقية عمرك زيي تسألي روحك يا تری لو كنت اتطلقت مش كان حالي هيبقى أحسن 
تعمقت نظرة سالي وقالت بواقعية
.. فعلا يمكن اللي مقويني كل اللي حصل بعد طلاقي أكدلي أني أخدت قرار صح 
ابتسمت لها سيرين وقالت بواقعية
.. ودلوقتي دماغك عماله تودي وتجيب يا تری جوازك من جديد قرار صح 
هزت سالي رأسها بقنوط
.. أنا مش عارفة إيه اللي خلاني أوافق ومش عارفة اتصرف أزاي وكريم وباباه كلها نص ساعة ويجوا 
هزت سیرین رأسها وقامت وهي تجذب يد أختها قائلة
.. هتقومي تغيري هدومك وتستقبلي الناس بأحلى إبتسامة وسيبي الأيام توريلك الصح فين 
ابتسمت سالي متهكمة
.. زي العرايس 
ضحكت سیرین هازئة
.. مقولتك كلنا عرايس
.. بعد كل اللي عملتيه معايا حسيت أني فعلا مستاهلكیش یا آشري 
قالها ورأسه منکس ثم رفع رأسه مرة أخرى وأردف
.. وصممت يوم ما أرجع أكون واحد جديد يستاهلك وأنك مش خسارة فيا 
ابتعدت آشري بأنظارها ثم قالت بصدق
.. زیاد موضوع الولاد مکنش عمره سبب 
قاطعها
.. أنا عارف أنا عیوبی کانت أخطر من كده بكتير بس يمكن الموضوع ده بالذات كان زي القشة قسمت ظهر البعير 
حملقت به آشري وقالت بغير فهم
.. بعير يعني إيه 
فضحك زیاد وقال
.. أهي دي أكتر حاجة فيكي بحبها ونفسي أبدا متتغيرش 
احمر وجهها وقالت بنزق
.. إني مبفهمش كلامك لما تتكلم عربي جامد 
تعالت ضحكات زیاد وقال بعبث
.. والله مافيش أجمد منك 
خفضت أنظارها بخجل وقالت بإبتسامة
صافية وهي تعترف بالمقابل
.. أنا كمان ساعات كنت بتعمد أدايقك يمكن تحس باللي فيا وأرجع ألوم نفسي بس كنت بكابر 
هز رأسه وقال متنهدا
.. الحال من بعضه ساعات كتير بكون عارف إني غلطان وكنت بقاوح 
هزت آشري رأسها وقالت بضيق
.. طب والعمل هنرجع ندایق بعض تاني 
هز رأسه نافيا وقال
.. وليه نمشي في سكة واحنا عارفين نهايتها ده حتى يبقى اسمه غباء 
تمتمت پخوف
.. وايه اللي يضمن 
هز رأسه قائلا
.. أن المرادي عاوز ننجح ونجاح أي اتنين هيكون بسببهم هما الأتنين 
قضبت جبينها وقالت بإنجليزية صحيحة
.. مش فاهمة 
قال بإبتسامة واسعة
.. كنت متوقع بصي ياستي أنا الراجل وأنت الست 
حدقت فيه بترقب واجم فأردف
.. یعني أنا أشيل مسئولية حياتنا وبيتنا وأنت تحتويني وسوا نتشارك قرارتنا محدش يمشي في طريق ويقول للتاني هوا كده أخبط راسك في الحيط 
ابتسمت آشري بسعادة
.. بجد یازیاد هتعمل كده فعلا 
هز رأسه بجدية تلك المرة وقال
.. لأني عاوز ننجح يا آشري ولأني مش قادر فعلا أعيش منغيرك وأنا على فكرة بدأت علاج 
أمسكت آشري بكفه قائلة
.. وأنا هفضل جمبك فهز رأسه رافضا
.. الموضوع ده بالذات لازم أكون فيه لوحدي أنا كمان يومين مسافر فرنسا الدكتور قالي أنه في عملية تنفع لحالتي 
هتفت بغیر تصدیق
.. هتسافر لوحدك!
رد قائلا
.. مش كده وبس مافيش حد غيرك يعرف بموضوع العملية ده كمان أنا مقولتش حاجة لأخواتي 
ردت بحزن مضاعف
.. زياد أنا لازم أكون جمبك 
حدق بها لوهلة وقال مټألما
.. كفاية إني شايل ذنبك وحاسس أني لسه أناني زي ما أنا مصبرتش لحد ما أعمل العملية وأشوف نتيجتها بس عندي أمل أنها تنجح 
ردت بعزم
.. أيا كانت النتيجة مش هتأثر علي قراري يازياد المهم عندي أنا وأنت والعلاقة مابينا ناس كتير عندهم أطفال وكل واحد فيهم في واد هنروح بعيد ليه أخوك مخلف من اتنين والتالت . 
نکس زیاد رأسه بخزي وقال
.. أنا آسف بجد على موضوع داليا ده أنا عارف أد إيه أنا جرحتك بسببه واتسببت في مشكل كتير لسالي كمان وهيا غلبانه 
ردت آشري هازئة
.. سالي مش غلبانة وبعدين أخوك هوا اللي اختار وإن كان عليا أنا نسيت الموضوع ده خلاص مش عاوزة نتكلم فيه تاني 
نظر لها بتقدير بالغ ورفع كفها لشفتيه وطبع عليه قبلة دافئة قائلا بغزل عابث
.. تحت أمرك ياجامد 
استهلت من جديد قولها وهي تسحب كفها من بين قبضته پغضب کاذب
.. یعني إيه بقا بعير 
قال بتهكم شدید
.. كائن ميفرقش عني أنا وجاسر کتیر  
اختتموا جميعا قراءة سورة الفاتحة بقولهم أأ آمین فيما تعلقت أنظار کریم کالمسحور بوجه سالي ومعتصم يرمقه بنظرات ضيقة حتى قال والد کریم الحاج مصطفى 
.. ألف مبروك يا ابني ألف مبروك يا بنتي 
ربت کریم علی کف والده بإمتنان وسعادة قائلا
.. ويباركلنا في عمرك ياحاج 
ابتسم والده وأخرج من سترته علبة مخملية صغيرة ومد يده نحو سالي التي كانت تراقب الموقف بصمت مهيب وهو يقول
.. اتفضلي يا بنتي دي حاجة بسيطة 
تناولت منه سالي العلبة بتوجس وقالت بخجل مضاعف
.. مکنش ليه لزوم حضرتك تكلف روحك 
قال الأب بسعادة مفرطة
.. لا ده ندر على الحاجة أم كريم الله يرحمها ووصتني هيا عليه كانت نادرة تلبسها لعروسته بإيديها اعذريني بقا راجل عجوز ومكحكح مش هعرف ألبسهالك بإيدي 
قال كريم ضاحكا
.. طب مش كنت تقولي أنا أعرف ألبسهالها ضحك الجميع وتوردت وجنتا سالي بحمرة الخجل وفتحت العلبة لتطالع سلسالا ذهبيا رفيعا وتتدلى منه حلية خطت بخط عثماني ماشاء الله محلاة بفصوص رقيقة ورغم بساطة الهدية بالمقارنة بالمجوهرات الباهظة التي كان يهديها لها جاسر في الماضي إلا أنها لمست داخل قلبها وترا حساسا جعلت ضميرها يأن ۏجعا إذ أنها في أعمق لحظاتها مع کریم تفکر بسواه وتعقد لا إراديا مقارنة بين ماحمله لها والده البسيط وما كان يحمله لها جاسر في الماضي زجرت نفسها إذ أنها لم تكن طامعة يوما بمال ونفوذ ويكفيها المشاعر الصادقة التي تحملها تلك الهدية فوضعتها بسعادة وقالت
.. أنا متشكرة لحضرتك أوي 
وعلى الرغم من مراسم الاحتفال والسعادة المرتسمة على ملامح علی کریم ووالده بوضوح إلا أن مجيدة بدأت تستشعر أن ظلال الذنب تقتات على راحة قلبها خاصة وهي تراقب تشتت وضياع ابنتها وقلبها يحدثها أنها في تلك اللحظة بالتحديد لا تفكر إلا بسواه فقالت
.. مبروك يا كريم يابني مبروك ياسالي والله ياحاج مصطفی إحنا اتشرفنا بكم أووى وكفاية كرم أخلاقكم 
ضحك الحاج مصطفى قائلا
.. أنا الفرحة مش سيعاني أول ماكريم قالي يا بابا أنا نويت أخطب وأنا جريت أحضر البدلة وأرتب أموري وقولتله على بركة الله دي أكيد بنت حلال مصفي اللي عرفت تقنعك بعش الزوجية المحترم 
ضحك معتصم ساخرا
.. یعني حضرتك یادکتور کنت مضرب عن الجواز 
الټفت
له کریم وقال
.. مش بالظبط إضراب لكني كنت شايف أنه مشروع العمر ولازم الواحد يتمهل فيه 
وعندها منح معتصم سالي نظرة ماكرة وقال متساءلا
.. وميهمكش في نفس الوقت ظروف سالي الإجتماعية إيه اعذرني لكن سالي زي أختي بالظبط وأحب إني اتطمن عليها رمقته مجيدة بنظرة مشټعلة 
ابتسم کریم وتولي الحاج مصطفی الرد بالنيابة عنه ضاحكا
.. نفس ظروفي أنا والحاجة الله يرحمها كانت أول نصيبي وكان سبقلها الزواج والحمد لله مانجحتش عيشت معاها أسعد أيام حياتي واللي مصبرني على فراقها كريم ابني حته منها 
وتابع کریم وعيناه مرتكزة على الصامتة والتائهة في بحورها الخاصة
.. أظن يا أستاذ معتصم من الناحية دي بالذات لازم تكون متطمن وبعدين أنا برتبط بإنسانه مش کشف هيئة ولا خانة في بطاقة 
قالت سیرین بلطف
.. ماشاء الله يا دكتور ياريت كل الناس بعقلية متفتحة زي حضرتك  
فتح الباب قليلا ليطالع صغاره النيام في تلك الساعة المتأخرة من الليل ولكن ما اجتذب أنظاره فراش سليم الخاوي فقفز قلبه هلعا واتجه للفراش ليقطع الشك باليقين يقين أخبره أنه ابنه ليس بفراشه ولكن أين عساه أن يكون خرج من الغرفة بهدوء على قدر المستطاع وسرعان ما هدأت دقات قلبه الملتاعة إذ لمح ضوءا يتسلل من خلف الباب الموصد لحجرة والدته رحمها الله فاتجه نحوها وفتح الباب بقوة ليجد ابنه منزوي بركنها الأقصى يبكي في صمت فهتف بقلب يرتجف وقدماه تستبق الرقعات الرخامية لتصل إليه وجثا على ركبتيه وتلقفه بأحضانه
.. مالك ياسليم 
سايب أوضتك وقاعد هنا ليه وبتعيط فأبعده الصغير بقوة وانزوى بأحضان جسده الضئيل بعيدا عنه وهو يقول بخشونة تناسب غضبه الطفولي
.. أنا كويس ومش بيعيط الراجل مش بيعيط 
وما تعريف الهزيمة أهي بكاء الرجال أم عجز أب إحتواء صغيره والتقرب منه تنهد جاسر متعبا ودعك خلايا وجهه المتغضنة وقال راجيا
.. طب قولي مالك يمكن أقدر أساعدك!
ونظرة الصغير المشبعة بالإتهام الصريح والقسۏة المتعاظمة بأضلعه حرقته قبل أن تشعل كلماته المزيد من النيران في صدره
.. ماما هتتجوز ومش هترجع زي ما كنت بتقولنا
هل أهتزت الأرض من تحته أم أنه فقد إتزانه فقط بوقع تلك الكلمات التي أشعلت الرماد بعيناه فصارت حريقا لا يمكن السيطرة عليه رغم نبرة صوته الجامدة
.. أنت جيبت الكلام ده منين
قام الصغير وأشرف على جسد والده الضخم قائلا بثقة من يلقي الذنب عن عاتقه ويحمله له کاملا
.. قالتلنا النهاردة أنها هتتجوز عمو کریم 
قام جاسد بفوران مشاعره الفياضة وقال على أمل أن ينفي الصغير شكوكه ويمحو مخاوفه
.. مین عمو کریم 
سار سليم للخارج وكأنه لم يستمع له واستدار قبل أن يغيب عن ناظریه
.. الدكتور صاحب المركز اللي بتشتغل فيه 
وتسارعت الصور أمام عيناه والمصدر ذاكرته القريبة واللعڼة على كل شيء خرج من غرفة والدته واتجه بسرعة البرق نحو مكتبه فتح شاشة الحاسوب ومضى يدق بسرعة على أزرار البحث عن مركز الأسنان بالعنوان الذي يحفظه عن ظهر قلب حتى ظهر له نتيجة بحثه مركز الدكتور كريم مصطفی لعلاج الأسنان وإلى جواره صورة باسمة لذلك الأرعن الذي جرؤ على إقتحام رقعة ممتلكاته والاقتران بأم أطفاله والويل كل الويل لها والهلاك كل الهلاك لكل قطعة زجاجية أو خشبية صادفت لحظها التعس خروجه كالإعصار من غرفة مكتبه وصولا لغرفته غير عابئا بأنه قد أوقظ نصف ساكني القصر وصڤعة الحياة غاية في القوة عندما تخبرك أنه بالفعل قد فات الأوان ولكنه لعناده يتشبث دوما بالنفي الأعمى.
النوم قد يكون راحة لكل مبتلي پألم جسدي ولكن للمبتلي بالآم النفس لا يجد فيه راحة والخۏف أحد تلك الآلام التي قضت مضجعها في ساعات الفجر الأولى عندما سمعت صوت ټحطم قوي لعدة أشياء لاتدرك کینونتها وخطواتها المرتجفة خارج غرفتها أكدت لها مرور إعصار أو زلزال بالقصر أو على وجه التحديد أحد أركانه التي كانت تصل مابين غرفتي السيد عادت لفراشها وبصعوبة استطاعت الحصول على قسط هاديء من النوم مالبث أن قطع لدى سماعها لټحطم قطعة فخارية على مايبدو بالحديقة التي تطل عليها نافذة غرفتها الوحيدة فقامت لتطالع سیدها وهو يسير هائما ينفث دخان تبغه المحترق بأنفاس غاضبة وأقدام مشعثة الخطى خرجت من غرفتها بعد أن توضأت وأدت فريضة الصباح وفي طريقها للمطبخ لاحظت جلوسه الشارد في حجرة المعيشة الواسعة فاقتربت نحوه بحسم وهي تذكر نفسها بأنها ليست مخطئة بشيء ليطال الخۏف همتها قائلة بصوت ودود وهي تطالع عشرات من أعقاب السچائر المدماة في المرمدة الكريستالية جواره
.. صباح الخير يا جاسر بيه أحضر لحضرتك الفطار 
لم يتجه بأنظاره إليها وتجاهل أيضا سؤالها الودود رفع سماعة الهاتف الأنيقة ومدها نحوها بغطرسته الفائقة قائلا بصوت ثابت لا يحتمل الرد أو النقاش
.. کلمي سالي قوليلها أنه سليم كان سایب سريره وقاعد يعيط بالليل في أوضة جدته الله يرحمها وشكله زعلان من
حاجة وخليها تيجي دلوقت حالا 
بهت وجهها وارتجفت شفتيها وكذلك أناملها ومع ذلك انصاعت لأمره حرفيا واستمعت لسؤال سالي القلق بذهن غائب وأعين متعلقة بالسيد الذي كان يرمقها بصرامة وهو يستمع لحديثهما بفضل السماعة المكبرة
.. مش عارفة والله يا سالي هانم بس هوا كان بيعيط بالليل في الضلمة وأنا قلقانه عليه ينوبك ثواب تعالي بصي عليه قبل ما تروحي شغلك 
تنهدت سالي وهي تشعر بالذنب والدموع تقفز لعيناها كما اقټحمت عيون صغيرها بالأمس القريب قائلة
.. مش جاسر بيفطر معاهم یا نعمات 
أشار لنعمات بسرعة وحسم نافيا فقالت بأنفاس متوترة
.. لاء جاسر بيه مشي مشي من شوية راح الشغل بدري 
تنهدت سالي بإرتياح وقالت
.. طيب يانعمات أنا مسافة السكة وأجي 
وضعت نعمات سماعة الهاتف وضغط جاسر على زر المكبر ليطفئه فيما قابلته نعمات بأنظار لائمة وقالت
.. بقي على آخر الزمن وأنا في السن ده تخليني أكدب یاجاسر بيه 
رمقها جاسر بنظرة قاسېة وقد استوحشت معالم وجهه
.. ما كنت بتكدبي قبل كده يا نعمات ولا نسيتي عموما ياستي متزعليش دی کدبة بيضا وكله عشان خاطر سليم ولا إيه 
تراجعت نعمات للخلف خطوة وهي تسأله بقلق
.. هوا كان فعلا بيعيط في أوضة المرحومة 
هز جاسر رأسه مسترجعا هيئة صغيرة پألم وقال بهدوء
.. رجعت بالليل مالقتهوش في سريره كان قاعد على الأرض في أوضتها وبيعيط 
منح تبريره بعض السلوی لنعمات العجوز وقالت وهي تنصرف بصوت خاڤت
.. ربنا يصلح الحال من عنده 
وقبل أن تختفي عن ناظریه قال
.. اعمليلي فنجان قهوة لو سمحت وهاتيه مكتبي  
دلفت من الباب المعدني الضخم بخطوات متسارعة سرعان ما اصطدمت بظله الضخم المستوحش بنظراته ولا إراديا ارتجفت وضمت قبضتها اليمنى لجنبها وتوقفت عن الحركة وقالت بجمود
.. نعمات كلمتني .
قاطعها وهو يقترب منها بخطوتين
.. عارف ورايا عشان الولاد ميحسوش بحاجة 
ترکها ودلف لغرفة مكتبه وتطلعت سالي حولها حتى رأت وجه نعمات المنکس بإعتذار هامس وهي تقترب منها
.. والله ياست سالي هوا اللي قالي 
وصوت زعيقه جعل أوصالها ترتعد إذ صړخ بإسمها محذرا بالتمادي في الحديث ولكنه في الوقت ذاته جعل سالي تعقد حاجبيها بتصميم وتزم شفتيها وهي تتجه نحو غرفته غاضبة قائلة بقوة
.. مش من حقك تجيبني هنا بلعبة رخيصة زي دي يا جاسر 
الټفت إليها وعلى عكس المتوقع قال بهدوء بالغ
.. إقعدي ياسالي 
رفضت بعد أن تذعن لأمره وقالت
.. أقدر أعرف سبب المقابلة الغير مرغوب فيها دي إيه ! 
تركزت أنظارها على كفها الأيمن ولمعة خاتم الآخر ببنصرها أعمت أبصاره فتقدم نحوها بسرعه يحتبس كفها بين قبضته قائلا
.. وده جایه بیه متوقعة مني كلمة مبروك 
سحبت كفها من قبضته بقوة وقالت
.. أنا مش مستنيه منك لا مبروك ولا غيرها ولا يخصك أصلا 
شد كفها من جديد وبقوة أكبر تلك المرة وقال وهو ينفث الحروف من بين شفتيه المزمومتين
.. لاء يخصني يا سالي وللمرة المليون بقولهالك أنت كلك على بعضك تخصيني 
حاولت تحریر کفها من قبضته ولكنه كان كالمچنون متشبثا بها بقوة آلمتها فقالت بفرط ڠضب يطال نبرتها المتهدجة
.. أنا مش ملكك یا جاسر طلقتني وخلاص انتهينا 
تركها لتتحرر أخيرا ولكنها لازالت ضمن نطاق مساحة ضيقة يمنحها لها بفضل جسده الفارع قائلا ببرود لكأنما يسرد عليها نبأ صباحي معتاد بنشرة مذياع عن أحوال الطقس
.. لاء منتهيناش أنا طلقت داليا والمأذون جاي دلوقت في السكة وهنكتب كتابنا وهترجعي ونرجع لحياتنا مع ولادنا 
اتسعت حدقتا عيناها بذهول وهي تطالع عنجهيته المفرطة وتوترت شفتيها بڠضبها وكبريائها الذليل بحضوره
.. يااااه بالبساطة دي ! 
ظل ينظر لها صامتا ثم قال بكبريائه المسيطر على أوداجه منذ نعومة أظافره
.. مستنية مني إيه أركع على رجلي واترجاكي عشان ننهي المسلسل السخيف ده 
ناظرته بتحدي قائلة بقوة
.. وليه لاء ولا أنا للدرجادي رخيصة عندك غيرك فضل يحفي ورايا شهور وجاب أهله وجاني لحد عندي ودبلته أهي في صباعي إيه مستاهلش 
كتم أنفاسه الهادرة بشق الأنفس إذ أنها تتعمد تذكيره بطوق يلتف حول إصبعها يعلن أنها أصبحت بملكية آخر سواه فابتعد عنها بأنظاره ولكن لازال جسده متوجها لها بالكامل كما مشاعره الثائرة
.. خلاص أجيلك النهاردة 
وأردف متهكما للفكرة إذ أنه ماعاد شابا غرا صغيرا
.. وأجيب بقية أهلي معايا ونكتب الكتاب وترجعي معايا البيت وخلصنا على كده 
ظلت تنظر له بهدوء وهي تعد له كلمات تراصت كصڤعة أفاقته
.. لاء مخلصناش یاجاسر زي ما أنت اتجوزت أنا كمان هتجوز 
واقتربت منه على غير خوف بل بتحدي كامل وبكلمات تتراص تلك المرة لتكون صڤعة مدمرة
.. وزي ما مراتك حملت منك أنا كمان 
قاطعها بوضع كفه پعنف فوق شفتيها صارخا بها
.. أخرسي ده أنا كنت أشرب من دمك 
احمرت وجنتها بل ووجها كله من شدة إنفعالها وڠضبها أشتعل بجسدها وقالت
.. أنا مش تحت أمرك ولا
أنا عروسة تحركها بملك إرادتك والمأذون اللي جاي في السكة ده تكتب بيه حتى على أربعة غيري وافضل بدل وغير ما بينهم لكن عمري ما هرجعلك 
وهمت بالانصراف فقد كانت تلك المواجهة حقا فوق إحتمالها وأضعاف ماتتحمله من طاقة ولكنه مالبث أن استوقفها بجبروته الذي لا ينضب
.. والولاد ياسالي هتستحملي متشوفيهومش تضحي بولادك عشان راجل تاني غيري 
انقطعت أنفاسها وكذلك دقات قلبها وتوقفت جميع أوصالها وتجمدت والتفتت له والخۏف يزين مقلتيها ولكنها مالبثت أن دحرته بقوة
.. اعملها یاجاسر طلق أمهم وأتجوز غيرها وأحرمهم بعد كده منها وبص لنفسك كل يوم في المرايه وهما بيكبروا وأسأل روحك بعدها 
اقتربت منه مرة أخيرة وهي تهمس له قبل أن تختفي من أمام ناظريه
.. ياترى ملامحك اتغيرت بفعل الزمن ولا بفعل کرههم 
والهزيمة ليست پبكاء الرجال بل بفقدان أب قدرته على إحتواء صغاره وبفقدان عزيمته على الوقوف وتزلزل الأرض من تحته حتى استدرك للخلف عائدا لأقرب مقعد والمشهد في خياله لهو أشد عڈاب.
الأوهام ظلال الحقيقة اقتربت حتى انصهرت فابتعدت حتى تماسكت بقايا وتلملمت للمرة الثانية في تاريخهما المشحون بكل العواطف الرائعة والمؤذية أيضا يستجلبها هو بفرض قوة ذكورية بحتة بالكذب كان أو بالخداع ويفرض عليها قيدا وشرطا دون اعتبار لأنوثتها المتداعية بفضله ولا لكبريائها المنحور على يده فليس ذلك بشيء يذكر جوار كبريائه الأبقي والأعلى شأنا ڠضب يتأجج وحزن يوجع القلب بتراكماته وكأنها لم تكن شيئا مذکورا وقرار رغم أنه مجحف بحق الآخر وحق أطفالها إلا أنها باتت تراه صحيحا والتضحيات غالبا ما يرافقها ألم ألم ستعتاده وستضيفه للائحة آلامها السابقة فلا تراجع ولا عودة وستعتاد الحاضر حتى تنسی.
معك يولد الرجل بالمصادفة وېموت بالمصادفة رسائله النصية التي باتت روتینا ثابتا صباح كل يوم أضحت حمل ثقيل يضاف لبقية ما تتحمله قد تكون في حاجة لإشباع وغريزة فطرية بكل أنثى ولكنه ببساطه ليس هو والأكثر أنها تكاد تكون واثقة أنه مدعي فلا هو شاعرا بالفطرة وحالما كزوجها الراحل ولا هو رجل صارم صعب المعشر كأبيها تحين لحظات ضعف تصيبه جراء تقلبات الحياة فيتحول لمراهق غر تراه کنمر يختار موقع قدميه بعناية دقيقة حتى يصيب فريسته وهي تمقت دور الغزالة المتحذلقة التي تثق بسرعتها وخفة قدها حتى تقع رقبتها بين براثنه وإتصال هاتفي تلك المرة في الواقع أحصت الدقائق فوجدتها عشرون ككل مرة فردت ببرودها المعتاد و جائها صوته المتردد يحيها قاطعته قبل أن يسترسل
.. كنت لسه هكلمك مش هينفع نتغدا سوا النهاردة أيهم طول الليل مانمش من ۏجع ضرسه 
وكأنما قدمت له الحل على طبق من ذهب وليس فضة براقة.. صاحبي عنده مركز أسنان في وسط البلد ودكاترة شطرين جدا هعدي عليك في خلال نص ساعة ده كله إلا أيهم 
تنهدت وهي تفتأ تبحث عن سبب قوي لترفض عرضه فهي لم تعتاد بعد تلك الفكرة المخزية بترك مقاليد الأمور ليتسلمها هو بحكم ضعف أنثوي لن تعيشه في كنفه راضية ولكنها رغم ذلك تراجعت فما عيب الضعف وما المانع لو أنها تركت ذلك المنصب الذي تقلدته إجباريا لتضع أحمالها ولو قليلا علها تلتقط فقط بعض الأنفاس وإلا مافائدة تلك الزيجة بالمقام الأول فهي ليست بإمرأة صرعها الهوى ولا أرملة أجحفها العوز وضعت الهاتف وتلقت الصغير بين أحضانها الدافئة
.. لسه واجعك 
هز الصغير رأسه بضعف وهو يريح خده المتورم برفق على صدرها فربتت على كتفه في انتظار ظهور المنقذ الذي لم يتأخر والذي لم ېكذب أيضا فما أن خطت قدميها داخل مركز الأسنان حتى لاحظت الإهتمام الشديد بحالة صغيرها دون الإعتبار لكون العقيد صديقا مقربا لمالك المركز والذي استقبلهما بحفاوة بالغة وما تلا ذلك كان الصدمة والمفاجأة بالنسبة إليهم جميعا فالطبيبة الماهرة التي عالجت أيهم الصغير في الواقع هي سالي التي تعرفت على درية واستقبلتها بأحضان دافئة وصاحب المركز ذلك الطبيب خفيف الظل كما استشعرته درية لم يكن سوی خطيبها !
وقع المفاجأة على درية حينما علمت بذلك الخبر كان متشابها لحد بعيد عندما علمت سالی أن درية حطمت أسوار حصنها المنيع ودعت رجلا لاقتحامه والسيطرة عليه وأخيرا الرجلان اللذان لم ينتبها لملامح المرأتين وتضحكا سويا بشأن الخطوبة السرية كما أطلق عليها كريم والذي أصر على أن يتناولا طعام الغذاء سويا ولكن درية قابلت عرضه برفض قاطع إذ أن الصغير في حاجة للراحة وربما يستطيعان تلبية الدعوة في وقت لاحق انصرفت درية وهي تحمل صغيرها رغم إصراره أنه يستطيع المشي وحده وعيناها معلقة بوجه سالي الذي كان يعلوه تعبير غریبا غريب جدا بل غريبة الحياة برمتها.
الفوضى ربما تكون وصفا دقيقا حالة الشركة مع غياب الشقيقان وهذا ما لاحظته عيناه بمجرد مرور بضعة دقائق عليه داخل مكتب أخيه الأكبر الغائب وزأر بأحقية فردا من آل سليم بعدة أوامر نفذها
الموظفون بكل دقة وحرفية قد يكون الأصغر وربما يكون قد انسحب من الشركة منذ زمن ولكنه لازال فردا لا يستهان به بتلك العائلة الذي ما أن أنهي عملا هاما أنقذ عدة أوضاع كانت على المحك اتجه لبيت الأوسط الذي كان غارقا في بؤسه بين أورقة ذكرياته البعيدة وخسارته القريبة استقبله أسامة بعينان زائغتين فرمقه زیاد بالمقابل بنظرة خائبة الآمال قائلا
.. إيه اللي رجعك للقرف ده تاني 
أشاح أسامة برأسه بعيدا مغمغما باعتراف مخجل
.. مش عاوز أفكر في حاجة 
ولكن زیاد لم يستسلم وتابع حديثه بعند
.. درية سابت الشغل وأنت وأخوك معتبتوش الشركة بقالكو كتير والموظفين بياكلو في قته محلولة إيه اللي بيحصل!
فعقد أسامة حاجبيه وقال
.. وجاسر مبيروحش ليه 
فدهش زیاد
.. أنت بتسألني أنا!
.. أومال أنت قاعد معاه بتعمل إيه 
ضحك أسامة ساخرا
.. أحنا كل واحد فينا في وادي لوحده أنت ولا هوا ولا أنا 
هز زیاد رأسه وقال
.. معاك حق وأنا السبب 
والټفت لأسامة وهو يرمقه بشفقة قائلا
.. أسامة أنت محتاج تروح تتابع مع دكتور نفسي الهروب مش حل ولا أنت مرتاح 
هز أسامة رأسه موافقا فتابع زیاد برفق راجيا
.. أما أرجع من السفر نروح سوا
تسائلت عينا أخيه قبل لسانه
.. مسافر فين 
رد زیاد ببساطة
.. فرنسا هبقا أحكيلك لما أرجع 
ظن أسامة أن أخيه يشعر بضيق حال جعله يغادر البلاد فقال بسرعة
.. على فكرة جاسر أداني عقد بيع منه ليك بشركتك يازیاد بس وصاني مجيبش سيرة إلا لما أحس أنك رسیت کده و عقلت والصراحة أنا كنت قلقان لا بنت الزهري ترجع تلف عليك تاني من بعد ما سابت أخوك 
رفع زیاد حاجبيه دهشة
.. وهما اتطلقواطب والبيبي 
هز أسامة رأسه نافيا فقال زیاد مستفهما
.. عشان كده جاسر سایب الشركة 
هز أسامه کفه معارضا وقال بإستخفاف
.. مش أخوك اللي يزعل على الموضوع ده وكده أفضل ناقص بس يرجع المايه لمجاريها مع سالي 
وصمت الاثنان إذ أدركا أن ذلك قد يكون سبب غياب أخيهما المفاجيء وعندها قال أسامة بإدراك
.. يمكن يكون ده السبب فعلا والصراحة محدش يقدر يلومها ولكن بعكس ملامح أسامة المستسلمة 
لمعت عينا زياد وهو يقول بإصرار
.. لكن لازم ترجع 
هم زیاد بالرحيل وقال آمرا
.. خلي العقد معاك يا أسامة مش محتاجه دلوقت وتعالي المهم نروح لأخوك ونتطمن عليه  
ثلاثة أيام مرت ثلاثة أيام من الصمت المفعم بحرارة براكين الڠضب المتفجرة داخله وشعور حارق بالخېانة يقتات منه وعودة لذكريات مقيتة أقسم على ډفنها بأعمق الأعماق سهيلة فضلت رجلا آخر فتخلص منها ومن قيود زيجة منتهاة ولكن سالي هي لم ترتكب جرما فادحا بالمعنى الحرفي إذ أنها لم تعد زوجته ولكن كيف تفضل سواه
الفرحة التي استقبل بها الصغيران عمیهما كانت لا تقدر بثمن وساهمت بإخراجه من دوامة أفكاره الملتهبة مستعيدا بريق عيناه الذي خمد قليلا وبمظهره الۏحشي بذقنه الخشنة وعيناه التي ضاقت عندما لمح نظرة أخيه الأصغر متشبثة بكل حركاته ولفتاته تقدم منه ودفعه لأحضانه بود استقبله زیاد بسرور قائلا
.. قلقنا عليك أنا وأسامة 
دعاه جاسر للجلوس قائلا بمكر
.. أنت ممكن لكن أكيد الباشا التاني ولا كان حاسس بحد 
وضع أسامة سلمى المتشبثة بعنقه والټفت لأخيه الساخر وقال
.. قال يعني تفرق معاك 
هز جاسر رأسه نافيا
.. لاء تفرق يا أسامةلمتنا أهم حاجة عندي 
كان سليم يتابع حديث الكبار بأعين متسعة يحاول إدراك ما يجري حوله بسنوات عمره القليلة فجذبه زیاد بقوة وتعلق به وقال
.. أبوك ماله یا سليم أحكلنا أنت بقا 
نظر سليم لأبيه الذي سارع بإشعال تبغه بأنامل متوترة قائلا بخشونة
.. خلي سليم بره یا زیاد 
اعترض سليم بجين العند المتوراث بعروق آل سليم
.. بس هوا سألني أنا 
نظر جاسر لصغيره نظرة تقدير بالغة وقال بإذعان
.. خلاص اتفضل يا سلیم جاوب 
نظر سليم لزياد وقال بحروف لا تمت لعالم طفل بعمره بصلة
.. أظن أنه بابا قاعد قدام حضرتك تقدر تسأله بنفسك 
اڼفجر الجميع ضاحكون حتى سلمى التي لم تكن تفقه الحديث الجاري من حولها فجذب زیاد رأس سلیم مشاكسا وقال
.. ابن الوز عوام خد أختك ورحوا طيب وسيبونا لوحدنا عشان أقدر أسأله براحتي 
وكأن سليم بحاجة لذلك الأمر منه مد يده صامتا لأخته التي تعلقت بذراعها وسحبها نحو الخارج تارکین عالم الكبار المشحون بالأفكار والأقوال التي تخفي ما داخل الصدور وحديث قاد دفته وتمرکز فقط حول العمل ولا شيء سواه متجاهلا نظرات أخويه الفضولية بشأنه حتى قاطعه زیاد قائلا بحسم
.. مهما تحاول تهرب یا جاسر بالشغل وكأن مافيش حاجة حصلت هيفضل واقع أنك أنت وولادك قاعدين هنا لوحدكم من غير أمهم 
وساد الصمت لفترة ليست بالهينة فلقد تعلم زیاد الصغير المواجهة وأساليب الطرق على الحديد وهو ساخن كما يقولون وتابع بإصرار
.. ولا أنا غلطان یا جاسر!
هز جاسر کتفیه یازدارء قائلا
بتكبره المتعمد
.. وده يفرق في إيه 
قام زیاد وقال
.. ماهو مافيش أهم من لمتنا یا جاسر يبقى من باب أولى لمتك أنت ومراتك وولادك 
تدخل أسامة ليلطف قليلا من الأجواء المشحونة بينهما وقال
.. جاسر أنا ممكن أكلمها وسالي طيبة وبتحبك 
قاطعه زیاد باعتراض قوي
.. لاء طبعا لا أنا ولا أنت هنتدخل هوا اللي لازم ينزل شوية من عليائه ويترجاها ترجعله هوا غلط فيها ولازم يصالحها ويحسسها بأهميتها عنده ولا سالي مش مهمة ياجاسر 
الټفت لجاسر الذي احمرت نواجذه غيظا إذ لم يعتاد أن يتقلد موقع الصغير الذي يتلقى الأوامر من أحد وتابع زیاد بنفس الإصرار
.. اعترف على الأقل بينك وبين نفسك أنك غلطت في حقها وأنها استحملت كتير منك وأنه من حقها تحس بغلاوتها عندك وعادت كلماتها تطرق رأسه وشعور بالذنب يطوقه نحوها 
اقترب زیاد منه هامسا
.. على الأقل عشان مصلحة الولاد 
هز أسامة رأسه موافقا وقال وهو يسحب زیاد نحو الخارج بواقعية الأمه مؤخرا 
.. كفاية كبر وتضيع وقت أكتر من كده یاجاسر بدال ما تصحى في يوم تلاقيها خلاص راحت لغيرك 
والألم الذي تجسد بناظريه تعاظم حتى شعر بأنفاسه تختنق وحال دون أن يودع أخويه وداعا لائقا فجلس في مكانه ولم يبرحه حتى بعد مرور ساعات على إنصرافهما وعاد مجددا لدوامة أفكاره فهو كان يظن أنها رفضت الاستمرار ورحلت ثأرا لكرامتها وعلى عكس کلام أخيه الذي يتهمه بالغرور وعدم استشعار قیمتها بحياته فهو ظل ينتظر هدوء تلك المشاعر السلبية من جهتها التي عصفت بحياتهما وتعود مرة أخرى لأحضانه وأحضان صغارهما كما اعتاد دوما منها ولكن أن يقتحم آخر رقعتهما الخاصة ويزيحه تماما وتفضل هي الاستمرار بحياتها معه هذا لم يكن بالحسبان أمازال ثأرها لكرامتها يتعاظم أم هي بالفعل نبذته وخانت عهدهما 
ولا سبيل لمعرفة الحقيقة سوى خطوة أخيرة يقوم بها فلا سبيل لإضاعة المزيد من الوقت كما قال أسامة هو لم يكن يوما رجلا بارعا في الصبر ولكنه كان دوما بارعا في الصيد وليس هناك أسهل من اصطياد إمرأة يعرف نقاط ضعفها وقوتها ويحفظ عن ظهر قلب عاداتها.
خرج في الصباح في ميعاده ليس لأنه متشوقا للعودة للعمل ولكنه كان متأكدا بأن نعمات ستقوم بواجبها على أكمل وجه وماهي إلا ساعتان من الزمن حتى رن هاتفه وكان المتصل حارس القصر الذي أخبره بتواجد الهانم في تلك اللحظات برفقة الصغار فترك الحديثة بالعمل تعيث فسادا في ملفات درية المنظمة بدقة ولم يهتم وعاد لقصره وهو يحمل خطته المتقنة كانت سالي في تلك اللحظات تجلس بانتظار العفو نعم هي مذنبة خطبت لآخر وستتزوج في غضون أشهر قليلة وماهي أيام بعد إعلانها لذلك الخبر المشؤوم حتى غابت عن صغارها وتركتهم قالت بأنفاس متهدجة وهي تنظر بتضرع لصغيرها سليم الذي کتف ذراعيه بحزم كأبيه تماما
.. یعني یا سليم يرضيك تسيبنا نخرج أنا وسلمى لوحدنا 
فرد سليم دون أن يمنحها حتى نظرة
.. وإيه الفرق ما أنت بقالك كتير مبتجيش وسيبتينا لوحدنا 
حاولت سالي التملص من ذنبها الذي لا يغتفر قائلة
.. ما أنا سيباكم مع بابا 
الټفت لها سليم
.. وأنا هفضل قاعد هنا مستني بابا ولو سلمى عاوزة تخرج معاكي براحتها 
اقتربت منه سالي وهي تربت على ذراعه
.. طب أنا اللي عاوزة أخرج معاك النهاردة 
هز سلیم رأسه بألمه الذي لا يطيقه صدره الصغير
.. عشان بكرة ولابعده تسيبني وتخرجي لوحدك ولا مع عمو کریم وأفضل أنا مستنيكي لحد ما تيجي 
اتسعت عينا سالي پذعر فائق فما يود الصغير قوله حقا أنه لن ينتظر منها نظرة عطف ولا شفقة ويفضل أن يتخلى هو عنها بمليء إرادته قبل أن تتركه مي فهزت رأسها نافية والدموع ټقتحم مقلتيها واحتضنته بقوة هو وأخته قائلة
.. أنا لا عمو کریم ولا غيره يقدروا يبعدوني عنكم فاهمين 
قاطع هو تلك اللحظات اتضمفعمة بالألم وهو يشعر بأنه يتحمل ذنب صغيريه بالكامل وليس سالي وحدها فقال
.. إيه رأيكم لو نخرج كلنا سوا 
ترك الصغار حضنها الدافيء والټفتا إلى أبيهما الذي ركع واستقبلهما بقبلات مفعمة بالحب ودفعهما نحو الأعلى مع أمر بالإسراع في تبديل ملابسهما وإلا تراجع عن قراره وما أن اختفا الصغيران حتى اتجه نحوها وهي الواقفة صامته وداخلها يعج بالأفكار السيئة نحو نيته المبيته وقليلا من الڠضب إذ أن ذلك هو أسلوبه للتعامل معها ولن يغيره فقال بلطف
.. الولاد محتاجين مننا أننا نتفاهم ياسالي ده حقهم علينا 
التفتت له بهجوم شرس
.. وأنا حاولت أتفاهم كتير معاك قبل كده یا جاسر أنت اللي. 
قاطعها مهدئا بإبتسامة رقيقة أذابت أوصالها
.. اهدي بس مالهاش لازمة العصبية دي كلها 
اختلجت دقات قلبها وتوترت شفتيها وهي تقول بعند
.. أنا هادية 
هز جاسر رأسه وقال
.. كويس جدا خلينا نتفق الولاد هيباتوا معاكي سبت وحد واتنين والتلات بعد الغدا هعدي
أخدهم من عندك يقعدوا معايا تلات واربع وخميس والجمعة تعدي تاخديهم مني في النادي 
اتسعت عينا سالي وهي لا تصدق عرضه الذي ألقاه على مسامعها بكل بساطة وقالت لتتأكد
.. یعني هتسيبهم معايا نص الأسبوع!
هز جاسر رأسه ولكن ضاقت عيناه وهو يؤكد لها
.. مع شرط 
كټفت سالي ذراعيها وقالت ساخرة
.. آه طبعا ما أنا قلت الموضوع لازم يكون فيه إن اتفضل أشرط یا جاسر 
تجاهل جاسر سخريتها وقال بهدوء
.. مش عاوز ولادي يكون ليهم أي علاقة باللي اسمه کریم لا يشوفهم ولا يخرج معاهم 
اتسعت عينا سالي قائلة برفض
.. ولما نتجوز إن شاء الله . . 
قاطعها مزمجرا
.. ولادي هيباتو معاكي في بيت جدهم یا سالي مش في بيت جوز أمهم 
هزت سالي رأسها وهي تقول بإدراك
.. يبقا الغرض من الإتفاق ده أني أفسخ خطوبتي ومتجوزش کریم ده اللي أنت عاوز توصله 
هز جاسر رأسه وقال نافيا وكأن أمر زواجها من آخر لا يعنيه
.. أنت حرة ياسالي دي حياتك وأنت حرة فيها وده اللي عندي واللي أقدر أقدمه اعقليها وشوفي هتتصرفي إزاي الولاد ليهم حق علينا ومن حقي أن ولادي ميباتوش في بيت راجل غريب ولا يكون ليه أي علاقة بيهم وأظن إنه ده الطبيعي 
هبط الصغيران الدرج بمرح يتسابقان وارتسمت على ملامحهم البهجة فأبيهما وأمهما سيصطحبانهما للخارج في نزهة عائلية خاصة بهما وهذا ما صرحت به سلمي بكلماتها الطفولية
.. أخيرا هنخرج سوا كلنا مع بعض 
همس جاسر بالقرب من أذن سالي
.. لو عاوزاني أقولها أنه جالي شغل وتخرجي أنت معاهم لوحدكم براحتك بس أنا صعبان عليا أكسر فرحتها 
هزت سالي رأسها نافية ومدت ذراعها لسلمي وقالت
.. مين هيركب معايا ومين هيركب مع بابا 
قال سليم معترضا
.. ما نركب كلنا سوا مع بابا 
شعرت سالي لكأنما تساق بمليء إراتها نحو فخ منسوج بعناية وتحت رعاية مباشرة وبتصميم موقع بلمسة من جاسر وأطفالهما ومع ذلك لم تستطيع الهرب والتملص فهي المذنبة هي من يعرض عليها رعاية وحضانة مشتركة بينهما وهي من تدفع بآخر في معادلة بقائهما لتصبح مستحيلة.
ويبدو أن المعادلات المستحيلة أصبحت تسيطر على مزيدا من العلاقات فما سمعته منذ قليل بالصدفة البحتة جعل بقائها مرتبطة بتلك الزيجة لهو أمر من رابع المستحيلات بحق فالنمر يخطو خطواته المدروسة بالفعل إذ سمعته يخطط مع أبيها تفرقة الأبناء أبنائها الصغير برعاية الجد إذ أنه شديد التعلق بأمه والتعامل معه ومع متطلبات سنه الصغير أمر فائق الصعوبة والأوسط والأكبر سنا معهما إذ يستطيع التفاهم والسيطرة على طباعهما الهادئة ومتطلباتهما البسيطة بحكم سن المراهقة هكذا بمنتهى البساطة معادلة تشملها هي وإثنان فقط من الأبناء والأخير الصغير منبوذ معادلة مستحيلة وببساطة طرحه لتلك المعادلة على مسامع الجد وموافقة الأخير عليها بالمقابل لم تجد حرجا ولا مانعا هي الأخرى بقذفه بأحط الصفات وأقذع الشتائم وهي تلقي بطوقه الذهبي بوجهه وتطرده خارج المنزل رغم أنه منزل أبيها بالأساس وبعد انصراف العقيد بأذيال الخيبة وزعقة أبيها وعلى غير العادة تصفيقا حارا من زوجة أبيها وتحية لها على موقفها الجريء منبعه الحقيقي أنها لم تكن لترحب برعاية صغير في عمره ولكن الظاهر أنه هذا ما تقوم به أم شجاعة بعمرها حملت صغيرها ودثرته جيدا وعادت لمنزلها الصغير الهاديء وفكرها يتقد بمعادلة أخرى لا زوج ولا عائل ولا وظيفة ولا سبيل للعودة وأيضا لا سبيل لطلب مساعدة من الأب معادلة أكثر تعقيدا والمزيد من التعقيد واجهته صباحا إذ استيقظت فزعة على صړاخ الصغير بآلآم ضرسه مجددا فحملته بعدما تناول طعام الفطور بمشقة بالغة نحو المركز الطبي الذي قصده آنفا وانتظرت دورها طالعتها سالي بإبتسامة مرحبة والصغير اقتحم الغرفة وجلس سريعا على المقعد المخصص له قائلا
.. آآه الحقيني وشوفي ضرسي يا طنط أبوس إيدك 
لم تتمالكا الاثنتان نفسيهما واڼفجرتا ضاحكتان واقتربت منه سالي وبحنان قالت وهي تداعبه تماما مثل سليم الصغير
.. وريني كده آآه رجعت تزود في الحلويات ومغسلتش سنانك 
أشار لها الصغير برأسه مذعنا وهو يتألم
.. خلاص حرمت آخر مرة 
شرعت سالي في أداء عملها وهي تقول
.. مدخلتوش على طول ليه يعني حتى لو کریم مش موجود دلوقت حالة أيهم حالة طارئة وبعدين يعني إحنا عيش وملح يامدام درية 
اقتربت منها درية
.. على أساس يعني هناديكي مدام سالي ده إذا كان جاسر وبقوله... 
بترت درية عبارتها بحرج بالغ وعندها رفعت سالي رأسها لها وقالت لترفع عنها الحرج
.. ولا يهمك . الغلطة عندي أنا يا درية 
انتهت سالي من عملها بعد قليل وهي تملي على أيهم بضعة أوامر لعله يستجيب لها والتفتت لدرية وقالت
شدي عليه شوية لو كل حلويات لازم يغسل سنانه في ساعتها وأشوفه كمان أسبوع نكمل شغلنا هزت درية رأسها وقالت
.. سمعت يا أيهم أظن أنك حرمت بعد الۏجع ده
کله 
اصطحبتهما سالي نحو الخارج والتفتت لها درية وقالت
.. أنا مش عارفة أشكرك إزاي 
ابتسمت لها سالي متعجبة
.. على إيه ده شغلي وبعدين أنتوا بقيتوا وصاية جامدة 
دفعت درية صغيرها للعب في المنطقة المخصصة للأطفال والتفتت مرة أخرى لسالي قائلة بحرج شديد
.. ياريت مافيش داعي أنه دكتور كريم يعرف بزيارتنا أنا وطارق فسخنا الخطوبة
اتسعت عينا سالي وهتفت دون أن تشعر
.. معقول ليه 
ضحكت درية وهزت رأسها بتهكم بالغ وقالت
.. عشان ولادي مش محل خیار یا سالي مينفعش أختار بينهم وبين جوازي دول هما عندي بالدنيا وما فيها 
تاهت أبصار سالي وهزت رأسها بإذعان وقالت بصوت متحشرج وتشبعت تفاصيل وجهها بالألم الدفين بأعماقها
.. فعلا معاك حق إستحالة يكونوا إختيار هما الواقع الحقيقة الثابتة اللي لا يمكن تتغير 
ربتت درية على ذراعها وقالت دون حرج
.. يمكن جاسر میستهالش منك فرصة تانية لكن ولادك ياسالي أكيد يستاهلوا راجعي نفسك مش تبقي وأبوهم عليهم دول أغلب من الغلب 
فرت دمعة من عيون سالي دون إرادة ودون أن تشعر فجذبتها درية لأحضانها وقالت
.. ربنا ينور بصيرتك
على السادة المسافرين على متن الطائرة رقم . . . التوجه لصالة القيام رقم . . . قام من جلسته التي طالت بعد تأخر إقلاع الطائرة لساعتين کاملتين كان غير منتبها بالمرة لتلك التي تراقبه بأعين لامعة تحت قدميها على التحرك نحوه وعقلها يأمرها بالانصراف فلقد اطمأنت عليه وكأنما شعر بتذبذب خطواتها والتقط إشارات قلبها المتعلق به فهتف بها سعيدا
.. آشري أنت هنا 
كانت قد استدارت وتابعت سيرها خوفا ولكن مع لمحة السعادة التي لونت صوته دق قلبها بشدة والتفتت نحوه مجبرة وبخطوات خجولة اقتربت منه وقالت دون أن ترفع أبصارها
.. جيت عشان اتطمن عليك 
ابتسم زیاد واقترب منها وقلبه يتراقص طربا
.. عرفت منين إني حاجز المعاد ده 
هزت رأسها واعترفت
.. دي الطيارة الوحيدة بالنهار والتانية بالليل متأخر وأنت كنت قايلي على يوم السفر عملت اتصالاتي وعرفت إنك هتركب دي 
جذبها زياد نحوه ومسح بظهر كفه وجنتها بحنان بالغ وعيناه متعلقة بقسمات وجهها الجميلة كإسمها تماما وقال
.. لو تعرفي أنا كنت محتاج أشوفك أد إيه 
أدمعت عيناها وقالت لائمة
.. طب وليه مش عاوزني أسافر معاك 
تنهد زیاد وقال بندم وأسف بالغ
.. عشان الخطوة دي بالذات لازم أعملها لوحدي زي ما سيبتك أيام وليالي لوحدك بتحاولي تصلحي حاجة ملكيش يد فيها 
تصاعد الصوت منبها للمرة الأخيرة بضرورة سرعة التحرك مقاطعا لحظتهما المشحونة فربت زیاد على كف آشري وقبله بدفء
لا إدعيلي وأنا هبقى أكلمك من هناك 
هزت آشري رأسها وهي تشير له مودعة
.. أوكيه مستنية منك تليفون 
وبعدما ابتعد عنها بخطوات هتف بها مرة أخرى بصوت مرتفع غير عابیء بالمتابعة الفضولية التي حصدها الاثنان جراء سؤاله العجيب
آشري أبيض ولا أوف وايت 
التفتت له آشري متعجبة وقالت
هو إيه 
فهتف ثانية متجاهلا سؤالها
.. أبيض ولا أوف وايت 
اتسعت إبتسامتها وتراقص قلبها طربا وقالت بعد تردد
.. أوف وايت 
غمزها زیاد وقال مشاكسا
.. هجيبه أبيض 
أدمعت عيناها وضحكت وأومأت له بموافقة واستقبلت قبلته التي أرسلها لها في الهواء ووضعت كفها على فمها بخجل شديد جراء نظرات الناس الموجهة لهما وتسارعت خطواتها نحو الخارج بعد أن غاب عن أنظارها.
حالة السعادة المحلقة بها منذ الظهيرة جعلتها شبه غائبة عما يجري حولها وغير واعية لحديث سالي الذي امتد لنصف ساعة من الوقت بمكتبها وهي تخبرها بخطوبتها لكريم وترددها الشديد في مشروعها للزواج منه حتى هتفت بها سالي
.. أنت مش معايا خالص یا آشري 
ارتفع حاجبي آشري وقالت مغمغمة باعتذار
.. سوري يا سالي بجد كنت بتقولي إيه 
فرفعت لها سالي كفها الأيمن ليلمع خاتم الخطبة بخنصرها في وجه آشري التي أمسكت بقوة بكف سالي قائلة بسرور بالغ
.. رجعتي لجاسر 
.. مبرووك ياسالي 
جذبت سالي كفها وقالت پغضب حانق
.. کریم مش جاسر 
اتسعت عينا آشري وقالت بغباء لم تصب بمثله يوما به
.. کریم مین 
ومع نظرة سالي المشټعلة وضعت آشري كفها على فمها ثم هتفت
.. آآه کریم عرفته مش ده الدكتور صاحب المركز 
هزت سالي رأسها صامتة فتابعت آشري تساؤلاتها
.. طب ليه  بتحبيه 
انزعجت سالي بشدة من ذلك السؤال وهتفت حانقة
.. لاء طبعا 
تعجبت آشري بشدة وقالت مستنكرة
.. طب طالما مش بتحبيه هتجوزيه ليه ياسالي 
وضعت سالي رأسها بين كفيها بتعب وقالت بصدق دون أن تستطيع رفع رأسها ومواجهة اشري باعترافها الذي تعلنه بصوت عالي ربما للمرة الأولى
.. هوا طلب وأنا أنا مچروحة وقتها كان لسه جاسر متجوز اللي اسمها داليا دي لكن دلوقت اتطلقوا واللي فهمته من نعمات أنها أجهضت 
هزت آشري رأسها بعدم فهم وقالت بواقعیتها
.. إنت بتخلطي الأمور ببعضها ليه ياسالي 
تنهدت سالي بتعب وقالت
.. مش عارفة أهو اللي حصل 
تغضنت ملامح آشري وارتسم عليها الضيق
الشديد وقالت معنفة صديقتها التائهة
.. تاني ياسالي تاني بتحطي نفسك في إيد اللي حواليكي فين قرارك أنت أنت صاحبة القرار ياسالي مش حد تاني دي حياتك أنت مش حياتهم 
قالت سالي بشعور حارق بالذنب
.. کریم صعبان عليا کریم بیحبني بجد صعب أجرحه 
ارتشفت آشري القليل من قهوتها المرة وقالت بتصميم قاس
.. دي مشكلته هوا مع مشاعره مش مشكلتك والچرح الأصعب هيكون ساعة ما تتجوزيه وأنت بتفكري لسه في غيره 
انكرت سالي قولها رغم أنها تعلم بمدى صدق حديثها
.. أنا بفكر في ولادي وبس 
نظرت لها آشري وهزت رأسها نافية
.. لاء بتفكري فيه وإلا مكونتیش جیبتي سيرته وعلى فكره لا هو عيب ولا حرام أنتوا ليكم تاريخ مع بعض 
وضعت سالي كفها على جبهتها بتعب وقالت
.. طب أنت رأيك إيه 
هزت آشري رأسها رافضة أن تقودها نحو إختيار أو قرار
.. ماليش حق أن أكون صاحبة رأي باسالي وأنت عارفة كويس الصح فين 
ماهو القرار الصحيح  ليست بحاجة لمزيد من التفكير خاصة وهي تتسلل من المركز قبل ظهور کریم لتذهب للقصر لاصطحاب أطفالها في نزهة كما وعدتهم ومنذ بداية الأسبوع القادم سیمکثون معها لنصفه كما اتفقت مع جاسر ولكن ما لم تحسب حسبانه أن تجد الصغار برفقة أبيهم بحجرة المعيشة يلهون سويا بصخب وصوت ضحكاتهم قد دفع بالبسمة اللإرادية لثغرها صړخت سلمی مرحبة بأمها وتدافعت ساقيها نحوها وقالت مؤنبة إتأخرت على فكرة يعني فحملتها سالي وقالت ضاحكة
.. یابكاشة قا
الثالث
ماهو القرار الصحيح 
ليست بحاجة لمزيد من التفكير خاصة وهي تتسلل من المركز قبل ظهور کریم لتذهب للقصر لاصطحاب أطفالها في نزهة كما وعدتهم ومنذ بداية الأسبوع القادم سیمکثون معها لنصفه كما اتفقت مع جاسر ولكن ما لم تحسب حسبانه أن تجد الصغار برفقة أبيهم بحجرة المعيشة يلهون سويا بصخب وصوت ضحكاتهم قد دفع بالبسمة اللإرادية لثغرها صړخت سلمی مرحبة بأمها وتدافعت ساقيها نحوها وقالت مؤنبة إتأخرت على فكرة يعني فحملتها سالي وقالت ضاحكة
یابكاشة قال يعني عارفة الوقت هزت سلمى رأسها معترفة
سلیم هوا اللي قال أنك جاية الساعة تلاتة وسألت بابا قال دلوقت بقت خمسة حث جاسر سليم لتوجه نحو أمه التي تلقفته بأحتواء مغمغمة باعتذار
معلش والله يا سليم كان عندي حالات كتير عشان كده أتأخرت فقال جاسر بمكر
ماتزعلش بقا ياسولم وبعدين أنا مش مكفيك يا أخي!
هز سلیم رأسه واندفع مجددا لأبيه فهو أصبح يستشعر الأمان بينهما أكثر من ظل أمه الغائب وداخله يعد نفسه لمزيد من الأعذار والغياب وتلاهي بآخر سواهما تلك المشاعر المعتملة بصدره أصبحت سالي تراها لكأنما كائن حي وحش قبيح الشكل والهيئة يخبرها كم أضحت أما قاسېة ينهش هناء ليلها ويؤرق مضجعها واقټحمت نعمات حديث القلوب وقالت بصوتها الجهوري
الغدا جاهز ياجاسر بیه فارتسمت على ملامح وجه سالي التوتر وقالت لسلمی
أنتوا ما اتغديتوش لحد دلوقت 
رد جاسر وهو يقترب منها حاملا سليم على كتفه
قلنا نستناكي ناكل سوا عزمت سالي الرفض ولكن مع تعلق أنظار أطفالها بها تحركت خطواتها مذعنة خلف جاسر الذي تحرك نحو الشرفة حيث أعدت نعمات طعام الغذاء وجلست للطاولة المستديرة والتي أعدت لها أربع مقاعد فقط فأصبحت على مقربة من جسده الفارع وأطفالهما أمامها قد شرعا بإلتهام الطعام من فرط جوعهما وبالمثل تناولت سالي معلقتها وشرعت بالأكل ليدخلا مسابقة الأسرع أكلا كما اعتادوا وفجأة قام جاسر تاركا طعامه الذي لم يقربه وتحرك نحو مشغل الإسطوانات لتنبعث منه تلك الموسيقى المميزة جدا لأسماعهما ومرة أخرى وربما كانت تنبعث من بين طيات الذكرى صوت فيروز الحالم بأغنيتها المتسائلة المتوحة لقلوب الچرحى سألتك حبيبي لوين رايحين 
فتركت سالي معلقتها ووضعتها وتوقفت عن الأكل كما توقفت الأرض عن الدوران وعادت بها لأرض الأقصر وذكرى تلك الفتاة المتخبطة بين أورقة العشق له عادت لتتلبسها فأخفضت رأسها وهي متشعبة بذكرياتها البعيدة تارة تشعر بالسعادة وأخرى بالخزي والألم وتراقصت الدموع بعيناها وتركت الطاولة هاربة نحو الداخل تحت أنظار الأطفال المتعجبة لحال أمهما الغريب وأتبعها جاسر نحو الداخل بعد أن أمرهم بلطف للانتهاء من طعامهما وقفت مكتفة الأيدي تدير له ظهرها تحاول إستجماع شتات نفسها وقالت عندما شعرت به يتقدم داخل حجرة المعيشة
هبقا أخدهم يوم السبت زي ما اتفقنا فقال بلطف
الجمعة هجيبهم لحد عندك فحملت حقيبتها واستعدت للرحيل واصطدمت قدميها بألبوم صور ملقى على الأرض فالتقطه واقترب منها وقال
کنا بنفر في الصور فيه صور نسيت أمتي أخدناها حتى فتحت سالي الألبوم وتناقلت بحنين نحو صفحاته وتطلعت لصورة سلمى وهي برفقة سليم في أحد الصناديق المخصصة لجمع الألعاب فضحكت رغما عنها وقالت
كانت غاوية تستخبى هنا وسليم كل مرة كان يقفشها فضحك جاسر متفكها وقال
ولما لقيته كل مرة يمسكها بقت تروح ورا الستارة في مكتبي تستخبى مننا ورجليها وساعات كلها كان بيبقا باين من وراها وتناقلت بين الصور جوعا للمزيد حتى توقفت عند صورة بملابس صيفيه بيتيه لها بلون كريمي وهي تحمل سلمى التي لم يكن تجاوز عمرها أشهرا قليلة فمدت أناملها بسرعة لتسحبها بخجل وتوتر واضح وعزمت على تمزيقها فوزنها كان قد بدأ في الإزدياد كما أن وجود مثل الصورة لها بحوزته أمرا باعثا على الحرج والضيق لكن أنامله كانت الأسبق إذ منعها برقة بالغة وهو يقول وعيناه لا تحيد عن وجهها المتورد
ولو مافيش صورة فيه حاجات استحالة تنمحي من خيالي یاسالي واقترب منها وبصوته الأبح قال بحميمية بالغة
ذكريتنا وحياتنا سوا يمكن ننسى من التلاهي بالحياة بس سهل جدا لما نستدعيها ترجع تاني كأننا بنعيشها لأول مرة فرفعت عيناها له وكانت تلك أعظم أخطائها إذ اشټعل جسدها برمادية عيناه التي لم تنضب وتخضب وجهها باللون الڤاضح واهتزت أوصالها وحبال صوتها إذ قالت هاربة
أنا هسلم على الولاد قبل ما أمشي
عيناها المتورمة پبكاء لايبدو له نهاية كانت أول ما استدعى إنتباهه بعد نبرة صوتها المرتجفة بالهاتف منذ قليل اتصل بها يبلغها بأمر ضروري يخص أجهزة التعقيم بالمركز وطلب منها الحضور إن كان باستطاعتها قال بلطف وهو يطالعها
مالك ياسالي 
هزت رأسها وهي تمنحه ضحكة كاذبة
ماليش أنا كويسة جدا موضوع الكهربا ده هياخد وقت!
هز کریم رأسه وقال وهو يوليها ظهره مشيرا الأسلاك الكهرباء المعلقة بالأعلى
هیأجل الإفتتاح يومين تلاته
لأنه هنغير شبكة الكهربا كلها أحسن بدال مانقابل مشاكل قدام مع الأجهزة اللي طلع فولتها عالي دي هزت رأسها وهي حرفيا لاتفقه شيئا وقالت
أعمل اللي تشوفه صح یاجاسر ولو استدار لم تكن لترى نظرة عيناه فحسب بل ملامح وجهه التي تغضنت بألمه القاس ومع ذلك تجاهل ماسمعته أذنيه وما مر على قلبه کسکین دام وقال
كمان الكهربائي هيغير شبكة التليفون فتسائلت بتعجب
والتليفون ماله 
نظر لها مليا وقد أدرك أنها لم تنتبه قط لزلة لسانها وقال
العامل خلط فيش الكهربا بالتليفون فاتحرقت سارت للخلف وهي تطالع المكان بإحباط شديد وهي تقول
هيا مالها قفلت من كل ناحية كده!
هز رأسه وقال وأنظاره مرتكزة على حركاتها التائهة
عادي بتحصل مشاكل سطحية هتروح فهزت كتفيها وهي تستعد للرحيل متعبة
أوكيه يا جاسر حاجة تانية 
استوقفها بصوته الجريح
فيه أن أنا کریم مش جاسر ونبرة صوته کانت کالصفعة التي أعادتها مرة أخرى للحياة ولأرض الواقع وليس لأرض الذكريات التي تمتصها كعلقة شرهة فتوقفت عن الحركة بل تصلبت وارتجفت شفتيها وقالت وهي تلتفت لتقابله
أنا قلت جاسر!
فابتسم بسخرية مريرة واقترب منها قائلا
یعني لحد دلوقت بالظبط 3 مرات أو عشان أكون دقيق أكتر . . ماقولتيش اسمي ولا مرة فأخفضت رأسها وتساقطت دموعها رغما عنها وقالت دون أن تستطيع السيطرة على رجفة جسدها
أنا آسفة آسفة بجد یاکریم فزم شفتيه وقضب جبينه قائلا
آسفه عشان غلطتي في اسمي ولا آسفه عشان خطوبتنا ککل یا سالي فرفعت عيناها الباكية وظلت صامتة حتى قالت بصوتها المتهدج آسفة أنت أكيد تستاهل أحسن مني وأنا زفت فهز رأسه نافيا وقال وهو يخلع دبلته الفضية ويضعها أمامها على الطاولة التي تفصل بينهما
ماتقوليش على نفسك كده كل شيء نصيب ظلت تنظر له وعيناها لم تتوقف عن البكاء وشعور حارق بالذنب يخنق أنفاسها فخلعت الدبلة الذهبية هي الأخرى وهمت بخلع السلسلة هدية والده عن أمه الراحلة فمنعها قائلا بإبتسامة مبتورة
هتفضلي أنت العروسة اللي أتمنتها وهتفضل دائما من حقك.
الفصل الثامن والعشرون
الحب ماهو تعريف الحب 
ذاك السؤال الذي تسابق لأجله الفلاسفة والكتاب والشعراء بل وحتى العامة لتعريف ماهية الحب والحب في نظر البعض میزان بين الاجتياح والاحتياج وإذا ما أختل الميزان كان الحب ضعف والأنثى ضعيفة باحتياجه والذكر ضعیف باجتياحه ولا عزاء وقتها للكرامة غير أن الدرس الأقسى الذي تعلمته أنه لا غنى عنها حتى مع الضعف المباح بإسم الحب ومع ذلك هي باكية تعلن ضعفها وتلعنه بعبرات تهطل حتى انتصف الليل دلفت أمها لحجرتها وهي تمتم بجزع
بسم الله الرحمن الرحيم مالك يابنتي يا حبيبتي 
والسؤال بحاجة لإجابة شافية غير أنه الإجابة حاضرة مع غياب لمعة خاتم الخطبة فأمسكت أمها بكفها وعلت الشفقة نظرة عيناها فالتفتت لها سالي
مش عشان كده ده الصح من الأول كان الغلط عليا إني وافقت تنهدت أمها وربتت على كفها
وبتعيطي ليه طيب عشان ما ابتعلمش قالتها هامسة وأردفت پغضب وهي تسترجع الأحداث القريبة لتلك الليلة
غبية وضعيفة ومهما أعمل هيفضل ماسكني من إيدي اللي بتوجعني تأملتها أمها مليا حتى قالت
وهتعملي إيه هيا الدنيا كده والطلاق عمره ماكان حل سهل وأديکي جربتي ظلت صامتة لفترة ليست بالقصيرة ثم مسحت دموعها بقوة ونفضت عنها رداء الخزي خزي المشاعر الإجبارية خزي الأفكار والذكريات الچارحة ونظرت لأمها وقالت بهدوء
جربت لكن هو لسه ومش هرجع بالسهولة دي غير لما يجرب ويعرف ويدوق الۏجع اللي اتوجعته عشان يحرم يوجعني تاني لا تعلم كيف انقضت ليلتها ولا تعلم كيف قامت من فراشها الأشعث وبدلت ملابسها وتناولت فطورها بشهية غائبة ولكنها تعلم جيدا خطوات طريقها الذي أتخذته نحو المركز الهادیء في تلك الساعة المبكرة من النهار لملمت أشيائها القليلة وودعت طاقم التمريض ووقفت لبضعة ثوان أمام مكتبه حتى أخبرتها إحداهن أنه لم يظهر بعد فدلفت للحجرة الهادئة وهي تحمل خيبة أمل عظمي فهو كان يستحق وداعا لائقا بكل ماقدمه لها من مساعدة خطت بضعة كلمات لا تغني ولا تداوي غير أنها عرفان بالجميل ستحمله معها حتى آخر العمر وتركتها مغلفة بمظروف أبيض على سطح مكتبه المرتب وبعدها أتجهت للمركز الخيري وتفاجئت عندما أبصرته يقف مع أحد العمال يملي عليه بعض الأوامر فاحمرت وجنتيها بحرج بالغ وتقدم هو منها بطلة هادئة وقال بلطفه المميز
أنا جيت أخلص شوية حاجات بسيطة وسيبت على المكتب جوه کشف بأسامي الدكاترة المتطوعين وفلاشة عليها كل الملاحظات وكشوفات الحساب فهزت رأسها ومنعت دموعها من السقوط أمامه قائلة بصوت متحشرج
وأنا روحتلك المركز من شوية مالقتكش سيبتلك جواب ممکن تقطعه حتى قبل ماتقراه لأنه عمره ماهيوفي جمايلك عليا رفع رأسه متحاشيا النظر إليها ثم قال بعد برهة
أنا كنت عارف وكنت مستني النهاية دي جزء متغابي جوايا
كان بینکرها مفيش داعي تحملي نفسك الذنب كله لوحدك نظرت له ثم قالت
أنت اسم على مسمی فعلا فمد يده ليصافحها قبل أن ينصرف
أتمنى أسمع عنك كل خير 
لقد تخطى الأمر مجرد حاډث مرور غير متعمدة بمتجر البقالة القريب وإن كانت كاذبة أوانتظار داخل سيارته أمام البناية التي تسكنها فهو الآن واقفا ببابها يستأذن للدخول بشحمه ولحمه بعد أن أمضي عدة أيام سرا يراقبها حتى اطمأن لاختفاء العقيد من حياتها دون رجعة عقدت حاجبيها وهي تتأرجح بين الرفض والقبول وكانت توشك بالفعل على غلق الباب والرفض القاطع إلا أن صيحة صغيرها المرحبة به فور أن رآه وتعرف عليه
عمو أسامة جعلتها تتراجع خطوتين للخلف وتسمح له بالعبور لمملكتها المقدسة ظلت صامتة تراقبه وهو يداعب الصغير وقد حمل له بعض الحلوى وأحيانا يسترق الأنظار لوجهها الخالي من أي تعبير فهو كان تحت المراقبة حتى أمرت صغیرها بهدوء بالانصراف إلى غرفته فرفع أنظاره إليها وهز رأسه وانصرف شاكرا لهدية العم الطيبة ولا تدري هي بأي سابقة استحق بها لقب العم والتفتت له وهي عاقدة الحاجبين كصقر ينتظر الانقضاض على فريسته
خیر جاي ليه 
فابتسم لها مشاكسا
طب على الأقل مش هتعزميني على فنجان قهوة 
لم تبتسم ولم تلن معالم وجهها قيد أنملة وقالت بصلابة
أدخل في الموضوع على طول یا باشمهندس لو سمحت أنا لولا أيهم ماكنتش دخلتك بيتي وأظن أنك تعرف في الأصول کویس ارتسم الضيق على ملامحه وزم شفتيه ثم قال
أنا عارف أني غلطت في حقك قبل كده بس محتاجك تسمعيني وأشرحلك . . . قاطعته
مش عاوزة أسمع حاجة ولو ده سبب الزيارة فتقدر تتفضل دلوقت لأني ماعنديش وقت أضيعه في لعبة القط والفار دي إحمر وجهه بحنقه البالغ وقال وهو ينفث غضبه
ماهو مش طريقة كلام دي یادرية أنا جاي لحد عندك أعتذرلك ضحكت بتهكم
ليه كنت دوست على رجلي لاسمح الله!
ظل صامتا لوهلة حتى تنهد قائلا
أنت مصممة تصعبي عليا الطريق حقك . عموما هختصر عشان ماضيعش وقتك أنا جاي النهاردة أطلب منك . . . . وصمت مترددا يحاول إيجاد صيغة أفضل لطلبه وهي تراقبه بعيون ضيقة وأوصال بدأت في التململ حتى قال هامسا
درية أنا محتاجلك وأنا آسف على الوقت اللي ضيعته قبل ما أعترف لنفسي الأول أني فعلا محتاجلك وأخرج من جيبة علبة مخملية تحمل خاتما للزواج وفتحها وهو يقول راجيا
من النهاردة مافيش لعبة قط وفار من النهاردة بكل الوضوح اللي في الدنيا بطلب منك تقبلي تتجوزيني 
لم تعلو وجهها ملامح الدهشة كما كان يتوقع أو الفرح كما كان يأمل بل تلك التقطيبة اللعېنة التي تزين حاجبيها کناظرة مدرسة ابتدائي في الخمسينات من عمرها ترمق طالبا مشاكسا أخطأ مرات عديدة حتى قالت بصوت قاطع مختصر
لاء وتابعت رغم ملامح خيبة الأمل المعلنة على صفحة وجهه
أنت محتاج تلاقي نفسك الأول وفي الأصل أنا مش محتجالك ولا محتاجة لأي راجل في حياتي ماعنديش إستعداد ولا حتى الطاقة اللي أشيل بيها مسئولية حد غير نفسي وولادي فهتف سريعا مؤكدا
أنا مش عاوزك تشيلي مسئوليتي أنا مش عيل صغير بالعكس أنا عاوز أكون جمبك ونعيش حياتنا سوا أغمضت عيناها وارتسمت مرة أخرى ابتسامتها الساخرة على جوانب ثغرها وقالت وهي تهز رأسها رافضة
الجواز في الأول والآخر شركة اتنين بيشيلو بعض وأنا مكتفية بنفسي وبولادي وقامت وأردفت لتنهي تلك الزيارة الغير متوقعة
حياتي يا أسامة مالكش فيها مكان أخفض عيناه بخزي واضح وأغلق العلبة ووضعها مجددا في جيبه وقال
ولا تقصدي ما استحقش فيها مكان ابتعدت بأنظارها عنه وقالت هامسة
بإختصار ماينفعش أيا كانت الأسباب والأفضل أن كل واحد منا يمشي في طريقه یا هنفضل خطين متوازيين عمرنا ما هنتقابل أو يمكن تتلاقی خطوطنا فقام وظل ينظر لها وداخله محمل بكل المشاعر التي تصطرخ مستجدية التلاقي ومع ذلك وضع على وجهه قناعا باردا يليق بأحد أفراد آل سليم وقال
أشوف وشك بخیر يادرية .
من كان يظن أن قالب الشيكولاتة التي حملها أسامة في الصباح تكون في اليوم التالي وظيفة بأجر ثابت بل ومشروع مستقبلي يعد بالنجاح اللامحدود استيقظت صباحا على صړاخ أيهم من ألم ضرسه مجددا فحملته وهي ټلعن الحلويات بكافة أنواعها وطيف أسامة الذي رافقها ساعات الليل كاملة لتبلغ اللعنات مداها عندما علمت بترك سالي لعملها بالمركز منذ أيام قلائل ورفض أيهم للكشف عند طبيب آخر حتى أرشدتها إحدى الممرضات لطوق النجاة عنوان المركز الخيري الذي تمتلكه سالي وما كانت سوی ساعة زمنية حتى تخلص أيهم من آلآمه بالمعدات البسيطة وبيد سالي الماهرة وقالت وهي تبتسم لدرية
أول حالة نستفتح بيها فامعلش بقا أعذرينا لو المكان مش متظبط أوي زي المركز الافتتاح لسه كمان أسبوعين تقريبا
فابتسمت لها درية
بالعكس أنت نجدتيني أيهم كان مش قابل بدكتور تاني غيرك بس طالما عندك مرکز ملكك ليه كنت بتشتغلي مع دکتور کریم خلعت سالي قفازها الطبي وقالت
أنا الأول كنت بشتغل عنده لحد ما زي ما أنت عارفة حكاية الورث دي ففكرت أعمل بيها مشروع خيري بإسم المرحومة والصراحة دکتور کریم کان بيساعدني وماسك كل الحسابات لكن دلوقت . . . توقفت سالي عن السرد عندما لاحظت إمارات عدم الفهم جلية على وجه درية فقالت بإختصار
إحنا فسخنا وماعدتش ينفع يعني نكمل سوا في المشروع فهزت درية رأسها وقالت بهدوء
المهم تكوني مرتاحة لقرارك أخذت سالي نفسا عميقا وهزت رأسها
جدا وما أنكرش فضلك عليا في القرار ده اتسعت عينا درية وهتفت
أنا!
فابتسمت لها سالي
یعني أنت ربنا بعتك ليا عشان تشجعيني رغم أني ماكنتش صاحبة القرار ۱۰۰ بس ده الصح فهزت درية رأسها وقالت
ولو أني مش فاهمة حاجة من ساعة ما اتكلمتي عن الورث لكن وماله متشكرة جدا والظاهر أننا خلاص هنكون زبون دایم طالما الأستاذ أيهم مش عاوز يرحم نفسه فضحكت سالي وقالت
كل الأطفال كده ولا يهمك وعموما هنا فيه قسم للعلاج بالمجان فامتشليش هم فهزت درية رأسها رافضة عرضها السخي وقالت
لا المجان للحالات اللي تستاهله إنما إحنا هندفع فضحكت سالي ساخرة
طب خلاص بس الأول تشوفيلي حد يمسك الحسابات وأنا آخد منك ساعتها الفزيتا فلمعت عينا درية وقالت مقتنصة الفرصة
أنا أمسكها فهتفت سالي غير مصدقة
بجد وجاسر!
فقالت درية
أنا سيبت الشركة من حوالي شهر وحاليا زي ما بيقولوا عواطليه فعقدت سالي حاجبيها وقالت
لكن أنت لو طلبتي ترجعي جاسر عمره ما هيرفض أنا أصلا مستغربة أنه وافق تسيبي الشغل أخفضت درية عيناها وقالت هامسة
عارفة بس أنا كده مرتاحة أكتر الشغل مع جاسر متطلب جدا والولاد بيحتاجو مني رعاية أكتر والمرتب اللي هتقولي عليه أنا راضية بيه فمدت لها سالي يدها تصافحها وقالت
وأنا أكيد مش هلاقي حد أحسن منك يادرية والعكس بقا المرتب اللي هتقولي عليه أنا اللي راضية بيه ياستي فهتف أيهم الذي كان يتابع الحديث يإهتمام
هتاخد خمسميت ألف ومية جنيه فاتسعت عينا المرأتين وتعالت ضحكاتهما وبعثرت أمه خصلات شعره بحب
أما أنك مفتري صحيح في كل صباح تنتظر رسائله النصية ٠حتى تستطيع المضي قدما في عملها ولكن مع غياب رنة الهاتف المميزة تبعثرت أفكارها وتشتت حتى أنها لاتفقه شيئا مما تقوله مساعدتها على الرغم من أنها أعادت صياغة حديثها لمرتين متتابعتين فقالت بنبرة اعتذار خالصة
سوري بجد مش مركزة في ولا كلمة من اللي بتقوليه ممكن تسيبني شوية لوحدي تركتها المساعدة الخبيرة بمفردها وهي ترمقها بإشفاق إذ بلغ بها التشتت مبلغه حتى أنها وضعت رأسها على سطح المكتب الترتاح قليلا فعادت لتنقر فوق أزرار الهاتف لتتصل به تلك المرة بإصرار لأن تحصل على رد ولكن ما من مجيب وماهي إلا بضعة دقائق حتى طرقت مساعدتها الباب مرة أخرى فعلت وجهها نظرة غاضبة وقبل أن تسترسل بحديث غاضب قالت المساعدة
الطرد ده وصل حالا عقدت حاجبيها بتعجب فهي كانت حمل صندوق مستطيل عریض بلون أبيض يزينه شريط نبيتي من الستان فقامت لتوقع بالاستلام ثم فتحته بلهفة لتطالع ورقة صغيرة خط عليها بخطه الأنيق ماقدرتش أجيبه أبيض وأنت عاوزاه أوف وايت یارب يعجبك فضحكت وهي ترتعش من شدة فرحتها ونفضت الأوراق التي تغلفه برقة حتى طالعت قماش فستان زفاف مطرز رائع الجمال ورفعت أنظارها لمساعدتها التي كانت تصقف بكفيها بجزل قائلة
مبرووووك یا بوس وقطع لحظتهما المشحونة بالمشاعر المختلطة دخوله حاملا باقة زهور حمراء يشاكسها قائلا
طب هيا وبس جابتلك الطرد لحد عندك وبوستيها أنا بقا اللي اشتريته وغلفته بنفسي وجيت بيه هنا بلحمي وشحمي ليا إيه 
فضحكت وترقرقت عيناها بدموع الفرحة واحمرت وجنتها وتنحنحت مساعدتها لتنصرف بخطوات مسرعة إلى الخارج فاقترب منها وهمس لها وهو يقبض على كفيها
اعملي حسابك الفرح كمان أسبوعين فهتفت غير مصدقة
فرح ! هز رأسه مؤكدا
ولا ألف ليلة وليلة إحنا بنفتح سوا صفحة جديدة فضاقت عيناها
یعني هتروح تطلبني من بابا فهتف بها ضاحكا
واطلب أبوكي نفسه فضحكت وقالت تمازحه
بس أنا عاوزاه بالنهار فهز رأسه مذعنا وهو يمسك بكتفيها
ولو حتى فوق المريخ أنت تشاوري بس وأنا عليا التنفيذ.
لم تنتبه لمرور الوقت سریعا برفقة درية بالعمل فالافتتاح منتصف الأسبوع المقبل وعرضت عليها توصيلها لمنزلها بسيارتها وبالتالي تخطت الساعة السابعة عندما توقفت بسيارتها أمام بوابة القصر رفعت هاتفها لتصل بنعمات لتطلب منها مرافقة الصغار للبوابة فاليوم هو الجمعة وكما اتفقت سابقا معه فهذا اليوم المخصص لها لبداية منتصف الأسبوع وهي بالفعل تتحاشى لقاءه ولسوء حظها هاتف نعمات كان مغلقا فترجلت من سيارتها
وعبرت البوابة نحو القصر وقفت أمام الباب المعدني الضخم دون أن تطرقة وكأنما هبت عليها نسمة من نسمات ذكرياتها المؤلمة لتذكرها بلحظات قوتها وضعفها في آن واحد.
فمنذ بضعة أشهر فقط كانت تقف متزينة برداء خطبتها ومزدانة ببضعة كيلوجرامات زائدة تنظر له الألم يخترق أضلعها ويفتت مفاصلها من ثم يسحق عظام صدرها وهو يصطحب عروسه الفاتنة ويسير نحوها غير عابیء بشظايا قلبها التي تناثرت مع حبات الملح فوق رأسيهما ومع ذلك تماسكت بقوة تحسدها عليها الكثيرات ممن قد يوقعهن حظهن العثر بنفس موقعها فلم هي الآن خائڤة ترتجف تهرب من نظرة ونبرة حميمة مسكونة خلف أغنية قديمة وبضعة صور لم تشفع لها عنده برحمة أو بشفقة زفرت الهواء المحتبس داخل صدرها إن كان هو يعمد لذكريات أعوام مضت فهي تعاني من فقدان ذاكرة للأحداث بعيدة الأمد وما تذكره فقط لن يتعدى الأشهر القلائل الماضية طرقت الباب بحزم حتى فتحت لها نعمات واستقبلتها بابتسامة بشوش فخاطبتها لائمة
بكلمك تليفونك مغلق فردت نعمات بحسرة
وقع اتكسر ماعدتش أشوف زي الأول فربنت سالي على كتفها مؤازرة
ربنا يديكي الصحة و الولاد جاهزين تنهدت نعمات
من بدري ولما أتأخرتي راحو يلعبوا في الجنينة اللي وره مع باباهم أشارت لها نعمات التقدم فرفضت قائلة
هستناهم في العربية ياريت تبلغيهم همت نعمات بالاعتراض ولكنها مالبثت أن هزت رأسها طائعة وانصرفت تاركة سالي تعود أدراجها نحو سيارتها خطت سلمى الباب المعدني جريا نحوها يتبعها سليم برفقة جاسر ودون تفكير أدارت سالي خاتمها الذهبي في إصبعها ليبدو وكأنها لازالت تحمل خاتم خطبتها دفنت سلمى بأحضانها ثم اتجهت نحو سليم الذي كان يحمل حقيبته رافضا أي ملمح من ملامح التقارب الجسدي معها فعلت وجهها خيبة الأمل حتى أنها رفعت أبصارها غاضبة نحو جاسر الذي كان يبدو ملاحظا للتغيرات التي طرأت على صغيره ومع ذلك ظل صامتا وداخلها شعورا بأنه يعزز مشاعر الطفل السلبية نحوها فقالت مرحبة بالصغيران
ياله عشان ما نتأخرش أنا عازماكو على العشا فرد جاسر متبسما بلطف هما اتعشوا خلاص أصلك أتأخرتي أووي تجاهلت النظر نحوه وقالت لسليم وهي تحاول أن تبرر له سبب تأخيرها
معلش مش هتكرر تاني إن شاء الله الافتتاح خلاص الأسبوع الجاي فردد جاسر مستفهما
افتتاح!
فرفعت له سالي وجهها وقالت بهدوء
مرکز خيري لعلاج أسنان الأطفال فضاقت عيناه وهو يقول
وياترى أنا معزوم ولا غير مرحب بيا 
فردت بهدوء
أكيد ومش أنت لوحدك كمان أسامة وزياد معزومين المركز بإسم والدتك الله يرحمها ولولا الفلوس اللي سابتها في الوصية ماکنش هيبقاله وجود ارتسمت الدهشة على ملامحه فأردفت لتثير حنقه
ومن ناحية ثانية الفضل کمان يرجع لكريم كانت فكرته أصلا وساعدني كتير وكان دايما واقف معايا في كل حاجة وبالفعل نجحت وأصابت هدفها بدقة بالغة إذ عض على شفتيه وقال حانقا
أصلا . . هه . . وأنا اللي كنت فاكر أنه زمن معرفتكم قصير فقالت بإبتسامة حالمة قبل أن تصعد لسيارتها
العبرة مش بالوقت ولا أد إيه بقالنا نعرف بعض العبرة بالتغيير الممتاز اللي عمله في حياتي وأحكمت وثاق حزام الأمان ثم انطلقت بسيارتها مسرعة غير عابئة به ولا بغضبه الذي بلغ عنان السماء حتى أنه ركل كل قطعة حصى مهما بلغت صغرها في طريق عودته للقصر ومع ذلك فهذا الفعل لم يمنحه أدنى قدر من الهدوء وعندما حل موعد النوم احتوتهم سالي بفراشها وجذبت رأس سليم الذي كان هادئا للغاية إليها وقالت لهما
أنا عاوزة أقولكم على حاجة بس تفضل سر مابينا استرعت تلك الكلمات انتباه الصغير فبرقت عيناه ونظرت لها سلمي ضاحكة فقالت سالي
آه يا خۏفي منك أنت یا رویتر لو على سليم فأنا عارفة إنه عمره ماهيقول حاجة فشجعتها سلمى لتخبرهم بسرها فقالت بنبرتها الطفولية وهي تجذب يدها بإصرار
لاء قولي قولي مش هقول مش هقول نظرت سالي لسليم وقالت
هيفضل سر یا سليم فهز رأسه مؤكدا لها صامتا وكذلك فعلت سلمى فأردفت سالي
أنا خلاص مش هتجوز عمو کریم فاتسعت عينا سليم واشرقت السعادة على وجهه
ونظر لها غير مصدقا قائلا
بجد!
فيما نظرت لها سلمى وعيناها معلقة بها بغير فهم فقالت سالي بحنانها الفطري
أنتوا عندي أهم من أي حد في الدنيا وداعبت سلیم پصدمة خفيفة لجبهته برأسها قائلة
خلاص مش زعلان مني فاحمر وجه سلیم خجلا وقال بصوت خاڤت
أنا بس ماكنتش عاوزك تسيبيني فجذبتهما سالي قائلة بدفء
ولا يوم أقدر ثم قالت بنبرة أكثر حزما
بس زي ما أتفقنا ده سر مابينا ماحدش يجيب سيرة لبابا عليه فابتسم سليم وكذلك سلمى ظنا منها أن تلك لعبة يلعباها سويا مع أبيهما
ظلت تستمع لصحيات آشري المبتهجة وهي تناقش معها تفاصيل حفل زفافها القادم عبر الهاتف حتى قالت بهدوء
مبروك يا آشري
بجد فرحتلكوا أوي فاعترضت آشري قائلة
مبروك حافش ماتنفعش أنا محتجاك جمبي ولا سي کریم خلاص أخدك مني ترکت سالي القلم الذي كانت تعبث به عشوائيا فوق ورقة بيضاء وقالت
لااا ماخلاص إحنا فسخنا الخطوبة اتسعت عينا آشري وقالت
وماقولتليش يعني اعتذرت لها سالي
بجد كنت مشغولة الفترة اللي فاتت أعمل حسابك حيث أنك أحد المساهمين الإفتتاح بعد بكرة تجيبي الأستاذ زياد وتيجوا في الآخر المركز باسم طنط سوسن الله يرحمها و قالت آشري بسرعة
شوور . أكيد ده هيفرح جدا بجد لفتة طيبة منك ياسالي فابتسمت سالي
المهم تيجوا بكرة عشان أعرف اباركلكوا بجد وأنا هبعت دعاوي على الشركة لأسامة و . . بس بالنسبة لدعوة زياد فهتوصلك النهاردة أنت وهوا على شركتك في ظرف ساعة كده ضاقت عينا آشري وقالت بمكر
أسامة وجاسر فتنهدت سالي وقالت
أنا أصلي اتسحبت من لساني وقولتله على حكاية المشروع وكده ولا كده مايصحش كلهم يجوا إلا هوا فقالت آشري بأريحيه
عادي يا سالي بس أنا استغربت إنك مش عاوزة تقولي اسمه تنهدت سالي وقالت بشیء من الحزن
مش هكدب عليك لو قولتلك أني بحس بنغزة في قلبي لما تيجي سيرته فمابالك لما أنا أتكلم عنه أغمضت آشري عيناها متفهمة وقالت هامسة
حاسة بيك كل خيبة أملك بتتجسد ساعتها بس في حروف الأسم ثم طرقت سطح مكتبها بقوة وقالت
مش هنقلبها نكد بكرة أشوفك على خير باي.
متأنقا ببذلة رمادية أنيقه تناسب طوله وشحوب جسده مؤخرا وحيدا دلف إلى غرفة الإستقبال الواسعة مظاهر الاحتفال بافتتاح المركز مبهجة للغاية . ولكن ذلك لم يمنحه تسرية مناسبة لما يمر به ولكنه مع ذلك رسم إبتسامة ودودة على وجهه غير متصنعة فهو بالفعل يشعر بالفخر وبالسعادة أيضا لقد تلقي دعوة لحضور حفل افتتاح مركز الأسنان الخيري والذي يحمل اسم والدته الراحلة واتسعت ابتسامته عندما رأى سلمى صغيرته تقفز فرحا بظهوره وتندفع نحوه بصخبها الطفولي حملها بشدة افتقاده لها ورفع يده بتحية نحو أخويه واشري المتبطأة ذراع زیاد والتي كانت مفاجأة أكثر من سارة له ثم لمحها تسير بخفة بين مدعويها وسليم متشبث بها كظلها والذي استبقها لتحية أبيه بحرارة هو الآخر تأمل هيئتها لبرهة ترتدي زيا مكونا من قطعتين بلون أزرق رقيق مطعم بفصوص براقة على أطرافه ووشاحها الفضى يزين رأسها ليمنحها هالة مضيئة ټخطف الأبصار ببساطة هي هادئة واثقة جميلة لم يستطع خفض أبصاره بل واقترب مال وقبل رأس ابنه ورفع رأسه مرة أخرى ليقول
مبروك ياسالي ردت عليه بهدوء
الله يبارك فيك وهمت بانصراف أو بالأحرى هروب ولكنه استوقفها قائلا
سلمى روحي مع سليم أقف مع عمو أسامة عاوز ماما في موضوع توقفت عن الحراك وعقدت ذراعيها بوضع متشابك غير منتبهة أن يدها اليمنى عرضة لأبصاره التي لم تنتبه بعد لخلو إصبعها من خاتم الخطبة وقال
الصراحة أنا فخور باللي عملتيه بالفلوس ابتسمت ساخرة وقالت
إيه كنت متوقع اشتری بيهم فيلا وأسافر اتفسح!
هز رأسه نافيا
لاء ماقولتش كده بس مانکرش کنت متخيل أنك مش متصرفي الفلوس كلها على المشروع الخيري فقالت وهي تصحح له معلوماته
في الحقيقة هو مش بالكامل خيري لأن أي عمل تطوعي لازمله ميزانية إنفاق عليه وعشان كده کریم اقترح عليا نعمل فيه فرع علاج بالأجر وبالفعل ده اللي تم قبض على أصابعه فذكر ذاك الكريم لا إدريا يبعث في قبضته الرغبة بلكمه فقال هازئا
وياترى الدكتور العظيم فين مش باين في يوم أكيد مهم عندك احمرت وجنتها وقالت حانقة
والله عنده شغل وأكید زمانه جاي ماتشغلش نفسك بيه أوي وانصرفت عنه وهي مصممة ألا تجعله ينال من أعصابها مرة أخرى وتلوم نفسها ألف مرة على توجيه دعوة له ليحضر حفلها البسيط فيما بقي هو يراقب تحركاتها وعيناه في الوقت ذاته متعلقة بالباب المفتوح على مصراعية ومرت ساعة ولم يظهر هذا البغيض أيكون شجارا ظهر في الأفق بين المحبين فلذلك هجرها في هذا اليوم الخاص أم أنه بالفعل منشغل بأمر هام وسيظهر في أي وقت وتقدمت منه درية تحييه ببساطتها المعقدة
إزيك يا جاسر!
الټفت لها مندهشا ضاحكا
أنت بتعمل إيه هنا 
فأطرقت درية رأسها وقالت بهدوء متزن
أنا بقيت بشتغل هنا مع سالي المدير التنفيذي للمشروع وماسكة الحسابات فعقد جاسر حاجبيه مستنكرا
ولما أنت رجعت للشغل تاني ما جيتيش الشركة ليه . وبعدين مش کریم ده اللي ماسك المشروع مع سالي!
كانت درية تريد اقتناص الفرصة لرفع الحرج عن سالي إذ علم جاسر بأمر عملهما سويا ولكن يبدو أنها أساءت التقدير فقالت بنبرة إعتذار
الصراحة أنا اترددت أرجع الشركة لأسباب كتيرة تخصني أكيد وشغلي مع سالي موفرلي مساحة أقدر أهتم بيها أكتر بالولاد . . . ولادي أقصد فهز جاسر رأسه متفهما وقال
براحتك يادرية لكن أكيد أنت عارفة مكتبك في أي وقت مستنيك والشركة دي بيتك مش مجرد مكان عمل فابتسمت درية بحرج وقالت
أرجو ماتكونش اتدايقت فهز رأسه مستنكرا وقال
في بيتها يادرية هنا ولا في الشركة إنما ماقولتليش مش کریم ده اللي ماسك المشروع 
حاولت درية التملص من استجوابه ومع عين الصقر التي كانت تحاصرها بالطبع لم تستطع فقالت
اللي أعرفه إنه ساب المشروع من فترة أي تفاصيل تقدر تسأل فيها سالي فابتسم بمكر وارتشف قليلا من مشروبه وهو يبحث بعيناه عنها حتى لمحها تتجه للشرفة بمفردها فقال وقدماه تتحرك صوبها کفهد يستعد للانقضاض على فريسته هامسا
أكيد خرج للشرفة المظلمة ليحصل على رفقتها مرة أخرى ولكنها تلك المرة توليه ظهره ترتجف بانفعال مر زمن منذ أن رآها بتلك الحالة فهمس بإسمها برجاء مصطنع
سالی أنت كويسة 
التفتت له وقد فزعت وقالت وهي تضع يدها اليمنى على صدرها قائلة بلوم غاضب
خضتني عاوز إيه ياجاسر 
عندما تكون أمام لوحة مكتملة الجوانب لا يسعك إلا أن تلحظ ماهو منقوص وما كان ينقص تلك اللوحة رائعة الجمال بنظره سوی لمعة الخاتم الذهبي الذي كان يعلن أنها أصبحت تنتمي الرجل سواه فاقترب منها بسرعة وأمسك بكفها فجأة قائلا
فين دبلتك 
جذبت كفها من بين أسر أصابعه المچنونة بالسيطرة كصاحبها وقالت وهي تدفع نفسها بعيدا عنه بتوتر
شيء مايخصكش فقال بتصميم
اټخانقتوا!
فغر فاهها فهي لم تجهز بعد خطة دفاعية فقالت بعند
لاء وبعدين للمرة الأخيرة بقولك مش من حقك تدخل في حياتي الشخصية يا جاسر فقال بمكر وكله رجاء أن يكون ما يحلم به قد أصبح واقعا
أومال يعني مش باين كل ده!
فقالت بصوت مضطرب وبصبر نافذ
قولتلك عنده شغل فقال وهو يرسم دور الملاك البرئ
ایوا برضه مايسبكيش في يوم زي ده فقالت هازئة
عادي زي ما أنت كنت بيكون عندك شغل وبتسيب الدنيا تولع مستغرب أووي كده ليه 
فانحسرت شفتيه ببسمة حزينة
واكتشفت إني خسړت كتير أوي بسبب اللي كنت بعمله هربت بأعينها بعيدا وقررت أن تقود قدميها للداخل هربا منه ولكنه استوقفها بقبضة يده على كفها الخالي مستكملا حديثه
خسرتك ياسالي وكانت أعظم خسارة في حياتي تنهدت وكادت أن تفر الدموع من عيناها فهمست بصوت أجش ممكن تسيب إيدي نکس رأسه قائلا بمرارة ټقتحم حلقه
أنت بس أمريني وأنا أنفذ على طول فهزت رأسها ساخرة وترات لها ذكرى طلاقهما وقالت متفكهة
ما أنا بالفعل متعودة منك على كدة بس هيا علي حسب نوعية الأوامر إذا كانت على هواك ولا لاء ظلا ينظران لبعضهما فترة من الزمن ودقات قلبيهما تتبادلان الحديث حتى فرت دموعها رغما عنها فأسرعت أنامله تمسح فيض عيناها وبهمس معذب قال
مابستحملش دموعك كنت غبي . . بعترف فاندفعت بغيظ تجيبه
ولازالت لو مفكر إني هرجعلك بالسهولة دي فابتسم برفق وقال
صعبيها عليا زي ما أنت عاوزة . . . . . حقك كادت أن ترق لحاله ولكنها دفعت بذكرياتها السوداء لتجسد لها كمشاهد حية تنبض فهزت رأسها بعند
مش هرجع یا جاسر فأمسك كفها مرة أخرى وبتملك أعظم وقال متوعدا
وأنا مش هیأس بس افتكري كل شيء مباح في الحړب ثم قال هامسا
والحب.
الفصل التاسع والعشرون
تخطو خطواتها بالحياة بدقة مدروسة أحيانا تستجيب لانفعالات لحظية وأحيانا كثيرة تتمهل فلا مجال للخطأ ويصعب جبر کل مکسور وبتلك الليالي تعيش حالة من الأرق وسؤال ملح ثقيل بلا معالم واضحة وبلا إجابة يطرح نفسه باستمرار ماذا لو 
ويأتيها صوته في صباح اليوم التالي ليمحي شكوك عقلها ويطمأنها أنهما معا على الدرب الصحيح وباقي على موعد الزفاف يومان فقط لاغير تدور کنحلة طنانة تنهي أعمالا ضرورية حتى يتسنى لها التفرغ التام لشهر عسل كما أخبرها ثلاثون يوما بالتمام والكمال ولن يقبل حتى بكسر أيام أو أعذار أما الأخرى التعيسة على النقيض تعيش مع نفس السؤال ولازال ضميرها يؤنبها باستغلال حقېر لشخص کریم وماذنبه وهي الضائعة بلا مرسی 
تمضي أيامها بجمود مچنون لا تحصل منها على الراحة ولا حتى بالاطمئنان وتشعر دوما بالتعب حتى لاحظت درية أحوالها المتقلبة فبادرتها بسؤال ودود اعتادته بصفتها أم دون منازع
مالك ياسالي 
فيك إيه 
رفعت لها سالي عيون فارغة وكذلك لسان لا ينطق وعقل لايستجيب حتى قالت بعد برهة بمرارة صادقة
حاسة إني تايهة وضعت درية أوراقها على سطح المكتب وجلست تقابلها وبعيون تنبش في خبايا صدرها
أكيد مش عشان الشغل ولا المركز تايهة ليه بقا 
أغمضت عيناها وهزت رأسها ولاتزال غصتها ټجرح حلقها وهي تتساءل
هفضل كدة لحد إمتی 
بالأمس تعطلت سيارتها واستقلت سيارة أجرة للعمل كانت نجاة تشدو بأغنيتها الحالمة فاكرة ولأول مرة لم تستمتع بصوت نجاة قدر استمتاعها بحل أحجية تلك الكلمات أنا فاكرة وناسية
حبه بقا ماضي وذكری . . . خلينا في بكرة . . . هو أحلى ما في الدنيا ! بالله عليكم ماذا تريد نجاة!
بل السؤال ماذا تريد هي 
ابتسمت بسخرية مرارة وأردفت موضحة
عارفة أغنية نجاة فاكرة عمري مافهمتها ولا فهمت هيا عاوزة تقول إيه بس في الوقت الحالي حاسة أنها بتعبر عني بكل كلمة أنا مش فاهمها ابتسمت درية وتراجعت للخلف قليلا وهي تسترجع حالة الشتات التي كانت تعيشها من قبل بعد ۏفاة زوجها شعرت بالأسف والحزن لرحيله وأحيانا كانت تباغتها نوبات بكاء تنفضها بعقل يخبرها بأنه ليس حبا ولكنه قلقا على مستقبل الأولاد والقلب يأن لأنها بتلك القسۏة عاشت سنون عمرها مع رجل لاتستشعر حقا الحزن الدفين لرحيله شعرت بأنها مچرمة وأحيانا أخرى بأنها محقه حتى وصلت بعد معاناة لمرحلة من السلام النفسي وأنه حقا لا بأس بقدر يسير من الأنانية والقسۏة كي تتمكن من مواصلة حياتها وتأدية واجباتها تجاه أطفالها ولا تعارض بين الوفاء وبين حب الحياة وابتسمت وهي تدندن ذاك اللحن الأثير مستدعية ذكريات الماضي فقد كان زوجها على النقيض منها حالم على الدوام متذوقا لأبيات الشعر مقدسا لأحرفه مستمع جيد للموسيقى بأنواعها وهائم بألحان طوال الوقت تأملتها سالي بتعجب فهي ولأول مرة تتخلى عن وجهتها الباردة بل وتتنازل عن تقطيبة وجهها العابسة ويعلو صوتها بغناء حتى قالت بتزق
یااه للدرجادي!
فهزت درية رأسها بسرعة نافية وقالت مبررة
أصلك بتفكريني بنفسي اتسعت عينا سالي بغیر تصدیق وقالت
إزاي 
أشاحت لها درية بكفها وقالت
مش مهم إزاي لكن الخلاصة ماتستعجليش تبات ڼار تصبح رماد وهتلاقي نفسك في الآخر هتكون حاجة جديدة عليكي عمرك ما اتعودتي عليها بس صدقيني هترتاحي معاها أوي ومش هتقبلي بحد يغيرهالك كانت سالي تستمع لكلماتها بلهفة لهفة الغريق الذي يبحث عن قشة يتعلق بها ليقف في وجه الأمواج التي تصارعه على حياته لهفة التائه الذي يبحث عن موطأ قدم يشبه مثيله في الماضي ليعود لوطنه وأومأت برأسها وهي تصدق قولها رغم أنها لا تملك أدنى فكرة عما تكون البداية وكيف تكون النهاية هي فقط تصدقها بحدس الأنثي وبحدس الأم الذي تمتلکه استقبلت مكالمته بانزعاج بعد مرور ساعة قبیل انصرافها لمنزلها وهي تقول
إزاي يعني ما أنا لسه سيباهم مع نعمات وسلمی کانت زي الفل 
رد بصوته الهاديء وهو يخبرها
مش عارف والله ياسالي دخلت دلوقت اتطمن عليهم لقيتها سخنة وفكرت أبعت أجيب الدكتور بس قلت يمكن أنت اديتيها حاجة وانه دور برد عادي فاتصلت أسألك لململت أشيائها وهي تحدثه بقلق
لا ماتجيبش الدكتور وماتديهاش حاجة لحد ما أجي أنا مسافة السكة. وعندما وصلت كان الوقت تعدى العاشرة مساءا وأخلدت نعمات للنوم ولم تستطع سؤالها عن حال طفلتها وصعدت الدرجات سريعا نحو غرفة صغيرتها ووقف هو ينتظرها بالخارج وعيناه تلمعان بمكر في الظلام وضعت سالي كفها على وجه صغيرتها ورقبتها واستشعرت حرارتها ثم الټفت له قائلة بغيظ هامس
حراراتها كويسة جدا ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة واقترب منها ليضع كفه قائلا بتوجس
أكيد!
حاسس أنها دافية تهدل كتفيها بتعب ونفثت بضيق وقالت وهي تحاول الانسحاب للخارج فهو يحتبسها بين فراش صغيرتها والحائط المجاور لها
زي الفل وأصلا النهاردة كانت بتلعب ومبسوطة ماقعدتش لحظه استيقظت الصغيرة على همس والديها وابتسمت بفرح بعيون لازالت ناعسة وقالت مغمغمة
ماما هتبانی معانا في الأوضة 
ربتت سالي عليها بحنان وقبلتها وهي تقول
أنا قاعدة معاك لحد ماترجعي تنامي فردت سلمى بإصرار
أحكيلي حدوتة فتنهدت سالي ونظرت بغيظ لجاسر الذي رفع كتفيه وهو يتقمص دور العاجز وانسحب بهدوء ليزيد من حالة الغيظ والڠضب التي تكتنفها أضعافا مضاعفة ومضت بعدها تسرد لها قصة كما طلبت لعلها تستعيد جفونها الناعسة مرة أخرى وبعد مرور الدقائق الطويلة خرجت سالي من غرفة صغارها بعدما وضعت دافئة على جبينهما بخطوات حذرة واصطدمت به فجأة وقبل أن تشعر كانت بين ذراعيه واحمرت وجنتها بشدة وتراجعت للخلف وقال بمكر يستحوذ عليه
فكرتك لسه جوه قلت أخد شاور وأوصلك للبيت بدال ماتروحي لوحدك فغمغمت بضيق وهي تبتعد عنه ولكن إلى أين فهو وللعڼة يجيد حصارها فبالخلف الحائط وأمامها هو يقف 
معايا عربيتي ولو سمحت عديني أنا أتأخرت أوي وماما زمانها قلقانة تغمغم بصوت ثقيل الهمس متثاقل
وتقلق ليه 
أنت هنا مع ولادنا . . . ومعايا وكأنها بحاجة لتتذكر أنها برفقته وبمفردهما في قصر مظلم أفراده بالكامل نائمون حتى لمعت عيناها پغضب والذكرى تعيد فرض نفسها والأجواء متشابهة لحد بعيد لحد مغيظ يشعل الڠضب بجوانحها
صح معاك ولوحدنا الاختلاف بس أنه هنا في القصر مش أوضة في فندق ومروة واقفالنا على الباب اتسعت عيناه بدهشة والڠضب تشكل تلك المرة بحنايا وجهه وهو لايصدق أنه كان بهذا الغباء عندما استدرجها تلك الليلة
فهو أراد أن يشعرها بالذنب قليلا وأن يتلاعب على أوتار الحنين والرغبة بالأنثي داخلها أن يرسم لها ملامح ماضي كانت فيه تستقر بالجوار القريب جدا من أطفالهما حد الاطمئنان عليهما كل دقيقة إن رغبت لا أن يرسم لها خطة مثيلة دنيئة خطط لها عقله الملتو بلحظة غرور وأنانية لم يمر بها من قبل أو من بعد فرفع يده ليهدئها وهي تجتازه قائلة بڠضبها الأعمى غير عابئة بصوتها الذي كان يعلو
يمكن فعلا في كل مرة بتقدر تجيبني لحد عندك واتحط أنا في موقف أضطر فيه أني أرضخ وأنخ وأرضى في النهاية لكن مش المرادي يا جاسر سالي القديمة ماټت وأنت اللي دفنتها أراد اللحاق بها أن يبرر وربما يعتذر ولكنه وقف کتمثال من الرخام جامدا والذي يتحرك بداخله هو بركان من الڠضب الخالص وهو يطالع انصرافها وداخله يقسم أنه سيستعيدها حتى وإن أبت وسيوقظ تلك التي توارت تحت الثرى لتعود القديمة أو الجديدة هو لا يبالي هي فقط يجب أن تعود وعادت هي للمنزل الهادیء وداخلها لايزال يضج بأنين الذكريات المتواردة على ذهنها تحي ڠضبها ألف مرة وتميته بالكاد مرة كل شيء مباح في الحړب والحب هه حب !
همست لنفسها ساخرة كلمة مستهلكة حتى صارت كالرقعة البالية التي تنظف مساویء أفعاله وجنون كبرياؤه وحمقاء هي إن انساقت خلفها وخلف ما تمنيه نفسها من وراء آمالها بشأنه.
واستيقظت العروس والصباح أبيض مشرق کفستانها الذي يلمع بفصوصه تحت أشعة شروق الشمس البراقة وهي مجرد ساعات ودقائق وتعود لأحضان حبيبها حبيبها المچنون الذي أصر على زفاف في العاشرة صباحا على ضفاف نهر أسوان الرقراق وتكبد تكاليف تذاكر سفر للمقربين فضلا عن تكاليف استئجار حديقة الفندق الأشهر ليقيم الزفاف في الهواء الطلق حرية ونسيم منعش وورودا تتفتح وبراعم نخیل تزهر يعدها بأن تكون تلك حياتهما القادمة ولولا صلة الصداقة التي تجمعهما وأنها لاتنكر فضلها عليها بالماضي لما حضرت اليوم فهي لا تتحشاه هي فقط لا تطيق التواجد بالقرب منه حتى وإن جمعهما الأطفال رغما عنها وصلت بالأمس بعد السادسة واستقبلها صغارها ببهو الفندق بصړاخ وتهليل يعبر عن سعادتهما واطمأن هو أنهما برفقتها وانسحب دون حتى أن يلقي السلام عليها فهو رأى بنفسه حركات جسدها المتشنجة بوجوده والنفور من مجرد الاقتراب فرفض بالمقابل دفع مزيدا من الخطوات تجاهها بغرور ذكروري بحت واختفى ومكث الطفلان بصحبتها بل وأخلدا للنوم بفراشها ليلا بعدما أحضرت إحدى العاملات منامات نظيفة وملابس الحفل القريب دون حتى أن تطلب فخمنت أنه من قام باستدعائها وهاهي تمشط شعر صغيرتها الناعم بعدما ألبستها ثوبها الأبيض ذو الشريط العريض القرمزي والتفتت للآخر العنيد الذي أصر على إرتداء حلته في الحمام ثم خرج بكامل هيئته وبهائه وشعره مصفف بعناية وقفت تراقب حركاته المتأنية كأنما تشاهد أبيه بسنوات عمره الأولى لا فارق بينهما عدا أن عيناه الرمادية تشعان بالدفء لها عندما رفع رأسه ليجدها تراقبه واحمرت وجنتاه بخجل طفولي يمتلکه قسرا
مالك يا ماما بتبوصيلي كده ليه 
فابتسمت له بحنانها الفطري
زي البدر المنور ربي يحرسك فهتفت سلمى بغيظ
وأنا إيه مش حلوة زيه 
فقرصتها سالي من خدها الناعم برفق قائلة
هوا البدر وأنت الشمس يا لمضة أتمت وضع اللمسات النهائية على زينتها البسيطة وخرجت من الغرفة وهي تتهادى بثوبها الأزرق الرقيق والمزدان بورود بيضاء وفصوص لؤلؤية متناهية الصغر برفقة صغارها وما لم تحسب حسبانه أن يكون هو بانتظارهما أمام المصعد بربطة عنق زرقاء وسترة كحلية اللون تعلو قميصا ناصع البياض فابتسم بمكر لها وهو يتقدم منها حاملا صغيرته التي وضعت طويلة على وجنته و ربت هو على كتف صغيره بحنان بالغ وبعد قليل خرجا من المصعد بمفردهما كأسرة سعيدة لم تفترق يوما الأب يحمل الصغيرة الشقية والأم تسير برفقة الصغير الأكبر الذي حظي برعايتها منذ أيامه الأولى حتى اليوم واستقبلهما المقربون بنظرات دهشة وعيون متسعة حتى تعالی صوت إحدى النسوة بالتهنئة والمباركة وتوالت العشرات عليهما واستقبلتها سالي بجبين منعقد وهي لاتدري سر تلك الحرارة في التهنئة التي يتقبلها جاسر بكل هذا الود والألفة فاليوم زفاف زیاد وآشري ولكنها كانت ترجح أنه يستقبل التهاني بزفاف أخيه ولا غضاضة في ذلك حتى سمعته يبرر لأحداهن تغمزهما بضحكة هيسترية بعض الشيء قائلا
يعني النهاردة أصلها فرحة زياد وعندها توقفت عن الظن الساذج التي تزينه طيبتها المبالغة واحمرت وجنتيها پغضب فسرته المرأة بخجل عروس لا مبرر له وقالت وهي تقبض على كفها هامسة
أيوا کده جدعة ماسيبتهوش للتانية تلهفه منك ومن ولادك والتفتت له وحدقت به بڠضبها المحترق وبسمته الواسعة تزین وجهه كزوج راض سعيد بعودتهما لأحضان عشهما الدافيء وسارت مبتعدة عنه ولكن إلى أين فلقد لحق بها وكذلك صغارهما وتوقفت هي عند الطاولة التي تحمل مشروبات منعشة وتجرعت
نصف الكأس دفعة واحدة حتى أنهته واتبعته بآخر علها تطفيء النيران المستعرة بجوانحها هكذا هو ودون حتى أن يبذل جهدا أيا كان مقداره يجيد حياكة الخطط وربط الخيوط وإحكامها حولها ليصنع بها فخا يقبع بأعماقه آخر وآخر والسلسلة لا متناهية ولا منتهية وهي كالعروس الضعيفة مصنوعة من ورقة هشة تغدو بها الرياح وتعدو لتعود مرة بعد الأخرى خلف أسوار حصنه المنيع وتحت شعار ملكية لن تزول والاسم ل جاسر سليم عدا أنها تلك المرة في نظر البعض إن لم يكن معظمهم ناجحة ومسيطرة فهي استعادته من قبضة الأخرى السارقة ورقة اليناصيب الثمينة وهي الفائزة الجائزة التي يجب أن تتبارى عليها النساء هي من تخلت وهي من سعت للعودة ويالها من محظوظة إذ حازت عليه أخيرا ومن يدري ومن يعلم ومن حقا يعرف أنه كاليم الغادر بصفحته الهادئة الخادعة وأمواجه كاسحة في لحظة أو ڼارا لن تنطفىء ڼار الشك والغيرة والسيطرة التي كانت ولا زالت ټحرقها وراحة لم تنالها بقربه ولا ببعده وسرابا دوما.
كان يمنيها ببحيرة لا تظمأ بعدها أبدا وهي الظمأی حتى وإن كانت على مجرى نهر عاذب ووقف هو يراقب انفعالات جسدها الذي كان ينتفض بغضبه والتفتت له بعيون دامعة أثارت ضيقه وحيرته ووجهها يحمل معان غامضة وقف عاجزا أمامها لم يستطع فهمها وصوت تنفسها يعلو كصدرها الذي لا يهدیء واستشعر الصغار ڠضب أمهم بحدسهم البريء فاقتربوا منها يشدون كفيها ووقف هو كمن ينتظر إما حكما بالإعدام أو العفو حتى اقتربت منه وقالت بهمس لم يسمعه سواه تدندن بلحن حميم قريب وعيناها تتحاشان الاقتراب من مرصده
فاكرة أنا ناسية وفاكرة حتى استطاعت رفع عيناها نحوه ولكنها ولسوء حظه محملة بقسۏة لم يبصرها بهما من قبل
بس أنا الحقيقة فاكرة وكويس أوري وعاملة نفسي ناسية والتفتت حولها وعقلها لا إراديا يعقد تلك المقارنة العادلة والمجحفة بالوقت ذاته جمهور مختلف تلك المرة والمشهد بمنتصف النهار بأرض قريبة للغاية والنتيجة عودة لزواج جبرية بحكم الظنون والحكمة الأثيرة تتردد في عقلها إن خدعتني مرة عار عليك وإن خدعتني الثانية عار علي وتلك المرة لن تنساق خلف الظنون ولن تجبرها للعودة تحت رايته وسار هو لجوارها صامتا ولكن وجهه لازال يحمل علامات التساؤل وعقله غائب في احتمالات بعيدة كل البعد عن مرسی أفكارها بشأنهما فما الذي تحاول تناسيه ذكرياتهما سويا ماكانت يوما حياتهما 
هل تحاول بالفعل تناسي الماضي ولكنها لن تستطيع!
أسئلة طحنت الباقية المتبقية من صبره فأمسك ذراعها بحزم ليوقفها هو بحاجة لإجابة شافية حتى لو لم تكن على هواه وصوته ينفث الڠضب والقلق والحيرة
ولحد إمتى الحيرة دي يا سالي أنت أمتی تنسي وتسامحي 
بتلك البساطة الحياة في نظر جاسر سليم كل مايريد وجل مايريد يكمن بإشارة من إصبعه تمحو ماضيا تطفىء ڠضبا تمر بذكريات مريرة مرور الكرام ولا يجب أن تستوقفها تلك المرارة ولا أن تنغص عليه هو الباقية من عمره هي بئره الذي يجب أن يبتلع كل شحنات غضبه ورعونة كبريائه وصلفه وغروره والبئر سحيق لا قرار له والحيرة المشټعلة بعيناه ووجهه الذي يبدو كأنما ينتظر حكما بالإعدام نجحا في تهدئتها فاكتفت ببسمة ودودة للجمع حولهما الذين انشغلو عن مراسم الزفاف السعيد ليراقبا الاثنان الغارقان في دوامة مشاعر لانهاية لها وجسديهما ينضحان بالتوتر ونسمات الهواء هي بالفعل مشټعلة من حولهما ولوحت لاشري بتلك الابتسامة الرقيقة وسارت نحوها تاركة إياه خلفها وصغارهما يلهوان سويا دون أن ينتبها للحرب المشټعلة بدواخلهم وضعت قبلة باردة على وجنة اشري المشټعلة بخجلها وتمنت لها السعادة وتركت الحفل وبقي هو يراقب تحركاتها بقلق مضاعف ولأول مرة بحياته يشعر فعليا بالخۏف لقد فقدها حقا ولن يكون هناك سبيلا لاستعادتها إذ تمسك برعونة غروره وكبريائه العقيم لقد نفذ مخزونه من الخطط المدروسة وعليه الآن الإذعان التام وإعلان الخسارة.
ومر الزفاف كنسيم الصباح مفعما بمشاعر الدفء والحب التي تزین وجه العروسين والعريس السعيد لم يتمهل إذ اختطف عروسه على متن قارب كان يرقد على ضفاف النيل لمكان غير معلوم كذلك كان الأوسط يخطو بخطواته نحو مستقبله إذ لمح وجها أنثويا مألوفا للغاية كانت تأشيرة دخوله في اليوم التالي لغرفة واسعة من جدران أربعة والرفقة كانت المجموعة من نساء ورجال والمسميات عديدة علاج جماعي حلقات علاج نفسية أو تریاق تریاق روحه للتخلص من آلآم وأشباح الماضي ترأسها هي الطبيبة النفسية الشهيرة ومرة أخرى ترتكز بأبصارها عليه وهي لا تنفك عن المحاولة الدؤوب فهو عازم على التواري خلف قناع المسمتع الذي لا يمل لا ينبت بحرف ولا يصرح عما يدور بخلده ومع ذلك لا يفوت حلقة ولا ميعادا واحدا للقاء اليومي إلى الآن وصوتها تلك المرة حازما ولن يقبل بالهروب إذ قالت بتهدید صریح
ماهو ماينفعش الكل يتعرى من أوجاعه وأنت تفضل متمسك
بيها وتيجي كل يوم وماتشاركناش رفع عيون حذرة وقال بهدوء
أنا بس حاسس إني اللي هقوله تافه بالمقارنة بيهم نيفين مثلا مريضة سړطان وجوزها أتخلى عنها بعد ما صرفت كل اللي فلوسها على مشروعه وأمجد . . قاطعته بنفاذ صبر محترف
نيفين وأمجد والباقية هنا جايين يتشاركوا أنت يا أسامة عندك إيه النهاردة تشاركنا بيه 
وضعت نيفين تلك الرقيقة رغم المړض الذي يتاكلها كفها فوق کفه وقالت مشجعة له
أنا عاوزة أسمعك كلنا . . ده حقك علينا عبس بحاجبيه ودمعت عيناه رغما عنه وقال بصوت مبحوح وأقرها وللمرة الأولى بصوت مرتفع وشعر بعدها أنه تحرر ولو لوقت ضئيل
أنا قټلت مراتي وبنتي ودون أن يدري تخلص بالمرارة العالقة بحنجرته رغم مرور الشهور وأخيرا زالت غصته وبات قادرا على التنفس بشكل يسير ومضى يسرد اعترافه لآخره الذي لا يتمنی بعده عفوا في اليوم التالي لزفاف آشري وزياد وجدت بمكتبها أو إن صح القول من بداية الممر المؤدي لمكتبها بالمركز الخيري وصولا لغرفتها زهور الجوري الأبيض وكلمة بسيطة خطت بيده فوق ورقة صغيرة آسف ونظرة ماكرة من عيون درية لم تخفيها عويناتها السميكة وهمس خصته لأذنيها
وأنا اللي عمري ما فكرت أنه ممكن ينطقها حتى فهزت سالي رأسها بسخرية مريرة وألقت بالوريقة بعيدا دون اهتمام قائلة
ده العادي بتاع جاسر مستعد يعمل أي حاجة عشان يوصل للي عاوزه وبعد أسبوعان من مراسلات يومية بزهوره التي لم تنقص يوما والتي لم تتوان هي عن إرسالها يوما بعد يوم لملجيء لكبار السن قريب وجدته بمكتبها بشحمه ولحمه ويبدو أنه لن يتراجع غير أن نبرة الهدنة بصوته جعلتها تستمع له بعد أن كانت على وشك طرده دون هواده والعرض كان المبلغ مالي هائل للتبرع فارتسمت ابتسامتها الساخرة بركن فمها المتنزوي لأعلى وقالت
یعني مكلف نفسك وجاي لحد هنا والتبرع كان ممكن يتم عن طريق البنك أو مندوب مثلا و هز رأسه ولأول مرة بحياته ربما يقر
أنا جيت أعتذرلك عن يوم الفرح الشيك ده كان من فترة معايا حتى شوفي التاريخ اللي عليه مرت بسرعة على الشيك المخطوط من أسبوع ماض وقالت دون إهتمام
تعتذر عن إيه 
فقال بخجل
عن سوء الفهم اللي حصل قاطعته هادئة
قال يعني ماكنش قصدك فاقترب منها وعيناه تحيطها
لاء كان قصدي بس كان سوء تصرف مني بعتذر عنه هي لم تعهده صریحا إلا لغرض فقالت بنفاذ صبر غاضب فهی لن تتحمل تبدل أدوارهما فهو كالحمل الوديع وهي المستذئب بليل أسود
ادخل في الموضوع على طول یا جاسر جاي عاوز إيه 
فابتسم وقال بهدوء
ممكن أشرب الشاي عندكوا النهاردة فهزت كتفيها هازئة
ليه ماعندكوش في القصر ظل يرمقها بتلك النظرة التي كانت دوما تثير حنقها نظرة الأب الصبور والخائب أمله بطفلته العنيدة التي أساءت كعادتها التصرف فقام وأحكم غلق سترته وقال دون أن ينتظر إجابة
الساعة سبعه النهاردة هكون عندكوا القدر بالفعل له طرقه ونحن من نصنعها ونلوم عليه نتيجة المسار غير أنها في تلك اللحظة لن تلوم سوى نفسها إن عادت لعهدها القديم معه الأطفال بغرفتهم بمنزل والدها والساعة السابعة كما هو الموعد وهاهو يقف بباب بيتهم المتواضع وأمها تستقبله بابتسامة متجمدة فابنتها كمن تخوض حربا وليس مشروع زواج وعودة لأحضان بيتها كما تأمل وتتمني وهي كأي أم القلق والخۏف حق مشروع لها حتى آخر أنفاسها وعندما جلسوا في صالون المنزل كانت نبرتها العاجزة تخبرانه
وإيه اللي يضمنلي تحافظ عليها تاني يا جاسر 
نظر للتي تلبست الصمت فصار ردائها وقال مطمئنا بصدق فالكبرياء والعند لن ينقذانه
عشان أنا أول حد اتجرح يوم ما فرطت فيها وجرحت ولادي معايا وعندما شعرت أمها بالراحة أخيرا انتفضت هي وقالت پعنف لا مبرر له
ماما لو سمحتي سيبينا لوحدنا شوية هزت مجيدة رأسها بإذعان وقالت
هسيبكم براحتكم وربنا يهدي سركم وقف جاسر احتراما لها وكانت هي متجمدة بمكانها وعيناها كالصقر فوق رأسه فابتسم لها وقال
حاسس زي ماكون تلميذ مستني العقاپ ولم تنال البسمة من شفتيها ولا حتى بملمح ساخر كما كان يأمل على أقل تقدير ولكنها هزت رأسها وقالت مقرة
فعلا أنت ليك عقاپ ولسه ما أخدتوش أوعى تكون افتكرت أنه اتضحك عليا بالكلمتين الحلوين اللي طمنوا قلب مجيدة أنا اللي عاشرتك وأنا اللي عارفاك أكثر من أي حد تاني فتنحنح قائلا
بس أنا اتغيرت يا سالي هزت رأسها وقالت بنفي قاطع
لاء ما اتغيرتش ده اللي انت بتحاول توهم نفسك بيه وبالتالي ماليش حجة فتنهد قائلا
تفتكري لو ماكنتش اتغيرت كنت جيت لحد عندك واعترفت قدام والدتك بغلطتي فابتسمت وتلك المرة بملامح سخرية خالصة
ده مجرد تنازل وقتي عن غرور متأصل فيك زي الشجرة اللي جدرها ضارب السابع أرض فتغضنت
ملامح وجهه بالألم
يا اه للدرجادي أنا كده أقرت بهدوء قاس حاسم
وأكتر . أنت بس مستني أرجع وهترجع أنت كمان جاسر العنيد اللي مافيش حاجة ترضيه غير دماغه الناشفة واللي عشانها يعمل أي حاجة في أي حد والمبررات موجودة ومقنعة لیه هوا لوحده وده لوحده كفاية فقال معترضا
وولادنا وأخواتي وأنت!
رفعت له سبابتها وقالت
صح کده الترتيب تمام مظبوط بالحرف وأنا اللي في الآخر ثم ابتسمت بل وضحكت وقالت هادئة
وتقولي اتغيرت ! فهز رأسه نافيا وتقدم نحوها بجسده وجلس في المقعد المجاور لها وقال بصوت خفيض وهو يعلنها لأول مرة بوضوح
لأن دول تكويني وأنت جزء لا يتجزأ من تكويني اللي مالهوش أي ترتيب مجرد ضلع بنقص . . . . . . . وهز رأسه بتيه استشعره لمجرد الفكرة بخاطره وقال بعدها هامسا بصوت متحشرج
. . . . . . يعني ضياع لين اجتاح ملامح وجهها واستطاعت السيطرة عليه في غضون ثوان بقسۏة رسمتها بوضوح على معالمه وقالت بغتة
الشرط الأول رجوعنا صوري على ورق مالكش عندي أي حقوق زوجية ولم تبالي بمعالم الألم المندهش لقسۏة كلماتها التي تخبره أنها ماعادت تطيق قربه ولا حتى لمسته وتابعت بنفس النبرة الجامدة الشرط التاني هفضل اشتغل ومش هسيب شغلي تحت أي ضغط مهما كان وصمتت وهي تراقب ردة فعله ولكن وجهه تحلى بقناع مظلم متماسك كلماتها فقال ببرود متسائلا
والشرط التالت!
تعالت دقات قلبها وهي تسرده عليه وعقلها لمجرد فقط الخيالات التي تغتاله جعل من التنفس أمرا مستحيلا
هرجع أعيش معاك في القصر بشرط العفش كله يتغير لم تشعر يوما بضرورة تلك الأمور التافهة بأنظارها فهي مجرد جمادات خشبية لاروح فيها ولا حياة ولكنها الآن باتت تحمل لمسات أخرى تنقلت بين جنباتها ووضعت معظمها بغرفة نومها وعلى جسده الذي أصبحت لا تطيق الاقتراب منه حتى حملت بأحشائها جنينا لاذنب له سوى أنه كان نتيجة لتقارب يشعل النيران بوجدانها كلما يمر واقعه بطيف خيالها كان ينظر لها أو بالأصح يراقبها وسادت فترة صمت طويل بينهما حتی قطعه قائلا
خلصتي شروطك 
فهزت رأسها بإذعان وهي لا تقوى على الحديث عندها قال
أنا هنفذلك كل شروطك ياسالي بس عاوز أعرف ليه موافقه ترجعي وأنت حتی کارهه لمستي!
وترقرت الدموع بعيناها حتى قالت بصوت منکسر
لأنك ماكرهتش لمسة غيري فهز رأسه متفهما وقال بعد برهة
وده عقاپي مش كده فهمست بغل مشتعل بقلبها رغما عنها
ویاریته كان كافي وعندها هم بالانصراف وعدل من سترته قبل أن يختفي وقبل أن تعالجه هي بضړبة أخرى لم يحسب حسبانها
معتصم هيكون وكيلي فالټفت لها وقال مغتاظا
أظن كده كفيتي ووفيتي يابنت محسن الطيب فابتسمت ساخرة منه
ماقولتلك ماټت وأنت اللي دفنتها فهز رأسه نافيا
مهما أعمل هتفضل كل ذكرى حلوة جواكي سيبهالك هيا اللي تسيطر عليك لآخر وقت وعاد والدها لحياتها مقتحما فهو لن يترك وحيدته في مهب رياح الحياة بمفردها وإن رفضت الاقتران بآخر فلا بأس فسيظل هو يحاوطها وصغارها بالرعاية رغما عن رأسها العنيد وتلك المرة استجابت لتدخله بغير اعتراض بل أطاعته عندما أخبرها بضرورة ترك الكبير يخوض دراسته فيما وراء البحار كما يشاء فهي لن تستطيع حپسه البقية المتبقية من عمره حتى وإن بذلت في سبيل ذلك كل الطرق وأن قلقها لن يتلاشي ولن يندثر حتى وإن كبر في أحضانها فالأفضل أن تدعه يشق مستقبله كما يشاء وهمس لها باعتذار متأخر
ماتكرریش نفس غلطاتي معاكي يادرية سيبي الولد يشوف مستقبله وأقلعت الطائرة نحو الأراضي الألمانية ليدرس كبيرها الهندسة التي وقع بغرامها كأبيه ومضت هي بخطوات متثاقلة برفقة أبيها وصغيرها والأوسط نحو الخارج وارتطمت أبصارها بالعائد لتوه من شهر العسل برفقة عروسه الفاتنة التي تتبطأ ذراعه وهتف بها غير مصدقا
مدام درية ! فاقتربت منه مهنئة رغم الدموع المحتبسة بعيناها لفراق ابنها
أزيك يا زياد . . ألف مبروك مد يده ليصافحها والټفت لأشري وقال
مدام درية كانت مديرة مكتب جاسر فهزت آشري رأسها وابتسمت لها
أخيرا اتشرفت بيك سالي مالهاش سيرة غير عنك فعقد زیاد حاجبيه وقال بإندهاش
سالي!
تنحنحت درية وهي تلتفت لأبيها الذي ينتظرها على مقربة منها وقالت
أنا أصلي سيبت الشغل من فترة مع جاسر وحاليا بساعد سالي في المركز الخيري فالټفت لآشري قائلا
آه واضح أنه في تفاصيل كتير فاتتني وأنا مسافر ورفع يده ليحي أسامة الذي كان ينتظره ليقله هو وعروسه لبيتهما والذي تفاجيء بوجود درية بصحبتهما فاقترب منهم بخطوات حذرة مخافة أن يثير ضيقها قائلا بصوته الرخيم العذب
حمدالله على السلامة فتوترت خجلاتها إذ تبعثرت النسمات حولها بذبذبات صوته الذي لم تنساه يوما والتفتت رغما عنها وعيناها تبحثان عن أبيها الذي قرر ولسوء حظها التقدم والتعرف على صحبة
ابنته الغامضة كم من الوقت مر یا ترى 
سؤال لم تجد له إجابة شافية وهي ساكنة في سيارة والدها والذي كان يثرثر لوقت مع حفيديه مسترجعة لحظات اللقاء المشحون الذي عاشته منذ قليل ربما تحدث الجميع وبالأخص والدها الذي اندفع لتهنئة العروسين بعد أن علم الصلة التي تجمعهما بابنته ولكنها هي وهو أيضا كانا ساكنين وبعتاب عيناه تاهت وهي العنيدة المتشبثة برأيها وقراراها أيا ما كان حتى لو كن خاطئا وهي تعلم علم اليقين أنها مخطئة والسيء أنه أيضا يعلم والأسوء بنظرها أنه لن يتحرك ليثنيها عن رأيها وكم تمنت لو فقط تحرك تلك هي الأنثى أحيانا تغضب حينما لا تؤخذ على محمل الجد وتغضب بحق إن أخذت.
الفصل الثلاثون والأخير
عادت لايهم كيف عادت الأهم أنها عادت ولم تعد وهو للآن يحاول التحلي بالصبر حتى تعود حقا لكنها يبدو أنها مصرة على استنفاذ قوته ومخزونه من الصبر بل وابتلاعه كله والدليل عيناه المتسعة ببؤتهما المتقدة بغضبه والذي تعجز الأحرف عن وصفه قص الشعر الطويل من المحرمات التي يجب أن يعاقب عليها القانون المحلي والدولي غير أنه لا توجد على الأرض تلك القاعدة سوى برأسه العنيد الذي اشټعل پغضب لم تختبره من قبل إذ صدح صوته الهادر يهز جنبات الغرفة وهو يراقب خصلاتها التي تقاصرت حتى بالكاد وصلت لحدود كتفيها
إنت إزاي تقصي شعرك منغير إذني 
لوهلة شعرت بالړعب وارتعدت مفاصلها ولكنها تشبثت بالڠضب وذكرياتها المؤلمة لترد بعند وبجرأة أصبح يمقتها
ده اسمه شعري أنا يعني ببساطة يخصني أنا فاقترب منها والرماد اشټعل وماعاد رمادا بل عيون محمرة بأنفاس متسارعة ولهيبها يتصاعد إذ قبض على ذراعها بقوة ونبرة صوته تهددها بعدم التمادي
في دي بالذات ترجعيلي ومن هنا ورايح مافيش حاجة اسمها يخصك ومش يخصك أنا هنا اللي أقول وأنت تنفذي وسقط أول بيدق في معركتها معه والخاسر هو إذ ربحت الرهان هو جاسر وإن تلبسته هيئة سبعة حملان والتمع بذهنها سؤال ساخر لماذا لم تسميه أمه آمر بدلا من جاسر!
جذبت ذراعها منه بقوة وقالت بهدوء
ما أنا بنفذ فعلا ياجاسر أنت اللي شكلك نسيت نسیت اتفاقنا وقالتها بحدة لا تقبل النقاش
رجوعنا صوري نقطة ومن أول السطر فهتف حانقا وقال بنفس الاشتعال وربما أكثر قليلا فعبارتها المستفزة لم تساهم بدرء ولو القليل من غضبه
لكن ده مایعنیش إني بقيت طرطور يا هانم عقدت ذراعيها في إشارة جسديه بالغة الوضوح أنها رغما عنها تشدو الحماية من سيل غضبه العارم وقالت بأنفاس متوترة
أنا على عكسك ملتزمة بإتفاقنا فهتف زاعقا
مش ده اللي اتفقت معاكي عليه فصړخت فيه بڠضبها الدفين هي الأخرى
مجرد بیزنس ياسالي وفي الآخر حملت من الهوا مش كده مش ده كان اتفاق برضه وخلفته ارتسمت الحيرة على ملاح وجهه حتى قال ضائقا
أيه اللي دخل ده في ده دلوقت!
تماسكت أو بمعنى أدق حاولت وابتعدت وأشاحت بوجهها بعيدا عنه
أنا ملتزمة باتفاقي معاك وأنا حره في اللي يخصني اخترق بأنامله شعر رأسه الكثيف وتدلی كتفيه بتعب وقال هامسا ليه بتعملي كده 
ليه كل ما أحاول اقرب منك وأعمل أي حاجة بتبعدي وتحسسيني أنها منقوصة وتجيبي اللي فات يوجعك ويوجعني واڼفجرت أنهار الدمع بعيناها وباتت جفونها غير قادرة على السيطرة فتركتها تنهمر على صفحة وجهها وقالت والرجفة تتملك جسدها
لأن كل حاجة منقوصة اعتذارك منقوص ندمك منقوص إحساسك بغلطك في حقي وچرحي منقوص فاقترب بها وأمسك بذراعيها وقال دون أن يفكر
ليه مش عاوزة تفهمي أنا واحد صحیح بيكي منغيرك أنا كلي منقوص هزت رأسها رافضة ذاك التقرب وذاك الإعلان الصادق والنابع من أعماق قلبه رغما عنه بلحظة ضعف اغتالت تماسكه وقالت
مش هاسمحلك توجعني ولا تكسرني تاني ومع مرور الوقت هترجع جاسر القديم كلها أيام وترجع أنا عارفة
المكر لم يكن يوما من صفاتها ولكنها تغيرت ولو لشيء يسير إذ اكتشفت ميزاته العديدة فمنذ أيام أشعلت النيران بعقله دون أن تدري إذ ردت التحية على عاصم ذاك المعجب الولهان بعفوية مطلقة أثناء تناولهما العشاء بإحدى المطاعم ولاحظ هو نظرات ذاك الأخير والتي كادت أن تلتهما رغم أن طبقه محملا بأشهى المأكولات عادا بعدها لبيتهما وصوته تغتاله تلك الغيرة الحانقة واسترضته بدلالها ولم يرضى حتى طلوع الشمس والمكر عند النساء كخلطة سرية وإحدى وصفاته الجمل العرضية والتي تبدو في هيئتها بريئة تماما فيه أخبار عن أسامة!
والحديث تتابع بعدها حتى اجتمع الاسمان في جملة عرضية أسامة ومدام درية الاحتفاظ باللقب الرسمي من متممات الوصفة ماتيجي نعزمهم ونعزم جاسر وسالي مايصحش احنا رجعنا من السفر بقالنا مدة ومن قال أن المكر وليد عقل الأنثى دون الذكر أيضا فتمتم لها مشاكسا
شكلك فاهم يانصة هي كانت بزيارة قريبة للمركز الخيري وبالطبع شخصية فريدة كشخصية درية
لفتت أنظارها کمرأة محنكة لها باع في تقدير أشخاص مثلها حتى أنها عرضت عليها شراكة عمل مکتب محاسبة لكبرى الشركات تديره درية ببراعتها المعهودة وكبراعتها في اكتشاف مواهب فذة كذلك براعتها في نبش خبايا الأفكار والقلوب خاصة مع اختلاج نظرات درية وحركات جسدها المتوترة عندما مر ذكر أسامة العرضي بحديث لها مع سالي ضحكت واعترفت ببرائتها التي يدمنها
نفسي الكل يعيش نفس حالتنا فهمس بعشق جوار أذنها 
صعب حالتنا تتكرر . . . حبنا غير وكعادتها كما هي دوما قطبت جبينها دون فهم
یعني إيه . . كمل . . . غير إيه 
فرفع أنظاره للأعلى دون حيلة وقال
فصيلة .
والجمع كان بمنزل العائلة الصيفي بوقت الظهيرة ولولا تعالي ضحكات الصغار وسعادة سليم التي لا تقارن إذ وجد صحبة أيهم مسلية للغاية لظنت آشري أن فكرتها كانت لجمع عزاء وليس لصحبة سعيدة وحفل شواء استرقت الأنظار لدرية التي التصقت بسالي عندما علمت بتواجد أسامة وداخلها يلعن ألف مرة رغبتها الرعناء من التهرب من أبيها ودعوته لها بصحبته هو وزوجته متعللة له بتلك الدعوة التي لم تكن تنوي حقا قبولها ولكنه هو من دفعها لقبولها بإصراره فإما الذهاب معه أو مع رئيستها خاصة مع غياب الأوسط بمعسكر رياضي والصغير يكاد يجن من الوحدة وعدم ممارسة أي نشاط ترفيهي يكاد يودي به وبها أيضا للجنون همست آشري لزياد حانقة
هو جاسر ماله من ساعة ماجه . . سجاير كتير وقاعد مع أسامة وسايب سالي تولی زیاد تسوية اللحم قائلا بنزق
أنت كده ھتحرقي الأكل على فكرة ترکت آشري موقعها قائلة بحنق
شوف أنت فين وأنا فين فلم يتماسك نفسه إذ قال ضاحكا
اسمها شوف أنت في إيه وأنا في إيه وعندما لمح تصاعد لهيب خديها پغضب رفع كفه مستسلما بضحك
خلاص خلاص أنا هتصرف ترکها واتجه نحو أخويه قائلا بضيق
هيا غلطتي فعلا عريس راجع من شهر العسل اعزم شلة المتنکدین دي ليه فابتسم أسامة قائلا
عايش الدور بجد فهز كتفه مستنكرا
طبعا أومال افضل منكد على نفسي زيك أنت وأخوك ألقى جاسر بسېجاره قائلا بترفع
ومين قالك أني متنكد أنا الحمد لله كويس جدا فرفع زیاد نظارته الشمسية وقال وهو يرتكز بأنظاره علي سالي التي كانت تجلس بصحبة درية في الجهة المقابلة
وعشان كده أنت ومراتك كل واحد فيكو في ناحية ماشي أنا هاخد أسامة وننزل الماية وبراحتك أنت بقا فاعترض أسامة قائلا
ومين قالك أني هنزل 
فجذبه من كتفه وسار به قائلا بمكر هامس
هتنزل یا أسامة وهتاخد بالك من ابن درية وأنا هاخد بالي من ولاد أخوك فابتسم أسامة رغما عنه وألقي نظرة على جمع الصغار الخائفين من خوض المياة تحت نظرات المنع شديدة الوطأة من أمهاتهم المحذرات بدورهن فشعر بقلبه يلين خاصة مع نظرات أيهم الماكرة إذ يحاول الفرار من ذلك الحصار بشتى الطرق تارة بالتعلل بمليء الدلو بالماء وتارة أخرى بغسله هاه فكرتي وقررتي ولا لسه ابتسمت لها درية وقالت لسالي التي عقدت حاجبيها دون فهم إزاء کلمات آشري المقتحمة لحديثهما
آشري عرضت عليا ندخل شركة في مكتب محاسبة فالتفتت آشري لسالي قائلة
ده بعد إذنك يعني فرفعت سالي يدها باستسلام
صراحة مجهودك تشكري عليه يادرية وأنا أتمنالك كل خير وكالصقر عندما يقتنص فريسته قالت آشري بنصر
أظن كده مالكيش حجة فأقرت درية بإبتسامة
لأ ماليش فصافحتها آشري بجدية قائلة
deal ثم ابتعدت بأنظارها عنها وأردفت بمكر
وكده مالكيش حجه عند أيهم أسامة وزياد هياخدوا الولاد وينزلوهم البحر كانت مدركة لحرارة خديها التي أخذت في الارتفاع ولكنها بكبرياء سارت نحوه غير عابئة بهيئته المٹيرة ببزة السباحة وصوتها يعلو لأيهم بالتوقف فاقترب منها هو مبتسما بهدوء
حرام يفضل قاعد يلعب على الرمله وبس فتشبثت بعندها
هو جاي وعارف أنه هيقعد على الرمله فردد هو
ده طفل ! طبيعي يضعف ويرجع في كلامه فقالت بإصرار
أنا بربي راجل فقال هامسا
حتى الراجل بيضعف وبيرجع في كلامه وباستهانتها للفكرة قالت
مايبقاش راجل ساعتها فقال غاضبا
ولو كان غلطان ورجع في كلامه واعتذر مايبقاش راجل برضه!
وترجعوا تلوموا على الراجل أذيته وأنت اللي بتربيه على الكبر والعند ارتفع حاجبيها وقالت بنزق
أنا مش فاهمة أنت إزاي وصلت الكلام لكدة 
فهز رأسه نافيا وقال لها وهو ينصرف نحو أيهم المتعلقة أنظاره به بأمل یائس
لاء فاهمة يادرية ثم جذب كف أيهم وقال لها
أطلب من ماما السماح المرادي عشان أنت اتفقت معاها أنك مش هتنزل البحر وكيف باستطاعتها خذلان تلك العيون المتسعة برائتها وشعورها بالذنب لكونها تنتمي لطفل صغير يرغب في حقه باللهو واللعب فقالت قبل أن يتهدج صوت الصغير برجائه وأسفه
أنا آسفة إني طلبت منك حاجه مش هتقدر عليها لكن ده
من خۏفي عليك فابتسم أيهم بدروه وقال
وأنا آسف إني وعدتك بحاجة وكنت عارف إني مش هقدر أعملها كان يراقب حديثهما منبهرا وشعر أنه ينتمي بشكل ما لتلك الرابطة التي تجمعهما فخص أذنيها بهمس دون غيرها
في يوم هنوصل أنا وأنت لنفس درجة التفاهم دي فهزت كتفيها دون اكتراث وداخلها يرقص طربا
كل شيء وارد وجذب أيهم كف أسامة متعجلا فقالت بقلب يرتعد
بس ياريت ماتبعدش بيه لجوه أوي فقال وهو ينظر للأمواج الثائرة
أنا هدخل بيه لحد ثقته فيا واتسعت عيناها بحنق وهي تراقبه يرفع صغيرها في الهواء ويقذفه في المياة والصغير ېصرخ بسعادته ووقفت هي وجسدها ينتفض بقلق إذ ابتعد به مقتحما مياه البحر وياللعجب كم من ثقة هائلة يمنحها له ! وساذجة هي كسذاجة صغيرها إذ ظنت أن ابنها ستكون ثقته محدوده بهذا الرجل الغريب ولكنها فطرة الأطفال وبرائتها الصافية نهار وليل متعاقب وأياما تمضي دون رادع والشروط ثابتة لا تتغير وكلما عمد للتملص بقصد أو بدون انتهى الأمر بشجار وفوضى مشاعر ڠضب مخلوط بذنب وكبرياء جريحة.
أنت ليه طلقتها 
سؤال اقتحم جلسة عشاء صامت بعد نوم الصغيران رفع أبصاره متحيرا نحوها وهو يحاول فهم ما وراء ذلك السؤال
بتسألي ليه 
فراوغته بدفاع
وليه ما أسألش مش من حقي 
فرد ببرود
لاء مش من حقك لكن مع ذلك هريحك وأجاوبك طلقتها لأنها هي طلبت الطلاق . وهل ظن أنه بتلك الإجابة ستهنأ براحة!
ياله من ذكر أحمق ويالغباء صراحته فهزت رأسها بخيبة واضحة وابتسامتها الساخرة تلتمع بزاوية فمها المنكسرة إذ هي صاحبة القرار ليس هو من زهدها وتأفف من صحبتها وقربها هي وليس هو والمعضلة ب هو كانت عيناه مرتكزة على ملامح وجهها وشعر متأخرا للغاية بخطأه فقال بعند رافضا أن يكون المخطأ
أنا دايما صريح معاك وأظن أن دي حاجة ما تزعلش فنظرت له غير مصدقة
فعلا!
طب خلاص خلينا نستغل جلسة الصراحة دي لأخرها ولو ماكنتش هي طلبت كنت هتفضل متجوزها 
فأقر بقوة
لاء فعبست وهي تحاول الفهم
رغم أنه كان بينكو طفل شبك أصابعه وارتكز بذقنه عليها وقال
وماحافظتش عليه فتراجعت للخلف وهي تقول
آآه عشان كده فاقترب هو وقال هامسا
جوازي منها كان مشروع محكوم عليه بالفشل من أوله ياسالي أنت اللي استعجلت فنظرت له بدهشة وقالت ضاحكة وابتعدت عنه بدورها
فبقت الغلطة غلطتي حاول تعديل كلماته لتصل إليها بالشكل الصحيح فهو لم يكن يقصد إتهامها بأنها هي من أفسدت زواجهم فقال
أنا ماقلتش كده أنا كان قصدي أن الأيام كانت هتوريكي أنها مجرد مرحلة اضطريت ليها وفي الآخر أنا وأنت كنا هنفضل سوا ومش واحدة زيها كانت ممكن تفرقنا دفعت بطبقها بعيدا وهمت بالانصراف قائلة
صح أنا كنت المفروض أقعد تحت رجلك زي الست أمينة مستنياك تسيبها وترجعلي بس على العموم العصمة كانت في إيدك كنت ممكن تجبرني زي سي السيد لما كان بيعمل مع فقام وجذبها قبل أن تنصرف وتتركه لبركان غضبه يتاكله
أنا ممكن أجبرك على أي حاجة صحيح إلا أنك تقبلي تعيشي معايا أو لاء ولكن البركان ثار وانتهى الأمر إذ قالت بقوة
أنت كنت بتعاقبني علي عصياني ليك قدام الناس لو كان رفضي بيني وبينك منغير شهود کنت هتعمل اللي في دماغك أنت قولتها بنفسك كنت عاوزني أسكت كنت مستني وبتتمنى أني أسكت فترك ذراعها وقال بخيبة أمل واضحة المعالم تجلت على ملامح وجهه
ويظهر أنك قررتي أنك مش هتسكتي تاني وتفضلي تنبشي في الماضي كل شوية شحب وجهها وتباعدت خطواتها وماكان رجاءا بالأمس وفرحة بعودتها صار خوفا من الفراق مرة أخرى فاستوقفها هو بهدير صوته الغاضب
بس أنت كده مش بتعاتبيني أنا لوحدي وبس هو محق فالكلمات تؤذيها بقدر إيذائها له والصغار أصبحوا متضررين بدورهم فبكل شجار يعلو بينهما تلمح بأعينهم حزنا أصبح مطعم أخيه بالحي المجاور ملاذه بعد إنتهاء جلسته النفسية وكما يجلس لساعات طويلة يستمع فيها لهموم المحيطين يجلس يستمع لأخيه وحديثه صامتا حتى قال بغتة
زياد أنت مش حاسس نفسك غريب على الشغلانة دي فنظر له مندهشا وقال بصدق
بالعكس أنا أخيرا لقيت نفسي في الشغلانة دي ومستغرب إزاي كنت مستحمل ربطة المكاتب والاجتماعات والأسهم والصفقات وأردف ضاحكا
ده حتى ربطة الكرافتة بقيت مستغربها فهز أسامة رأسه بغير فهم وقال
یعني إزاي أخدت الخطوة دي النقلة الكبيرة دي في نوعية حياتك ظل زیاد ينظر له مليا وقال بهدوء منتقيا كلماته
لأني اتقبلت خسارتي والۏجع اللي حصلي من بعدها وصممت أن أعوض نفسي وأكمل حياتي ساد الصمت لوقت طويل بينهما حتى قال زیاد بأنفاس متهدجة
حياتك وعمرك اللي ما انتهاش بفضل ربنا مش ذنب يا أسامة تكفر عنه فابتسم أسامة بۏجع وقال بصوته المحتقن والدموع تتقافز لعيناه
رغما عنه
صعب هز زیاد رأسه وقال مقرا بواقعية
مش هيرجعهم يا أسامة وبمرارة ذنبه
ولما نتقابل ويسألوني عيشت من بعدهم إزاي 
ابقا أسألهم هما كمان عاشوا من بعدك إزاي وصدقني هتلاقي حالهم أحسن من حالك ألف مرة تراهني!
ضحك أسامة وقال متفكها
يابني أنت ماحرمتش رهان فابتسم له زیاد
بس المرادي أنا واثق أني هکسب مش كده ولاإيه 
فهز أسامة رأسه وقد تقبل الفكرة تماما
کده فعلا وأردف ساخرا
تصدق يا أخي أنك طلعت أحسن من الجلسات اللي كنت بحضرها وأفضل أقول لنفسي اللي يشوف بلاوي الناس تصعب عليه بلوته فهز زیاد رأسه نافيا وقال بنضج أدهش أخيه
غلطان الحياة مراحل لازم تعيشها واحدة واحدة مافيش حاجه بتجيب من الآخر
ياریت حاجة تجيب من الآخر ماکنش حد غلب فالټفت الاثنان لصوت أخيهما الذي اقتحم جلستهما وأردف
بترغوا في إيه 
فتبادل الأخوان النظرات وقال زیاد ساخرا
في الهروب التكتيكي للراجل المكسيكي ضحك أسامة وقال بلطف للكبير الذي حدجهم بنظرة غيظ خالصة
أحنا خلصنا رغي . . أرغي أنت فقال بكبرياء رافضا الإفصاح عما يدور بداخله من عواصف
أنا جاي أشرب حاجة وأروح فقام زیاد وقال
مشروبك عندي هقوم بنفسي أعملهولك فسخر جاسر
واتوصى بالسم وحياتك فوكزة زیاد
عییییب نوع مفتخر
هوا أنا المفروض اعتذر كام مرة!
! سؤاله الحانق خرج رغما عنه بعد انصراف زیاد فعقد أسامة حاجبيه وقال بعد برهة
مش بعدد المرات ممكن من مرة واحدة الكيف وليس الكم عبارة مكررة مألوفة للغاية صحيحة مائة بالمائة في الصباح التالي وجد غايته التي أثارت حنقها وهي تحاول تشغيل محرك السيارة مرة بعد الأخرى ولكن لا فائدة ترجلت ورفعت الغطاء المعدني وهي تنظر لمحتوياتها يائسة ومرة أخرى تذكر نفسها أنها بالغباء المطلق بأمور ميكنة السيارات ولو أن العيب كان واضحا بحجم قرص الشمس لما رأته أو بغياب بطارية السيارة ! والتفتت بعجز وعيناها تبحثان عن الحارس ولكنها عوضا عنه لمحته يقترب وقالت بيأس وهي تنظر لساعتها
العربية عطلت أغلق الغطاء وقال بعملية
أركبي هوصلك والطريق كان مختلفا في بدايته وبعد مرور عشر دقائق أخرى أضحى بعيدا كل البعد عن مسلكها المعتاد إذ كان نحو الطرف الاخر من المدينة فالتفتت له حانقة ومزاجها العام كما اعتاد منها مؤخرا مشټعلا إحنا رايحين فين 
وبغموضه المعتاد أيضا
عندي مشوار أخلصه الأول وأوصلك وبغيظ نفشت
طب كنت قولت كنت أخدت تاکس فابتسم دون اكتراث
مش هأخرك وهبقا أكلمك المدير فقالت بنزق وهي تطالع هاتفها بحثا عن موقع التواصل الإجتماعي لعلها تصرف القدر اليسير من ضيقها
بتتريأ حضرتك أنا ورايا مواعيد والطريق امتد لساعة كاملة ورغما عنها التزمت الصمت بعند وداخلها يقسم أنها المرة الأخيرة التي تقبل فيها بعرض للمساعدة وأخيرا توقفت السيارة والمكان شبه مهجور ولولا أنها كانت بصحبة زوجها وليس سائق غريب مچنون لظنت أنها أرض مناسبة لډفن جثتها فقالت له متعجبة
إحنا فين 
ترجل من السيارة والتف حولها حتى فتح لها الباب وأشار بيده بدعوه لها للترجل أيضا ففعلت مرغمة وحاجبيها انعقدا في اجتماع أقسمت أن يطول وهي تنفث پغضب
أنا على فكرة مابحبش طريقتك دي فهز كتفيه دون ندم
أنت اللي بتدفعيني لكده فاتسعت عيناها بغير تصديق أنها وللمرة التي لا تعرف عددها فعليا تقع بشړاك خداعه
یعني أنت اللي عطلت العربية فأقر بصدق محاولا كبح ضحكته
شيلت البطارية فزمت شفتيها بغيظ
ليه 
مد يده وقبض على كفها فارتعشت رغما عنها وقال بحميمية
تعالي معايا وأنا أوريكي ليه استكانت أصابعها بين أحضان كفه الدافيء المتملك وسارت لجواره صامته حتى قطع هو نسمات الهواء المحملة بترقبها بصوته الرخيم وهو يشير لمبني خشبي متهالك
فاكرة ده 
نظرت له مليا وهزت رأسها نافيه فتجعدت ملامح وجهه ببؤس وقال
خالص!
مش فاكرة المرة اللي جينا فيها هنا والممشى والمركب و . . . . فتوردت وجنتها وانقشعت لها الذكري الدفينة كبريق الشمس بعد المطر فقالت بصوت أبح محاولة الهرب من ذكرياتهم الحمېمة سويا وكذلك الهرب بأناملها بعيدا عن حوزته
وبعدين 
تقبل هروبها للوقت الحالي وقال بهدوء وهو يتجول بالمكان
وزي ما أنت شايفه المطعم بقا مهجور والمكان بقا خرابه ولا عاد حتى فيه زبون واحد والممشى اتكسر طالعت المبنى الخشبي المتهدم بحسرة لقد كان مكانا رائعا في الماضي يطل على الطريق العام من جهة ومن الأخرى على شاطىء البحر مباشرة وقالت بعد برهة
خسارة فعلا هتشتريه يعني 
تجاهل سؤالها وقال
الراجل صاحبه فضل يسحب من حسابه في البنك ويصرف في الفلوس لحد ما وصل حتى لوديعة الصيانة فكها وصرف منها معتمد أنه المطعم كده كده بیکسب وقريب هترجعله فلوسه همست سالي حينها
غبي ثم أردفت بقوة معترضة
كان المفروض يدرك أنه المطعم بيخسر مش بيكسب طالما
حسابه بيقل ووصلت أنه يفك وديعة الصيانة فهز جاسر رأسه وأقر
کنت بنفس غبائه لما فضلت أسحب من رصيدي عندك لحد ما حسابي خلص وبدال ما أجدد وأحافظ على جوازنا فضلت أسحب واستنفذ كل اللي بينا لحد ما انتهينا وقع كلماته عليها كان كالماء المنهمر على فقر اليابسه أهتزت من داخلها وتدافعت الدموع لمقلتيها وارتعشت أوصالها وشفتيها توترت بانفعالها فتوارت بجسدها بعيدا عنه تضم نفسها وبقي هو متعلقة أنظاره بها وحدها والتفتت له بعد حين
وأنت كنت هتعرف منين وأنا ماكنتش بنطق ولا بعترض فهز رأسه
بس کنت سامع سکوتك وفاهمه وابتسم بمرارة وقال
مانكرش أني أحيانا كنت بكون ڠضبان من سكوتك وأحيانا كتير کنت بستفزك يمكن تنطقي همست مبررة
يأست يأسك مني دبحني ياسالي حسسني أني فعلا ما استاهلش فصړخت رغما عنه
ورحت تدور على اللي تقدر فنكس رأسه وأقر
جاتلي لحد عندي استنيت منك رفض حرب . . . عشاني فقالت بمرارة الاتهام والخذلان
وأنت عشاني عملت إيه 
ولا فرار من إنكار الذنب
ما أنا قولتلك غبي وفضلت أسحب من الرصيد لحد ماخسرت كل حاجة مسحت دموعها وقالت
ودلوقت 
اقترب منها وأمسك بكفيها ورفع وجهها لتقابل الأعين
اسمحيلي أرجع اللي أخدته من غير لوم ولا عتاب واقبليه مني
معناه قرب . . . وتحكمات وفرض . . . وضع يده على فمها وأوقف سيل الاټهامات مستنكرا
ليه متوقعه مني الأسوء 
بحمي نفسي حقي بإصرار قالتها فابتسم بمرارة
طب لو فهماني كويس زي مابتقولي دايما أكيد عارفه أني لما أصمم على حاجة لازم أنفذها واستطرد سريعا
بس على شرط اتسعت عيناها بدهشة
أنت كمان منتشرط ومين قالك أني قبلت أصلا فابتسم لها
أصلا . مافيش مفر من أنك تقبلي هفضل وراكي لحد ماتقبلي فاحمرت وجنتاها وهربت بأنظارها بعيدا عنه
ماتسكتيش تاني ماتشیلیش مني جوه قلبك فضفضي أصرخي فيا حتى ومرة أخرى تلك الدموع اللعېنة مصرة على الهرب من حصون أجفانها معلنة ضعفها فامتدت أنامله تمحي بعضها هامسا لها
دموعك غالية عندي جاسر أنت إزاي قدرت تقبل لمستها!
تهدلت كتفاه بتعب وأمسك بكتفيها وقال بقوة
کنت بلمسها آه عایش معاها جسد مش روح روحي وعقلي كانو معاكي حتى لما كنت ببقا معاها بنادي باسمك من غير ما أحس
أنت وصلتني لدرجة حسيت معاها أنك استحالة تكون حبتني في يوم قالتها بحسرة خالصة فانعقد حاجبيه وقال بإصرار
المستحيل يكون مر عليا يوم منغير ما أحبك نفضت رأسها كمن تنفض عن رأسها الأوهام خائڤة هي نعم ومتشبثة بخۏفها ففيه الأمان
طول عمرك شاطر عندك ملكة إقناع رهيبة فرد مستنكرا بعجزه
للدرجادي الشك ملی قلبك من ناحيتي 
سارت نحو السيارة وهي تقول
الثقة أغلى من الحب يا جاسر
الفصل الختامي
شفت أختك المچنونة ! هكذا كان استقبال أمها لها ظهيرة يوم الجمعة حتى استطردت بندم
معلش يابنتي ماكنش قصدي أشيلك الهم وكويس إنك جيتي تخففي عني ثم ابتسمت بحسرة للصغار
إزيكوا الأول 
حاولت التخلي عن انزعاجها من استقبال أمها لهم بتلك الهيئة المتوترة قائلة وهي تمر نحو الداخل بصحبة طفليها
الحمد لله إحنا كويسين خير يا ماما قلقتيني!
معتصم لسه قافل معايا من شوية فيه واحدة عاقلة تقول لجوزها لو ماكنتش تتعدل معايا أنا مش هطلب الطلاق أنا هخلعك ! اتسعت عينا سالي بدهشة وقالت وهي لا تخفي نبرة السعادة بجرأة أختها أخيرا بمواجهته
طب ليه حصل إيه لكل ده 
هزت مجيدة كتفيها
أنا عارفة قال من كام يوم بقول الحمد لله الصغيرة عقلت ورجعت لجوزها واتطمنت عليها مافيش كام يوم وألاقي الكبيرة اتجنت فنظرت لها سالي لائمة
یعني أنا كنت مچنونة يا ماما 
فقالت مجيدة بإنزعاج
ويعني اللي أختك ناوية عليه ده عقل!
فقالت سالي وهي تشير لأطفالها للدخول غرفتها حتى يتسنى لها الحديث بحرية مع أمها المنزعجة
ماتخافيش إن شاء الله خير والصراحة معتصم كمان بيزودها أوي وسيرين من حقها تجيب أخرها يمكن يتعدل.
ربما قبل باستسلام ولكنه في حقيقة الأمر استسلاما مؤقتا تعامل مع رفضها تحت شعار فقدان الثقة به على أنه مجرد خوف لا أكثر وعليه فقط تهدئتها حتى حين كما هي الحال بين القناص والفريسة واليوم أعد أرضا جديدة لمعركته التي لن تهدأ سوى بإذعان تام منها كما عهدها دوما والمكالمة الهاتفية سمعتها أمها عرضا وهي تنهيها بنزق
طبعا مش هينفع یاجاسر إحنا لسه واصلين من ساعة فأشارت لها أمها لتتمهل وقالت
خليه يجي أنا كده كده لازم أنزل أروح لأختك فتمتمت لها سالي بضيق
ده عاوز يفسح الولاد اتسعت عينا سليم وسلمی بجزل وقالت لها أمها مشجعة
وماله يابنتي روحي وماتعكننيش على ولادك وأنا كمان أروح ألحق أختك فتنهدت سالي وقالت باستسلام
خلاص يا جاسر أوكيه نص ساعة ونكون جاهزین
والخطة كانت بدايتها بمدينة الألعاب خارج حدود المدينة قضوا بها أربع ساعات کاملة حتى أتعبتها ساقيها فقالت برجاء
ممكن كفاية كده ونروح بقا إحنا صاحيين من سبعة الصبح والساعة داخلة على 6 فقال معترضا
كفاية إيه إحنا هنمشي آه بس فيه عرض للنجوم في القبة السماوية الساعة 8 لازم نروح نشوفه فنظرت له متعجبة
وأنت من أمتي ليك في النجوم 
فاقترب منها حتى كاد أن يلتصق بها کاسرا حدودها الوهمية
ماليش فيها لأني معايا القمر فتوترت خجلاتها وابتعدت عن حصار عيناه نحو أطفالها اللذان استغرقا بلعبة للقنص وفاز الصغير كأبيه وأهدى اللعبة المحشوة لأخته بكرم بالغ ومع ذلك كان منصتا جيدا لحديث والديه فقال إيه القبة السماوية دي يابابا 
والسؤال الفضولي كان كافيا لتكون محطتهما التالية كما كان يبتغي وأثار العرض حماسة الصغار حتى بعد انتهائه ووصولهم لحديقة القصر فتناولوا طعام العشاء بالحديقة وأصر سليم على الجلوس بأرضها ومتابعة السماء لعله يفك شفيرة الدب القطبي وباقي النجوم وافترشوا الأرض لجواره ودست سلمى نفسها بين والديها واقتنص سلیم أمه منفردا به والثرثرة امتدت لساعتين وأكثر وكانت هي مستلقية مستمتعة بدغدغة الأرض الصلبة لمفاصلها المټألمة شاعرة بخدر يسير صعودا لرقبتها حتى بدأ ينال من رأسها وصوت سلمى كان أقرب لهمهمات فالصغيرة تحارب سلطان النوم بضراوة أما سلیم فتارة يغفو وتارة يفتح عيناه بسؤال آخر يلمع بذهنه فيحرمه النوم
هو فين الكرسي 
رفعت سالي يدها وهي تشير له وتاهت عينها بحيرة فلشدة تعبها ماعادت تستطيع رؤية خريطة النجوم كما عهدتها فالتفتت لجاسر لتطلب المساعدة ووجدته عکسهم جميعا يقظ بكامل تركيزه عليها وكفى وابتسامته الهادئة يخصها بها وفقط فاحمرت وجنتها والتفتت لسليم الذي غرق بالنوم مجددا تجذبه قائلة بهمس
أنا بقول كفاية كده النهاردة ونطلع ننام فحمل سلمي النائمة هي الأخرى وصعدا سويا لغرفة الصغار ودسا كلاهما بفراشيهما ودثرتهم جيدا وخرج بخطوات هادئة تبعته هي وأغلقت الباب خلفها واصطدمت به وتراجعت خطوة للخلف أو بالأحرى نصف خطوة قائلة بتوتر وهي تفرك رقبتها هاربة بعيناها
كان يوم طويل وصوته الأجش يخبرها أنه بكلماته يقصد شیئا ونيته تقصد آخرا
بس جميل رفعت عيناها وتأكدت من حدسها وحقا كل شيء مباح في الحړب والحب والخصم هو الحبيب وفي حالة الحړب أو الحب فالھجوم دوما خيارا متاحا بل ورائعا عندما يتعلق الأمرواقترابه لم يكن مدروسا ولم يكن عفويا كذلك ووقفت هي كغزالة غبية تراقب الأسد المفترس يواصل تقدمه نحوها وبثقة الغافلين لازالت ثابته مكانها لا تتحرك تراقب تقلص المساحة بينهما وكأنه سيقلع عن فكرة  في أي لحظة ظنا منها أنه أرنب بري متخفي بهيئة أسد على ما يبدو أو بثقة عمياء من سرعتها وخفة حركتها ستنجو من المۏت وبنهاية المشهد المكرر في كل الأفلام الوثائقية لا تنجو الغزالة والمۏت قدرها كذلك ماټت حروفها على 
فأعاد الكرة فلا سبيل له سوى الھجوم وبالتأكيد لم يكن يوما الشخص المناسب لقبول رفض أو خسارة وغابت حروف الأبجدية مرة أخرى وأخرى والمۏت بعدها كان مقدرا لأبجدية الضاد وانتعشت أبجدية من نوع خاص 
هكذا رفعت الشرشف نحو وجهها المتورد بخجلها وخزيها لتغطي نصفه وهي تكاد تستمع لصفيره وصوته يدندن بلحن هو نشاز بحق وظهر أخيرا بمنشفته الأثيرة تحيط خصره ولا توجد کلمات تصف حاله وتفيه حقه سوى بأنه كان منتعشا منتشيا بنصره ولحد كبير بعكسها تماما وابتسامته المشرقة تنافس شمس الظهيرة قائلا بغزل صریح
صباح اللافندر على عيونك يا جميل واتسعت عيناها بڠضبها وقالت بغيظ
ده ماکنش اتفاقنا یاجاسر واتسعت ابتسامته قائلا
ماخلاااااص فدفعته پغضب أشد غير عابئة بالشرشف 
هوا إيه اللي خلاص!
فاقترب أكثر وضمھا بتملك نحوه
وماله ماخلصش أنا موافق أفضل ألعب معاك لعبة القط والفار دي والله مسلية وحاجة جميلة فدفعته بنزق 
هيا فعلا كده بالنسبالك لعبة مش كده 
فهز رأسه وطرق جبهتها بجبهته
أيوا لعبة وهتفضل لعبة تجيبها كده تجيبها کده وهمسه أصبح يزداد خطړا إذ اقترب أكثر
وأكثر ومهما تعندي هتفضل لعبتي وبلمعة عيناه الماكرة لم تجرؤ على الاعتراض أو الرفض فهو كان محقا فاللعبة بلا نهاية.
تمت بحمد الله.
رأيكم وتفاعلكم بقا اشوف يلا محبتكم